نشاهد في هذا العصر هجوماً تشويهياً عاتياً ومنظّماً على تعاليم الإسلام وذلك مِن زمرة القسس المنصِّرين والذين يتفقون معهم في تبرير هذا الهجوم على الدين كداعش وإخوانهم، فتراهم يُقدّمون الآيات من القرآن الكريم كمشرّع للجرائم ضد الإنسانية وإكراه غير المسلمين على الإسلام أو القتل والتنكيل ومصادرة أملاكهم وحقوقهم، فلا تجد عملاً إجرامياً أساسه الإكراه وإجبار الناس على الإسلام إلا وقد اعتلته آية من القرآن المجيد كقانون تشريعي لهذه الأعمال الوحشية البشعة التي تصب في بوتقة واحدة نتيجتها تشويه الدين والإساءة إلى خاتم النبيين صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم. لقد صار غصب الأموال والإجبار يتم بذريعة أخذ الجزية، وصار ذبح غير المسلمين بل والمسلمين المختلفين في الفكر والمذهب يتمّ بذريعة “واقتلوهم حيث وجدتموهم” وأنَّ العلماء هم الذين أفتوا بذلك، فيردّ المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بطل الإسلام مبدّداً ذلك كله:

فَلْيَكُن واضحاً أنّه لم تكن حروب الإسلام كما يغزو مَلِكٌ قَويٌّ قوماً ضعيفاً ويقتلهم بلا هوادة، بل حقيقتها أنّه عندما ظَلَّ نبيُّ الله المقدس ﷺ وأتباعه يتحملون الأذى على يد المعارضين إلى مدة طويلة حتى قُتل كثير منهم، وأُهلك كثير منهم بأشنع أنواع التعذيب حتى خططوا لقتل نبيّنا الأكرم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أيضا، وحملوا كل هذه الإنتصارات على أن أوثانهم آلـهة صادقة، ولم يتركوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم في سلام بعد هجرته أيضا بل جاءوا للقتال قاطعين مسافة ثمانية منازل، عندها أُمر المسلمون بالقتال درءاً لهجومهم ولتأمين الذين كانوا في أيديهم كالأسرى، وإثبات زيف الآلـهة التي حُملت الفتوحات السابقة على تأييدها، كما يقول الله سبحانه وتعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} الأنفال: 31، ثم يقول: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ ….} النساء: 76. ثم يقول: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} البقرة: 191. ثم يقول: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} البقرة: 218. ثم يقول: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} البقرة: 252. ثم يقول: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} النحل: 127. ثم يقول: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} الْأَحْزَابِ: 11. ثم يقول: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا} آل عمران: 100. ثم يقول: {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} التوبة: 13.

… وإذا قيل بأنه مهما آذى الكفار كان من واجبه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أن يتمسك بأهداب الصبر. فجوابه أن الكفار كانوا ينسبون انتصاراتهم إلى تأييد أصنامهم، اللات والعُزّى، كما نجد القرآن الكريم زاخراً بهذا الذِكر، مع أن ذلك الزمن كان زمن المهلة فقط، لذا فقد أراد اللهُ ﷻ أن يُثبت أنّه كما تعجز أوثانُهم عن مواجهة القرآن الكريم كذلك هي عاجزة عن نصرتهم وإفلاحهم بواسطة السيف أيضا. فكافة الهجمات التي شُنّت عليهم في الإسلام كان هدفها الأول هو إثبات عجز أوثان الكفار، وما كانت تهدف على الإطلاق إلى أن يُدخَل الناس في الإسلام بالتهديد بالقتل. بل الحق أنهم كانوا قد استحقوا القتل سلفاً نتيجة جرائمهم المتنوعة وسفكهم الدماء. وكان من أنواع الصفح والتخفيف التي أبداها الربُّ الرحيم تجاههم أنه لو وُفِّقَ أحدُهم للإسلام لنَجا. أين الإكراه في ذلك ؟ بل قد صدرت الفتوى بقتل العرب نتيجة جرائمهم السابقة. ومع ذلك كان خُفِّف عنهم ألّا يُقْتَل أولادهم ولا شيوخهم ولا نساؤهم، والّا يُقتَلوا هُم أنفسهم أيضا في حالة إيمانهم.

… قلتُ من قبل بأن الجهاد يهدف فقط إلى إرساء دعائم الأمن وكسر شأن الأوثان ودرء الهجوم المعادي. … (أما) الآية: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} التوبة 29 … وأي جبر أو إكراه يثبت منها؟ إنَّ معناها واضح جلي، أيْ حاربوا -غير المؤمنين من أهل الكتاب- أولئك الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ما لم يؤدّوا الجزية عن يد وهم صاغرون، أي الذين هم متورطون في الفسق والفجور عمليا ولا يحرّمون الحرام ولا يختارون سبل الصدق والحق. لاحِظْ الآن ماذا يثبت من هنا، لا يثبت من هذه الآية إلا أن الذين يصدون عن الحق تمردا ويهاجمونكم بغير حق أن تقاتلوهم وتنجّوا منهم الذين يبتغون دين الحق. أين يثبت من ذلك أن الحرب اندلعت دون أن يسبق هؤلاء القوم بشن الهجوم؟ لا بد من النظر إلى سلسلة الحروب. وإن لم تتأمل في سلسلتها لوقعتَ في أخطاء فادحة عمدا أو سهوا. الحقيقة أن الكفار خططوا أولاً لقتل نبينا الأكرم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، ثم أخرجوه من مكة في نهاية المطاف نتيجة صولاتهم، ثم لاحقوه. وحين تجاوزت المعاناة حدودها كان الأمر الأول الذي نزل للقتال هو: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚوَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} الحج: 40-41. هذه هي الآية الأولى التي بدأت بها سلسلة الحروب. وحين لم يرتدع الأعداء من القتال أنزل الله تعالى آية ثانية فقال: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} البقرة: 191. ثم قال: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ} البقرة 192. وقال أيضا: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} البقرة 193. أيْ قاتلوهم حتى يخمد تمردهم وتزول العراقيل في سبيل الدين، ويكون الحكم لدين الله. ثم قال: {قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ۗ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} البقرة 218. أيْ أن القتال في الشهر الحرام إثم ولكن الصد عن سبيل الله والكفر وإخراج عباد الله الصالحين من المسجد الحرام إثم أكبر. وأن التمرد أي الإخلال بالأمن إثم أكبر من القتل. ولن يزال هؤلاء الناس يقاتلونكم ليصرفوكم عن الدين الحق إن استطاعوا. ثم قال تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْض} البقرة 252. أي لو لم يدفع الله شرّ بعضٍ بتأييد بعض آخرين لفسدت الأرض. ثم يقول: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ۖ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِين} النحل 127. ثم يقول بُغية بيان ذنب أهل الكتاب: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا} آل عمران: 100. فلهذا السبب اضطر المسلمون إلى قتال أهل الكتاب لأنهم عرقلوا سبيل دعوة الحق، ونصروا الشرك، وأرادوا أن يقضوا على الإسلام متكاتفين معهم. كما ورد هذا الذكر مفصلاً في القرآن الكريم. فما كانت في اليد حيلة إلا القتال ودفع الهجوم، ومع ذلك لم يأمر الله عزَّ وجل بقتلهم بل قال: {حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} التوبة 29… وقال بصراحة تامة بأن الإسلام لم يبدأ بالقتال قط، كما يقول تعالى: {وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} التوبة: 13. أي أن العدو هو الذي بدأ بالقتال. ثم حين شنّوا الحرب أولاً وأخرجوا من الوطن، وقتلوا مئات الأبرياء، ولاحقوا وروّجوا لانتصار أوثانهم فأي سبيل كان أقرب إلى الحق والحكمة سوى ملاحقتهم؟ … لقد بدأ الكفارُ بإيذاء المؤمنين مئات أنواع الإيذاءات، قتلوهم، نفَوهم من الوطن، ثم لاحقوهم. وحين تجاوز الظلم الحدود، واستحقت جرائُمهم العقوبة في نظر الله تعالى أنزل الله تعالى الوحي فقال: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} الحج: 40. أي الآن يسمح اللهُ تعالى للمسلمين الذين ظُلموا وخُطِّطَ لقتلهم ليتصدوا. فلما استحق العرب القصاص -بناء على سفكهم الدماء من قبل بغير حق، ونتيجة قتلهم المسلمين بأشنع الطرق- وصاروا جديرين بأن يُقتَلوا كما قتلوا الأبرياَء بغير حق وبأشد أنواع التعذيب، وأن يُعاَملوا كما عاملوا بجعلهم الأبرياء عرضة للدمار بإخراجهم من أوطانهم، وسلب أموالهم وعقاراتهم، ونهب بيوتهم. ولكن الله تعالى صفح عنهم وخفّف عنهم كثيرا رحمة منه وقال ألّا يُقتل أولادهم ولا نساؤهم، وخفف عليهم أيضا أنه لو آمن أحدهم قبل القتل لرُفع عنه العقاب الذي كان يستحقه بسبب جرائمه السابقة وسفك الدماء. والقرآن الكريم زاخر بهذا البيان كما تصرح بذلك الآية التي قدّمتها. وتقول الآية التي تليها: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} الحج: 40-41. وأُقدّم آية أخرى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} الأنفال 40. أي اقتلوا مشركي العرب هؤلاء حتى لا تكون فتنة … ويكون الدين أي الحكم لله. كيف يثبت الجبر من هذه الآيات؟ ما يثبت منها هو أن قاتلوهم إلى أن تُكسر قوتهم، ويخمد الشر والفساد، حتى يستطيع الناس الذين أسلموا في الخفاء أن يمارسوا أحكام الإسلام علنا أيضا. إذا كان الله تعالى يريد الإكراه على الإيمان … لما أجاز الجزية والصلح والمعاهدات، ولما أُذن لليهود والنصارى أن يأمنوا بأداء الجزية ويعيشوا بسلام وأمان في كنف المسلمين.

لقد شرح (أي القس) .. كلمة “مأمنه” شرحاً خاطئاً. الآية تعني أنه إذا أراد مشركٌ أن يسمع القرآن الكريم فقدّموا له الأمان. فليسمع كلام الله إلى ما شاء ثم أبلغوه مأمنه. ثم تقول الآية المشار إليها: {ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ} التوبة: 6. أي أن سبب هذا الصفح والتخفيف هو أنهم لا يعلمون الحقيقة. … ألا تعلم أن الكلمات الواردة في كلام الله هي: {ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} التوبة: 6. وتحريف الكلمات الواضحة والبينة والبسيطة كهذه، والقول بأن المراد منها هو إبلاغه مكاناً لا يسعه الفرار منه بل يبقى في قبضة المسلمين من أشنع أنواع قتل الحقيقة البديهية. ثم … آية أخرى ورد فيها أمر القتال بعد مرور أربعة أشهر … هذا الأمر يتعلق بالمجرمين الذين نقضوا العهود كما يقول تعالى: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۖ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} التوبة: 7. أيْ لا اعتبار لقولهم وإقرارهم بعد أن نقضوا العهود. ثم يقول تعالى: {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ} التوبة: 10. ويقول أيضا: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ۙإِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ * أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} التوبة: 12-13. كل عاقل يستطيع أن يفهم بسهولة بالتأمل في الآيات المذكورة آنفا بأنه لا مجال فيها للإكراه، بل استحق مشركو العرب بحسب قانون موسى في الجهاد -نتيجة إيذائهم وسفك الدماء إلى هذا الحد إذ قتلوا المسلمين والمسلمات وأولادهم دون هوادة- أن تُقتَل نساؤهم وأولادهم وتُسفك دماء شبابهم وشيوخهم، ويُنفُوا من أوطانهم وتُحرَق مدنهم وقراهم. ولكن نبينا الأكرم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لم يفعل ذلك مع انهم كانوا يستحقون القتل بسبب سفكهم الدماء دون هوادة، بل سامحهم وخفف عنهم إلى درجة أنه إذا أسلمَ أحدهم طوعاً أمِن. … (إنَّ) الدين الذي قال: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} وَقَبِلَ الصلح، وأعطى الأمان مقابل أداء الجزية، مَن له أن يعتبره جابرا؟” (الحرب المقدسة)

فاعلموا أنَّ فَهْمَ علماء الإسلام -الذين يُدعَون مشايخ في العصر الراهن- مسألةَ الجهاد وعَرْضِهم إياها أمام الناس ليس صحيحا على الإطلاق، ولا يؤدي إلى أي نتيجة إلا أن يزيدوا بخطبهم المثيرة العامّة المتوحشين همجيةً ووحشية، ويجردوهم من جميع خصال الإنسانية الطيبة. فهكذا حدث على أرض الواقع. وأعلم يقينا أن دماءً كثيرة تسفك بظلم على أيدي الأغبياء الذين يتبعون أهواءهم النفسانية ويجهلون السر وراء احتياج الإسلام في صدره إلى خوض الحروب، وذنب كلٌّ هذه الدماء في عنق المشايخ الذين يعلّمون سرّاً هذه المسائل التي تؤدي إلى سفك الدماء المرير والقتل الرهيب. … لا نجدُ بُدّاً من الكتابة متأسفين أن هؤلاء المشايخ الأغبياء قد علّموا الناس طرق النهب والغصب وقتل البشر وسمّوها جهادا، وذلك بإخفاء المغزى الحقيقي للجهاد، ومن ناحية ثانية قد قام السادة القساوسة أيضا بهذه الأعمال نفسها حيث نشروا آلاف الإعلانات والكتيبات باللغة الأردية والبشتوية وغيرها من اللغات … تفيد بأن الإسلام قد انتشر بحد السيف، وأن استخدام السيف هو جوهر الإسلام، فازداد الناس ثورةً ووحشية بالعثور على شهادتين على الجهاد؛ إحداهما للمشايخ والثانية للقساوسة!” (الحكومة الإنكليزية والجهاد)

ويلخّص حضرته الأمر كما يلي:

وجملة القول أنْ لا إكراه في الإسلام، وأن الحروب الإسلامية لا تخرج عن ثلاثة أقسام: الدفاعية، أي دفاعاً عن النفس. القصاصية، أي عقابا لمن يسفك الدماء. التحريرية، أي توطيداً للحرية الدينية، وكسراً لشوكِة القوى العدوانية التي كانت تقتل المسلمين بسبب إسلامهم.” (المسيح الناصري في الهند)

هكذا أرسى المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام قواعد السَلام وأظهر وجه الإسلام الحقيقي بالدليل النقلي والعقلي معاً فقضى على الفكر التشويهي للإسلام سواء الذي ينشره القسس المتعصبون أو الدواعش المتوحشون قضاء مبرماً لا عودة منه بإذن الله تعالى.

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

مُسْلِم لله

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد