خطبة عيد الفطر
التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز
الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي u بتاريخ 14/5/2021م
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرّجيم. ]بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يوْم الدِّين * إيَّاكَ نعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّينَ[، آمين.
من منَّة الله العظيمة وإحسانه أنه وفقنا أن نشهد اليوم عيدا بعد المرور بشهر رمضان، لكن هل كان الهدف من رمضان ينحصر في أن نصوم تسعة وعشرين أو ثلاثين يوما ونحتفل بأفراح العيد ونأكل ونشرب ونلعب ونلهو فقط؟ هل كان الله I يريد ذلك فقط منا؟ كلا، بل سوف ننال فيوض منة الله هذه في الحقيقة عندما يجعلنا صيامُ رمضان وهذا العيدُ ندرك الغاية منهما، وهي أن البركات والتغييرات الطيبة التي أحرزناها، إذا كنا قد أحرزناها في الحقيقة فيجب أن تتراءى وتتجلى بعد صيام ثلاثين يوما. فانتظار رمضان قادم كما قال النبي r يجب أن يتم بالعمل بهذه التغييرات، لكي تستمر هذه الفيوض. من سعادتنا أننا آمنا في هذا العصر بإمام الزمان، الذي وجَّهنا توجيها يسيِّرنا دوما على طريق حدده لنا الله I ورسولُه r. فلا نستطيع أداء حق العبادة والاستجابة لأوامر الله الأخرى كما حقُّها إلا بالعمل بهذا التوجيه، وندرك حقيقة الدين وتعليمِ الله ونفهمه، ومن ثم ننال فيوضه.
لقد بيَّن لنا سيدنا المسيح الموعود u موضحا الهدف من بعثته أن لها غايتين، إحداهما ربط علاقة العبد بربه، والثانية تقريب الناس من بني جلدتهم، ومعرفةُ حقوقهم ونفْعُهم والاعتناء بمشاعرهم وأحاسيسهم ولإزالة مشاكلهم.
وهاتان الغايتان تتحققان بتأدية نوعين من الحقوق، إحداهما سميتْ حقوق الله أي أداء حق الله وإيصال العبد بالله تعالى، والثانية حقوق العباد التي بينت لكم بشيء من التفصيل كيف يمكن أداؤها. فإذا اهتممنا بأداء هذين الحقَّين فيمكن أن نكون من المفلحين والمؤمنين الصادقين. وهذا هو ملخص تعاليم الإسلام، وهذه هي ميزة المؤمن. ومن أجل ذلك بيَّن الله I شتى الطرق والوسائل أيضا، ومنها صيام شهر رمضان، أنه كيف يمكن أن ينال الإنسان هذا الهدف بالمجاهدة، وبعده فرحة العيد، التي هي ليست مجرد فرحة واحتفال، بل فيها أيضا درس. إذن فليس في وسع الإنسان أن ينال فيض رمضان إلا إذا دامت فيه التغييراتُ الطيبة، وكذلك لا تتحقق للإنسان أفراحُ العيد في الحقيقة إلا إذا صارت هذه التغييرات الطيبة جزءا لا يتجزأ من حياته. فالمسلم لا يستطيع إحراز لقب المؤمن الحقيقي إلا إذا كان لديه اهتمام مستديم بأداء حقوق الله وحقوق العباد. ونحن كما قلت سعداء إذ قد آمنَّا بإمام الزمان والمحب المخلص للنبي r وهو الذي أرشدنا كيف يمكن أن يكون المؤمن الحقيقي. وفي ضوء إرشاداته سأقتبس الآن، لنرى كيف يمكن أن تدوم فينا فيوضُ رمضان وكيف يمكن أن نحتفل بأفراح العيد بوجه حقيقي. وما هي المعايير التي يجب أن نحرزها للاحتفال بالعيد الحقيقي. وما هي حقوق الله علينا وما هي حقوق العباد بعضهم على بعض، إذا عرفنا ذلك وأدَّينا هذه الحقوق بحق، فهو العيد الحقيقي. وبواسطته تصبح لنا هذه الدنيا أيضا جنةً، نحن ندعي أننا نعبد الله I ونحبُّه. وما هي معايير هذا الحب التي بتحققها نفوز بقرب الله، وقد قال سيدنا المسيح الموعود u موضِّحا ذلك في موضع، متسائلا:
“ما المراد من حب الله؟ إنما المراد هو أن يؤثر المرءُ مرضاة الله تعالى على والديه وزوجته وأولاده ونفسه وعلى كل شيء عزيز عليه فقد ورد في القرآن الكريم: ]فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا[. (وهذا لن يتحقق إلا إذا أدركه الإنسان، لكنه إذا حصل لنا ذلك فعندها يمكن أن نقل إن عيدنا حقيقي. فثمة حاجة للفحص هل نحن مستعدون لذلك أو هل قد سعينا من أجل ذلك، فقال u موضِّحا هذا الحب أكثر): من الضروري لإقامة التوحيد الحقيقي أن تنالوا نصيبا كاملا من حب الله. وهذا الحب لا يثبت باللسان فقط ما لم يكن كاملا في الجزء العملي منه. فمثلا إذا ردّد الإنسان كلمة السكّر بكثرة فلن تحصل له الحلاوة (أي لن يذوق بذلك الحلاوةَ). أو إذا أقر المرء بلسانه بصداقة أحد وتحاشى عن نصرته عند المصيبة ولم يأخذ بيده فلن يُعدّ صديقا صدوقا. كذلك إذا كان إقرار وحدانية الله باللسان وكان إقراره بحبه I باللسان فقط فلا فائدة منه قط. فهذا الجزء يقتضي العمل أكثر من الإقرار باللسان. (فلن يجديكم الزعمُ باللسان، بل يجب أن تثبتوا بعملكم أنكم تحبون الله). لكن ذلك لا يعني أنه لا أهمية للإقرار باللسان. (بل لا بد من الإقرار باللسان أيضا) كلا، ما أقصده هو أن التصديق بالعمل أيضا ضروري مع الإقرار باللسان. لذا من الضروري أن تنذروا حياتكم في سبيل الله. (أي يجب أن تجعلوا نصب أعينكم كل حين وآن التعهدَ الذي قطعتموه بأنكم ستؤثرون الدين على الدنيا، فهذا لمؤمن عادي. أما الذين وقفوا أنفسهم فليدركوا روح الوقف ويضعوه بعين الاعتبار دوما أنهم يُقبلون على كل عمل ابتغاء مرضاة الله) قال حضرته u: هذا هو الإسلام وهذا هو الهدف الذي أُرسلت من أجله. فالذي لا يدنو الآن من هذا الينبوع الذي فجّره الله تعالى لهذا الغرض يبقى محروما حتما. إذا كنتم تريدون أن تكسبوا شيئا وتنالوا مرامكم فعلى الباحث الصادق أن يتقدم ويضع فمه على طرف هذا الينبوع الجاري. وهذا لن يتحقق ما لم يخلع الإنسان لباس الغيرية أمام الله ويخرّ على عتبات الربوبية، وما لم يتعهد أنه لن يترك الله وإن ذهبت شوكته المادية وواجه جبال المصائب بل سيكون جاهزا لتقديم كل تضحية في سبيل الله. كما كان الإخلاص العظيم لإبراهيم u الذي دفعه للتضحية بابنه. يريد الإسلام أن يُكثر أمثال إبراهيم u. لذا ينبغي أن يسعى كل واحد منكم أن يكون إبراهيم. أقول صدقا وحقا، كونوا أولياء بأنفسكم ولا تكونوا ممن يعبدون الأولياء، وكونوا مرشدين بأنفسكم ولا تكونوا عبدة المرشدين. (ونمُّوا علاقتكم بالله I حتى تنشأ لكم علاقة حب ذاتي خاص به) فاسلكوا هذه السبل. صحيح أنها ضيقة (والمهمة صعبة جدا) لكن الإنسان بدخولها يحظى براحة وسعادة. ولكن من الضروري أن تدخلوا من هذا الباب خفافا جدا. (فلا بد من نبذ سيئات كثيرة من التكبر والعنجهية وغيرهما) إذا كانت على الرأس رزمة كبيرة صعُب عليه الدخول. فإن كنتم تريدون أن تمروا من هذا الباب فارموا صرة العلاقات الدنيوية وإيثار الدنيا على الدين. إذا كانت جماعتي تريد أن ترضي الله فعليها أن ترمي هذه الصرة. واعلموا يقينا أنكم إن لم تتحلوا بالوفاء والإخلاص لكنتم كاذبين ولن تُعَدّوا صادقين عند الله. فالذي ينبذ الإخلاص ويتخذ طريق الغدر سيهلك قبل العدو. إن الله تعالى لا ينخدع ولا يسع أحدا أن يخدعه لذا من الضروري أن تخلقوا صدقا وإخلاصا حقيقيَين”
فعلاقتنا بالله I وهذا الحب وحده سيمكِّننا من الوفاء بعهدنا -أننا سنؤثر الدين على الدنيا- بوجه صحيح والالتزام بهذا العهد. وإن لم يكن فينا هذا الحب فإن عهودنا تجعلنا منخدعين. إذن يجب أن نفحص أنفسنا ما هي معايير حبنا لله I، لأن المعايير السامية لحبنا الصادق لله I سيُكسبنا أفراح العيد الحقيقية. فلنيل حب الله تعالى لا بد من أن نكون متوجِّهين إلى التوبة والاستغفار. يقول سيدنا المسيح الموعود u ناصحا حول هذا الموضوع:
“داوموا على الاستغفار، وتذكروا الموت إذ لا منبِّه أفضل منه. عندما يتوب الإنسان إلى الله بصدق القلب يرحمه الله. حينما يتوب الإنسان في حضرة الله بصدق الطوية يغفر الله له ذنوبه السابقة، ويبدأ حساب المرء من جديد. إذا أخطأ أحد في حق الإنسان خطأ بسيطا أيضا يكنّ تجاهه ضغينة وعداوة مدى العمر، ولو عفا عنه باللسان. ولكنه كلما وجد فرصة يُظهر ضغينته وعداوته. ولكن عندما يأتي العبد إلى الله تعالى بصدق القلب فهو يغفر ذنوبه ويتوب عليه ويرحمه ويعفو له عقوبة الذنب. فاذهبوا إليه U هكذا وكأنكم لم تعودوا كما كنتم من قبل. صلّوا الصلاة بكل شروطها. الإله الذي هو موجود هناك يوجد نفسه هنا أيضا. لذا يجب ألا تذهبوا إلى بيوتكم غير هيابين وغير خائفين الله بينما تعلو قلوبكم الرقة وخشية الله ما دمتم هنا. بل يجب أن تخشوا الله دائما وفي كل حين. فكّروا جيدا قبل الشروع في كل عمل وانظروا هل سيرضى الله عنكم بسببه أم سيسخط. الصلاة ضرورية جدا وهي معراج المؤمن. الطريق الأمثل للدعاء إلى الله هي الصلاة. لم تُفرض الصلاة لتُصلّى بسرعة هائلة دون الانتباه إلى مغزاها أو ينقر فيها المرء بضع نقرات مثل الدجاجة. ولكن هناك كثيرون يصلونها على هذا المنوال، وهناك كثيرون آخرون يصلّون الصلاة نتيجة نصح أحد، ولكن هذا النوع من الصلاة لا يعني شيئا. المراد من الصلاة هو الحضور أمام الله تعالى. والصلاة هي اسم آخر للصورة المركّبة لحمد الله تعالى واستغفار المرء لذنوبه. ولا صلاة قط لمن لا يصليها واضعا هذا الهدف في الاعتبار. فعليكم أن تحسِّنوا من أداء الصلاة بشكل جيد. فإن قمتم فليُنبئ وضعكم بكل وضوح أنكم قائمون في طاعة الله متواضعين، وإذا ركعتم فليتبين أن قلبكم راكع، وإذا سجدتم فلتسجدوا كالذي يخشى قلبه. ولتدعوا في الصلاة لدينكم ودنياكم”.
إذًا، لو حظينا بهذا النوع من الصلاة تكون تلك الأيام أيام عيد حقيقي لنا. هناك حاجة لمحاسبة أنفسنا لنرى هل نسعى لذلك حتى يكون احتفالنا عيدا حقيقيا؟ وهل عهدنا في شهر رمضان أننا سنعمل بذلك في العام المقبل لننال رضا الله تعالى وننال عيدا حقيقيا لأنفسنا. لقد أرشدنا المسيح الموعود u عن المستوى المطلوب للعبادات، فقال: المسلم ينذر نفسه ويسلّمها لنيل رضا الله تعالى، ويكون هدفه الوحيد من حيث الاعتقاد والأعمال هو رضا الله تعالى فقط، والحسنات والأعمال الحسنة كلها التي تصدر منه لا تكون نتيجة مشقة أو صعوبة بل يجد المرء فيها لذة وحلاوة، وتكون في العبادة سعادة تحوِّل كل صعوبة إلى راحة.
ثم يقول u: المسلم الحقيقي يحب الله قائلا ومؤمنا بأنه حبيبي ومولاي وخالقي ومحسني ويضع رأسه على عتباته. وإذا قيل للمسلم الصادق أنه لن يُعطى أجرا على هذه الأعمال قط وليس هناك جنة ولا جحيم ولا راحة ولا ملذات، لن يستطيع أن يترك أعماله الصالحة وحب الله أبدا لأن عباداته وعلاقته بالله وفناءه في طاعة الله لا يكون طمعا في أجر، بل يحسب نفسه أنه خُلق لمعرفة الله وحبه وطاعته في الحقيقة ولا هدف له ولا غاية سواها. لذا عندما يبذل قواه التي وهبه الله إياها لتحقيق هذه الغايات والأهداف يرى وجه حبيبه الحقيقي فقط ولا ينظر إلى الجنة والنار في الحقيقة.
ثم يقول حضرته ضاربا مثلا: “لو أُكِّد لي أنني سأعاقَب نتيجة حبي لله وطاعته أشد العقاب فأقول حلفا بالله أن طبيعتي مجبولة على أنها تكون مستعدة على تحمل كل هذه المصائب والبلايا كمتعة وبحماس الحب والشوق، وعلى الرغم من اليقين بالعذاب والألم ستحسب الخروج قدما واحدة من طاعة الله واتِّباعه أكبر من ألف موت بل من الميتات التي لا تعدّ ولا تحصى وستراها مجموعة من الآلام والمصائب. كما إذا أعلن مَلِك إعلانا عاما أنه إن لم ترضع أمٌّ ولدها سوف يسعد الملك بذلك ويعطيها جائزة، لن تتحمل الأم أن تهلك ولدَها رغبة وطمعا في الجائزة، كذلك إن المسلم الحقيقي يرى الخروج من طاعة أمر الله مدعاة لهلاكه مهما وُعد بالراحة والسعادة في حال عصيانه ذلك الأمر.
فمن الضروري للمسلم الحقيقي أن يفوز بهذا النوع من الطبيعة حتى لا يكون حبه لله وطاعته طمعا في الأجر أو خوفا من العقوبة، بل يجب أن تكون خاصيّة طبيعية لفطرته وجزءا منها لا يتجزأ. عندها يخلق ذلك الحب جنة له. وهذه الجنة هي الجنة الحقيقية. لا يدخل أحد الجنة ما لم يسلك هذا المسلك. لذلك أعلّمكم -الذين هم على صلة معي- للسلوك على هذا الطريق لأن هذا هو الطريق الحقيقي إلى الجنة”.
أقول: هذه هي الجنة وهي السعادة الحقيقية للعيد التي يجب أن ننالها ويجب أن نسعى للحصول عليها. ينبغي أن نحاسب أنفسنا هل نحن جاهزون للاحتفال بفرحة العيد على هذا النحو، وهل نبذل جهودنا للحصول على هذه الجنة؟ ثم يقول u بشأن الإقرار بالتوحيد:
“ولكن ما دام قانون الله السائد في الطبيعة هو أن الجماعة التي يؤسسها تتقدم تدريجا لذا إن جماعتنا أيضا ستتقدم تدريجا كزرع. وتلك الأهداف والمقاصد إنما هي بمنزلة بذرة تُزرع في الأرض. والأهداف السامية التي يريد أن يوصل الجماعة إليها لا تزال بعيدة جدا ولا يمكن تحققها ما لم تتحقق تلك الميزة التي يريدها بخلق هذه الجماعة. يجب أن يكون إقرار التوحيد أيضا منصبغا بصبغة خاصة، ويكون التبتّل إلى الله من نوع خاص، ويكون ذكر الله أيضا من نوع خاص وأن يكون أداء حقوق الإخوة متسما بسمة خاصة.”
إذًا، يجب علينا أن نسعى جاهدين لتكون علاقتنا بالله تعالى، بعد البيعة، متصبّغة بصبغة فريدة، وعندما يتحقق ذلك عندها فقط يمكن أن يكون عيدنا عيدا حقيقيا. فيجب أن نفحص أنفسنا من هذا المنطلق أيضا، هل نحاول تحقيق هذا الهدف، أم هل نحن بمنـزلة بذرة جديرة بالضياع؟ ثم يقول المسيح الموعود u:
“اعلموا يقينا أن الإنسان ينال السعادة والشرف حين لا يعادي أحدا عداوة شخصية. أما إذا كانت العداوة من أجل شرف الله ورسوله فهذا أمر آخر. أيْ أن الذي لا يُكرم اللهَ ورسولَه بل يعاديهما فاحسبوه عدوا لكم. (أي ليس المراد من ذلك ألا تدعوا للعدو بل يجب أن تدعوا لإصلاحه أيضا) ليس المراد من العداوة أن تفتروا عليه وتخططوا لإيذائه بغير حق، بل عليكم أن تبتعدوا عنه وفوِّضوا أمره إلى الله. وإذا أمكن فادعُوا لإصلاحه ولا تبدأوا معه شجارا من عند أنفسكم. (أي لا تتشاجروا مع أحد ولا تخلقوا المشاكل لإبدائهم العداء تجاهكم، وإذا كان أحد يريد أن يُبدي غيرة فليبدها لله ولرسوله. ولكن لهذا الغرض أيضا يجب أن يهتم بحدود الأخلاق التي أقامها الله ورسوله للمؤمن الحقيقي. إن سعي الإنسان لأداء حق عبادة الله وقراءة كتابه U وفهمه والعمل به يجعل الإنسان مؤمنا حقيقيا. والقرآن الكريم وحده يرشدنا إلى أوامر الله تعالى والعمل بها إرشادا صحيحا. إذًا، إن قراءة القرآن الكريم وفهمه والعمل به ضروري للتقدم في الإيمان واليقين)
يقول المسيح الموعود u: اُتلوا القرآن الكريم ولا تيأسوا من الله أبدا. المؤمن لا ييأس من الله أبدا، بل شيمة الكفار أنهم ييأسون من الله. إن إلهنا على كل شيء قدير. تعلّموا ترجمة معاني القرآن الكريم أيضا وأدّوا الصلوات بكل شروطها وافهموا معانيها وادعوا بِلُغَتِكُم أيضا. لا تقرأوا القرآن الكريم حاسبين إياه كتابا عاديا بل اقرأوه عادّين إيّاه كلام الله تعالى. صلّوا كما كان يصلّي رسول الله r. غير أنه يمكنكم أن تذكروا حوائجكم ومطالبكم بلغتكم بعد الأذكار المسنونة، واطلبوها من الله إذ لا حرج في ذلك قط، ولا تضيع الصلاة بسببها. لقد أفسد الناس الصلاةَ في هذه الأيام وكأنهم لا يصلون الصلاة بل ينقرون فقط سريعا كما تنقر الدجاجة ثم يجلسون بعدها طويلا للدعاء. إن مغزى الصلاة الحقيقي وروحها هو الدعاء. أنّى يُنال الهدف الحقيقي من الصلاة بالدعاء بعد الخروج من الصلاة. فإذا ذهب أحد إلى بلاط ملك وكانت عنده فرصة لبيان حالته، ولكنه لم يقل شيئا حينذاك وقدّم طلبه بعد الخروج من البلاط فماذا عسى أن تكون الفائدة من ذلك. الحال نفسه للذين لا يدعون بالخشوع والخضوع في الصلاة. عليكم أن تدعوا في الصلاة كل ما تريدون دعاءه وانتبهوا إلى آداب الدعاء جيدا”.
إذن، الصلاة من هذا النوع والتأمل في القرآن الكريم يجعل عيدنا عيدا حقيقيا ودائما. ولكن هل عاهدنا في رمضان الحالي للحصول على هذا العيد، وإلا يجب أن نعقد العزم اليوم أننا سنجعل أفراح عيدنا دائمة بأداء الصلوات بشروطها وبتلاوة القرآن الكريم وتدبره. وهذا هو السبيل الوحيد لنيل هذا العيد. ثم يقول المسيح الموعود u ناصحا بتلاوة القرآن الكريم وعدم تقديم الحديث على القرآن:
“يا أبناء جماعتي الأعزاء، اعلموا يقينا أن الدهر قد وصل منتهاه، وأن انقلابا صريحا قد وقع، فلا تخدعوا أنفسكم، وسارعوا لتكونوا كاملين في التقوى. اتخذوا القرآن الكريم مقتدى لكم واستنيروا به في كل أمر، ولكن لا تنبذوا الأحاديث أيضا كالمهملات، لأنها أيضا مهمة جدا، وقد جُمعت ذخائرها ببذل مجهودات كبيرة، ولكن إذا خالفت قصةٌ من قصص الأحاديث قصص القرآن، فاتركوا ذلك الحديث حتى لا تضلّوا. إن الله تعالى قد أوصل إليكم القرآن الكريم بصورة محفوظة، فقدِّروا هذا الكلام المقدس حق قدره، ولا تقدموا عليه شيئا، لأن كل نوع من الحق والصدق يوجد فيه. يزداد تأثير الكلام في قلوب الناس كلما ازدادوا تأكدا من معرفة صاحبه وتقواه”.
ثم قال u شارحا أهمية القرآن الكريم أكثر: “لو لم يكن عندنا القرآن الكريم وكان مدار الإيمان والاعتقاد على مجموعات الأحاديث هذه فحسب لما كنا نستطيع مواجهة الأمم من شدة الخجل والندم. لقد تدبرت في لفظ “القرآن”، فانكشف عليّ أن في هذا اللفظ المبارك نبأً عظيمًا بأن القرآن هو الكتاب الجدير بالقراءة، وسيصبح أجدر بالقراءة في الزمن الذي تُجعل كتب أخرى شريكة معه في القراءة، وعندها، وذودًا عن شرف الإسلام واستئصالاً للباطل، سيكون هذا الكتاب وحده جديرًا بالقراءة، بينما تكون الكتب الأخرى كلها أَولى بالترك نهائيًا. وهذا هو معنى الفرقان أيضا أن هذا الكتاب وحده سيكون الفارق بين الحق والباطل، بينما لن يرتقي أي كتاب من كتب الأحاديث أو غيرها إلى درجته ومستواه. فاتركوا جميع الكتب الآن واقرؤوا كتاب الله ليل نهار. ما أكفره من شخص يعكف على الكتب الأخرى ليل نهار ولا يلتفت إلى القرآن الكريم! فيجب على أفراد جماعتي أن ينشغلوا في التدبر في القرآن الكريم من القلب والروح، ويتركوا الانشغال بالأحاديث. ومع الأسف الشديد لا يؤبه بالقرآن الكريم في هذه الأيام ولا يُتدارس كمثل الأحاديث. فإن أخذتم سلاح القرآن في أيديكم كان الفتح لكم، فلا يمكن لأية ظلمة أن تصمد أمام هذا النور.” (الملفوظات ج 2 ص 122)
كذلك قال النبي r في مناسبة: إِنَّ الَّذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ كَالْبَيْتِ الْخَرِبِ. (سنن الترمذي، كتاب فضائل القرآن عن رسول الله) وقال أيضا: لا تعجلوا بالقرآن الكريم بل عليكم أن تقرؤوه بالتدبر والتأمل. ففي رمضان هذا حصل نوع من التوجه إلى تلاوة القرآن الكريم، وقد يكون البعض سعوا لحفظ شيء منه فعليه أن يحافظ على ما حفظ ويراجعه لكي يبقى محفوظا في الذاكرة وأن يسعى للتأمل في تعليم القرآن الكريم أيضا. عليكم أن تتأملوا في أحكام القرآن كما قال النبي r وخادمه الصادق u بأن تتدبروا القرآن. ولو توجهنا إلى حفظه وتدبره وقراءته أكثر ما يمكن، حينها سنكون ممن يؤدون حقه، وعندها نستطيع أن نقول أن شهر رمضان هذا أحدث فينا التغييرات الطيبة التي بسببها توجهنا إلى قراءة القرآن الكريم وفهمه، وهذا هو العيد الحقيقي لنا ولن نُنهي هذا العيد بالاحتفال بهذا اليوم فقط بل سنتمتع بقراءة كتاب الله تعالى بتدبر يوميا على الدوام، ولن نكتفي بالاستمتاع به فقط بل سنقرؤه لكي نترقى روحانيا ولكي يكون كل يوم لنا يوم عيد بسبب فهمنا لهذا التعليم. ويظهر عمليا في حياتنا أننا قمنا بعبادة الله وقرأنا القرآن بتدبر حين نؤدي حقوق العباد. لذا ركز الله تعالى كثيرا على أداء حقوق العباد. قال المسيح الموعود u موجها إلى ذلك:
“إن الله I قد قال في القرآن الكريم: ]قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا[ (الشمس: 10 – 11) أي قد نجا من زكّى نفسه، وخسر وخاب من حُرم من ذلك؛ لذا يجب أن تفهموا وتعوا ما هي تزكية النفس.
إذن تذكَّروا أنه يجب أن يبقى المسلم مستعدًّا كل حين وآن لتأدية حقوق الله وحقوق العباد بكل نشاط، فكما يعلن بلسانه أن الله لا شريك له في الذات ولا في الصفات يجب أن يُظهر عمليًّا مثله ويجب أن يواسي خلقه ويتعاطف معهم ويجب أن لا يكنَّ في نفسه أي نوع من الحسد والبغض والحقد لإخوته. ويجب أن يمتنع عن اغتياب الآخرين نهائيًّا. لكنني أرى أن هذا المستوى بعيد جدًّا، حيث تتفانوا في الله لدرجة تكونون له وحده وتظهرون له عمليًّا أيضًا كما تُقرون بألسنتكم. فحتى الآن لا تؤدّون حقوق الخلق أيضًا كما يجب، كثيرون يكنّون الفساد والعداء فيما بينهم وينظرون إلى من هو أضعف منهم باحتقار، ويسيئون المعاملة معهم، ويغتابون بعضُهم بعضًا، (مع أن الغيبة إثم كبير) ويكنّون في قلوبهم البغض والحقد، لكن الله I يقول كونوا فيما بينكم كوجود واحد. وعندما تكونون كيانًا واحدًا عندها يمكن أن نقول إنكم زكَّيتم أنفسكم، لأنه ما لم تكن معاملتكم فيما بينكم نظيفةً لا يمكن أن تكون معاملتكم مع الله أيضًا نظيفة. صحيح أن أكبر حق من هذين الحقَّين حقُّ الله، إلا أن المعاملة الحسنة مع مخلوقه كمرآة. فالذي لا ينظِّف معاملته مع إخوته لا يمكن أن يؤدي حقوق الله أيضًا. (الملفوظات ج10)
فحين نجعل أنفسنا وفق أمنية المسيح الموعود u هذه سيكون ذلك اليوم يوم السعادة الحقيقية ويوم العيد لنا، ولذلك لا بد أن نحاسب أنفسنا هل نؤدي حقوق إخوتنا أو نتعهد أننا سنؤديها في المستقبل بفضل الله؟
ثم يقول u: من أجل ذلك قدم الله تعالى لنا سورة الفاتحة، وأول ما ذكر فيها من صفاته تعالى هي صفة: رَبِّ الْعَالَمِينَ، التي تشمل كل المخلوقات. وعليه فيجب أن يكون نطاق مواساة المؤمن مع الجميع واسعا جدا بحيث يشمل كل حيوان وطير وكل مخلوق. ثم صفة الرحمانية تعلّمنا أن علينا مواساة المخلوقات الحية خاصة. ثم في صفة الرحيمية علّمنا مواساة بني جنسنا، أي البشر. باختصار، إن صفات الله المذكورة في سورة الفاتحة كأنما هي أخلاق الله تعالى التي يجب على العبد أن يأخذ نصيبه منها، وإنما سبيله أن الإنسان إذا كان في حالة جيدة فعليه أن يعامل بني جنسه بكل أنواع المواساة الممكنة، ولا يتضايق من الآخر أيا كان، سواء كان من أقاربه أم غير قريب، ولا يعامله كغريب، بل عليه أن يراعي ما عليه من حقوق تجاه الآخر، وإذا كان من أقاربه فعليه أداء حق قرابته كاملا.
فكلما نقرأ سورة الفاتحة في الصلاة يجب أن تلتفت أنظارنا إلى حقوق العباد واعين هذه الدروس والأمور، وعندها فقط سنظل مهتمين بأداء حقوق العباد مع أدائنا لحقوق الله تعالى، وعندها فقط سيكون عيدنا عيدا حقيقيا.
ثم يقول المسيح الموعود عليه السلام وهو يبين أن أداء حقوق العباد، إلى جانب القيام بالعبادة وتلاوة القرآن وفهم معانيه، هو من أهم فرائض المؤمن:
إن حقوق العباد أيضا نوعان: أولا حقوق الإخوة في الدين، سواء أكان أخا أو أبا أو ابنا، ولكن بينهم كلهم أُخوَّة دينية، وثانيا: مواساة صادقة مع البشر عامة.
وقال عليه السلام: إن مذهبي فيما يتعلق بمواساة البشر هو أنه ما لم يدعُ المرء لعدوه فلا يصفو صدره صفاء كاملا، فإن الله تعالى لم يشترط في قوله: ]ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ[ أنكم إذا دعوتم للعدو فلن أستجيب لكم. إن مذهبي هو أن الدعاء للعدو من سنة النبي r. لقد أسلم سيدنا عمر t نتيجة الدعاء نفسِه، إذ كان النبي r يدعو له كثيرا. لذا يجب ألا يعادي المرء نتيجة بخله أحدًا عداوة شخصية، ولا يؤذي أحدا في الحقيقة.
أحمد الله تعالى على أنني لا أجد بين أعدائي أحدا لم أدعُ له مرتين أو ثلاثا. ليس هناك أحد منهم إلا ودعوت له. وهذا ما أقوله لكم وأعلّمكم بأنه يجب أن تدعوا للعدو حتما. إن الله بريء ممن يؤذي غيره أذى حقيقيا أو يعاديه بغير حقٍ جراء بخله، براءتَه من أن يُشرَك به أحد.
أي أن الله تعالى يكره أن يؤذي المرء غيره كما يكره أن يُشرَك به تعالى. إنه لا يريد فصلا في مقام، ولا يريد وصلا في مقام آخر، أي أنه لا يريد الفصل بين بني البشر، ولا يريد أن يوصَل به أحد شريكا. أي أنه تعالى لا يريد الفُرقة بين إنسان وآخر، ولا يريد أن يوصل به أحد أي يُشرِك به شيئا. فكلا الأمرين مكروه عند الله تعالى. وإنما يتيسر ذلك إذا دعونا للمنكرين أيضا، لأن هذا سيؤدي إلى صفاء القلب وانشراح الصدر وعلوّ الهمّة.
لذا فما لم تتصبغ جماعتنا بهذه الصبغة فليس هناك ما يميّز بينها وبين غيرها. أرى لزاما أنه إذا كان أحد يصادق شخصا صداقة دينية وكان بين أقارب صديقه هذا مَن هو أدنى درجة من حيث الدنيا فعليه أن يعامله أيضا برفق ولطف وحب، لأن من صفات الله أن ذلك الرب الكريم يغفر مع الصالحين للطالحين أيضا، كما ورد في مثل فارسي. فيا مَن تنتمون إلي يجب أن تكونوا قوما جاء في حقهم: “فإنهم قوم لا يشقى جليسُهم”. هذا ملخّص ما عُلِّمنا في: “تَخلَّقوا بأخلاق الله”.
فإذا كانت علاقاتنا فيما بيننا وأدعيتنا بعضِنا لبعض إلى هذا المستوى، فعندها فقط يكون عيدنا عيدًا حقيقيا.
ثم يقول عليه السلام وهو يذكر المعيار الذي يجب بلوغه في أداء حقوق العباد: الحق أن أصعب مرحلة وأكثرَها حساسية إنما هي مرحلة حقوق العباد، لأن المرء يواجهها في كل حين وآن، ويكون في هذا الاختبار دائما. لذا فيجب على المرء أن يخطو في هذه المرحلة بكل حذر. إن مذهبي هو ألا يقسو المرء على العدو أيضا أكثر من اللازم. يريد بعض الناس أن يسعوا لتخريب العدو وإبادته قدر الإمكان، ثم يدفعهم هذا التفكير إلى اتهامه بكل طريق مشروع وغير مشروع، ويوجِّهون إليه تهما باطلة ويفترون عليه ويغتابونه ويحرضون عليه الآخرين أيضا. ترون كم يورث العداءُ البسيط هذا الشخصَ من السيئات والمنكرات، ثم إلى أين سيصل الأمر حين تُنجب هذه السيئات أولادها.
وما دام الأمر هكذا فلا بد له من سخط الله تعالى، وإذا كان الله تعالى ساخطا عليه فكيف تتيسر له فرحة العيد الحقيقية. فالأمر يتطلب منا فحص أنفسنا بخشية كبيرة.
وقال المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام: ورد في حديث شريف أن الله تعالى سيقول لبعض عباده يوم القيامة: إنكم لمن المصطفين الأخيار وإني راضٍ عنكم جدا، لأني كنتُ جائعا فأطعمتموني، وكنت عاريا فكسوتموني، وكنت ظامئا فسقيتموني، وكنت مريضا فعُدْتموني. فيقولون: إلهَنا متى كنتَ هكذا حتى نعاملك على هذا النحو. فيقول الله تعالى: إن فلانا وفلانا من عبادي كانوا هكذا فواسيتموهم وعاملتموهم بهذه المعاملة، فمواساتكم بعبادي هؤلاء كانت بمنزلة مواساتكم لي.
ثم تُعرَض على الله تعالى فئةٌ أخرى، فيقول لهم: لقد أسأتم معاملتي، فكنتُ جائعا فلم تُطْعِموني، وكنتُ ظامئًا فلم تسقوني، وكنت عاريا فلم تَكُسُوني، وكنت مريضًا فلم تعُودوني. فيقولون: إلهَنا، متى كنتَ هكذا ومتى عاملناك على هذا المنوال؟ فيقول الله تعالى: كان عبدي فلان في هذه الحال فلم تواسوه، فلو واسيتموه فقد واسيتموني. باختصار، إن مواساة خلق الله تعالى والشفقة عليهم عبادة عظيمة ووسيلة كبيرة لجلب رضا الله تعالى.
وقال عليه السلام أيضا: إن الذين لا يعاملون الفقراء بالحسنى ويحتقرونهم، فإني أخاف أن يقعوا في نفس المصيبة. إن الذين قد أنعم الله عليهم بأفضاله، فإنما سبيل شكرهم عليها أن يحسنوا إلى خلق الله تعالى، ولا يتباهوا بما أنعم الله عليهم من فضله، ولا يدوسوا الفقراء مثل الوحوش”.
لذا فيجب أن تكون مساعدة الفقراء والمحتاجين سببًا لجذب فضل الله وحبه لنا، وسوف تجلب لنا فضله حتما، وعندها سيكون عيدنا عيدا حقيقيا. لا شك أن أبناء الجماعة يساعدون ذوي الحاجة منهم على صعيد فردي، لكن توجد في نظام الجماعة صناديق شتى مخصصة لهذا الهدف، ويجب على ذوي المقدرة أن يدفعوا شيئا في هذه الصناديق أيضا. فهناك صندوق لمساعدة المرضى، وصندوق لمساعدة اليتامى، وصندوق لمساعدة الفقراء، وصندوق لمساعدة الطلاب وغيرها من الصناديق الكثيرة التي يمكن أن تضعوا معوناتكم فيها. فعلى ميسوري الحال من أبناء الجماعة أن يهتموا بهذا الأمر أيضا.
ثم يقول عليه السلام: إن الله تعالى يريد أن لا تنالوا الفلاح ما لم تصبحوا إخوة وبمنزلة أعضاء لجسد واحد. إذا لم تكن معاملة المرء مع إخوته سديدة فلا تكون مع الله أيضا سديدة. لا شك أن حق الله أكبر، ولكن المرآة التي يُعرف بها ما إذا كان يؤدي حق الله أم لا إنما هي أن يُعرَف ما إذا كان يؤدي حق المخلوق أم لا. إن الذي لا يعامل إخوته على ما يرام لا يستطيع أن يعامل ربه على ما يرام. وهذا الأمر ليس بسهل، بل هو صعب. إن الحب الصادق شيء والنفاق شيء آخر تماما. اعلموا أن للمؤمن على أخيه المؤمن حقوقا كبيرة، فإذا مرض عاده، وإذا مات حضر جنازته، ولا يخاصمه على أمور تافهة، بل يعفو عنه. إن مشيئة الله ألا تظلوا هكذا. إن لم تكن بينكم أُخوَّة حقيقية فإن الجماعة ستدمر.
فالأُخوّة الحقة هي التي تكون سببا لأفراحنا الدائمة، وستساعدنا على أن نظل جزءا من الجماعة، وهذا يتطلب منا فحص أنفسنا.
ثم كيف يجب أن يعامل المؤمن أهله، وما هو المعيار الذي يجب أن يبلغه في حسن معاشرة النساء، فقال عليه السلام بهذا الشأن: ينبغي أن تتحملوا من النساء كل نوع من سوء الخُلق والإساءة ما عدا الفحشاء. أما أنا فأرى أنه لمما يتنافى مع المروءة كليًّا أن نتشاجر مع النساء ونحن رجال. لقد جعلنا الله تعالى رجالا، الأمرُ الذي هو في الحقيقة إتمام النعمة علينا، والشكرُ عليه أن نعامل النساء بلطف ورفق.
مثل هذا التعامل الحسن يجعل البيوت مثيلة للجنة فيتلقى فيها الأولاد تربية حسنة، كما يؤدي إلى الحفاظ على الجو العائلي اللطيف. ينبغي أن يمثل أكبر فرحة للمؤمن أن بيته يقدّم نموذجًا موافقًا لتعليم الله تعالى ولرسوله. إن جو السعادة والهدوء الدائم للبيوت لا بد أن يخلق للإنسان وسائل العيد كل يوم.
ثم يقول حضرته: اعلموا يقينا أنه ليس الهدف من جماعتنا أن يعيشوا كالناس الماديين العاديين، ويقولوا باللسان فقط بأننا ننتمي إلى هذه الجماعة ولا حاجة لنا للعمل كما هو حال المسلمين لسوء الحظ بحيث إذا سألتموهم هل أنتم مسلمون؟ قالوا: الحمد لله، ولكن لا يصلون ولا يحترمون شعائر الله. لا أريد منكم أن تقرّوا باللسان فقط دون العمل. هذه حالة متردية ولا يحبها الله. والحق أن حالة الدنيا هذه هي التي اقتضت حتى أقامني الله تعالى للإصلاح، فإذا كان أحد -على الرغم من علاقته معي- لا يصلح نفسه الآن ولا يرفع قواه العملية، بل يحسب الإقرار باللسان وحده كافيا، فكأنه يُثبت بعمله على عدم ضرورتي. فإن كنتم تريدون أن تُثبتوا بعملكم أن مجيئي كان عديم الجدوى فما معنى إنشاء العلاقة معي. فإن كنتم تريدون أن تُنشئوا علاقتكم معي فحققوا أهدافي ومقاصدي، ألا وهي أن تُثبتوا إخلاصكم وولاءكم في حضرة الله، واعملوا بتعليم القرآن الكريم كما أرى رسول الله r بعمله وكما عمل الصحابة رضي الله عنهم. تحرّوا مغزى تعليم القرآن واعملوا به. الإقرار باللسان وحده لا يكفي عند الله إن لم يرافق الأعمالَ نور ونشاط. اعلموا يقينا أن الجماعة التي يريد الله إقامتها لا يمكن أن تعيش بغير العمل. إنها الجماعة العظيمة التي بدأ إعدادها منذ زمن آدم u إذ لم يأت نبي إلا وقد أخبر بها، فاقدروها. والمراد من قدرها أن تُثبتوا بعملكم أنكم أنتم حزب أهل الحق”. (ملفوظات ج9)
فهذه الأمور هامة جدًّا. إن إيماننا بالمسيح الموعود u وبيعتنا له ليس بأمر هين. إن الأفراح الظاهرة لا تجعلنا ناجحين في هدفنا الأساس، كما أن البيعة لوحدها لا تكفل تحقيق هدفنا، بل لا بد من بذل السعي معها ثم ينزل فضل الله تعالى، وإن نزل فضل الله تعالى وصرنا من حزب أهل الحق فلن تكون لنا فرحة ولا عيد أكبر من ذلك.
ثم يقول حضرته: “لقد تكلمت كثيرا فيما سبق حول وئام أبناء الجماعة وتحابّهم أن اتحِدوا وتآلفوا، هذا ما علَّمه الله المسلمين، أن يتحدوا وإلا سوف تذهب ريحُهم. لقد أُمر المصلون أيضا بالوقوف في الصلاة ملتصقين لكي تنشأ الوَحدة، لذلك أمر بالوقوف في الصلاة متكاتفين لكي تظهر الوحدة، ويسري خير الواحد إلى الآخر مثل التيار الكهربائي، إذا كان الخلاف ولم يكن الاتحاد فلن تكونوا محظوظين. قال النبي r تحابّوا وادعوا لبعضكم بظهر الغيب. إن كان أحد يدعو لأخيه بظهر الغيب فيقول الملاك: ولك بمثله. ما أحسن هذا القول، إن لم يُقبل دعاء الإنسان فإن دعاء الملاك مجاب بالتأكيد. إنني أنصح وأودّ أن أقول يجب ألا يكون خلاف فيما بينكم. إنما جئت بمسألتَين فقط، الأولى أن تختاروا توحيد الله تعالى، والثانية أن تبدوا الحب والمواساة فيما بينكم، وأن تروا ذلك النموذج الذي يكون كرامة للآخرين، وهذا هو الدليل الذي ظهر في الصحابة “كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ”. واعلموا أن التأليف إعجاز، تذكروا ما لم يكن كل واحد منكم كالذي يحب لأخيه ما يحب لنفسه فهو ليس من جماعتنا، بل هو في مصيبة وبلاء وعاقبته ليست محمودة”.
تنشأ خصومات على أتفه الأمور وقال حضرته بخصوصها: “تذكَّروا أن تلاشي البغض من علامات المهدي، أفلن تتحقق إذن؟ كلا ستتحقق حتما”. (ولكن إنْ لم نحدث تغييرات في أنفسنا فسنحرم من البركات).
قال حضرته: “سوف تنشأ بِيَدي جماعةٌ صالحة إن شاء الله. ما هو سبب التباغض؟ إنما هو العناد والرعونة والعُجب والثوائر”.
قال حضرته: “لا أريد أن يقع عليَّ اعتراض بسبب أحد. فالذي بعد دخوله في جماعتي لا يعمل بحسب رغبتي فهو غصن يابس، وإن لم يقطعه البستاني فماذا يفعل به، فالغصن اليابس عندما يكون مع الأغصان الخضِرة الأخرى فهو يمص الماء لكنه لا يجعله يخضرّ، بل يتسبب في جفاف الأغصان الأخرى أيضا”.
فهو مقام الخوف الشديد. كيف يمكن أن تكون أعيادنا أعيادًا حقيقية ما لم نحقق تلك الدرجات التي توقع المسيح الموعود u منا الوصول إليها من خلال تحسين حالاتنا الأخلاقية والتركيز على أداء حقوق العباد وخلقِ المحبة والوداد فيما بيننا. إن اللقاء مع بعض الأقارب الأعزاء وأداء حقوقهم لا يجعلنا مؤدين حق العيد. فلا بد أن نرى -من أجل الاحتفال بالعيد الحقيقي- إلى أي مدى حققنا المستوى المطلوب من التحاب والتوادّ.
ثم يقول حضرته: “أيها السعداء، انكبّوا على التعليم الذي أُعطِيته من أجل نجاتكم، اتخذوا الله واحدا لا شريك له، ولا تشركوا به شيئا، لا في السماء ولا في الأرض. لا أمنعكم من الأخذ بالأسباب، ولكنه مشرك مَن يهجر الله تعالى ويعتمد على الأسباب فقط. لقد قال الله تعالى منذ القِدم إنه لا نجاة دون صفاء القلب، فكونوا أصفياء القلوب وتخلَّوا عن الضغائن والغضب. في نفس الإنسان الأمارة أنواع عدة من النجاسة، ولكن أسوأها نجاسة الكبِر. لولا الكبر لما بقي أحد كافرا، فكونوا متواضعين، وواسُوا بني البشر بشكل عام. إنكم تعظونهم للفوز بالجنة، ولكن كيف تكون موعظتكم في محلها ما لم تكونوا لهم من الناصحين في هذه الدنيا الفانية. اعملوا بفرائض الله بخشية قلبية لأنكم ستُسألون عنها. أكثروا من الدعاء في الصلوات ليجذبكم الله إليه ويطهِّر قلوبكم لأن الإنسان ضعيف. ولا يمكن أن يتخلص من أية سيئة إلا بقوة من الله تعالى، وما لم ينل الإنسان قوةً من الله فلا يقدر على التخلص من السيئة. ليس المراد من الإسلام أن يُقال عن أحدٍ إنه ينطق بكلمة الشهادة كعادةٍ فقط، بل حقيقة الإسلام أن تخِرَّ أرواحكم على عتبة الله تعالى، وأن تقدموا الله وأوامره على دنياكم من كل ناحية. (تذكرة الشهادتين، الخزائن الروحانية المجلد 20 ص 63)
إذن هذا هو التعليم الذي يمكن أن يمنح فرحة العيد الحقيقي. إذا قمنا بالعيش في حياتنا وفقًا لهذا التعليم فسنكون ممن يحتفلون بالعيد الحقيقي. وعليه فلن يكون لنا عيدان فقط في السنة، بل سيكون كل يوم بالنسبة لنا يوم عيد، لأننا سنظل نسعى لأداء حق عبادة الله تعالى لكي نصبح عبادًا حقيقيين له، الأمر الذي سيباركنا الله تعالى جراءه أكثر من ذي قبل. إذا قرأنا القرآن الكريم وفهمناه وحاولنا العمل بتعليمه، فإن الله تعالى سيجعلنا ورثة أفضاله. إذا حاولنا أداء حقوق العباد، فسينظر الله تعالى إلينا بنظرة المحبة، ومن حصل على هذه الأمور يتحول عيده إلى عيد حقيقي. يجب أن ندعو ونحاول للحصول على هذا العيد الحقيقي.
في الأخير أود أن ألفت انتباهكم إلى الدعاء أيضا. فادعوا أولاً للفلسطينيين الذين تصبّ عليهم هذه الأيام مظالم جمة، فهم لا يستطيعون الوصول إلى مناطقهم، وإلى المسجد الأقصى، إلا بتصاريح، ولكنهم لا يُعطَون هذه التصاريح، ويُمنَعون من ذلك. أما الذين ذهبوا منهم إلى هناك من أجل الصلاة، فقد تعرضوا للظلم والضرب على يد العسكر، وواجهوا الاضطهاد. كذلك فإنهم يُخرَجون قسرًا من حي “الشيخ جراح” التي هي منطقة سكنية صغيرة للفلسطينيين، مع أن هذه الأماكن مِلْك لهم.
والآن قد بدأ الإعلام يكتب كثيرا عن ذلك، بل قد بدأت الجرائد الإسرائيلية نفسها تكتب عن ذلك، وكذلك إعلامُهم أيضا يكتب عن ذلك، وكذلك محبو العدل في أماكن أخرى.
فالشرطة تمطر الفلسطينيين بالغازات المسيلة للدموع والرصاصات، بل تشن عليهم إسرائيل غارات جوية أيضا، بحجة أنها تستهدف أعداءها المتخفين هنالك، ولكنها في الحقيقة تصبّ الظلم على المدنيين وتقتلهم.
كما تفيد التقارير الصحفية أن في بعض الأماكن تمنع الشرطة الإسرائيلية المصابين من الوصول إلى الخيم الطبّية، فتحرمهم من الإسعاف الطبي.
باختصار، نسأل الله تعالى أن يرحم بفضله المظلومين الذين تعرضوا للظلم في المسجد الأقصى، ويفرج عنهم، ويبطش بالظالمين.
إن وزارة الخارجية الأمريكية تدّعي العدل والإنصاف كثيرا، ولكنهم صمتوا ولم يدلوا بأي بيان ضد قتل تسعة أطفال فلسطينيين، ولم يبدوا أي مواساة لهم، وقد كانوا تسعة من قبل أما الآن فقد ازداد العدد.
وقد كتبت جريدة نيويورك تايمز نقلاً عن تقرير هيومن رايتس واتش أن إسرائيل تميِّز ضد الفلسطينيين لصالح اليهود في إسرائيل وفي مناطق السلطة الفلسطينية. فهذا أمر طبيعي بالنسبة لها إذ لم يبقَ لديها أي عدل.
وجاء في تقرير أمنستي انترناشيونال أيضا أن المظالم القصوى الجمة تصبّ على الفلسطينيين.
كما كتبت جريدة هآرتس الإسرائيلية أن القدس تغلي. إن الحواجز التي وضعت في باب العامود كانت تصرفا غبيا ومستفزا، وكان إخراج مئات الفلسطينيين من بيوتهم في حي الشيخ جراح في شهر رمضان المبارك مصدر قلق كبير لهؤلاء السكان الفلسطينيين.
ثم كتبت جريدة هآرتس نفسها أيضا أنه من الغريب جدًّا أن نظرتهم إلى العدل عجيبة! إذ بموجبها يقال إن ما لي هو لي للأبد، أما الذي هو لك فهو الآخر مِلْك لي للأبد! كذلك تُغصَب من الفلسطينيين حقوقُهم باستمرار.
ندعو الله تعالى أن يرحم الفلسطينيين؛ لأن أفراح العيد قد تحولت لهم جبالا من الآلام والأحزان. بدّل الله تعالى همومهم أفراحًا، وكتب لهم حياة آمنة هادئة، ووهب لهم قيادة راشدة تقودهم نحو الرشد والسداد.
أما البلاد الإسلامية فلو لعبت دورها متحدةً فيمكنها إنقاذ المسلمين المظلومين في فلسطين وفي غيرها من الظلم. ولكن المؤسف أن الأمة الإسلامية أيضا لا تتحد، فلم تكن ردة فعل الأمة والبلاد الإسلامية قوية كما ينبغي أن تكون. فلا يخرج منهم إلا تصريحات ضعيفة عادية، مع أنه لو كان هناك تصريح موحد كبير منهم جميعا لكان فيه القوة.
على أية حال، ندعو الله تعالى أن يلهم قادة المسلمين العقل، ويهب الإسرائيليين الصواب أيضا حتى لا يظلموا. كما ندعو الله تعالى أن يلهم الفلسطينيين الذين يفعلون ما يخطر ببالهم بدون قيادة حكيمة الصواب، إن كان قد صدر منهم أي ظلم؛ مع أنه ليس ثمة ظلمٌ منهم، بل هم المظلومون. وإذا كانوا يستخدمون العصي فإنهم يواجهون المدافع التي تقذفهم. وقد قلت هذا من قبل أيضا بأنه لا وجه للمقارنة بين القوة التي يستخدمونها والتي تستخدم ضدهم. فهناك حاجة ماسة للدعاء من أجل الفلسطينيين بأن يحسّن الله تعالى أحوالهم، ويهيئ لهم أسباب الحرية، وأن يمكنهم من الثبات على الأراضي التي هي ملك لهم وفق ما اتُّفق عليه في المعاهدة الأولى الابتدائية.
كذلك ينبغي أن تدعو للأحمديين المظلومين في العالم الذين يتعرضون للشدائد سواء في باكستان أو في الجزائر أو في أي بلد آخر أن يحفظهم الله تعالى من شرور المعارضين سواء أكانوا من الناس أو من المسؤولين الحكوميين. وادعو لمحتاجي العالم كله أن يقضي الله تعالى حاجاتهم المشروعة ويزيل مشاكلهم، وادعوا ليُمحى الظلم من العالم بشكل عام. ليمحُ الله تعالى الظلم من العالم حتى يتعرف الناس على الله تعالى.
ادعو الله تعالى لهذا الوباء المنتشر في هذه الأيام أن ينجي الله تعالى العالم منه، وأن تعود الأمور إلى مجاريها الطبيعية فيسود الأمن، ولكن لن يتأتى ذلك إلا إذا عرف أهل الدنيا خالقهم وأدوا حقوقه وحقوق عباده. وفق الله الجميع لهذا الأمر، آمين.