الخطاب الافتتاحي
الذي ألقاه أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز
الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام
يوم 3/08/2018
في حديقة المهدي، محافظة سري ببريطانيا بمناسبة الجلسة السنوية
*****
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين، آمين.
(أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) (النمل: 62)
لقد قال سيدنا المسيح الموعود ؏ في موضع: إن أمْرَنا كله على يتوقف الدعاء فقط. والدعاء هو السلاح الوحيد الذي به يمكن أن ينال المؤمن النجاح والفلاح في كل مجال. لقد أوصى الله تعالى المؤمنين بالمداومة على الدعاء بل يظل ينتظر الدعاء. (أي أن الله ﷻ ينتظر أن يدعوه الإنسان).
ثم قال حضرته في موضع آخر: لقد أتى العصر الذي لا يوظَّف فيه العدل والأمانة، وقليلون من تفيدهم الأدلةُ، وإلا لا يُعبأ بالأدلة، لذا إنني أؤمن بأن الفتح الأخير سيتحقق بالدعاء حصرا.
ثم قال حضرته ؏: كل هذه الأهداف التي نريد تحقيقها يمكن تحقيقها بالدعاء فقط. لقد أودع الله الدعاءَ قوى عظيمة. لقد قال الله تعالى لي مرارا في الإلهامات أن كل شيء سيتم بالدعاء فقط. إن سلاحنا هو الدعاء حصرا وليس عندي سلاح سواه. عندما ستبلغ أدعيتنا نقطة معينة سيهلك الكاذبون تلقائيا.
لقد أوصى حضرته أبناء جماعته مرارا وتكرارا بأن يتحلَّوا بالتقوى، وينشئوا العلاقة بالله ﷻ ويعيروا الدعاء اهتماما كبيرا، فهذا هو الأمر الأساسي الذي يجب أن نضعه في الحسبان كل حين وآن، فثمة حاجة ماسة إلى الاهتمام البالغ بالدعاء ورفْع معاييره.
فلا يخطرنَّ ببال أي أحمدي أبدا أن علينا أن نردّ على اضطهاد أهل الدنيا وأذاهم بالطرق المادية. فإذا اتخذنا هذه السبل يوما ما فسنكون مخالفي التعليم الذي أعطاناه المسيح الموعود ؏، وليس ذلك فحسب، بل سوف نَحرم أنفسنا من أفضال الله ﷻ أيضا، ولن نتمكن أبدا من نيل الأهداف التي وُعد بها المسيح الموعود ؏، إضافة إلى انضمامنا إلى فئة تعيث في الأرض فسادا وتدمر سلام العالم وسكونَهن لأنه بذلك ستبدأ سلسلة الانتقام التي لن تنقطع. إلا أنه كما ورد في الحديث التوجيه بعقْل الناقة، نستخدم الوسائل المادية أيضا ضمن نطاق القانون وينبغي علينا هذا. وهذا الأمر يطابق مشيئة الله ورسولِه، إلا أن اعتمادنا الكلي وتوكُّلَنا كلَّه على الله ﷻ وحده. ومن أجل ذلك إذا فحصنا أنفسنا، في ضوء قول المسيح الموعود ؏: عندما ستبلغ أدعيتنا نقطة معينة فسوف يهلك الكاذبون تلقائيا، فسوف يتبين لنا تلقائيا إلى أي حد اقتربت أدعيتنا من تلك النقطة المعينة التي ذكرها الله ﷻ في الآية التي تلوتها آنفا التي تتسبب في خلق الانقلاب.
فقد قال الله ﷻ أنه يتقبل دعاء المضطر. وسمعتم في الترجمة أن الله يجيب دعاء المضطرب. كثيرون يقولون: إننا ندعو الله باضطراب كبير، ومع ذلك لا تظهر النتائج التي يجب أن تظهر. أفنصدِّق قول هؤلاء؟! كلا فمن المؤكد أن كلام الناس هذا باطل وأن ما قال الله ﷻ حق. لذا ثمة حاجة إلى أن نستعرض أيَّ نوع من الاضطراب مطلوب. ومن أجل ذلك علينا أن ننظر ما هي معاني المضطر. فالمضطر من يرى نفسه محاطا بالمشاكل، ولا يرى أي طريق أو مخرج مادي للخروج منها. وفي هذه الحالة يتراءى له طريق وحيد يوصل إلى الله ﷻ. ويوقن بأنه لن ينجو إلا بالتوجه إلى الله ﷻ، إذ لم يبق له أي ملاذ سواه. فكأن المضطر من انقطعت كل سبله ووسائله، ولم يبق له أي مخرج. فحين يدعو الإنسان بهذا اليقين والاضطراب فإن الله يحقق كلامه بأنه يدفع الأذى والمشاكل. ثم هناك شرط أن يبقى الإنسان ملتصقا بالله بصبر ودوام.
وهذه الحالة والكيفية التي لا نرى فيها سوى الله تعالى، ولا يخطر ببالنا أن الوسائل المادية يمكن أن تحمينا وتعصمنا، كما لا يخطر ببالنا أن نعامل العدو كما يعاملنا باستخدام الأساليب المادية، بل نؤمن في مثل هذه الأوضاع أن الله ﷻ وحده الملجأ والمأوى لنا، قد بيَّن لنا النبي ﷺ الدعاء في هذه الحالة بكلمات: “لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك”. وقد شرح المصلح الموعود ؓ هذا الدعاء بروعة حيث قال: ربنا لا ملجأ من عذابك والابتلاءات القادمة من عندك إلا أن أندفع إليك بلهفة يائسا من كل مَن سواك. فحالة “لا ملجأ ولا منجى” هذه بتعبير آخر الاضطرار. فحين قال الله ﷻ في هذه الآية: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ) فإنما يعني أنه يجيب حتما دعاء مَن لا يَعُدّ أحدًا سوى الله ملجأً ومأوى ولا يعتبر أحدا منجيا له بحيث يؤمن أنه لن ينجيه أحد غير الله ﷻ. فالاضطرار لا يعني مجرد البكاء والضراعة. كما أن البكاء وحده ليس شرطا للإجابة، بل يجب أن يكون التوكل الكامل والاعتماد الكلي على الله ﷻ، والاضطرار هو شرط للإجابة. فمن الضروري أن نهيِّج رأفة الله ورحمته. فإن ما ورد في الحديث أن الله ﷻ قال مَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً، فيجب خلق هذه الحالة للإجابة، وثمة حاجة إلى المداومة على الدعاء. وبذلك يمكن تهييج رحمة الله ورأفته، حتى يأتينا ﷻ هرولة. وإذا حققنا هذه الحالة فلن يضرَّنا السياسيون أيما ضرر ولا العلماء المزعومون ولا المسؤولون الحكوميون الذين يخلقون لنا المشاكل في باكستان خاصة وفي بعض البلاد الأخرى أيضا، أو يضايقوننا أو يضيقون علينا الخناق. يقول سيدنا المسيح الموعود ؏ بيانا لموضوع إجابة الدعاء: إنه هو الإله القادر الذي يسمع دعاء المضطربين ولا يخيِّب آمال الآملين، ولا يضيِّع من يلجأ إليه. فله الحمد والجلال والعظمة، حين ينظر المرء إلى آياته يندهش وتغرورق عيناه.
ثم قال حضرته في موضع آخر: اعلموا أن الله تعالى غنيّ، ولا يبالي بأحد ما لم يُكثِر الدعاء باضطراب على الدوام. انظروا كيف يقلق الإنسان ويضطرب إذا مرضتْ زوجتُه أو ولدُه أو رُفعتْ ضده قضية خطيرة. ألا إن الدعاء الذي لا تصحبه لوعةٌ صادقة واضطرابٌ شديد يبقى عبثًا وبلا تأثير على الإطلاق. فالاضطراب شرط للاستجابة لقوله تعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ). ثم يقول حضرته ؏: حين يبلغ الإنسان- بقدم الإخلاص والتوحيد والحب والصدق والصفاء بالدوام على الدعاء- درجةَ الفناء يتجلى عليه ذلك الإله الحي الذي يخفى على الناس. فلسنا بحاجة إلى الدعاء لمجرد تحقيق مآربنا المادية فقط، بل الحقيقة أنه ليس بوسع أي إنسان الوصول إلى الله الحق ذي الجلال، الذي كثير من القلوب بعيدة عنه، بدون آيات القدرة التي تظهر بعد الدعاء.
فهذه هي حقيقة قول الله ﷻ عن إجابة الدعاء. وهذا هو الأسلوب لجعْل أوضاعنا ملائمة لإجابة الدعاء، وثمة حاجة إلى اتخاذ هذا الأسلوب على الدوام وجعْله جزءا لا يتجزأ من حياتنا.
فالجماعات الربانية تواجه فترات الامتحان والمشاكل والمصائب، وفي الوقت نفسه هناك وعْد من الله ﷻ أنه يخرج المؤمنين من هذه الحالة إثر دعائهم. فهو لا يفرج عنهم فحسب بل يجعلهم ورثة الأرض أيضا. نحن بحاجة إلى التقدم على درب الإيمان والإيقان، وثمة حاجة ماسة إلى أن نورد على أنفسنا حالة الاضطرار. فبقدر السرعة التي نحرز بها هذه الحالةَ من حيث الجماعة نرى العدو يَهلك ويتبخر في الهواء. بعض الأيام والأجواء تكون ملائمة لبعض الأمور، وأيام الجلسة هذه أيضا يجب أن تلفت أنظارنا إلى هذا الأمر وتسوقنا عمليا إلى خلق هذه الكيفية في أحوالنا، بحيث يجب أن يركز على الدعاء كلُّ صغير وكبير من الذكور والإناث، ونقضي أوقاتنا في الدعاء بدلا من إضاعته في لهو الحديث ونَشْغَل أنفسنا بذكر الله أثناء التجوال أيضا إضافة إلى الصلاة والنوافل. ونهتم بترديد أدعية القرآن والأدعية المسنونة وأدعية المسيح الموعود ؏. يجب أن نخلق في نفوسنا اضطرابا واضطرارا لكي نشاهد أفضال الله تنـزل سريعا وأكثر من ذي قبل. إن العدو يتباهى بقوته وكثرة عدده وسلطته، أما نحن فيجب علينا أن نجعل الله ﷻ وحده فقط الملجأ والمأوى لنا مخلصين له في هذه الظروف.
سأذكر الآن أمامكم بعض الأدعية، إذا كان بعضكم يحفظونها فعليهم أن يردّدوها إضافة إلى الأدعية الأخرى، والذين لا يحفظونها، رجالا كانوا أم نساء، عليهم أن يرددوا ما يحفظونه من الأدعية ويذكروا الله كثيرا ويُكثروا من الصلاة على النبي ﷺ أيضا، لأن الجماعة تواجه المعارضة والعداء في هذه الأيام، ولكن ما يؤلمنا أكثر من ذلك هو استهزاء أعداءِ الإسلام وأعمالهم الشريرة واستخدامهم كلماتٍ نابيةً في حق النبي الكريم ﷺ. ندعو الله تعالى أن يرد على الأعداء شرّهم. عليكم الإكثار من الصلاة على النبي ﷺ. باختصار، سأقدم أمامكم بعض الأدعية مع شرح وجيز حتى تستوعبوها ولا تكتفوا بترديدها باللسان فقط لكي تنشأ في قلوبكم حالة الاضطرار والاضطراب عند قراءتها، ولذلك يجب أن تكون أمامكم معاني هذه الأدعية ومفهومها عند قراءتها.
أهم شيء لاستجابة الدعاء هو الصلاة على النبي ﷺ، فإن النبي ﷺ قال: إِنَّ الدُّعَاءَ مَوْقُوفٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، لا يَصْعَدُ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّكَ ﷺ، (الترمذي) فأهم الأدعية لِهَزِّ عرشِ الله تعالى ولإثارةِ حبه ورحمته ورأفته ﷻ هو الصلاةُ على النبي ﷺ التي يجب ترديدها دومًا، وهذا ما أمرَنا به اللهُ تعالى نفسُه كما قال: (إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (الأحزاب 57) فهذا أمْرُ الله تعالى أن نصلي على النبي ﷺ. قال المسيح الموعود ؏ في مناسَبة: إن بركات الصلاة على النبي ﷺ وتأثيراتها كثيرة بحيث لا يمكن بيانها، فالمصلِّي عليه لا يستحق الثواب فقط بل ينال العز والشرف في هذه الدنيا أيضا.
ثم كتب حضرته ؏ أهَمية الصلاة على النبي ﷺ وطريقَها وبركاتها وروحَها في رسالة وجّهها إلى السيد مير عباس علي شاه وأوصاه فيها قائلا:
“عليك أن تتوجه كثيرًا إلى الصلاة على النبي الكريم ﷺ، واسأل البركة له ﷺ بذوق وإخلاص كما يسألها أحد لحبيبه حقًّا، واسألها بتضرع شديد، ولا ينبغي أن يكون أي تصنُّع في هذا التضرع والدعاء، بل يجب أن تكون للنبي ﷺ بصدق وحبٍّ كاملين، وأن يكون سؤال البركات المذكورة في الصلاة على النبي الكريم ﷺ نابعا من صدق الروح؛ وفي الحقيقة هو ليس بحاجة إلى دعاءِ أحدٍ، ولكن هناك سِرًّا عميقا مكنونًا فيه وهو: عندما يطلب أحدٌ رحـمةً وبركةً للآخر بحب ذاتي، يُصبح الأول جزءًا من وجود الثاني بسبب علاقة الحب الذاتية هذه، فالفيض الذي ينـزل على المدعو له ينـزل على الداعي أيضًا، ولأن فيوض الحضرة الأحدية على رسول الله ﷺ لا متناهية، فالمصلون على النبي ﷺ الذين يبتغون البركة لرسول الله ﷺ بالحب الذاتي، يأخذون بركة من البركات اللانهائية على قدر حماستهم، ولا يظهر هذا الفيض دون حماس روحاني أو حب ذاتي، وعلامة الحب الذاتي هذا هو ألا يتعب الإنسان ولا يمل ولا تدخل الأغراض النفسية فيه، وألا يصلي إلا لتظهر بركات الله الكريم على النبي الكريم ﷺ، (لا ينبغي أن تكون الصلاةُ على النبي ﷺ من أجل المنافع الدنيوية بل من أجل أن تظهر البركات للنبي ﷺ) وعليك أن تستمِرَّ في الأوراد الأخرى أيضًا. (رسائل أحمد ؏، ج1)
بماذا وكيف ينبغي الصلاة على النبي ﷺ؟ لأن هناك أنواعا كثيرة للصلاة على النبي ﷺ، قال المسيح الموعود ؏ في توضيح ذلك:
“إن أفضل كلماتِ الصلاةِ على النبي الكريم ﷺ هي التي خرجت من لسانه المبارك ﷺ وهي: “اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.”… قصارى القول إن هذه الكلمات للصلاة على النبي ﷺ أكثر بركةً من جميع أنواع الصلاة عليه، وهي وِردُ هذا العبد المتواضع أيضًا. ولا يلزم فيها قيد العدد، بل ما يلزم هو قراءتها بإخلاص وحب وتركيز وتضرع إلى أن تنشأ حالة البكاء والوجد والتأثُّر وينشرح الصدر وينشأ الذوق.” (رسائل أحمد ؏، ج1)
فما لم نصلِّ على النبي ﷺ بحماس القلب ذاكرين مِنَنَه لن تنشأ فينا الرقة والإخلاص وحالة الاضطرار. ما هي الحكمة والسر في قول “اللهم صلّ” مرة وقولِ “اللهم بارك” في المرة الثانية في الصلاة على النبي ﷺ؟ قد قدَّم المصلح الموعود ؓ شرحا جميلا جدا لذلك، ولو فهمنا هذا الأمر ومعانيه ووضعناه في البال لتمكَّننا من الصلاة على النبي ﷺ بعمق أكثر، فذكر ؓ في إحدى خُطَبِه: “يصلي جميع المسلمين على النبي ﷺ ولكن معظمهم لا يفهمون معناها الأصلي ولا يعلمون ما الفائدة التي تصل النبي ﷺ بسبب صلاتهم على النبي ﷺ وما الفائدة التي تصل إيمانهم، (أيْ تصل إيمان المصلي عليه) إن الطفل لن يقدّر الألماس والمجوهرات بينما يتناول كِسرة خبز، قال المصلح الموعود ؓ: أبيّن في هذا الوقت مَزِيَّة الصلاة على النبي ﷺ من خلال كلماتها الظاهرية، وُضع لفظ “صَلِّ” قبل لفظ “بَارِكْ” في الصلاة على النبي ﷺ، قلَّما يفكّر المسلمون في سبب ورود لفظ “صلِّ” قبل “بارِكْ”، والحكمة في هذا الترتيب، فالذي سيتمعَّنُ ويتأمَّل فيه عِلْميا ستنكشف عليه الحقيقة. الصلاة باللغة العربية تعني الدعاء فـ”اللهم صل” تعني اللهم ادْعُ للنبي ﷺ، والدعاء نوعان، الأول هو دعاء مَن لا يملك شيئا وهو يطلب من الآخر كاستمداد المرء من أبويه أو صديقه، والثاني هو دعاء مَن يملك الخيار وهذا يعني أنه يدعو للعطاء، يقول حضرته ؓ: إن الله ملِكٌ فالمراد من “اللهم ادْعُ” هنا هو أن الله ملك يقبل أحيانا ويرفض في أحيان أخرى، ودعاءُ الله يعني أنه ﷻ يأمر الهواء والماء والأرض والجبال وجميع الخلق بتأيـيد عبدِه، فالمراد من “اللهم صلِّ” هو أن يا إلهي، قدِّرْ لرسولك كلَّ حسنةٍ وخير. لو قُبلت الصلاة على النبي ﷺ مرة واحدة فهذا فوز عظيم وإلا كل ما سيقرّره الإنسان من دعاء يكون ناقصا غير كامل، فما يطلبه الإنسانُ بوازع عقله يكون ناقصا بالتأكيد، لذا يقول العبدُ لله تعالى: قدّرْ أنتَ لأن عِلْمَك كامل. ولفظ “باركْ” من بَرَكَ أي اجتمع، لذلك يُقال لمستنقع الماء بِرْكَة لأن الماء يجتمع فيها، فالمراد من القول “اللهم باركْ” هو أن يا إلهي، إن الرحمة والفضل والنِعم التي أنزلتَها على النبي ﷺ زِدْها بحيث تجتمع له رحمةُ العالَم كله وبركاته. فلفظ “صل” بمنـزلة البذرة ولفظ “بارك” هو رُقْيُها، أيْ ما أراد الله من حسنة وخير هو بذرة الرقي و”بارِكْ” هو جعْلُ هذه البذرة تُثمر بأثمار لا تنقطع أبدا. ويمكن أن نفهم ذلك بأسلوب آخر أيضا وهو أن المراد من الدعاء “اللهم صل على محمد” هو أن يا إلهي، آتِ محمدا عظمة برفع ذكره في هذه الدنيا وبإعطاء النجاح والغلبة لرسالته وبإعطاء الدوام لشريعته وأكرمْه بعظمة في الآخرة بقبول شفاعته في حق أمته وبزيادة أجرها وثوابها أضعافا كثيرة، وكذلك المراد من “اللهم باركْ على محمد وعلى آل محمد” هو أن يا إلهي، أقِم العز والعظمة والشأن العظيم والمجد الذي قدّرتَه للنبي ﷺ وارزقه دواما. هذا هو الترتيب الذي هو عظيم للغاية وكامل متكامل.
وحين نصلي على النبي ﷺ بعد فهم هذه الحقيقة ننال نصيبا من هذه الصلوات والبركات وحين يصلي الله تعالى على النبي ﷺ تصلنا أدعيته ﷺ يقينا. إن الأعداء اليوم يتجرؤون على النبي ﷺ، فالرد الحقيقي على ذلك هو الإكثار من الصلاة عليه.
والآن سأعرض بين أيديكم بعض الأدعية الأخرى أيضا، معظم الناس يحفظون بعضها لذا يمكن لهم أن يردّدوها، إن الله تعالى قد علَّمَنا الدعاء التالي، عِلْمًا أن الله حين يعلِّم دعاءً فهو يقبله أيضا إذا رفعه مؤمنٌ من قلبه، ورد في القرآن: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (آل عمران 9) وردت هنا صفة الله “الوهاب” أيْ إن الله تعالى هو الذي يهب بحسب حالة الإنسان وعملِه ويعطيه بغير حساب وبأحسن وجه. هذا الدعاء هام للغاية وفيه إشارة إلى حقيقة مفادها أن كثيرا من الناس يُكْرَمون بنِعَم الله وأفضاله ولكنها تؤدي بهم إلى الضلال والفساد بسبب ضعفهم وسوء حظهم، فيبدؤون بسوء استخدام نِعَمِ الله تعالى. إنهم يُلبسون هدى الله تعالى معاني خاطئةً وبذلك يهيئون أسباب دمارهم، وقد حذّر الله تعالى المسلمين بذكر أمثلة من الأديان السابقة لذا يجب أن تسعوا لاجتنابها، وتدعوا الله تعالى أن يحميكم من ارتكاب مثل هذه الأخطاء.
وفي هذا الدعاء نبوءة أن المسلمين سيميلون إلى تضخيم الأمور والمسائل البسيطة إلى درجة كبيرة، ونسيان التعليم الأصلي والواضح.
لقد جاء في رواية أن النبي ﷺ كان يردد هذا الدعاء بصورة دائمة، وكان الهدف من ترديده إياه أنه ﷺ كان يتوقع من أصحابه أيضا أن يرددوه. فلا شقاوة أكبر من أن يهتدي المرء ثم يضِلّ الطريق، ويصبح محل سخط الله تعالى بعد أن كان حائزا على أفضاله ﷻ. ولسوء الحظ نرى أن المسائل البسيطة والفرعية قد أبعدت أغلبية المسلمين من التعليم الواضح والحقيقي. هذا ما يفعله المشايخ المعاصرون المزعومون اليوم ويسببون التفريق بين الناس، الأمر الذي أحدث الفُرقة والتشتت في القلوب. وبالنتيجة نرى المسلمين عطاشى لدماء إخوتهم المسلمين، ويُقتل الأبرياء والصغار دون هوادة. وقد حُرم المسلمون من كل النِعم والأفضال التي كانت مقدرة لهم. فعلى الأحمديين أن يدعوا بوجه خاص ألا تزيغ قلوبُهم بسبب الظروف القاسية وألا يُحرَموا من البركات التي قدّرها الله تعالى لنا.
وفي ذكر الدعاء الوارد في هذه الآية ذكر المسيح الموعود عليه السلام حادثا يتعلق بالشهيد الصاحبزاده عبد اللطيف فقال: لقد اجتمع مشايخ كابول بأمر من الحاكم للنقاش معه، فقال لهم الشهيدُ: إن لكم إلهين اثنين، ولي إله واحد لأنكم تخشون الحاكم كخشية الله، وما دام لي إله واحد فلا أخشى الحاكم. وحين كان عبد اللطيف في بيته قبل أن يُعتقل ولم يعرف شيئا عما هو حادث، قال مخاطبا يديه: يا يديّ! هل تقدران على تحمُّل القيود؟ سأله أهلُ بيته: ما هذا الكلام الذي خرج من لسانك؟ قال: سوف تعرفون الأمر بعد صلاة العصر. فجاء رجال الحاكم بعد صلاة العصر واعتقلوه. فقال عبد اللطيف ناصحا أهل بيته: أنا ذاهب ولكن حذارِ أن تختاروا سبيلا آخر. يجب أن تثبتوا على إيمان واعتقاد أعتنقهما أنا. وقال في الطريق بعد اعتقاله: أنا مَلِك هذا المجمع. ثم سأله المشايخ أثناء النقاش: ماذا تقول بحق الرجل القادياني الذي يدّعي أنه المسيح الموعود؟ قال الصاحبزاده عبد اللطيف: لقد رأيتُ هذا الرجل وأمعنتُ النظر في أمره، وتوصلت إلى نتيجة مفادها أنْ لا مثيل له على وجه الأرض. ولا شك أنه هو المسيح الموعود ويحيي الموتى. فأثار المشايخ ضجة وقالوا: هو كافر وأنت أيضا كافر. وهددوه بالرجم في حال عدم توبته في حضرة الحاكم. فعلم عبد اللطيف أنه ميت لا محالة. ثم تلا آية: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب).
أقول: هذا الدعاء ضروري لتقوية الإيمان ومواجهة الظروف القاسية ولنيل إنعامات الله تعالى. الـمَثل الذي ضربه الصاحبزاده عبد اللطيف للثبوت على الإيمان كان مَثلا أعلى على الإطلاق، غير أن الإنسان يواجه أحيانا أمورا بسيطة فيتزلزل إيمانه. لذا لا بد من هذا الدعاء لاجتناب تلك الظروف ومقاومتها.
ثم علّم الله تعالى لمغفرة الذنوب والثبات والنصرة على القوم الكافرين دعاء: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).
يقول المسيح الموعود ؏ شارحا هذا الدعاء: “لقد علّم الله تعالى في سورة آل عمران دعاء: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)، والمعلوم أنه إذا لم يكن الله يغفر الذنوب لَما علّم هذا الدعاء قط”.
الإنسان خطّاء ويصدر منه تقصيرات بل ذنوب في مناسبات كثيرة، وخاصة في الزمن الراهن الذي بلغ فيه لمعان الدنيا أَوْجَهُ، نرى الشيطان مترصدا كل خطوة، ولا يمكن للإنسان اجتناب الذنوب إلا بفضل الله تعالى ونصرته. وفي بعض الأحيان تتحول السيئات الشخصية إلى سيئات تضر بالجماعة وتحول دون تقدمها. لذا فقد علّمنا الله تعالى هذا الدعاء لمغفرة ذنوبنا وعدم حرماننا من أفضاله تعالى نتيجة تجاوزنا الحدود. والهدف من تعليمه كما قال المسيح الموعود ؏ هو أنه إذا استغفر الناسُ اللهَ تعالى لذنوبهم عند انتباههم إليها يغفر لهم الله تعالى. ولكن هذا لا يعني أنه يجوز للإنسان أن يستمر في ارتكابها دون الانتباه إليها.
يجدر بالذكر أيضا أنه قد استُخدمت هنا صيغة الجمع، وبذلك قد وُجِّه أنظار المؤمنين إلى ضرورة استجلاب النصرة بالدعاء لبعضهم بعضا، لكيلا تتحول أخطاؤهم الشخصية إلى أخطاء تضر بالجماعة فتحرمنا من أفضال الله تعالى وألا يتمادى المعارضون الكفار في اضطهادنا، بل ندعوك يا ربنا، كجماعة، أن اغفر لنا أخطاءنا الفردية والجماعية، وإسرافنا في أمرنا، أفرادا وجماعة أيضا، وانصرنا على أعدائنا.
ثم علّمنا الله تعالى دعاء آخر لطلب المغفرة والرحمة منه ﷻ وهو: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)
يقول المسيح الموعود ؏ في شرح هذه الآية: “إن كثيرا من الناس يشكون الله تعالى ولا ينتبهون إلى أنفسهم. إنها مظالم الإنسان نفسه وإلا فإن الله رحيم وكريم. وبعض الناس يدركون حقيقة الذنب، وبعضُهم لا يدركونها. لذا فإنّ الله تعالى قد جعل الاستغفار واجبًا إلزاميًا في جميع الأوقات من أجل استمرار الإنسان في طلب حماية اللهِ من جميع الخطايا الظاهرة والخفية، المعلومة والمجهولة، وسواء أارتُكبت باليَد أم بالأرجل أم بالأنف أم بالعينين. في هذه الأيام، يجب الابتهال إلى الله بدعاء آدم ؏ بتركيز خاص: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، وقد أُجيب هذا الدعاء سلفا.”
الهجمات التي يشنها الشيطان في هذه الأيام لا نهاية لها بل يشنها من كل جانب، يمينا وشمالا، ومن بين أيدينا ومن خلفنا. وكما يقول المسيح الموعود ؏ إن كل عضو للإنسان هدف لهجمات الشيطان. ونحن في الظروف الراهنة بحاجة ماسة إلى الاستغفار، وخاصة أنَّ المهمة التي وُكّلت إلينا تقتضي نصرة الله في كل خطوة وفي كل لحظة. إن نصرة الله تعالى هي وحدها يمكن أن تسعفنا وتنقذنا من هجمات الدجال وتجعلنا غالبين عليه، ونحن بحاجة ماسة إلى أن نكسب أعمالا تجلب لنا رضا الله تعالى ورحمته ومغفرته.
يقول المسيح الموعود ؏: الدعاء شيء عظيم فحينما نشبت المعركة بين آدم والشيطان لم ينفع سلاح إلا الدعاء. فقد انتصر آدم على الشيطان بدعاء: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ). كذلك عُلِّم الدعاء نفسه لقتل الدجال في الزمن الأخير أيضا.”
أي كما نفع هذا الدعاء في البداية سينفع الدعاء نفسه في النهاية أيضا، وهذا ما تقتضيه الظروف الراهنة. الحكومات الإسلامية كلها ضعيفة ولا تستطيع أن تفعل شيئا بالأسلحة الموجودة. والحق أنه لا حاجة إلى الأسلحة للتغلب على الكفر بل هناك حاجة إلى الأسلحة السماوية.
ثم نصحنا المسيح الموعود ؏ كثيرا بترديد الدعاء: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النّار). يقول ؏:
“التوبة ليست شيئا زائدا أو دون جدوى للإنسان، ولا ينحصر تأثيرها في القيامة فقط بل تنصلح بسببها دنيا الإنسان وآخرته أيضا، وينال في هذا العالم والعالم المقبل راحة وسعادة حقيقية. يقول القرآن الكريم: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، ففي الكلمة “ربنا” إشارة دقيقة إلى التوبة في الحقيقة لأن هذه الكلمة تقتضي أن الإنسان جاء إلى هذا الرب متبرِّئا من سائر الأرباب الأخرى التي كان قد اتخذها من قبل، ولكن لا يمكن أن تصدر هذه الكلمة من قلب الإنسان أبدا دون ألم وحرقة حقيقية. “الرب” هو مَن يربّي ويوصل إلى الكمال تدريجيا، الحق أن الإنسان يتخذ لنفسه أربابا كثيرة، فإذا كان يعتمد كليّا على حِيَله ومكايده فهي أربابه. وإذا كان يعتزّ بعلمه وقوته فهو ربه، وإذا كان يفتخر بجماله وماله وثروته فهي ربه. باختصار، يتخذ المرء آلافَ الأرباب من هذا القبيل، وما لم يتخلَّ عنها كلها وما لم يتبرّأ منها كليا، وما لم يُخضع بكامل الخشوع والتواضع رأسه أمام الرب الحقيقي الأحد الذي لا شريك له، وما لم يخرّ على عتباته بصرخاتِ “ربّنا” الأليمة المذيبة للقلب، فهو لم يعرف الربَّ الحقيقي. في هذه الحالة يتوب إلى حضرة الله بهذه الحرقة وذوبان القلب معترفا بذنوبه ويقول لله تعالى: “ربّنا”، أي أنت الرب الحق، ولكننا ظللنا تائهين وضالين عند الآخرين خطأ منا، وقد تخليتُ الآن عن تلك الأوثان والآلهة الباطلة وأُقرّ بربوبيتك بصدق القلب وأَخِرّ على عتباتك.
ثم يقول عليه السلام: إن الذين يعتمدون على حيلهم أَنّى لهم أن يستعينوا بالله ويدعوه؟! إنما يميل إلى الدعاء مَن سُدّت في وجهه السبل كلها إلا باب الله تعالى. وهو الذي يصعد الدعاء من قلبه. إذًا، فدعاءُ: “ربنا آتنا في الدنيا حسنة” إنما هو شيمة الذين يتخذون الله وحده ربًّا لهم ويعلمون يقينا أن الأرباب الباطلة كلها لا تساوي أمام ربهم شيئًا.
ويقول عليه السلام: ليس المراد من النار هنا تلك التي ستكون يوم القيامة فقط، بل الذي يعمَّر طويلا في هذه الدنيا يرى أن فيها أيضا آلاف النيران. ويعرف أصحاب التجربة أنه توجد في هذه الدنيا صنوف النيران من عذاب وخوف وسفك دم وفقر وفاقة وأنواع مرض وفشل ومخاوف من الذلّ والانحطاط وآلاف صور الألم والأذى من قبل الأولاد والزوج وغيرها وصنوف مشاكل ومصائب في المعاملات مع الأقارب. باختصار، إن هذه الأمور كلُّها نار، والمؤمن يدعو الله تعالى دومًا أنْ ربَّنا نَجِّنا من كافة أنواع النيران؛ وما دمنا قد أمسكنا بأهدابك ربنا فأنقذْنا من كل هذه الآفات التي تجعل حياة الإنسان مُرّة وتكون بمنزلة النار له.
بالإضافة إلى هذه الأدعية القرآنية، هناك دعاءان أريد لفت أنظاركم إليهما، ومعظم الإخوة يحفظونهما. أحدهما دعاء من تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم والآخر دعاء للمسيح الموعود عليه السلام من أجل النجاة من شر العدو ومن أجل النجاح. الدعاء الذي علّمناه الرسول صلى الله عليه وسلم هو: اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم. ورد في الحديث عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا خَافَ قَوْمًا قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ.
وكما قلت من قبل فإن جماعتنا تواجه في هذه الأيام خاصة في بعض البلدان أخطارًا أشدَّ من ذي قبل. إن الحكومات والقضاء والمشايخ المزعومين كلهم يعادوننا ويسعون جاهدين لاستغلال سلطتهم لإلحاق الضرر بنا. وليس لنا، والحال هذه، من سبيل إلا أن ننيب إلى الله تعالى أكثرَ من ذي قبل، وندعوه تعالى لكي يحفظنا من شرور الأعداء ويقضي عليهم. علينا أداء النوافل وأيضا الإكثار من الدعاء في كل حركة وسكون. ليس عندنا سلاح ولا قوة، ولكن هذا الدعاء الذي علّمناه الرسول صلى الله عليه وسلم قادرٌ على ردّ شرور الأعداء والقضاء عليهم، شريطة أن نقوم بهذا الدعاء بصدق القلب وبيقين كامل بالله تعالى، عندها ستكون أدعيتنا عبرة للدنيا يقينا، وستعتبر بها الدنيا.
ثم هناك دعاء للمسيح الموعود عليه السلام قال أن الله تعالى ألقاه في قلبه، وهو: رَبِّ كلُّ شيء خادمُك، ربّ فاحفظْني وانصرني وارحمني. يقول عنه المسيح الموعود عليه السلام:
تدهورتْ صحتي البارحةَ حتى أيقنتُ أن أجلي قد أتى لولا أن نزل وحيُ الله. وفيما أنا في ذلك إذ غلبني النوم، ورأيت أني في مكان كأنه زقاق مسدود، وجاءت ثلاثة ثيران، واندفع أحدها إليّ مهاجمًا، فضربتُه ودفعته عني. ثم جاء الثاني فدفعته أيضا عني، ثم جاء الثالث وكان يبدو قويًا جدًا حتى أيقنت أن لا مفرّ ولا منجى منه. ومن عجائب قدرة الله أنني لما أوجست منه خيفة صرَف الثور وجهه عني، فاغتنمت الفرصة وقرّرت الفرار من هناك محتكًّا بجسم الثور. ففررت من هنالك وأنا أفكر أنه سيركض ورائي، ولكني لم ألتفت إليه ولم أره بعدها. وفي المنام ألقى الله تعالى في قلبي الدعاء التالي: “ربِّ كلُّ شيءٍ خادمُك، ربِّ فاحفَظْني وانصُرْني وارحَمْني”. وأُلقيَ في قلبي أنه الاسم الأعظم، ومَن قرأ هذه الكلمات نجا من كل آفة.
ويقول المسيح الموعود عليه السلام: جاء أحد الآريين الهندوس طالبًا مني الدواء، فقصصت عليه هذه الرؤيا، فقال لي اكتب لي هذا الدعاء، فكتبت له، فحفظه.
وكتب محرر الجريدة عن هذه الرؤيا: بعد أداء صلاة المغرب دخل المسيح الموعود عليه السلام إلى بيته ورجع إلى المسجد ثانية بعد حوالي ساعة وقال: الكلمات التي أُلهمتُ البارحة في الرؤيا قررتُ أن تُقرَأ في الصلاة كدعاء، وقد بدأتُ بقراءتها. وأمر المسيح الموعود عليه السلام الجماعة بأن يقوموا بهذا الدعاء، فقال: هذا الدعاء حِرْزٌ وعُوذةٌ، ولسوف أدعو به من الآن فصاعدًا في كل صلاة بلا انقطاع، وعليكم أيضًا أن تدعوا به.
وقال عليه السلام: إن أكبر ما في هذا الدعاء وما يعلّم التوحيد الحقيقي، أي يولّد اليقين بأن الله جل شأنه وحده الضارّ والنافع، هو أننا عُلّمنا فيه أن كل شيء خادمك يا رب، بمعنى أن أي شيء مؤذ وضار لا يمكن أن يضرّنا بدون إرادتك وإذنك أبدًا.
يقول المسيح الموعود عليه السلام وهو يلفت أنظارنا إلى ضرورة الأدعية:
اعلموا أن مزية الرحمانية إنما هي أنها تجعل المرء أهلاً للاستفادة من فيوض الرحيمية، لذا فإن قول الله تعالى: “ادعوني أستجب لكم” ليس كلاما فارغا أبدًا بل هذا ما يقتضيه شرف الإنسان. الدعاء صفة الإنسان والاستجابة صفة الله، والذي لا يؤمن بذلك فهو ظالم. إن الدعاء حالة مفعمة بالمتعة والسرور بحيث إني متأسف أني لا أجد كلمات لتبيان ذلك السرور واللذة للدنيا. إنما يُدرَك ذلك بالتجربة والإحساس. باختصار، إن أول شروط الدعاء أن يعمل المرء الأعمال الصالحة ويصلح المعتقد، لأن الذي لا يصلح معتقداته ولا يقوم بالأعمال الصالحة ولا يقوم بالدعاء فكأنه يختبر الله تعالى.
وقال عليه السلام: الواقع أن المقصود من دعاء: “اهدنا الصراط المستقيم” هو أن اجعَلْ ربَّنا أعمالنا أكملَ وأتمَّ. ثم وضَّح ذلك أكثر بقوله: “صراط الذين أنعمت عليهم”، أي أننا نريد الاهتداء إلى صراط المنعم عليهم، وأنقذْنا من صراط المغضوب عليهم الذين نزل بهم العذاب نتيجة سوء أعمالهم. وبقوله: “الضالين” علّمنا دعاء أنْ أنقِذْنا أيضا من أن نضلّ دون حمايتك.
وقال عليه السلام: كثير من الناس يعدّون الدعاء شيئا بسيطا. فاعلموا أنه ليس الدعاء أن يدعو المرء بشكل عادي ويرفع الأيدي ثم يجلس ويقول ما جاء على لسانه. مثل هذا الدعاء لا جدوى منه لأنه يكون مثل ترديد وِردٍ من الأوراد فحسب، حيث يردّدون بعض الأوراد بدون أن ينبع الصوت من الأفئدة، وتشاركه القلوب، ويكون معه الإيمان بقدرة الله وقوته. اعلموا أن الدعاء نوع من الموت، وكما يكون عند الموت اضطراب وقلق، فكذلك يجب أن يكون الدعاء مقرونا بالاضطراب والقلق والحماس. فما لم يكن في الدعاء منتهى الاضطراب والحرقة فلا يجدي نفعًا. لذا على المرء أن يستيقظ في جوف الليالي ويعرض مشاكله أمام الله تعالى في غاية التضرع والبكاء والابتهال، ويستمر في مثل هذا الدعاء حتى يبلغ حالةً كحالة الموت، عندها يصل الدعاء درجةَ الاستجابة.
وفقنا الله تعالى للقيام بالأدعية كما هو حقها. وكما قلت من قبل اهتمّوا بالدعوات في هذه الأيام الثلاثة خاصة وبعدها أيضا على الدوام. أعاذنا الله بملاذه، وثبّتَنا على دينه، وزادنا إيمانًا مع إيماننا، وأرانا مشاهد ازدهار الجماعة أكثر من ذي قبل باستمرار، وخيّب خطط العدو كلّها. تعالوا ندعُ معًا الآن.
هناك أمر آخر أريد قوله. لقد قلت وقت الظهر في خطبة الجمعة أن الحشائش جافة هنا، فلا تستخدموا في هذه الأرض أي شيء فيه نار في هذه الأيام، وأن على الإخوة الذين يدخنون السجائر أن يأخذوا الحيطة خاصة، فلا يدخنوا في حدود حديقة المهدي. وقولي هذا لا يعني أن يخرجوا من هنا ويدخنوا في أراضي الجيران حولنا. إن وضع أراضي الجيران مماثل لوضع أرضنا، ثم ليس في أراضيهم أي تدبير للإطفاء أيضا، ثم إن للجيران حقًا علينا، لذا يبنغي على كل أخ مُبتلى بعادة التدخين السيئة أن يسعى في هذه الأيام الثلاثة للإقلاع عنها نهائيا. عليه ألا يعُدّ قولي السابق رخصة له فيمتنع عن التدخين في حديقة المهدي، ويدخن في خارجها كما يحلو له. فلا يذهبنّ أحد إلى أراضي الجيران ولا إلى مزارعهم ولا يستخدمها بأي شكل. يجب أن تأخذوا الحيطة بشأن أراضيهم خاصة. السلام عليكم ورحمة الله.