الخطاب
الذي ألقاه أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز
الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي ؏
يوم 30/09/2018
بمناسبة الاجتماع السنوي لمجلس أنصار الله في بريطانيا
*****
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين، آمين.
(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات: 57)
لقد عُقد في الأسبوع الماضي اجتماع مجلس خدام الأحمدية، وكان موضوع اجتماعهم عن “الصلاة”. بل الحق أنهم قد اتخذوا الالتزام بالصلاة هدفا لهم على مدار العام وسعوا جاهدين ليلتزم أعضاء مجلس خدام الأحمدية بالصلاة، كذلك وجّهتُ أنا أيضا أنظارهم إلى هذا الأمر في خطابي الأخير وقلت أنه يجب ألا يقتصر العمل لنيل هذا الهدف على سنة واحدة فقط بل إنه هدف حياة الإنسان وقد حدده الله تعالى لنا. فمن هذا المنطلق أريد اليوم أن أوجه أنظار أعضاء مجلس أنصار الله أيضا إلى أنه هدف الحياة الذي لا يمكن لأي مسلم أن يؤدي حق إسلامه بغير تحقيقه. ولكن هناك تقصير بشأن الأسلوب والالتزام اللذين بهما يجب الانتباه إليه. ولسوء الحظ هناك أعضاء كثر من مجلس أنصار الله أيضا الذين لا يدركون أهمية هذا الواجب الأهم والذي هو الهدف من حياتهم. وإن لم يدرك المرء أهمية عبادة الله في سن الشباب فيجب أن يدركها بوجه خاص بعد تقدمه في السن على الأقل، أي عندما يكون عضوا في مجلس أنصار الله، وإن كان واجبا أن يدرك الأحمديون أهمية عبادة الله تعالى في سن الشباب أيضا. وهذا الشعور والإدراك هو ما يليق بالمؤمن، ومن لم ينشأ فيه هذا الشعور فهذا لا يليق به، ويحرمه من الإيمان. فيجب أن يزداد هذا الشعور بعد بلوغ المرء أربعين عاما لأن كل يوم يحل لا يزيد في عمره بل يُنقصه. فالوقت الذي أعطاكم الله إياه يجب أن تقضوه في سبيل الحصول على رضاه تعالى، ولنيل الهدف الذي جعله الله تعالى الغاية من حياتنا.
أظن أن اجتماع أنصار الله السابق الذي اشتركتُ فيه كنتُ قد وجّهتُ فيه أعضاء مجلس أنصار الله إلى الالتزام بالصلاة. ولكن يبدو أنه قد تم الانتباه إلى هذا الأمر لبضعة أيام أو لفترة وجيزة، ثم غلبت المشاغل الدنيوية على هدف الحياة الذي حدده الله تعالى. كذلك أوجّه إلى هذا الأمر في كثير من خطبي أيضا ولكن الناس ينسون بعد بضعة أيام وتقلّ عمارة المساجد ولا يُرى فيها الحضور الذي يُتوقَّع في مساجد الأحمديين.
لقد أمر الله تعالى في مواضع عديدة في القرآن الكريم بالالتزام بالصلاة، وقد بيّن في البداية صفة المهتدين والمؤمنين الصادقين بقوله: (يقيمون الصلاة)، وإذا شرحنا كلمات “يقيمون الصلاة” لغويا كان معناها أن المؤمنين يصلّون الصلاة بشروطها ومواقيتها وينصحون الآخرين بأدائها لتملأ المساجدُ بالمصلين الذين يحبون أداء الصلاة بالالتزام ويحفظونها من السقوط، ويصلّونها بتركيز. ففي بعض الأحيان تنتقل أفكار المرء إلى جهة أخرى، عندها يدعو الإنسانُ اللهَ تعالى عائذا به ويدحض تلك الأفكار ويتوجه إلى الله تعالى مجددا للحفاظ على الصلاة.
باختصار، لقد أمر الله تعالى المؤمنين المهتدين بإقامة الصلاة، والهدف من ذلك هو ألا يلتزم المرء بالصلاة بنفسه فقط ويحفظها بل يجب عليه أن يحثّ الآخرين أيضا. ولا يقتصر هذا الأمر على أن يعمر المرء المساجد بنفسه فقط بل يجب أن ينصح الآخرين أيضا بعمارتها. ويجب على الجميع أن يتعاونوا فيما بينهم لنفخ الروح في بعضهم ليزداد الانتباه إلى الصلاة وتتشكل جماعة المؤمنين الذين قيل بحقهم أن الصلاة معراج المؤمن.
فهذه مسؤولية كبيرة تقع على أعضاء مجلس أنصار الله أن عليهم أن يدركوا أهمية إقامة الصلاة ويؤدوا حق إقامتها ويوجهوا أهلهم وأولادهم إلى الالتزام بها. فلو انتبه الذين بلغوا عمرا يُدخلهم في مجلس أنصار الله وخاصة المسؤولون في مجالسهم إلى إقامة الصلاة، وإذا نصح المسؤولون على كل الأصعدة أولادهم بذلك وحضروا المسجد مع أولادهم ونصحوا جيرانهم أيضا بين حين وآخر سنرى أن المساجد ستكون عامرة في الحقيقة. فإذا ركّز أعضاء مجلس أنصار الله على هذا الأمر يمكن أن يحدث انقلاب. لذا فهناك حاجة ماسة إلى الانتباه إلى هذا الأمر.
الآية التي تلوتها في مستهل خطابي تلفت أنظار المؤمنين إلى الهدف من خلقهم وهو أداء حق العبادة. والمعلوم أن أداء هذا الحق لا يمكن ما لم يلتزم الإنسان بالعبادة بالأسلوب الذي علّمنا الله تعالى إياه.
كلمة “يعبدون” مستمده من مصدر “عبد” ومعناها الذين يؤدون حق العبادة والمطيعون طاعة كاملة. إذًا، لأداء المرء حق كونه عبدا لله يتحتم عليه أن يؤدي حق عبادة الله وطاعة أوامره كلها.
لقد وضح المسيح الموعود ؏ هذا الأمر وقال أن هناك علاقة قوية بين الربوبية والألوهية، ولإبقاء هذه العلاقة قائمة فرض الله تعالى الصلاة. إذًا، هناك حاجة إلى الاحتفاظ بهذه العلاقة. ويجب علينا جميعا أن ندرك هذا الأمر جيدا. فإن كنا لا نؤدي حق الصلاة فهذا يعني أننا لا نؤدي حق كوننا عبادا. وإن كنا غير منتبهين إلى الالتزام بالصلاة بكل شروطها ولا نفكر بهذا الشأن بأنفسنا ولا ننصح أولادنا فإن قولنا “ربنا” كلام باللسان فقط. لذا علينا أن ننتبه إلى أداء الصلاة بكل ما في وسعنا حتى نكون من الذين يؤدون حق كونهم عبادا، ونعرف ربوبية الله تعالى حق المعرفة.
يقول المسيح الموعود ؏ في شرح الآية: (وما خلقتُ الجن والإنس إلا ليعبدون) موجها أنظارنا إلى الهدف من خلقنا: فبِناء على هذه الآية كان المقصد الحقيقي لحياة البشر عبادةَ الله ومعرفته، وأن يصير الإنسان لله وحده. ومن الواضح أن الإنسان لا يملك خيارا ليقرر غايةَ حياته من تلقاء نفسه، لأنه لا يأتي إلى هذا العالم بإرادته، ولا هو تاركه برضاه، وما هو إلا مخلوق. فالذي خلقه وخصه من بين جميع الأحياء بأفضل الملكات هو الذي قدر لحياته غاية معينة (أي الذي جعل الإنسان أشرف المخلوقات جعل لحياته هدفا أيضا، ولم يُرِدْ منه أن يأكل ويشرب وينام مثل بقية الحيوانات، ويكسب الدنيا وهذا يكفيه)
يتابع ؏ ويقول:سواء أفهمها الإنسان أم لم يفهمها، فلا شك أن غاية خلق الإنسان إنما هي عبادة الله، ومعرفته، والفناء فيه تعالى.
أقول: لن يستطيع الإنسان الفناء في الله ولن ينال معرفته ما لم يضع ربوبيته ﷻ أمام عينيه دائما وما لم يسع جاهدا لأداء حق عبادته.
ثم يقول ؏ شارحا هذا الأمر أكثر: لقد خُلق الإنسان ليصير لله تعالى، كما قال ﷻ (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ). فقد أودع اللهُ فطرةَ الإنسان شيئا لنفسه هو ﷻ وخلَقه لنفسه هو بأسباب خفية جدًّا، (أي قد أعطى الله تعالى الإنسان موهبة لمعرفته، ولم يأمره بذلك دون أن يعطيه موهبة وقدرة لهذا الغرض) مما يدل على أن الله تعالى قد جعل عبادته هي الغاية من خلق الإنسان. ولكن الذين ينحرفون عن غاية خلقهم، ويحسبون الأكل والشرب والنوم كالبهائم هو الغاية من حياتهم، يبتعدون عن فضل الله تعالى ويُحرمون من ذمة الله. (أي الذين لا يؤدون حق الله تعالى يحرمهم الله من فضله) وإنما يحظى بذمة الله مَن يعمل بحسب قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ)، ويغير مسار حياته بحسبه.
أقول: يجب أن تعملوا بحسب ذلك لتحظوا بقرب الله تعالى فتنالوا نصيبا من أفضاله ﷻ. ويجب أن تغيروا مجرى الحياة التي بغير عبادة الله تنقضي كحياة البهائم واستبدلوا بها حياة عبادة الله تعالى. أي يجب أن يكون جانب عبادتكم بارزا.
يتابع ؏ قائلا: الإنسان لا يدري متى يفاجئه أجله. فاعلموا أن الغرض من خلقكم هو أن تعبدوا الله وتكونوا له وحده. يجب ألا تكون الدنيا أكبر همكم. أقول لكم هذا مرة بعد أخرى، لأنني أرى أن هذا هو الأمر الذي خُلق الإنسان من أجله، وهو الأمر الذي ابتعد عنه الإنسان. لا أقول لكم أن تتخلوا عن الأعمال الدنيوية، وأن تقصدوا الفلوات والجبال معرضين عن الأهل والأولاد. كلا! إن الإسلام لا يجيز ذلك، ولا يهدف إلى الرهبانية، بل يريد أن يجعل الإنسان نشيطا يقظا، لذلك أقول لكم: عليكم إنجاز أعمالكم بسعي وجدّ.
أقول: يجب أن تبذلوا قصارى جهودكم لأداء مسؤولياتكم في مشاغلكم الدنيوية، وتسعوا لها جاهدين، وتبلّغوا جهودكم بهذا الشأن إلى قمتها وتتقدموا فيها. فهو أيضا من علامات المؤمنين بالمسيح الموعود ؏ أنهم سيتقدمون في الأمور المادية أيضا، فلا ينبغي أن يرفعوا الطلبات دوما ولا ينشطوا في العمل ولا يجتهدوا ويريدوا دوما أن تُقدَّم لهم المساعدة. كلا فهذا لا يجوز، بل على المؤمن الحقيقي أن يبذل جهودا مطلوبة لإنجاز كل عمل. يقول حضرته ؏: قد ورد في الحديث أن الذي كانت له أرضٌ ولم يهتم بها ولم يجتهد عليها ولم يستخدمها بوجه صحيح، فسوف يؤاخَذ ويُسأل، بأن الله كان قد هيأ لك الوسائل المادية لكي تتحسن أوضاعك وتنال السعة ولتتمكن من تأدية حقوق أهلك وتقدر على أن تؤدي حقوق الجماعة أيضا، وإن لم تستعمل العقار ولم تُدِر أعمالك جيدا ولم تبذل جهودا مطلوبة، بوجه صحيح، فسوف يسألك الله: إني كنت رزقتُك كل هذه الإمكانات فلم لم تنتفع بها؟
يقول حضرته ؏: فإذا فهِم أحدهم من ذلك أن المراد منه أن على المرء أن يترك أعمالَ الدنيا فهو مخطئ، كلا، إنما يجب أن تتأكدوا أن قصدكم من أعمالكم المادية هو الفوز برضوان الله، فلا تقدِّموا أغراضكم وعواطفكم على مشيئته ﷻ. واعلموا أن في الأعمال المادية أيضا رضوان الله فاعمَلوها، وحين يأتي وقت أداء حق الله ووقت عبادته وتحين أوقات الصلاة فإن رضا الله ﷻ يقتضي حينها أن تعبدوه. وحين تنتهون من العبادة والصلاة مؤدِّين حقها فانشغلوا في أعمالكم المادية، لأن الله ﷻ هو الذي أمر بذلك أيضا. فلإحراز لقب العبد يجب أن تتوخَّوا رضاه، حيث يجب أن تكون العبادة بحسب أوامر الله، واستجابة لما أمرنا الله بالقيام به، فالاستجابة لأوامر الله أيضا تجعل الإنسان عبدًا كاملا. ومن أجل ذلك يجب على كل إنسان ومؤمن أن يجتهد.
ثم يقول المسيح الموعود ؏ في موضع: فالذي لا يجعل هذه الغاية الحقيقية نصب عينه وهو غارق في ابتغاء الدنيا ليل نهار ويشغل بالَه دائما بأن يشتري أرضا كذا وكذا وأن يبني بيتا كذا وكذا وأن يستولي على عقار كذا وكذا، كيف يعامله الله ﷻ سوى أن يدعوه إليه بعد أن يمهّله بعض الأيام؟! فهو لن يجد أجرا على الحسنات والثواب عند الله، لأنه منكبّ على الدنيا حصرا، اكسبوا الدنيا واسعوا لذلك واجتهِدوا فلا بأس في ذلك، لكن ذلك يجب أن يكون بحسب ما أمرَنا الله.
يقول حضرته ؏: يجب أن يكون في قلب الإنسان حرقة لنيل قرب الله وبسببها سيكون جديرا بالتقدير عنده عز وجل. (أي ينبغي أن تكون لديكم لوعة للفوز بقرب الله فاخلقوا هذه اللوعة وعندها ستحرزون التقدير عند الله وتكونون محترمين في الدنيا أيضا) وإن لم يكن في قلبه هذه الحرقة وكان فيه حرقة للحصول على الدنيا وما فيها فسيهلك في نهاية المطاف بعد إمهاله مهلة وجيزة. إذن علينا أن نسعى جاهدين لنيل هذا الهدف، ولا يليق بنا العيش كأهل الدنيا الذين ينسون الله. فما هو الطريق الذي علمناه الله ﷻ لنيل هذا الهدف؟ أقدم لكم بخصوص ذلك بعض المقتبسات من كلام المسيح الموعود ؏، التي تعلِّمنا كيف نصبح عبادا حقيقيين وما هي مقتضيات العبودية، وحين نطلع عليها نجد أن الصلاة حصرا توجه المرء إلى أن يكون عبدا حقيقيا، يقول حضرته:
ذات مرة فكرتُ في الفرق بين الصلاة والدعاء. فقد ورد في الحديث الشريف: الصلاة هي الدعاء، والصلاة مخ العبادة. إذا كان دعاء الإنسان لنيل الأمور الدنيوية فقط فهو ليس صلاة، (أي أن يصلي المرء ليسأل اللهَ الدنيا فقط، كما ظل يعمل طول النهار لكسب الدنيا فقط، فبذَل الجهد أيضا للدنيا فقط، وحين أتى اللهَ ظل يسأله أيضا الدنيا فقط، فهذه الصلاة لا تجدر أن تسمى الصلاةَ) ولكن عندما يريد الإنسان لقاء اللهَ ويجعل مرضاته عز وجل نصب عينيه ويقوم في حضرة الله بالأدب والتواضع وبمنتهى الاستغراق ويسأله رضاه عندها يُعدّ في الصلاة. إن حقيقة الدعاء هي التي تتسبب في تقوية العلاقة بين الله والإنسان، فهذه هي الصلاة الحقيقية وهذا هو الدعاء. وهذا الدعاء يكون سببا للحصول على قرب الله تعالى وينهى الإنسان عن المنكرات. (فقد قال الله ﷻ إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فهذا يتحقق عندما يقوم المرء للصلاة بهذه الفكرة) إنما الأصل أن ينال الإنسان رضا الله تعالى ثم يجوز له أن يدعو لحاجاته الدنيوية أيضا، (أي اُطلبوا رضا الله ﷻ أولا واسألوه التوفيق لإحراز الحسنات، والاستجابة لأوامره، واسألوه قربه، ثم ادعوا لتحقُّق حاجاتكم المادية أيضا أن يبارك في أعمالكم المادية، فسوف تكون أعمالُكم مباركة ويتحقق الهدف أيضا) وذلك لأن المشاكل الدنيوية أحيانا تحول دون تحقيق الأمور الدينية، (بعض الناس حين يواجهون المشاكل الدنيوية تتأثر أمورهم الدينية وذلك لضعف إيمانهم) وتكون حجر عثرة خاصة في زمن عدم النضج. إن كلمة الصلاة تدل على الحرقة. فكما تكون الحرقة في النار (أي حين يلقي المرء يده في النار أو يقربها إليها تحترق، قال حضرته إن مثل الصلاة كمثل النار ويجب أن تخلق الصلاة الحرقة فيكم) فعلى هذا المنوال يجب أن تكون الحرقة في الدعاء. عندما يصل الأمر إلى حال كحال الموت عندها تسمى “الصلاة”.
فمثل هذه الصلوات قد توقعها منا سيدنا المسيح الموعود ؏، فعندما سنقيم الصلوات ذات الحرقة، لن تكون هناك شكوى أن الله لا يستجيب لنا، فقد دعوناه كثيرا للهدف الفلاني، فاعلموا أن الهدف إذا كان ماديا فلن تنشأ فيكم الحال التي يسمع الله لعبده فيها. فمن فضل الله ﷻ فإن في الجماعة كثيرين صلواتهم تخلق فيها الحرقة، حيث يجدون اللذة والمتعة في الصلاة، فهم لا يشتكون بأن الله لا يستجيب لهم، وهم يرضون برضاه ﷻ ولا تقلّ متعتُهم. فبعد مبايعة المسيح الموعود ؏ يذكر كثير من الجدد أيضا أنهم يجدون اللذة والمتعة في العبادة، رغم أنهم قد بايعوا قبل مدة قصيرة؛ فقد كتب داعية محلي من بنين أن المبايع الجديد في منطقته السيد إدريس كان مسلما سلفا قبل قبول الأحمدية، فهو بايع قبل خمسة أشهر (وهذا حين أرسل الداعية هذه الرسالة إلي) وقد قال: قبل انضمامي إلى الجماعة الأحمدية كنت مسلما وكنت أصلي بل أتهجد أيضا، لكنني لم أكن أجد متعة ولذة في صلاتي، ولم تكن تنشأ الحرقة، ومنذ أصبحت أحمديا تغيرتُ نهائيا، حيث أجد في الصلاة لذة ومتعة، فقد تغيرت صلواتي بسبب اللذة.
فحين يحرز الإنسان معرفة الله وتنشأ الضراعة في دعائه فهو يتمتع أيضا. يقول سيدنا المسيح الموعود ؏ عن خلق حال الحرقة والضراعة في الصلاة:
كما تتراكم السحب في السماء نتيجة حرقة الشمس فيحين نزول المطر، كذلك تخلق الصلوات حرقة الإيمان وعندها تستقيم الأمور كلها. الصلاة الحقيقية هي أن يقوم المرء أمام الله بالحرقة والضراعة والآداب كلها. (أي تتسم صلاته بالتواضع والضراعة والحرقة والألم إضافة إلى مراعاته آدابَ الصلاة حيث يقوم الإنسان أمام الله بمنتهى التواضع فهذه هي الحال الحقيقية للصلاة) ولكن إذا لم يبال المرء مع كونه عبدا فليعلم أن الله غنيٌّ. كل أمة تكون قائمة ما دامت متوجهة إلى الله تعالى. إن أساس الإيمان أيضا هو الصلاة. يقول بعض السفهاء، ما حاجة الله إلى صلواتنا؟ فيا أيها الأغبياء ليس بالله أية حاجة بل أنتم محتاجون إلى أن يتوجّه الله إليكم. وبتوجُّه الله تعالى تستقيم الأمور الفاسدة. الصلاة تزيل آلاف الأخطاء، وهي وسيلة للحصول على قرب الله تعالى. (فليس بالله ﷻ حاجة إلينا، فحين طلب منا عبادته فإنما هو مَنٌّ منه علينا لكي نتقرب إليه فنحظى بالدين والدنيا) لقد قال المسيح الموعود ؏ في موضع بيانا لحال ظاهرة لكثيرين من المصلين:
“كثير من الناس يقرّون بوجود الله باللسان ولكن إذا فحصتموهم لوجدتموهم ملحدين لأنهم عندما ينشغلون في مشاغل دنيوية ينسون غضب الله وعظمته تماما. لذا من الضروري جدا أن تطلبوا المعرفة من الله بالدعاء (إذا كنتم تريدون نيل معرفة الله تعالى فلا بد من الدعاء لذلك أيضا) لأن اليقين الكامل لا يتسنى بغيرها، بل يتأتّى حين يعلم المرء أن في قطع العلاقة بالله موتا. (لا يمكن إحراز اليقين الكامل والمعرفة ما لم يكن يخشى من أن قطع العلاقة بالله وعدم العمل بأحكامه وعدم السعي لعبادته الحقيقية سيؤدي به إلى الموت، وهذا هو الموت الحقيقي. وإذا شعر المرء بذلك استطاع أن يدعو بحرقة لنيل معرفة الله) قال ؏: فحين تدعون لاجتناب الذنب لا تنسوا الأخذ بالأسباب أيضا، (لا يمكن التخلص من الذنوب بمجرد الدعاء بل لا بد من اتخاذ التدابير) واتركوا جميع المجالس والمحافل التي تدفع إلى الذنوب. (من جهة يدعو المرء ربه أن يعطيه معرفته ويزيده معرفة ويجعله عبدا حقيقيا ومن جهة أخرى يحضر المجالس التي تدفعه إلى الذنوب مثل التفرج على التلفاز ومشاهدة الأفلام الخليعة. وتأتيني تقارير عن بعض الناس الذين تجاوزوا الأربعين من أعمارهم، تكتب عنهم زوجاتهم وأولادهم أنهم يشاهدون برامج سيئة أو يخوضون مع الخائضين في مجالس وبعضهم يعترضون فيها على نظام الجماعة ويغتابون، فإذا لم تتركوا مثل هذه المجالس كلها لن تنالوا معرفة الله) قال ؏: واتركوا جميع المجالس والمحافل التي تدفع إلى الذنوب. وإلى جانب ذلك استمِرّوا في الدعاء واعلموا جيدا أن الخلاص من الآفات التي تحل بالإنسان نتيجة القضاء والقدر مستحيل ما لم تحالف المرء نصرة الله وعونه. الصلاة التي نصليها خمس مرات كل يوم (وليس مرتين أو ثلاث مرات بل خمس مرات) تتضمن أيضا إشارة إلى أنه لو لم نُنقذها من الأهواء والأفكار النفسانية لن تكون صلاة حقيقية أبدا. (وفي الصلوات الخمس أيضا على المرء أن يسعى ليتجنب الأهواء والأفكار النفسانية لكي تكون صلاته صلاة حقيقية) ليس المراد من الصلاة أن ينقر المرء نقرات أو يؤديها تقليدا وعادة فقط، بل الصلاة ما يشعر به القلب وتذوب الروح وتخر على عتبات الله بالهيبة. (يجب أن تنشأ في القلب الحرقة والرقة والعواطف وفي هذه الحال يخر على عتبة الله) على المرء أن يسعى جاهدا لخلق الرقة فيها قدر استطاعته ويدعو بالتضرع ليزول التجاسر والذنوب الكامنة في نفسه. (على المرء أن يدعو الله تعالى قائلا يا رب، عندي كثير من التقصيرات والتجاسر والذنوب وأهواء النفس فامْحُها وأنِلْني معرفتك واجعلني عبدك الحقيقي) هذه هي الصلاة التي تكون مباركة، ولو ثابر عليها المرء لرأى أن نورا سينـزل على قلبه ليلا أو نهارا ويقلّ تجاسر النفس الأمارة. كما أن في الثعبان سم قاتل كذلك في النفس الأمارة أيضا سم فتاك، والذي خلقه هو الذي يملك علاجه أيضا. (الملفوظات)
إن النفس الأمارة تدعو المرء إلى السيئات مرارا وتكرارا وتدفعه إلى ارتكابها فلا بد من الاستعانة بالله لقتْلِها، وقتلها كقتل حية وثعبان، يجب أن نضع هذا الشيء أمامنا. ثم قال المسيح الموعود ؏:
“اُدعوا الله في صلواتكم الخمس، ولا مانع من الدعاء باللغة الأم. إن الإنسان لا يتلذذ من الصلاة بدون التركيز. ولا يحصل التركيز دون التواضع، (أنشئوا فيكم التواضع لأنه لن ينشأ التوجه والتركيز إلا بالتواضع) والتواضع يتولد عندما يفهم الإنسان ما يقرأ. فتقديم الحاجات باللغة الأم يمكن أن يُنشئ الحماسَ والاندفاعَ. (حين يعلم المرء ما يقوله تتغير حال القلب مع ألفاظ لسانه ويكون الذهن أيضا حاضرا كل الحضور) قال ؏: ولكن يجب أن لا تفهموا من ذلك أبدًا أنه يمكنكم أن تصلوا الصلاة بلغتكم. (أي لا يعني أن ترددوا كلمات الصلاة العربية والأدعية المسنونة بلغتكم الأم) كلا، بل إن ما أقصده هو أن تدعوا بلغتكم أيضا بعد قيامكم بالأدعية والأذكار المسنونة، فإن الله تعالى قد وضع بركة في تلك الكلمات المسنونة للصلاة. إن الصلاة اسم آخر للدعاء، لذا فادعوا الله تعالى فيها بأن يحميكم من آفات الدنيا والآخرة، وأن تكون العاقبة حسنة. اُدعوا، ادعوا لأزواجكم وأولادكم، وكونوا عبادا صالحين واجتنبوا كل أنواع السيئة دوما.” (جريدة “الحكم” مجلد 7 رقم 38 ص 2 عدد 17 أكتوبر 1903)
أحد أهداف الصلاة جماعةً أن يصبح المسلمون أمة واحدة بالعبادة، وحين تصل إلى الله تعالى الأدعيةُ والعبادةُ الجماعية تنال درجة عليا من القبول وحينها تُحدث انقلابا وإذا أردنا إحداث الانقلاب في أنفسنا فلا بد أن نتوجه إلى ذلك. قال المسيح الموعود ؏:
“يريد الله تعالى أن يجعل الناس جميعا كنفس واحدة، وهذه وحدة الجماعة التي بسببها يُعدُّ عدد كبير من الناس في حكم شخص واحد. (حين تتحقق وحدة الجماعة يصبح الناس ملة واحدة، وتوحُّدهم سيكون في حكم شخص واحد روحا وجسدا) قال ؏: وهذا ما يهدف إليه الدين، أن ينخرط الجميع في خيط وحدة جماعة واحد كحبات المسبحة. الصلوات التي تصلَّى في جماعة إنما هي لتحقيق الوحدة ليُعد المصلون كلهم وجودا واحدا. والأمر للوقوف معا هو أن يسري نورُ من كان يملك نورا أكثر إلى الضعيف ويقويه، وكذلك سُنَّ الحج أيضا للغرض نفسه. فلتحقيق وحدة الجمهور هذه وبقائها أمَر الله تعالى أولا أن يصلي أهل الحي خمس صلوات جماعة في مسجد الحي ليتبادلوا الأخلاق وتجتمع الأنوار وتزيل الضعف وينشأ الأنس والتعارف المتبادل. (فالذهاب إلى المسجد وأداء الصلوات الخمس إنما يكون من أجل الدعاء وإنشاء الوحدة، وليس أن تجتمعوا في المسجد وتكونَ قلوبكم شتى وتكون بينكم نزاعات) قال ؏: التعارف مستحسن لأنه يؤدي إلى ازدياد الأنس الذي هو أساس الوحدة إلى درجة أن عُدَّ العدو المعروف أفضل من الصديق غير المعروف بكثير لأنهما إذا تقابلا في بلد أجنبي ينشأ في القلوب أُنس بسبب التعارف. والسبب في ذلك أن البُغض، وهو نزعة مؤقتة، يزول عند الابتعاد عن أرض الضغينة ويبقى التعارف. (العدو أيضا يصبح صديقا في بلد أجنبي، لأنه إن كان في بلد ما خلاف بين بعض الناس لسبب، فإنهم حين يذهبون إلى بلد آخر ولا يجدون هناك أهل قومهم يُضطرون إلى أن يعتمدوا على بعضهم وذلك يُنشئ بينهم الصداقة والعلاقة) والأمر الثاني هو أن يجتمع الناس في مسجد جامع يوم الجمعة لأن اجتماع الناس كل يوم متعذر، لذا أمر الله أن يجتمع الناس من المدينة مرة في الأسبوع ويخلقوا التعارف والوحدة، وبذلك يصيرون كجسد واحد في يوم من أيام الأسبوع. ثم سنّ العيدين بعد عام وأمر أن يجتمع الناس من القرى والمدينة ويصلّوا معا ليزداد الأنس والتعارف وتنشأ وحدة الجماعة. ثم حدد يوما واحد مرة في حياة المرء للاجتماع على المستوى العالمي ليجتمع الناس جميعا في رحاب مكة. فبذلك أراد الله تعالى أن يزداد الأنس والألفة المتبادلة. (البدر، المجلد3، رقم 34، عدد 8/ 9/1904م، ص5)
فهذه هي الألفة والمحبة التي يريد الله تعالى أن تُنشئها الأمة المسلمة لوجه الله تعالى وأن تصبح أمة واحدة، يجب على الإنسان أن يصبح مؤمنا حقيقيا ويتوجه إلى الصلوات ويذهبَ إلى المسجد للصلوات الخمس وللجمعة وللعيدين بهذا التفكير.
ثم في هذا الزمن قد هيأ الله تعالى لنا الجلسات والاحتفالات لعقد المجالس الدينية حيث نجتمع ونستمع للأمور الدينية ونصلي ونُنشئ بيننا علاقة الحب والألفة، وهذا شيء إضافي هيأه الله تعالى لنا بواسطة المسيح الموعود ؏ وينبغي أن نشكره تعالى على ذلك، والطريق الحقيقي لشكره هو أن نُنشيء في قلوبنا حبا ونقطع عهدا بأننا سنسعى لنكون عباد الله الحقيقيين وسنؤدي حقوق الله وحقوق العباد أيضا. قال المسيح الموعود ؏:
“الصلاة حق الله فأدوا حقه على أحسن ما يرام ولا تداهنوا عدو الله، واهتموا بالوفاء والصدق، ولو رأيتم البيت كله يخرب فدَعُوه يخرب ولكن لا تتركوا الصلاة… ثم قال ؏ عن الصلاة: الحق أنها تسوِّي الدين وتصلح الأخلاق والدنيا. إن متعة الصلاة غالبة على متعة الدنيا كلها. ينفق الناس ألوفا من أجل الملذات الجسدية ولا تكون نتيجتها إلا الأمراض. غير أن الصلاة تجلب إلى المصلي الجنة بالمجان. لقد ذكر القرآن الكريم جنتّين، إحداهما جنّةُ هذه الدنيا. وما هي جنة الدنيا؟ قال ؏ إن جنة الدنيا هي المتعة في الصلاة. أي إذا استمتعتم بالصلاة شعرتم أنكم نلتم الجنة في الدنيا.
كيف يحدث هذا الانقلاب في المصلين؟ وكيف يجدون هذا السرور في الصلاة؟ وكيف يصبحون الفائزين بجنة الدنيا؟ بل هناك كثيرون في الجماعة لم يتغيروا هم وحدهم فقط بل تغيرت حال أولادهم أيضا، فصاروا يسعون للفوز بجنة الدنيا هذه، وأضرب لكم مثالا بهذا الصدد:
كتب داعيتنا المحلي في أحد فروع جماعتنا في بنين: هناك أخ لنا اسمه عبد المؤمن لافيا، قال: كنتُ مسلما بالمولد، لكني لم أكن أهتم بالصلاة وغيرِها من أمور الدين، ولهذا السبب كان أولادي ولا سيما ابنتي الصغيرة بعيدة عن الإسلام تماما. لم تكن قدوتي جيدة لذلك كلما نصحتها لم يجدها نصحي نفعا. لكني لما انضممت إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية حدث فيّ تغيير طيب، كما أن ابنتي أيضا بدأت الآن تحب الإسلام، وليس ذلك فحسب بل هي تشارك في فعاليات الجماعة أيضا بانتظام، وبدأنا كلنا نهتم بصلواتنا أكثر من ذي قبل، بل نعتني بها حق العناية.
فترون كيف أن الإيمان بالمسيح الموعود ؏ أصلح هذا الأخ، وليس ذلك فحسب بل أصلح أولاده أيضا. لذا فلا بد لكل واحد منا من تقديم قدوته الحسنة من أجل إصلاح أهله، وإن تقديم هذه القدوة هو واجب “أنصار الله”، وهذه هي الغاية الحقيقية من كوننا أنصار الله.
يقول المسيح الموعود ؏ وهو يحث على الأدعية والعبادات: إن الله يحفظ من الناس من يكون أولى بالحفظ والعناية. ومَن هؤلاء القوم؟ هم أولئك الذين ينشئون مع الله تعالى علاقة صادقة ويطهرون باطنهم.
أي يكون باطنهم كظاهرهم، ويكونون على صلة صادقة مع الله تعالى. لا يقولون بأفواههم فقط إننا نحب الله تعالى وإننا عباده، بل إن قلوبهم أيضا تشهد على صدق ما يقولون، كما أن كل عمل من أعمالهم يؤكد ذلك.
ثم يقول ؏: وإنهم يتعاملون مع الناس بالبر والمواساة.
هذه علامة أخرى لهؤلاء، إذ إنهم يواسي بعضهم بعضا ويحسن بعضهم إلى بعض، ويكونون مطيعين لله حقًا. وهذا ما يتضح من القرآن الكريم أيضا حيث قال الله تعالى (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ) (الفرقان 78). وهذا يؤكد أن الله تعالى يولي عناية بفئة، وهم أولئك السعداء الذين يدعونه تعالى.
أي أن الله تعالى يقول لو دعوتموني فسوف أعتني بأمركم، وعندما يعتني الله بأحد ينال مقاما خاصا عنده تعالى.
ثم يقول ؏: إن هؤلاء الذين يتوجهون إلى الله تعالى وينيبون إليه ويدعونه والذين هم أهل السعادة حقا، يطهّرهم الله من كل ما يُبعد عنه تعالى. عندما يُصلح المرء نفسه ويتصالح مع الله تعالى فإنه يكشف عنه عذابه أيضا. إن الله ليس بقاسٍ، وقد قال الله تعالى صراحة: (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ) (النساء 148)
أضرب لكم مثالا آخر للانقلاب الحاصل في الذين يُحدثون في أنفسهم تغييرات طيبة. في شرق أفريقيا بلد اسمه تنزانيا، وقد كتب معلم لنا يعمل هناك في منطقة “شيانغا”: لقد أُنشئَ فرع جديد لجماعتنا في قرية “اغمبيا”، ومعظم أهلها لا دين لهم، وأكثرهم يتعاطون الخمور ويظلون سكارى كل حين، ويلعبون الميسر، وتكثر فيهم المساوئ الأخرى أيضا. ليس هناك سيئة إلا وتوجد فيهم. عندما ذهبنا للدعوة إلى تلك القرية قلنا عند رؤية حال أهلها لعلنا لن نحرز هنا نجاحا كافيا، فإن القوم يشربون الخمر ويعيشون سكارى كل حين، ويلعبون القمار ويقعون في كل أنواع المعاصي، فأنى لهم أن يستعموا لقولنا عن الدين وعن الله تعالى؟! فظننا في أنفسنا أننا لن ننجح هنا، لأنهم لن يطيقوا سماع قولنا، دعك من أن نحرز أي نجاح. لكننا لما بلّغناهم الدعوة فلم يستمعوا لرسالة الإسلام الأحمدية فحسب، بل لم يلبث العديد منهم أن أسلموا وبايعوا وانضموا إلى جماعتنا. ثم حصل تغييرٌ طيب عظيم في هؤلاء المبايعين الذين كان شغلهم الشاغل من قبل الانغماس في ملذات الدنيا من تعاطي الخمور ولعب الميسر، حتى إنهم سافروا لأداء صلاة الجمعة إلى أقرب فرع للجماعة في قرية “كداندا” الواقعة على بعد أربعة كيلومترات. كانت جماعتنا في قريتهم جديدة ولم يكن بها مسجد، لذلك كانوا يسافرون أربعة كليومترات إلى القرية الأخرى ليصلّوا هنالك الجمعة. ونظرا إلى رغبتهم في الإسلام وما حصل فيهم من تغيير طيب شُيّد الآن مسجد مؤقت في قريتهم أيضا، وقد بدأوا يصلون فيه جماعة.
فترون كيف أن هؤلاء الذين كانوا يعيشون سكارى، ويشربون الخمور ويلعبون الميسر وينغمسون في السيئات الأخرى كل حين، قد بدأوا الآن يصلون في المسجد خمس مرات كل يوم! فهذا هو الانقلاب الذي حصل في هؤلاء بعد البيعة.
تقام الآن فروع جديدة للجماعة في العالم، وهؤلاء الجدد يبنون المساجد، ثم يسعون لعمارتها بالمصلين، وهذا الأمر يحتّم علينا أن نقف هنا وقفة تأملية. إن الأكثرية منكم أعني الجالسين أمامي الآن قد هاجروا إلى هذه البلاد الغربية بحجة أنهم كان محظورا عليهم أن يقوموا بالعبادات بحرية ولم يكن مسموحًا لهم أن يسموا أنفسهم مسلمين، أو أن يعملوا بأحكام الإسلام أو يذكروا اسم الله بحرية، وبسبب هذا الحظر والضيق هاجروا إلى هنا، فكم بالحري بنا بعد ذلك أن نؤدي حق الله ونعمل بأحكامه ونعمر مساجدنا بالصلاة فيها! أما إذا لم نفعل ذلك ولم نعمل بأحكام الله تعالى، ولم نسعَ لنكون عبادًا حقيقيين له، فاعلموا أن الله غني. يجب أن تتذكروا دائما أن الله ليست له قرابة مع أحد. يقول المسيح الموعود ؏ عن الله تعالى: قل لهم إنكم إذا لم تصبحوا صالحين ولم تنشغلوا بذكره فربّي لا يعبأ بحياتكم. وأي شك في أن المرء إذا عاش عيشة غافلة ولم يبق في قلبه رعب عظمة الله وكانت جميع أعماله صادرة عن حرية وجرأة، فإن ماعزًا خيرٌ منه؟! إذ يُشرَب لبنها ويؤكل لحمها ويُنتَفَع بجلدها في كثير من الأمور. في هذه الحال فإن الحيوان من الأنعام يكون أفضل من الناس.
فالأمر يتطلب منا الكثير من التأمل والتفكير. علينا أن نفكر كل حين في هذا الأمر. بالدعاوى فقط لن ينتصر الإسلام. بالدعاوى فقط لن يتم إصلاحنا. بالدعاوى فقط لن تستمر الرسالة الحقيقية للإسلام والأحمدية في أجيالنا التالية، بل لا بد لنا من السعي لذلك، ولا مناص لنا من بذل الجهود لنرث أفضال الله تعالى.
وفقنا الله تعالى لأداء حق العبادات كما ينبغي، ووهب لنا معرفته تعالى، ووفقنا لإصلاح أنفسنا، وليس ذلك فقط بل نصبح أسوة لأولادنا أيضا. إن الدنيا في هذه الأيام تنسى الله تعالى بسرعة هائلة، ولا يقدر على إصلاحها إلا جماعة المسيح الموعود ؏ الذي قد بعثه الله تعالى من أجل هذه المهمة في هذا العصر. إن الأحمديين القدامى إن لم يدركوا أهمية هذا الأمر وانغمسوا في ملذات الدنيا بعد المجيء إلى هذه البلاد بدلاً من شكر لله تعالى، ولم يكونوا قدوة حسنة لأولادهم، فإن الله تعالى سيهب للمسيح الموعود ؏ ملخصين آخرين، وهو يهب له إياهم في كل مكان في العالم، وعندها سيكون هؤلاء هم حملةَ لواء العالم وأنصارَ الله الحقيقيين. فضعوا هذا الأمر نصب أعينكم دائما. فإن كنتم تريدون أن تكونوا وأجيالكم من هؤلاء القوم الذين يعتني الله بهم، فلا بد لكم من الحفاظ على صلواتكم وعباداتكم. وفقنا الله جميعا لذلك. آمين.
تعالوا ندع الآن.
أريد أن أوضح هنا أمرًا مِن قِبل لجنة إماء الله (يعني النساء).كنتُ حضرتُ الجلسةَ الصباحية في خيمة “لجنة إماء الله” وقد ذكرن في التقرير الذي رفعنه إليّ عندها أن عدد النسوة اللاتي حضرن تلك الجلسة هو 3500، وأن عدد الحاضرات في اليوم الأول من اجتماعهن كان 3900. يبدو أن خطأ ما حصل من رئيسة لجنة إماء الله نتيجة التواضع أو الاضطراب، لأن العدد الحقيقي في تلك الجلسة التي حضرتُها كان 5528، وهو أكثر بكثير من عدد الحاضرات في السنة المنصرمة.
على كل حال، ندعو الله تعالى ألا يقتصر الأمر على العدد فقط، بل يحدث فينا جميعا ثورة حقيقية. جزاكم الله. والسلام عليكم ورحمة الله.