هل فرض الله الجزية على أهل الكتاب؟
يقول الله تعالى
{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (التوبة 29)
يُظَنُّ خطأ أن هذه الآية تأمر بفرض الجزية على أهل الكتاب دائما وفي كل ظرف.
والواقع أن هذه الآية تتحدث عن فئة من أهل الكتاب، بل عن فئة من المعتدين منهم، بل وفي نوع معين من العدوان؛ وهو الحرب الدينية التي يشنها أهل الكتاب على المسلمين للقضاء عليهم وإذلالهم. وهذا ما نستشفه من الآية، وما يتوافق تماما مع السنة العملية للنبي صلى الله عليه وسلم في تعامله مع أهل الكتاب.
الآية لا تأمر بمقاتلة أهل الكتاب
فبالنظر في هذه الآية نجد ما يلي:
1- الآية تأمر بمقاتلة أهل الكتاب أولا، ثم فرض الجزية عليهم بعد هزيمتهم أو عند استسلامهم. إذن هي تُفرض على المقاتلين منهم لا عليهم كلهم. وبالتالي فهي لا تُفرض على مَن لا يقاتلون المسلمين، وكذلك لا تُفرض على مواطنين مسالمين في بلاد غالبيتها من المسلمين.
2- هؤلاء المقاتلون هم معتدون أصلا، وهم البادئون بالقتال. فالإسلام يمنع المسلمين من العدوان، ويأمرهم بالدفاع مقابل الذين يبدأونهم بالقتال: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (البقرة 191). إذن، لا يحق للمسلمين أن يبدأوهم بالقتال إن كانوا مسالمين، وإن حصل هذا فهو العدوان بعينه الذي يكرهه الله تعالى. أما إذا شن المسلمون الحرب أو هددوا بها لأجل فرض الجزية فهذا عدوان أكبر!
3- فرْض الجزية عليهم وهم صاغرون هو عقوبة، والعقوبة تكون على جريمة سبقتها، وتشير هذه الآية إلى هذه الجريمة؛ وهي باختصار العدوان وما يرتبط به من احكام وحشية عدوانية عندهم، وردت في كتابهم وافتراها هؤلاء على الله ونسبوها إليه، والتي أدناها عندهم فرض الجزية إذلالا على من يستبقونهم من الأقوام الأخرى ويستبعدونهم. فهم لا يؤمنون بالله حق الإيمان ولا يؤمنون بعقابه في الآخرة، لذلك يفترون عليه بالادعاء أنه يأمرهم بالعدوان والإجرام والمجازر الجماعية والاسترقاق وإذلال الشعوب ثم فرض الجزية عليهم. ثم هم لا يحرِّمون هذه الأفعال الإجرامية التي نسبوها إلى الله تعالى بينما يحرِّمها الله ورسوله، وهم لا يدينون دين الحق بعد تحريفهم وإدخالهم هذه العقائد والممارسات في كتابهم؛ وليس المقصود بتاتا من هذه الآية أنهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق كمثلكم، فهذا مفروغ منه. فهؤلاء يستحقون العقاب على هذا بفرض الجزية عليهم – والتي هي في الأصل حكمهم التي وردت في كتابهم 31 مرة، 22 في العهد القديم و9 في الجديد- ليتجرعوا من نفس الكأس الذي كانوا يريدون تجريعه إياكم.
4- أما إذا حاربوكم لسبب آخر، ليس باسم الدين، ولم يعودوا يؤمنون بهذه العقائد التي جاءت في كتابهم، ولم تصبح الجزية حكما من أحكامهم، فهؤلاء لا جزية عليهم أيضا إن هزموا، لأن شرط الحرب الدينية – التي تنطلق من عقائد وممارسات ومبررات منسوبة إلى الدين- هو الذي يبيح فرض الجزية عليهم.
هل تطبق الجزية في هذا العصر؟
وهكذا، فلم يبق تطبيق للجزية في هذا العصر، لأن الحروب الدينية زالت، وأصبح للعدوان مبررات أخرى، ولم يعد أهل الكتاب يطبقون الجزية على غيرهم. بل لم يعودوا أهل كتاب أصلا، بل أصبحت أديانهم ليست سوى ثقافة وتراث عندهم، وغالبيتهم ملحدون هم بأنفسهم يستهزئون من الكتاب المقدس ويتبرأون منه.
أما لو عادت هذه الحروب الدينية وهذه الممارسات جدلا، وتحققت الشروط التي تذكرها الآية، فعندها تعود الجزية، ولكن هذا العصر هو العصر الموعود التي وضعت فيه الحروب الدينية أوزارها، وتغير طابع الهجوم على الإسلام من العدوان العسكري إلى العدوان بالحجج والشبهات، وهذا يقتضي ردا يناسب طبيعة العدوان، وذلك بالحجج النقية الناصعة والبراهين الساطعة التي تبدد هذه الشبهات وتزيلها.
تكتب حضرتك:
“بل لم يعودوا أهل كتاب أصلا، بل أصبحت أديانهم ليست سوى ثقافة وتراث عندهم، وغالبيتهم ملحدون هم بأنفسهم يستهزئون من الكتاب المقدس ويتبرأون منه”.
نعم هناك الكثير من غير المؤمنين بدينهم عند النصارى. ولكن قبل كتابة هذه الجمل من الافضل دراسة احصاء النصارى بطريقة اكثر حرفية. لمعلوماتك الولايات المتحدة مليئة بعشرات الملايين ممن يعتبرون انفسهم متدينين او مؤمنين. مثال على ذلك الانجيليين المتوغلين في جميع بقاع الارض. دول شرق اسيا مليئة بالنصارى الكاثوليك المؤمنين.
والكثير ممن اعتبرتهم ملحدين منهم لا يهون عليهم دينهم لو رأوه مهزوما او عند رؤية اعداد من النصارى ينضمون للاسلام.