السؤال

هل يصح استخدام لفظ (غزوة) للمعارك التي خاضها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم والصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم ؟ يقول بعض الناس بأنه لا يجوز استخدام غزوة بل اختيار مصطلح آخر لأنها لا تليق بالإسلام ولم ترد في القُرآن الكَرِيم بل استخدم لفظ أيام الله بدلاً عنها.

الجواب

ترد أحياناً عبارة (غزو) و(غزوة) في التراث الإسلامي، فيظنّ البعض بأن معناها العدوان على الأبرياء مما يرونه لا ينسجم مع تعاليم الإسلام، ولكن الحقيقة هي أنَّ هذه العبارة لا تعني العدوان مطلقاً بل العكس في المصطلح الإسلامي، إِذْ تعني السير لمواجهة العدو، أي أنها تأتي بمعنى مواجهة العدوان وليس العدوان نفسه، وهذا ما تُعرّفه قواميس اللغة:

غَزو: 1- مصدر غزا. 2- هو السير إلى العدو ومحاربته وقتاله في دياره.” (المعجم الرائد)

وكذلك من معاني الغزو:

غَزَا [غ ز و]. (فعل : ثلاثي لازم متعد بحرف). غَزَوْتُ، أَغْزُو، اُغْزُ، مصدر غَزْوٌ.

1 .”غَزَا الشَّيْءَ” : أَرَادَهُ وَطَلَبَهُ. “غَزَوْتُ بِقَوْلِي إِرْشَادَكَ” “غَزَا إِلَيْهِ”.

2 .”غَزَا بِأَعَزِّ النَّاسِ إِلَيْهِ” : اِخْتَصَّهُ مِنْ بَيْنِ أَصْدِقَائِهِ.

3 .”فَهِمْتُ مَا يَغْزُو مِنْ كَلاَمِهِ” : مَا يُريدُ بِهِ وَيَهْدِفُ إِلَيْهِ.

4 .”غَزَتِ البَضَائِعُ الأَجْنَبِيَّةُ الأَسْوَاقَ الْمَحَلِّيَّةَ” : تَدَفَّقَتْ عَلَيْهَا، اِكْتَسَحَتْهَا.” (المعجم الغني)

ذكرالغزو في القرآن الكريم

أما عن يوم حنين والأيام فَلَمْ يرد لفظ الغزوة لأن اليوم هنا هو المقصود أي ما حدث في ذلك الوقت واليوم يشير إلى الزمن ولا محل للمعركة أو الحرب أو الغزوة في سياق الآية. والأهم في المسألة قوله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ

فالله تعالى يصف المنافقين الذين يقولون عن المؤمنين الذين يخرجون للجهاد والغزو في سبيل الله تعالى لو قعدوا عن ذلك ما ماتوا وما قُتلوا. فالغزو بلا ريب مذكور في القُرآن الكَرِيم إشارة للجهاد وردّ العدوان.

وقد ورد (غزو) أيضاً في الأحاديث الشريفة، على سبيل المثال:

حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ قَالَ حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا».” (متفق عليه)

وقد استخدم الْمَسِيحُ الموعودُ عَلَيهِ السَلام أيضاً عبارة (غزو) و(غزوة)، على سبيل المثال قوله عَلَيهِ السَلام:

غاية غزوات النبي ﷺ. فما كانت غزوات النبي ﷺ تهدف إلى قتل الناس بدون داعٍ، وإنما لأن الظالمين أخرجوه وأصحابه من ديار آبائهم، وقتلوا الكثيرَ من رجال المسلمين ونسائهم بدون جريمة، ومع ذلك كانوا لا يكفّون عن الظلم، وكانوا يمنعون تعاليم الإسلام من الانتشار.. لذلك اقتضى القانون الرباني لحفظ الأمن أن يحفظ المظلومين من الفناء، فتم القتال بالسيف ضد من شهروا السيف. فلم تكن حروبه ﷺ إلا قمعاً لفتنة القتلة السفاكين.. ودفعاً لشرهم عن المظلومين. ولقد قامت الحرب حين كان الظالمون يبغون القضاء على أهل الحق. ولو لم يتخذ الإسلام حينئذ تلك الوسائل حفاظاً على النفس، لهلك آلاف الأبرياء من أطفال ونساء بغير حق.. ولقُضي على الإسلام.” (فلسفة تعاليم الاسلام)

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد