رغم الكمِّ الهائل من الأدلة على أن الإسلام قد أرسى الحرية الدينية وطبقها في أروع صورة، بل ووضع قاعدة:
{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (البقرة 257)
ورغم الأدلة القاطعة على أنه لم يفرض القتال إلا لرد العدوان، واعتباره أن القتال لغير رد العدوان إنما هو عدوان لا يحبه الله ولا يحب مرتكبيه، كما يقول تعالى:
{ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } (البقرة 191)
وأن القتال لا يستهدف نشر الإسلام ولا معاقبة الكافرين على كفرهم أو القضاء عليهم، ورغم أن الإذن بالقتال لم يُعطَ للمسلمين أصلا إلا بسبب أنهم قوتلوا واعتُدي عليهم، وإلا لإرساء الحرية الدينية للأديان الأخرى قبل المسلمين، بحيث ينبغي حماية الصوامع والبيع ودور العبادة لمختلف الأديان قبل المساجد، كما يقول تعالى:
{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } (الحج 40-41)
إلا أننا نجد معارضي الإسلام يدَّعون أن الإسلام يأمر بقتال الناس كافة، ويريد أن ينتشر بالقوة!
هؤلاء يدَّعون أن القرآن الكريم يصرِّح بهذا، ويقدمون العديد من الآيات القرآنية مستدلين بها – محاولين إغفال أن هذه الآيات تتحدث عن المعتدين من ناقضي العهود من المشركين الذين اعتدوا على المسلمين أو يستعدون للاعتداء عليهم – كقوله تعالى:
{فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} (التوبة 5)
{وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} (البقرة 192)
{وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} (التوبة 36)
كما ويستدلون بالحديث أيضا قائلين:
{أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ} (صحيح البخاري، كتاب الإيمان)
متناسين أن هذا الحديث إنما جاء في سياق أن “النَّاسَ” فيه ليسوا كلَّ الناس، وإنما هم فئة المشركين المعتدين على الإسلام سلفا، وأن هذا الحديث يبين أن باب العفو عنهم وعن جرائمهم مفتوح إذا ما أسلموا؛ هذا من ناحية.
أما من ناحية أخرى فإن هذا الحديث يبين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستجيب للمشركين فيما لو طلبوا السلم أو أعلنوا الإسلام وادعوا تطبيقه، حتى وإن كانوا كاذبين أو مخادعين، ويترك “حسابهم على الله”، وهذا الحديث تطبيق لقوله تعالى:
{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ } (الأَنْفال 62-63)
وهذا الحديث كان ردا على المسلمين الذين يخشون من خداعهم.
هم يتناسون كل هذا، ويسوقون أيضا عددا كبيرا من الآيات المنزوعة من سياقها النصِّي أو الموضوعي أو التاريخي، مدَّعين أن هذا ما يقوله الإسلام!
فهل يمكن لعاقل منصف أن يقبل قولهم؟
وبالطريقة نفسها نجد معارضي الجماعة الإسلامية الأحمدية يتصرفون ويتلاعبون محاولين خداع الناس. ولا عجب في ذلك، فهذه الجماعة هي النشأة الثانية للإسلام، وجماعة الآخرين الملحقة بالأولين، ولا بد أن تجري عليها السنة نفسها. وليس هذا فحسب، بل نجد هؤلاء المعارضين يكررون الاعتراضات التاريخية ضد الإسلام بصورة مطابقة تماما. وهذا الأمر بحدِّ ذاته دليل على صدق هذه الجماعة.
لا بد للمنصف أن يعود إلى الجماعة ليعرف منها موقفها، وليس من معارضيها، فهؤلاء يقبضون قبضة من أثر الرسول وينبذونها، وكذلك تسوِّل لهم أنفسهم. ولكن الله تعالى لهم بالمرصاد، وسيرتد كذبهم وزورهم عليهم، وصدق الله تعالى إذ قال:
{إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ}
(غافر 29)