بسم الله الرحمن الرحيم
فيما يلي، ملخص لخطبة الجمعة التي القاها حضرة خليفة المسيح الخامس، ميرزا مسرور احمد ايده الله تعالى بنصره العزيز، بتاريخ 12/1/2018:
لقد قال المسيح الموعود عليه السلام لقد فاق النبي صلى الله عليه وسلم كلّ نبي آخر في قوته القدسية. والحق أن سٍر رقي الإسلام يكمن في القوة الجاذبة للنبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان لأقواله تأثير عظيم، ومن سمع كلامه أحبه، وقد طهر صلى الله عليه وسلم الذين جذبهم إليه تطهيرا. عندما ننظر لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم لا نجد بينهم كاذبا، مع أننا عندما ننظر لحالة العرب في الجاهلية نجدهم في الحضيص، مشغولين بعبادة الأوثان وأكل أموال اليتامى وارتكاب المعاصي، لكنه أحدث فيهم ثورة عظيمة لا نظير لها في الأمم الأخرى، وهي كفيلة بفتح أنظار العالم.
ويقول حضرته عليه السلام: إن إصلاح شخص واحد أمرٌ صعب، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أعدّ أمة قدموا نموذجًا عظيمًا في الإخلاص والصدق حتى ذُبحوا كالخراف من أجل إيمانهم، فلم يبقوا من أهل الأرض بل صاروا بتعاليم النبي صلى الله عليه وسلم رجالا سماويين ذوي صفات قدسية. وبسبب هذا الإصلاح والهدى سمى الله النبي صلى الله عليه وسلم محمدًا كي يُحمَد في الأرض، لأنه جعلها مهبطًا للسلام وملأها بالصلاح وحسن الخلق. واليوم أيضا لا يسعُ أحدًا من العادلين سوى الاعتراف بأن النبي صلى الله عليه وسلم وجد أمة همجية، فجعلها أمة راقية مثقفة، ولم تظهر في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم تلك التغييرات القدسية العظيمة إلا لأنه كان نبيا صادقا.
يقول المسيح الموعود عليه السلام لا نجد لنماذج الصحابة رضي الله عنهم مثيلًا في أمة أخرى، فقد قدموا أرواحهم كالخراف في سبيل الله. كانوا أمة عجيبة يستحقون أن يُقتدى بهم. كانت قلوبهم عامرة باليقين. إذا أصبح الإنسان يضحي بماله في سبيل الله أولًا، ثم إذا ازداد يقينا يضحي بنفسه أيضا.
قال المسيح الموعود عليه السلام عن فضلهم: لقد وصفهم الله بقوله “رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ”. وهذه الآية وحدها كفيلة بمعرفة مكانتهم العالية التي يعترف بها حتى المنصفين الغرب. لقد أحبوا الله تعالى بحيث لم يغفلوا عن مهما كانوا مشغولين بمشاغل الدنيا. إذا كان قلب المرء على علاقة صادقة بالله فلا ينفصل عن الله، شأن الوالد الذي يكون ولده مريضا، فمهما اشتغل بمشاغل الدنيا وحثيما ذهب فلا يزال فكره مشغولا بابنه.
ورد عن الصحابي خباب بن الأرت رضي الله عنه أنه لما اقترب موته طلب كفنه ليراه، فوجده قماشًا ثمينا، فقال لأهله لا تكفنونني في هذا الثوب الثمين؟ ثم بكى ثم قال: لما استشهد حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن هناك قماشٌ كافٍ لكفنه، فكان إذا غُطت قدماه انكشف رأسه، وإذا غطي رأسه انكشفت رجلاه، حتى اضطروا لتغطية رجليه بالكلأ. في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لم أكن أملك درهما، أما اليوم فببركة النبي صلى الله عليه وسلم نزلت عليّ نعم الله كثيرا حتى يوجد اليوم في صندوقٍ في بيتي 40 ألف درهم، وأخاف أن يكون الله قد جزاني على أعمالي في الدنيا ولم يبقِ لي أجرًا في الآخرة. وعندما ذهب الصحابة لعيادته قالوا له ستلحق بإخوانك كبار صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، فبكى ثم قال لا أبكي خوفا من الموت إنما أخشى أن الصحابة الذين ذكرتموهم عظماء ولا أدري إن كنت أستحق أن أسمى أخا لهم، فهم لم يستمتعوا بمتاع الدنيا كما نستمتع.
لقد غلبت عليه خشية الله فكان يفكر هل الله راض عنه أم لا، مع أنه لم يكن أقل تضحية من أحد.
صلى عليه عليٌّ رضي الله عنه صلاة الجنازة في خلافته، وأثنى عليه بكلمات تدل على عظمته حيث قال: رحم الله خبابًا، لقد أسلم بكل حب وصدق، ثم هاجر وعاش عيشة مجاهد، ومر بصعوبات وابتلاءات استقام فيها استقامة عظيمة. ولن يضيع الله أجر مثل هؤلاء الذين يعملون الصالحات.
ومرة قال عمر لخباب بعد أن أجلسه معه في مقعده: أنت تستحق أن تجلس معي في هذا المجلس، ولا أرى أحدًا غيرك يستحق ذلك إلا بلال. فقال يا أمير المؤمنين لا شك أن بلالا يستحق ذلك، ولكن كان هناك من ينقذ بلالاً من أذى المشركين حيث جاء أبو بكر وأعتقه، أما أنا فلم يكن أحد لينقذني من أذى الكفار حتى رموني مرة بالنار واحترق ظهري. ثم كشفَ ظهره وقال هذه آثار النار التي أذابت ظهري.
اشترك خباب ببدر وأحد، لكنه عند موته كان قلقا عما إذا كان الله راضيا عنه أم لا.
ومن الصحابة معاذ بن جبل رضي الله عنه. كان مواظبا على صلاة التهجد ويطيلها ويدعو الله فيها: ” رب إن العيون نائمة، وأنت الحي القيوم، فأسألك الجنة. إنني ضعيف العمل للجنة، وضعيفٌ في الفرار من النار، وأعرف أنه لا ينقذ من النار إلا الصالحات، فامنحني منك الهدى يوم القيامة يوم لا تخلف الميعاد”.
كان معاذ كثيرَ الإنفاق في سبيل الله حتى كان يتراكم عليه الدين. يقول ابن مالك عنه كان جوادا مجاب الدعاء بكثرة، فكان الله يعطيه ما يسأله ويسدد عنه الديون بطرق عجيبة.
كان الصحابة بسبب حبهم للرسول صلى الله عليه وسلم شديدي الحب لله، لأن القوة القدسية المحمدية علّمتهم حب الله تعالى وأحدثت فيهم هذه الثورة العجيبة.
ولتأسيس التقوى الحقيقية بعث الله لنا المسيح الموعود عليه السلام، ولن يتم إصلاح حال المسلمين إلا بالإيمان به. عندما ننظر لحالهم علينا أن نشكر الله على أنه هدانا للإيمان بالمسيح الموعود عليه السلام الذي أخبرنا عن نماذج الصحابة وأمرنا بالتأسي بأسوتهم، وإذا سعينا للعمل بأقواله نكون مسلمين حقيقيين. يقول حضرته عليه السلام: ما لم يتخلّ الإنسان عن أهوائه ويأتي الله نقيا سليم القلب، لن يهديه الله. عليه أن يستعد للموت ويتقبل التضحية بسبيل الله.
نسأل الله أن يوفقنا لاتباع أوامره عليه السلام، آمين.