إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ  – الأنفال الآية: 13

اختلف المفسرون حول معنى فاضربوا فوق الأعناق فمنهم من رأى أن الأمر منوط بالملائكة ومنهم من رأى أنه موجه للمسلمين في القتال كما ذهب البعض إلى القول بأن (فَوْقَ) هي كلمة زائدة، وهكذا لم يتفقوا على معنى هذه الآية المباركة. إن كلمة (فَوْقَ) لا يمكن أن تكون زائدة حاشا لله تعالى بل هي المفتاح لفهم الآية. لعل الاتفاق بينهم انعقد نسبياً على أن المقصود بالضرب فوق الأعناق هو حز الرقاب وقطع الرؤوس والبنان هو قطع الأرجل والأيدي وما شابه، وهو صحيح ولكن ليس كما يظن المتطرفون حيث (فَوْقَ) لا تعني الشيء نفسه وهو العنق بل ما فوقه وهو الرأس أي ما يكون فوق الشيء كما في قوله تعالى: {فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ} ولا تعني اثنتين بل ما فوقها.

يتضح من ذلك أن الرأس هو المقصود بالضرب، وكذلك الرأس في الجيش هو القائد المسؤول أو الإمام كما في قوله تعالى:

{فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ۙ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ} – التوبة الآية: 12

فهذه الاية ليست أمراً وحشياً بقطع الرؤوس والأيدي كما يزعم أعداء الإسلام أو كما تفعل الجماعات الإرهابية بل هو تعبير يعني البسالة والشجاعة في مواجهة العدو المعتدي وعدم الفرار، حيث الحرب للمقاتلين لا تعني إلا القتل أو الشهادة أو الأسر، وليس هنالك حل آخر.

كذلك المعنى الآخر المقبول للآية وهو قطع الرأس أي رأس الجيش عن الجنود في الحقيقة ينطوي هذا الأمر على رحمة كبرى وحرص شديد على أرواح أولئك المعتدين ودعوة لتقليل ضحايا الحرب من جيش الكفر.

إنَّ من يتدبّر الآية سيتضح له بشكل قاطع أن المقصود في الآية هو الشجاعة وعدم التولي عند الزحف والمواجهة وكذلك فصل رؤوس جيش الكفر وقادته المؤجّجين للناس ضد دعوة الحق والداعين لمحاربته والقضاء عليه وتجريد كيان الكفر من أسلحته (بكافة أشكالها) بفصله عن وسائل الدمار وإزالة أسباب ووسائل عدائهم لدعوة الحق.

كل ذلك غرضه حقن الدماء وقطع دابر الكفر.

فالآية لا تعلمنا كيفية هزم العدو والانتصار عَلَيْهِ استراتيجياً وإنما تحث المقاتلين المسلمين على الشجاعة في الحرب لمنع العدوان وكذلك تحث على منع أكبر عدد ممكن من القتلى في صفوف جيش العدو بلا داعي إن أمكن ذلك وكان سبباً لإيقاف العدوان رحمة بهم، فعندما يقاتل المسلم لقضيته العادلة فهو يساهم في إرساء العذل وكذلك يعمد المقاتل المسلم إلى فصل رأس الجيش (قادته) و يده (إمداداته وإلخ) عن مقاتليه، فإن القتال حتماً سينتهي ويتوقف وتُحقَن دماء العشرات أو المئات وربما الآلاف.

وهذا ما حدث فعلاً في بدر حيث أن أغلب القتلى كانوا من رؤوس الكفر وأشدّ المحاربين للإسلام.

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

 

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد