يقول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام:
“إنَّ ذِكر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستحسنٌ جداً، بل قد ثبت من الحديث أن بذكر الأنبياء والأولياء تنـزل الرحمة، وقد رغَّب الله ﷻ نفسه في ذِكر الأنبياء، لكن إذا أضيفت إليه البدع تُحدث خللاً في التوحيد فهي لا تجوز. إِذْ يجب أن تُنـزِّلوا الله منـزلة تليق به وتنـزِّلوا النبي ﷺ منـزلةً تليق به. المجالس التي يُذكر فيها مولد النبي ﷺ في هذه الأيام تكثر فيها كلمات تنم عن البدعة التي تنافي مشيئة الله. إذا لم تكن هناك بدعة فهو وعظ. فذكر بعثة النبي ﷺ وولادته ووفاته مدعاةٌ للثواب. لا يجوز لنا أن نصنع شرعاً أو كتاباً جديداً لنا.
بعضُ المشايخ يغالون في الأمر ويقولون إن الاحتفال بالميلاد حرام. أتساءلُ: إذا كان حراماً فمن سوف تتبعونه؟ فالذي يُذكر أكثر ينشأ الحُبُّ تجاهه ويتقوى.
الوقوف عند ذِكرِ مولد النبيِّ ﷺ لا يجوز، أنّى لهؤلاء العميان أن يعرفوا أن روحَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد حضرتْ. بل يحضر هذه الجلسات عادة أصحاب السلوك السيء والأنذال فكيف يمكن أن تحضرها روحُ النبي ﷺ هنالك؟ وأين ورد أن روحه ﷺ تحضر أصلا؟ {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (الإسراء: 37).
يجب وضع كلا الأمرين في الاعتبار، فما دام الوهابي لا يستوعب عظمة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو بعيدٌ عن الله. فقََدْ أفسد الدِينَ هؤلاء القوم أيضا. حين يُذكر نبيٌّ أو وليٌّ يصرخون قائلين: ما أفضليتهم علينا؟ لَمْ يُردْ هؤلاء أن يستفيدوا من خوارق الأنبياء.
أما الفرقة الثانية فقََدْ أشركوا حتى إنهم سجدوا للقبور وبذلك ضيّعوا إيمانهم. لا نقول أنِ اعبدوا الأنبياء. كلا، بل يجب أن تفكروا وتتدبروا. مَعلومٌ أن الله ﷻ ينـزل الغيث الذي لا نقدر عليه، وتظهر بعده الخضرة والنضرة. الأنبياء أيضاً هم الغيث.
ثم انظروا أن المحارة واللؤلؤة كلتاهما تخرج من البحر كما أن الحجر والماس أيضاً يخرج من الجبل، لكن قيمة كل واحد منها مختلف. كذلك قد خَلَقَ اللهُ أناساً مختلفين. الأنبياء هم أسمى وجود وممتلئ بحب الله. أيّ كُفرٍ أكبر من أن يحسبهم المرء مثله. بل قد وعد الله ﷻ أن الذي يحبهم سيُعَدّ منهم. فقد قال النبي ﷺ ذات مرة إن في الجنة مكاناً سأكون فيه وحدي دون غيري. فبكى صحابيٌ وقال: يا سيدي أنا أحبك فأين سأكون أنا؟ قال ﷺ: ستكون أنت أيضاً معي. فالحب الصادق هو الذي ينفع. المشرك لا يحب حباً صادقاً، فحسبما لاحظتُ إن في الوهابيين شطارة ودهاء، وليس لهم نصيب التواضع والانكسار، وكأنهم آريون بين المسلمين إذ ينكرون الإلهامَ مثل الآريين. لا يمكن للإنسان أن يصل إلى الله بالقصص أبداً ما لم يحظَ باليقين مباشرة. والذي يؤمن بالله إيماناً كاملاً لا بد أن ينصبغ بصبغة الله نوعاً ما.
أما الفريق الثاني فليست فيهم أية روح سوى عبادة القبور وعبادة الشيخ، وقد هجروا القرآن الكريم. لقد وصف الله “أمَّةً وسطا“، والمراد من الوسط هو السالك على جادة الاعتدال التي تخلى عنها كلا الفريقين. ثم يقول الله ﷻ: {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} (آل عمران: 32)، فهل كان النبي ﷺ يقرأ القرآن على الأرغفة مثلا؟ لو كان ﷺ قرأ على رغيفٍ واحدٍ لقرأنا على ألف رغيف، إلا أنه استمع إلى القرآن الكريم بترتيل وبكى حين بلغ القارئ إلى الآية {وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} (النساء: 42) وقال كفى لا أستطيع السماع أكثر، فلعله فكر كيف يكون شهيدا. أنا أيضاً أُحبُّ أن أجد أيَّ حافظ للقرآن الكريم ويقرأ بترتيل فأسمعُ منه القرآن.
لقد ترك لنا النبيُ ﷺ أسوةً في كل مجال، فيجب أن نتأسى به. وكفى بالمؤمن الصادق أن يتأكد هل قام النبي ﷺ بفعل كذا أم لا، وإنْ لَمْ يفعل فهل أمرَ به أم لا؟ كان إبراهيم عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام جدّه الأكبر وجديراً بالتعظيم، فلماذا لم يحتفلُ ﷺ بميلاده؟” (البدر، العدد: 27/3/1903م، ص 73-74)
والخلاصة هي أن هذا الاحتفال ليس بالحرام ولكنه لم يثبت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ولا الخلفاء الراشدين رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، فَلَمْ يقم أحدٌ منهم بشيء اسمه مولد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، ولو كان ذلك خيراً عظيماً لسبقونا إليه حتماً، لأنهم رِضوانُ اللهِ عَلَيهِم أجْمَعِِينَ الأسبق في الخيرات. لذلك ينبغي للمحافظة على السنّة العطرة بعدم إحداث ما ليس في كتاب الله ولا سُنَّة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، بل يجب ذِكْر محاسن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والاكثار من الصَلاة عليه وتصحيح المفاهيم والاستقاء من سيرته العطرة صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ