خطاب
ألقاه أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز
الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام
يوم 4/08/2018
في خيمة النساء في حديقة المهدي، محافظة سري ببريطانيا بمناسبة الجلسة السنوية
*****
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين، آمين.
هذا العصر الذي نعيش فيه هو عصر التقدم المادي، وهذا التقدم المادي يوفر للإنسان فرص الاختراعات الجديدة، وييسر الله له هذه الفرص كل يوم، ففي كل يوم جديد يظهر للناس مخترَع جديد، أو يطورون المخترَع القديم لتوفير الراحة والنفع أكثر فأكثر، لكن هذه المخترعات والأشياء الجديدة تتسبب من ناحية أخرى في ضرر الناس أيضا. فمثلا قد اخترع الإنسان الهاتف لسهولة التواصل وليرسل رسائله إلى الآخر فورًا، وبالفعل ينفع هذا الهاتف الناس نفعا كبيرا. لقد أضيفت إلى نظام الهواتف خصائص جديدة تمكّن الناس من إيصال رسائلهم مع الصورة والكتابة. وقد كثرت هذه الهواتف النقالة أو الخلوية حتى أنكم تجدونها في أيدي أهل البلاد الفقيرة أيضا، بل يكشف البحث الذي تم في بعض البلدان أن الناس يمكن أن يجوعوا مرة في اليوم لكنهم يريدون اقتناء الهاتف واستخدامه. وعلى سبيل المثال، إن 87 بالمائة من سكان الهند يستخدمون الهواتف مع أن الفقر في الهند شديد. و75 بالمائة من سكان باكستان يستعملون الهواتف مع أن أهلها يشتكون من فُحش الغلاء جدا. والبرازيل بلد فقير أيضا، وقد ساءت معيشتها جدا في هذه الأيام، ومع ذلك كل واحد من سكانها يقتني أكثر من هاتف، بل كل مائة شخص منهم يمتلكون 144 هاتفا. وهذه هي الحال في البلاد المتقدمة.
فمن جهة يقول سكان البلاد الفقيرة ليس عندنا المال للأكل والشرب، ومن جهة أخرى يلجؤون لإيجاد المال بأية طريقة من أجل شراء الهواتف واقتنائها. ذلك لأنه توجد في هذه الهواتف النقالة أسباب الإغراء والاستمتاع مثل الفيس بوك والتويتر وغيرهما من أمور اللغو والعبث. وكل هذه المغريات أو أسباب الاستمتاع أو الإخبار أو الفساد، التي نسميها اللغو، يقرّ الكثيرون ممن يصنعون هذه الهواتف أو البرامج المركبة فيها أن ضررها كبير جدا. بل لقد قال أحدهم، ولعله مَن صمم تطبيق الفيس بوك: إني لا أرضى لأولادي بأن يقعوا في هذه الأمور العابثة. إن هذا الشخص يقول هذا من جهة، ومن جهة أخرى يهيئ أسباب الدمار للآخرين كسبًا للمال. هذه هي الأنانية التي نراها في هؤلاء الأناس الماديين. إنهم لا يفكرون كيف يؤدي الاستخدام الخاطئ لهذه المخترعات بالدنيا إلى الفساد والدمار، وإنما يهتمون بمصلحتهم ومصلحة أولادهم فقط. وعلى النقيض انظروا إلى تعاليم الإسلام، كم هي جميلة! فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: عليك أن تحبّ لأخيك ما تحبّ لنفسك. ولو عمل هؤلاء القوم بهذا المبدأ لانتفعوا مما في هذه المخترعات من خير، ونجوا مما فيها من أضرار. غير أن هؤلاء الماديين الذين لا يتيسر لهم مِن هدي ورشد، إذا كانوا يدمّرون أنفسهم باستخدام هذه الأشياء الضارة فهو أمر مفهوم، لأنهم منبهرون بزخرفة الدنيا ولمعانها، أما نحن المسلمون الأحمديون الذين يتيسر لهم الهدي والإرشاد عند كل خطوة، لو خُضنا في هذه الأمور العبثية المؤدية إلى الدمار ودمرنا حياتنا بها جريًا وراء أهل الدنيا، فلن يفتي أحد بأننا عقلاء. على المرء ألا يقتني كل شيء مادي تقليدًا للناس كالأعمى، بل عليه أن يستخدم عقله وفكره أيضا. إن استخدام المرء شيئًا ما أكثرَ من اللازم وانغماسه فيه انغماسَ المدمنِ على شيء المنقطعِ عن الدنيا وما فيها، لأمرٌ غير لائق. إن أكثر الناس يظلون مستغرقين في استخدام الهواتف والأجهزة اللوحية وغيرها كما يستغرق السكارى في سكرهم، وهذا يؤدي إلى تفكك البيوت وفساد الأولاد. في حياة البيوت نجد الأمهات يدعين الأولاد إلى الطعام، فلا يطيعونهن أولاً، وإذا أتوا جاءوا حاملين في أيديهم الهواتف وما شابهها من المخترعات ذات الألعاب والأفلام، ويظلون يشاهدونها كل الوقت حتى أثناء الأكل. ثم إن بعض الأولاد لا يهتمون بدراستهم مما يبعث أمهاتهم على القلق. لقد بدأ الآن بعض الماديين العقلاء أيضا يقولون إن هذه المخترعات قد قضت على وحدة بيوتنا. في الماضي كان الوالدان والأولاد يجلسون ويتكلمون فيما بينهم. ثم جاء التلفاز فكانوا يشاهدونه جالسين معا، وظل في البيت نوع من الوحدة، أما الآن فإن الحواسيب والهواتف النقالة والأجهزة اللوحية وأجهزة الأندرويد وغيرها من الأدوات قد فرقت بين الأقارب أو قضت على القرابات، ولم تبق في البيوت وحدة.
فهذه المخترعات تبعث كل عاقل على القلق، وهي تثير قلقنا نحن المسلمين الأحمديين أكثرَ، إذ لا ينتبه الأولاد والشباب بل الكبار لأوقات الصلوات. إذ يعكفون على هذه الأدوات بالليل إلى ساعات متأخرة ولا يستيقظون لصلاة الفجر. أما الظهر والعصر فلا يستطيعون أن يصلوهما جماعةً لتواجدهم في العمل. أما المغرب والعشاء فلا يصليهما الرجال جماعةً لانشغالهم بهذه الأمور العبثية.
فهذه المخترعات كما هي نافعة فإن فيها أضرارا أيضا. من المؤكد أن فيها منافع، حيث تستطيعون مشاهد قناة ايم تي اي وغيرها من البرامج الدينية والثقافية للجماعة، إلا أن استخدامها الخاطئ يؤدي إلى الفساد كما قلت آنفًا. المخترعات الحديثة نافعة ما دام استخدامها في حدود المسموح به. لقد بدأ الآن بعض الشباب والفتيات في إرسال رسائل عبر الهواتف أو مشاهدة أشياء عبثية حتى في هذه الجلسات، بدلاً من الاستماع لما يلقى فيها من خطب. هذه الشكاوى أيضا قد وصلتني. فترون أنهم قد جاءوا هنا للاستماع للخطب، ولكنهم يحملون الهواتف في أيديهم هنا أيضا. مع أن الواجب أن يستمعوا لما قال الله ورسوله بكل إخلاص في جو الجلسة.
لقد ازداد جدًّا حب الهواتف النقالة والهواتف من طراز iPhone وغيرها، حتى إن الصغار الذين تتراوح أعمارهم ما بين السادسة والتاسعة، يكتبون لي في رسائلهم إننا نطلب من آبائنا أن يشتروا لنا الهواتف ولكنهم يرفضون طلبنا قائلين إنكم لا تزالون صغارا، فأخبِرْنا ما هو العمر الذي يجوز فيه للطفل اقتناء الهاتف. إنهم يسألونني هذا لظنهم أنني سأنحاز إليهم وأقول لهم يقينًا: نعم قولوا لآبائكم أن يشتروا لكم الهواتف، ليجدوا الرخصة لاقتنائها. لكني أجيبهم دائما ينبغي ألا يشتري الآباء الهواتف لأولادهم الصغار. فيقدم لي بعض الصغار الأعذار قائلين: لكننا نحتاج إلى الحديث إلى آبائنا وأمهاتنا عند بعض الطوارئ في المدارس. فأجيبهم: إذا كان هناك أمر طارئ فإن مسؤولي المدرسة أنفسهم يخبرون الآباء والأمهات بذلك، لذا فهذه الأعذار أيضا غير مقبولة.
أما الآباء والأمهات الذين يسعون ليجنّبوا أولادهم هذه الأمور العبثية فإنهم يستحقون المدح والثناء يقينا، وعددهم كبير. لقد ظهرت الآن بحوث تقول إنه لا ينبغي السماح للأولاد بمشاهدة التلفاز والأجهزة اللوحية وما شابههما من أدوات ذات شاشات أكثرَ من ساعة في اليوم، وإلا ضعف بصرهم، بل تضرّرَ نموُّهم. لذا فبدلاً من شراء هذه الأشياء للصغار، عليكم أن تعوّدوهم اللعبَ في الهواء الطلق في الساحات الواسعة وقراءةَ الكتب في وقت المذاكرة.
على كل حال، هذه الأدوات الالكترونية ضارة في بعض الأحيان ونافعة أيضا، ويزداد استخدام معظمها ضررا. وعلى الكبار والصغار رجالا ونساء أن يتجنبوا استخدامها الخاطئ، ولا سيما الصغار. عندما يستخدمها الكبار بطريقة خاطئة، فلا بد أن يتعلم منهم الصغار هذا الخطأ.
بفضل الله تعالى هناك عدد كبير من الأمهات اللواتي يهتممن بتربية أولادهن، وعلى الأقل فإن الأمهات اللواتي يأتين لملاقاتي أو اللواتي يراسلنني يعطينني انطباعًا أنهن أكثر حرصًا من الآباء على تربية أولادهن على ما يرام. في محيط هذا العصر الذي يتعلم فيه الصغار من غيرهم في المدرسة أمورا دنيوية أكثرَ من ذي قبل، كما أن المدارس تعلّمهم بحجة الحرية أمورًا هم في غنى عنها إذ لا علاقة لهم بها في هذه السن، بل يقول البعض دعوا الأولاد ينموا في جو حر، ولا ينبغي أن يعلَّموا أي دين، بل سيقرّر الولد بنفسه عندما يكبر ما إذا كان سيختار الدين أم لا، وأي دين يختار، أقول: في مثل هذه الأوضاع وفي مثل هذا المحيط الذي يدفع الأولاد من كل جانب إلى المادية، قد أصبحت تربية الأجيال الناشئة تحديا كبيرا للآباء والأمهات الذين يحبون الدين. لو بدأ المجتمع والمعاهد التعليمية تفرض على الآباء والأمهات ألا يعلّموا أولادهم الدين فليس هناك وضع هو أكثر هولاً وخوفًا من ذلك، وقد يقولون غدا أنه لا داعي لتعليم الأخلاق أيضا، فعندما سيكبر الأولاد يتعلمون تمييز الأخلاق السيئة من الحسنة من تلقاء أنفسهم. هذه الأمور تبعث على القلق والاضطراب حتما. إن أقوال هؤلاء الماديين أنفسهم متناقضة، فمن ناحية يتكلم اللادينيون بل الملحدون أيضا كثيرا ضد الدين، ومن ناحية أخرى يسلِّمون أيضا بأن الدين نفسه قد علَّم الأخلاق والتحضُّر. باختصار إنهم رغم إنكارهم للدين لا يجدون بدا من التسليم ببعض مزاياه أيضا. وبوصفنا آمنّا بإمام الزمان، وادَّعينا أنه الخادم البار للنبي ﷺ الذي كان سيُبعث من الله في الزمن الأخير، ليقرب العالم من الله ويُطلعه على محاسن الإسلام، فنحن بأمسِّ الحاجة في هذه البيئة إلى أن نعمل بأقصى جهد. فمن واجبنا أن لا نجتنب اللغو واللهو والسيئات المتفشية في العالم بشكل شخصي فحسب، بل يجب أن نسعى لإنقاذ الأجيال المقبلة منها أيضا، ونربيها بحيث يستمر هذا العمل جيلا بعد جيل، وينتفع كل جيل قادم من إنعامات الله ﷻ إضافة إلى أداء حقه والقيام بعبادته ويستجيب لأوامره أيضا بانتظام. إن مجرد الإعلان باللسان قياما بأننا سنؤثر الدين على الدنيا لا يكفي، بل يجب أن نثبته عمليا أيضا. ولا نستطيع خلقه بقوة سواعدنا نحن ولا أجيالنا، بل يتطلب ذلك فضلَ الله ﷻ وللحصول على فضل الله ﷻ ثمة حاجة إلى دعائه والإنابة إليه، والعمل بأوامره وإصلاح أعمالنا، ومعتقداتنا.
فعلى كل سيدة لها أولاد وكلِّ فتاة ستصبح أمًّا إن شاء الله أن تدعو الله ﷻ أن يربي أولادها بفضله المحض في هذه البيئة. حتى يكون كلٌّ منهم مؤْثرا الدين على الدنيا. فقد وجَّه سيدنا المسيح الموعود ؏ أنظارنا إلى هذا الأمر مرارا وتكرارا، أنه يجب أن لا تكون أمنية إنجاب الذرية والدعاء من أجل ذلك بدافع رغبة طبعية، إذ كل إنسان يحب أن تكون له ذرية، والنساء يتمنين الإنجاب بصفة خاصة إضافة إلى هذه الرغبة الطبعية ويقْلقن من أنهن إن لم ينجبن فيشكوهن أهل الأزواج وأحيانا يسمعن من أزواجهن أيضا كلمات قاسية. بعض الأزواج يهددون زوجاتهم أو أهلهن بالطلاق، فالرغبة الطبعية في الحصول على الذرية صحيحة وتجوز في مثل هذه الأوضاع، لكنه أكثر من هذا يجب أن تكون عند الرجل والمرأة رغبةٌ في الإنجاب لتكون ذريتُهم صالحةً ومتدينة وساعيةً لتحقيق الغاية المنشودة من خلق الإنسان، وهي أن تكون عابدة لله ﷻ. لقد بيَّن المسيح الموعود ؏ هذا الموضوع وأقدم لكنّ ملخصه وهو:
إذا كان الوالدان لا يحققان هذه الغاية فإن أمنيتهما بأن تكون لهما ذرية كثيرة العدد لَرغبة سطحية وسخيفة، فأسوة الوالدين هامة جدا وعندما سيقدِّم الوالدان الأسوة فإن الأولاد سيتأسون بهما.
في موضع ما قال المسيح الموعود ؏ انطلاقا من تربية الأولاد ذاكرا أدعيته: أما أنا فلا تخلو أي صلاة لي من الدعاء لأصدقائي وأولادي وزوجتي. كثيرون من الوالدِين يعلِّمون أولادهم عادات سيئة. إذ في أول الأمر حين يبدأ الأولاد ارتكاب السيئة لا ينبِّهونهم مما يؤدي إلى تشجُّعهم وتجاسرهم. حين يولد الأولاد لا يهتم الوالدان بتربيتهم ولا بإصلاح معتقداتهم ولا تحسين أخلاقهم. فإصلاح المعتقدات أيضا هام جدا، وتعليم الدين أيضا ضروري جدا. فإذا تعلَّموا الدين فسيتعلمون الأخلاق من تلقاء أنفسهم. وإصلاح المعتقدات ضروري جدا من أجل التربية. أي الاهتمام بتعليم الدين والتربية هام جدا. وكذلك فإن تصحيح الأخلاق أيضا كما قلت ضروري جدا. إن مراقبة تصرفات الأولاد وتعليمهم الدينَ وتحسين أخلاقهم إضافة إلى الدعاء هام جدا. فالتربية الدينية في هذه البيئة المادية أمر هام جدا. ثمة حاجة إلى خلق الإحساس لدى الأولاد بأن الدين مقدَّم على كل شيء. ثمة حاجة ماسة إلى أن تخبروا الأولاد أن الأخلاق الصحيحة والحقيقية هي تلك التي علَّمَناها اللهُ ﷻ والدينُ. فالصدق هو القول السديد أي بيان كل شيء بكامل الصدق دون اللف والدوران والتعقيد، حيث يكون الكلام واضحا نقيا. وإن لم يتمسك بهذا الوالدان فلن تؤثر نصيحتهما بذلك في الأولاد وكذلك الأمور الأخرى، بعض الأمور في هذا المجتمع لا تعدّ سيئة أو منافية للأخلاق لكن الدين يعدّها سيئة وخاطئة. فمن واجب الوالدِين أن يعلِّموا الأولاد التمييز بين الصالح والطالح، وخاصة إذا كانوا يتعلمون في المدارس هذه الأمور التي ذكرتها قبل قليل. إذا كان الوالدان يريدان أن يكونا إمامَي المتقين فلا بد أن يكونا شخصيا من المتقين. فكما يبديان الاهتمام بالدراسة المادية يجب أن يكون عندهم الاهتمام برفع مستوى التعليم الديني لأولادهما أيضا ثم يجب أن يبذلوا المساعي من أجل ذلك أيضا. لخلق إدراك الحاجة إلى التربية الدينية وتعليمِ أهمية الدين والعبادة قال النبي ﷺ: مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ، في هذا العمر.
إن الأمهات يقدرن على تربية الأولاد بوجه صحيح، فإذا أدَّين هذا الواجب على ما يرام فيمكن أن تتم تربية الأولاد بشكل صحيح، وسوف يكون في ذريتهن عبادُ الرحمن، ومن ثم تكون ذريتنا محفوظة من الشيطان. وسيصدر سعيٌ صحيح حقيقي ضد الهجمات التي يشنها الشيطان ببذل أقصى الجهود على كل خطوة في هذا المحيط المادي للإبعاد عن الدين. وإلى جانب هذا التعليم والتربية إن الدعاء هام جدا كما قلت سابقا، لأن اجتناب هجمات الشيطان والسيئات لا يمكن إلا بالإنابة إلى الله ﷻ والاستعانة به، وإلا فهجمات الشيطان خطيرة جدا. لذا من أجل التربية يجب أن توصلن أدعيتكن إلى منتهاها، أخبرن الأولاد عن أهمية الدعاء وبذلك تُنشئن علاقتهم بالله ﷻ، ففي ذلك ضمان لوقاية أجيالنا القادمة من هجمات الشيطان. إنَّ نصح الأولاد بأداء الصلاة وتعليمَهم كيفيتها، أي كيف يجب أن يكون القيام والقعود فيها، لمن واجبات الوالدين الأساسية. كان النبي ﷺ والصحابة يربّون الأولاد منذ الصغر. وفي هذه الأيام يظن الوالدان أن من واجب المنظمات الفرعية في الجماعة من الخدام والأطفال واللجنة والناصرات أن تربي أولادهما وتعلِّمهم الصلاة وأسلوبها، أو تزوِّدهم بمعلومات دينية. صحيح أن هذه المنظمات الفرعية أنشئت للتربية وخلق الوحدة إلا أن واجبات الوالدين لم تقلَّ بذلك. بعض الأمهات يعلِّمن أولادهن الأدعية منذ الصغر، وهم يُعجبون السامعين أثناء ترديدهم تلك الأدعية بلهجة بريئة لكن غالبية الأمهات لا يربّين بهذا الاهتمام. إن الأدعية التي علَّمْنهم يمكن أن يداوموا عليها ما دمن يدعون الله لهم. فهذه التربية التي تقوم بها الأمهاتُ وما يخبرن الأولاد من أهمية الصلاة والدعاء ثمة حاجة إلى أن يستمر هذا العملُ والنصحُ والتعليم إلى مرحلة الشباب بانتظام، لكي يدرك الأولاد هذه الأهمية في الكبر أيضا. والآباء والأمهات الذين يقومون بذلك فإن أولادهم بفضل الله يبقون متمسكين بالدين. وتكون للأشياء المادية والأمنيات المادية حيثية ثانوية عندهم، يجب أن يتذكر الآباء أيضا أن الأبناء بعد بلوغهم سن العاشرة أو الحادية عشرة من العمر يحتاجون إلى عنايتهم بوجه خاص، فقد تكلمت حول هذا عدة مرات من قبل أيضا. إذا كان الآباء سيجعلون ظاهرهم وباطنهم متوافقا / متطابقا ويقدمون أسوتهم فسوف يتلقى الأبناء منهم التربية. كثير من الآباء والأمهات لا يهتمون بتربية دينية لأولادهم أو لا يكون لديهم الإحساس بأن عليهم أن يؤدوا هذه المسؤولية الجسيمة الملقاة عليهم.
إذا لم يؤدّوا مسؤوليتهم هذه لابتعد أولادهم عن الدين منجرفين مع تيار الدنيا بل سيبتعدون عن الله تعالى أيضًا، فينبغي على الآباء والأمهات ألا يستهينوا بتربية الأولاد الدينية، ولذلك ثمة حاجة إلى بذل السعي والجهد الخاص، ولا شك أننا من أجل مواجهة الدنيا نحتاج إلى التعليم الدنيوي أيضا، ولا بد من إحراز مكانة عالية في ذلك، وللترغيب في ذلك بدأ خليفةُ المسيحِ الثالثُ (رحمه الله تعالى) مشروعَ تكريمِ الأولاد والبنات المتفوقين بالأوسمة الذهبية، وذلك رائج الآن في العالم كله، لا تُعطى الأوسمة الذهبية في كل مكان ولكن تُعطى أوسمة عادية وشهادات التقدير، إلا أن في باكستان والهند تُعطى الأوسمة الذهبية. واليوم عُقدت هنا أيضا حفلة توزيع الجوائز وذلك لكي تصل البناتُ أيضا مراتب عليا في التعليم الدنيوي، ولكن هذا ليس الهدف النهائي من حياتنا. حين قال المسيح الموعود ؏ أن الله تعالى أخبره بأن أتباعك سينالون الكمال في العلم والمعرفة، فهذا يشمل التعليم الديني والدنيوي كليهما، فلو تخلينا عن الدين وسعينا وراء الدنيا فقط فسوف ينفلت من أيدينا الدين والدنيا كلاهما، ثم مثل هؤلاء الآباء والأمهات يقلقون لابتعاد أولادهم عن الدين، إلا إذا كانوا هم أنفسهم قد نسوا الدين منغمسين في الدنيا، وحين يبلغون الشيخوخة يُدركون أنهم أخطؤوا إذ لم يربوا أولادهم ولم يربطوهم بالله تعالى مُنذ الصغر.
ثم يجب على الآباء والأمهات من أجل التربية أن ينتبهوا إلى طهارة الجوّ العائلي وملاءَمته، وكما قلتُ يجب أن يكون الظاهر والباطن سيَّين ولا تظهر الازدواجيةُ، حينها يمكن أن ينال الأولاد تربية حسنة، ويجب أن تلتزموا بالصدق والقولِ السديد في كل أمر وتُظهروا نماذج تقديم الدين على الدنيا. ولا ينبغي أن تقولوا للأولاد أن الشجار لا يجوز ولا يحبه الله تعالى ولا يسمح به الدينُ بينما تستخدمون أنتم أنفسُكم كلمات بذيئة لبعضكم البعض أمام الأولاد، وينبغي ألا يخاطب الزوج زوجته ولا الزوجة زوجها بكلمات نابية في حالة الغضب عند الشجار دونما وعي، وهذا ما يحدث في بعض العائلات أيضا. ويشكو إليَّ بعضُ الأولاد مثلَ هؤلاء الآباء والأمهات، ويشكون الآباءَ خاصةً قائلين أنهم يعتدون على الأمهات ويستخدمون كلمات نابية في حقهن ما يؤثر فينا كثيرا، ولو لزمت النساء الصمت مقابل جنون الرجال هذا من أجل تربية الأولاد وتنحَّيْنَ ولم يُـجِبْنَ فهذا على الأقل سيعلِّم الأولادَ بصمتٍ الأخلاقَ الحسنة من السيئة، ولكن ينبغي ألا يظن الرجالُ من كلامي هذا أنه سُمح لهم بالكلام السيئ وأن يقولوا ما شاؤوا وعلى المرأة أن تصمت وتصبر. كلا، لا أقصد ذلك أبدا بل يجب على الرجال أن يضبطوا غضبهم ولا يحسبوا أنفسهم ملوكا يملكون سلطةً مُطْلقةً بل عليهم أن يُنشؤوا في قلوبهم خشية الله، ويتذكروا أن الله تعالى مطلع على كل شيء فيهم وفي كل واحد منا ويرى ظلمهم، وسوف يعاقبهم بظلمهم حتما سواء كان هذا العقاب في هذه الدنيا أو في الآخرة، لذا يجب على الوالدين أن يخلقا في البيت جوّا بحيث يحسبهما الأولادُ أسوةً لهم ويقتربوا منهما.
ثم تذكروا أن من واجب الآباء الأحمديين أن يصطحبوا أولادهم في اجتماعات الجماعة ونشاطاتها، بعض الآباء يظنون أن تربية الأولاد الدينية وتعليمهم الديني إنما هو واجب نظام الجماعة فقط وليس واجبهم فهم يتركون أولادهم في برامج الجماعة، وبعضهم لا يهتمون بها إطلاقا فلا يَحضرون بأنفسهم برامج الجماعة كما لا يُحضرون أولادهم أيضا، فيجب أن تشاركوا أنتم أيضا فيها وأخبروا أولادكم عن أهميتها. ثم من واجب المسؤولين أن يعاملوا الأطفال بالحب والعطف في الاجتماعات ويسعوا لتقريبهم إلى الجماعة، ويجب أن يحسب المسؤولون والمسؤولات أولاد الآخرين كأولادهم، إن الآباء أرسلوا أولادهم إليكم لثقتهم بنظام الجماعة فعليكم أن تحافظوا على هذه الثقة. لا بد من السعي لتربية الأولاد في البيت وفي الخارج من حيث الجماعة لكي نتمكن من رعاية الجيل القادم وجعلِهم يقدّمون الدين على الدنيا.
ولأذكر هنا أن التنظيمات الفرعية إن كانت تبذل جهدا كبيرا لتـربية الأطفال فبعض المسؤولين في الهيئة الإدارية أو الرئيس نفسه يعاملون الأطفال بشكل سيئ بحيث ينفرون من المجيء إلى المسجد، وقد تلقيت بعض الشكاوى مثلها، ويقول الأبوان أنهما مهما بذلا من الجهد لم يجدِهم نفعا لأن هؤلاء المسؤولين يُضيعون كل جهدهما لتربيتهم. فلتربية الأولاد ولربطهم بالدين من الضروري أن يكون المحيط كله مُـعينًا، ولكن لو حدث أن طفلا أخذ ينفر من برامج الجماعة بسبب أحد المسؤولين أو الكبار فعلى أبوَيْه أن يُفهماه أن هذا تصرف شخصي لذلك المسؤول وليس مناسبا أن تُبعد نفسَك من الجماعة بسببه، وكذلك يمكن للآباء أن يوجّهوا ذلك المسؤول بأنفسهم أو يخبروا من هو فوقه في الإدارة بأن هذا المسؤول يحتاج إلى الإصلاح. باختصار، إذا كانت للأبوين علاقة شخصية مع الولد سيُخْبِرهما كل ما يحدث معه وسيفهم بإفهامهما إياه.
وقد وجّهت إلى ذلك مرارا وتكرارا أن في هذا المحيط والمجتمع لا بد أن تكون للأبوَين علاقة شخصية مع الأولاد حتى يشاطرَ الأولاد معهما كل شيء، لأن الأمر لا يقتصر على محيط الجماعة وبرامجها فقط بل يقضي الأولاد وقتا خارج البيت مع الأطفال الآخرين فيسمعون منهم و يتعلّمون أمورا متنوّعة، وإن كانوا لا يشاطرونها مع أبوَيهم فلن يُميزوا الخير من الشر، وهذا الخجل والحياء يُسببان بُعدا بين الأولاد والأبوين يصعب إزالته فيما بعد، يظن الأبوان أن أولادهما طيبون جدا ولا يتأثّرون من المحيط الخارجي ولكن في بعض الأحيان يعترف الأبوان فيما بعدُ أنهما كانا مغترَّين أو أساءا الفهم ولم يشعرا متى ابتعد ولدهما عن الدين. يكون الولد في الصغر على الفطرة السليمة ولا شك أن النبي ﷺ قال ذلك ولكنه ﷺ قال أيضا أن المحيط يجعله صالحا أو طالحا، متدينا أو مادّيا، لذا لا بد للأبوين أن يراقبا أولادهما أين يلعبون ومع أي نوع من الأطفال يلعبون؟ ولا يظن الأبوان أن من واجبهما أن يراقبا تأثيرَ المحيط فقط في الأولاد بل يجب أن يتذكرا أن سلوكهما الظاهري وتعاملهما مع بعضهما أيضا يؤثر في الأولاد لأنهم يشاهدون حالة الأبوين الظاهرية وأخلاقهما، كذلك يتأثر الأولاد في اللاشعور بسيئات الأبوين وميولهما، ويتعلمون من تلك الميول والسيئات، لذا على الوالدَين أن يُصلحا نفسيهما ويسعيا لإنقاذ ذريتهما من سيئاتهما ويدعُوَا أيضا.
ثم هناك شيء هام لتربية الأولاد والبنات وهو العدالة بين الجنسَين، بعض الناس يهتمون بالأولاد الذكور أكثر، وهذا يولد بينهم الأنانية والتمرد والعجب وينشئ فيهم التكبر في نهاية المطاف، وبسبب هذا ينشأ في البنات إحساس بالدونية، ولإزالته يبدأْن في مجالسة صديقات يُبعدْنهن عن الدين باسم الحرية وحقوق المرأة وغيرها. لذا فانحياز الأبوين إلى الابن لا يفسده وحده بل يفسد الابن والبنت كليهما ويُبعدهما عن الدين، ويجب أن تتوجه إلى ذلك الأمهات بشكل خاص.
كذلك هناك جانب آخر لتربية الأولاد وهو أنه إذا رأيتم فيهم أي خطأ أو تقصير فلا تعاتبوهم ولا ترفعوا عليهم الصوت أمام الآخرين بل عليكم أن تمنعوه هناك بحب وبعد ذلك أفهموهم بشكل جيد وحافظوا على كرامتهم، ولكن هناك بعض الناس الذين لا يمنعون بتاتا، هذا ليس صحيحا بل لا بد من توجيه الأولاد إلى خطئهم.
هناك شيء هام أريد أن أذكره بشأن الأولاد الواقفين الجدد، وهو أن كثيرا من الآباء يظنون أنه ينبغي ألا نقول للأطفال الواقفين شيئا في صغرهم وليفعلوا ما يشاؤون وسينصلحون تلقائيا عندما يكبرون، ولكن هذا التفكير خاطئ تماما. فما دمتُنَّ قد نذرتنّ أولادكنّ قبل ولادتهم داعيات اللهَ تعالى: يا إلهي قد نذرتُ طفلي المقبل لخدمة دينك. وهذا الدعاء يقتضي تربية الأولاد بانتباه شديد. ولإنجاح عملية التربية هناك حاجة أكبر إلى الدعاء. إذًا، هناك حاجة إلى تربية دينية وأخلاقية للأولاد المنضمين إلى مشروع وقف نو منذ صغرهم، وإلى خلق حب الله تعالى في قلوبهم ليكونوا ممتازين عن غيرهم عندما يكبرون، ولئلا تجذبهم رغبات دنيوية. يجب أن يكون مستوى أخلاقهم أعلى من غيرهم، وألا يكونوا مسيئي الأدب إلى إخوتهم، ولا يؤذوا أهل البيت إذا زاروا بيوت الآخرين مثلا. تقول بعض الأمهات أحيانا أن الخليفة الرابع رحمه الله قال ما مفاده: يجب ألا تقولوا شيئا للأولاد المنضمين إلى مشروع وقف نو بل اخلقوا فيهم الثقة بالنفس. فأقول: لم يقصد الخليفة الرابع رحمه الله أن تجعلوهم مسيئي الأدب. بل الحق أن الطفل بحاجة إلى التربية بالحب منذ بلوغه من العمر ثلاثة أو أربعة أعوام. وقد منع حضرته رحمه من الزجر والتوبيخ بلا مبرر كما يعتاد عليه بعض الآباء. وبيّن حضرته رحمه الله بالتفصيل أن بعض الآباء لا يربّون أولادهم تربية صحيحة في صغرهم، فحين يزورون بيوت الآخرين يشاغبون كثيرا ويثيرون ضجة لا تطاق ويضايقون أهلها. وقد أمر حضرته رحمه الله بتربية الأولاد وخاصة المنضمين إلى مشروع وقف نو منذ صغرهم، وقال أنه إذا عُلِّم الأولادُ أخلاقا فاضلة ومُنعوا من الشغب والضجيج وتخريب الأثاث في بيوتهم فلن يفعلوا ذلك في بيوت الآخرين. لقد بيّن حضرته رحمه الله هذه الأمور بالتفصيل. فمِن جهل الآباء أن يروا عدمَ تنبيه الأولاد على أيّ شيء. فإن لم تقمن بتربية الأولاد المشتركين في مشروع وقف نو تربية صحيحة ولم تعلّمنهم التمييز بين الحسنة والسيئة منذ الصغر ومارستن القسوة على أولاد الآخرين فهذا سوف يولِّد الحسد وسوء الظن بين الإخوة والأخوات. وإن لم يُظهر الأولاد الآخرون ردة فعلهم وحصلوا على التربية من تنبيه الوالدين، فالذين يتم تنبيههم سوف يصبحون أفضل ممن هم في مشروع وقف نو. والجماعة بحاجة إلى أولاد مثلهم ولا تهدف إلى خلق سيئي الأخلاق وعاطلين حاملين لقب “وقف نو” فقط، لأنهم لن ينفعوا الجماعة شيئا. لذا على الأمهات أن يربِّين أولادهن المشتركين في نظام وقف نو ليصِلوا إلى أعلى المستويات من حيث العلوم الدينية والدنيوية ومن حيث حسن الأخلاق وعاطفة خدمة البشرية ومن الناحية الروحانية. إن عدد الأطفال المشتركين في مشروع وقف نو يربو على ستين ألفا، وأعمار كثير منهم تفوق عشرين عاما، وكثير منهم قد تعلّموا الطب والدراسات المهنية أخرى ويعلمون في شتى المجالات، ولم يقدموا رسميا خدماتهم إلى الجماعة. الجماعة بحاجة إلى الأطباء ليعملوا في مستشفياتنا، وعلى الرغم من وجود الأطباء من المشتركين في نظام وقف نو لم نستطع أن نسد حاجاتنا هذه. والحال نفسه ملحوظ في مهن أخرى. فما الفائدة من انضمامهم إلى هذا النظام؟! ثم هناك آخرون يعرضون خدماتهم ثم يتركون الخدمة قائلين أن الراتب الذي تعطيهم الجماعة قليل. الحق أن الوقف عبارة عن التضحية. فعلى الأمهات أن يربّين أولادهن على أن يقدموا أنفسهم لخدمة الدين بعد إكمال دراستهم، ويقدموا أكبر تضحية في هذا السبيل. عندها يمكننا القول بأن الأمهات قد وفَين بعهد نذر أولادهن. وإلا فلا فرق بين المشتركين في وقف نو وغيرهم ولن تستفيد منهم الجماعة شيئا.
فيتحتم على الآباء أن يسعوا جاهدين في هذا المجال بوجه خاص ويخلقوا في أولادهم روحا لسد حاجات الجماعة، ويرسخوا فيهم أهمية نذر الحياة، وإلا فلا خصوصية لهم من أيّ نوع. ويجب ألا يُهمَل أمر تربيتهم بزعم أنهم أولاد خواص (أي المشتركين في نظام وقف نو). كنت قد ذكرتُ في خطبتي في كندا قبل سنتين صفات أولاد خواص فيجب أن تضعها الأمهات أمام أعينهن ويرسمن في ضوئها خطة لتربيتهم.
ومن الضروري لتربية الأولاد بوجه عام ألا يقال شيء ولا توجَّه الاعتراضات على نظام الجماعة في البيوت. الكلام في هذا الموضوع ليس بالأمر الهيّن، فهو يترسخ في أذهان الأولاد فيظنون أن نظام الجماعة كله هكذا، بل يتقدمون خطوة أخرى ويعترضون على خليفة الوقت. وعندما تبدأ هذه الاعتراضات يفقد أصحابها الوحدة مع الجماعة وينفصلون عنها. فعليكنّ أن تخشين الله تعالى بهذا الشأن. إذا كان في قلوبكن تعلُّق بالجماعة وحب لها فلا بد لكنّ من إظهار هذا التعلق والحب واجتنبن مثل هذا الكلام في البيوت، ويجب ألا تمتنعن عن مثل هذا الكلام واضعات في الحسبان أنه قد ترفع الشكوى وتُتَّخذ الإجراءات ضدكنّ، بل يجب أن يكون الحديث في البيوت عن احترام الخلافة والجماعة من منطلق أن هذا حُكم الله تعالى ورسوله. فاخشين الله تعالى بدلا من خشية الناس واضعات في الحسبان ألا تدعن نظام الوحدة الذي حظينا به يضيع. إذا كان أحد يشكو من مسؤول في الجماعة فليبلّغ شكواه إلى الخليفة ثم ليفوِّض الأمر إلى الله تعالى. هذا ما سيجعلكم مرتبطين بالجماعة والخلافة. وفيما يتعلق بتربية البنات فيجب الانتباه أكثر من أي شيء آخر إلى خلق الحياء فيهن. إن عدم الحياء منتشر في المجتمع الغربي باسم الحرية ويحث على كشف الرأس، ولكن عليكن تغطية الرأس والالتزام بالحياء باسم الدين. ويجب على الفتيات الواعيات أن ينتبهن إلى هذا الأمر من تلقاء أنفسهن. لذا إن أسوة الأمهات بهذا الشأن ضرورية جدا. الطفل الصغير يقلّد الأبوين والبنات تقلّد أمهاتهن خاصة. قبل بضعة أيام جاءت للقائي إحدى قريباتي ومعها ابنتها البالغة من العمر سنتين أو سنتين ونصف تقريبا، فخلعت السيدة الحجاب لأنها كانت في جو عائلي، ولكن البنت بدأت تغطي وجه أمّها بالحجاب مرة بعد أخرى وتقول: عليك أن تلبسي الحجاب على هذا النحو كما تلبسينه في الخارج لأن هذا هو الحجاب الصحيح. فكان في ذهن البنت الصغيرة السن أن أمّها تلبس الحجاب على هذا النحو دائما وهو جزء من لباسها لذا عليها أن تلبس الحجاب على النحو نفسه كلما خرجت من البيت أو ذهبت لزيارة أي بيت.
فما دامت الأمهات يقدمن نموذجهن أمام الأولاد سيتولد في قلوب البنات الصغيرات أيضا أهمية الحجاب وأهمية عظمة حياء المرأة وأهمية حُكم الله تعالى بهذا الشأن. لقد أمر الله تعالى أن على النساء أن يغطين رؤوسهن بخمرهن ولا يبدين زينتهم لغير محارمهن. ولكني أقول بكل أسف أن كثيرا من السيدات والفتيات حين يأتين إلى برامج الجماعة يلبسن الحجاب الذي ذكرتْه البنت الصغيرة التي ذكرتُها قبل قليل، وحين يذهبن إلى السوق يكون حجابهن مختلفا، وفي بعض الأحيان لا يهتممن به أصلا، وهذا أمر خطير جدا لأنهن يقضين تحت تأثير هذا المجتمع والموضة على الحياء عفَّة المرأة التي يريد الإسلام إقامتها. أو يشعرن بالخجل متأثرات بالمجتمع. وليكن معلوما أن الخجل من التحلي بالحياء يؤدي إلى عدم الحياء. إذًا، يجب الاستحياء والخجل من عدم الحياء وليس من العمل بأوامر الله تعالى.
اعلمن أن الابتعاد عن حكم واحد من أحكام الله تعالى يؤدي إلى الابتعاد عن أحكام كثيرة أخرى. فإن كنتن تردن تربية الأجيال القادمة تربية حسنة فلا بد من العمل والالتزام بأوامر الله تعالى بجدية. وإذا كنتن تردن أن تُجاب أدعيتكن بشأن تربية أولادكن فلا بد من العمل بأوامر الله تعالى. هذا ما يقوله الله تعالى عن استجابة الدعاء. فهناك حاجة إلى الانتباه إلى: “فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي”.
باختصار، لا يكتمل الإيمان ما لم يعمل الإنسان بأوامر الله تعالى. وحين يبلغ الإيمان هذا المستوى الذي يريد الله تعالى تُقبل أدعية صاحبه. لذا فلتربية الأجيال القادمة هناك حاجة إلى أن تقدّمن نماذجكنّ أولا، كما أن هناك حاجة إلى العمل بأوامر الله تعالى لاستجابة الدعاء. ندعو الله تعالى أن يوفقنا جميعا لذلك وأن تكون ذرياتنا على علاقة وطيدة بالله تعالى. تعالين ندعُ معا.