الجزء الأول من هنا!


يقول المسيح الموعود ؏:

وأما ما جاء في حديث خير الأنبياء، مِن ذكر دمشق وغيره من الأنباء، فأكثرُه استعارات ومجازات من حضرة الكبرياء، وتحتها أسرار في حلل لطائف الإيماء، كما مضت سنة الله في صحف السابقين. ثم من الممكن أن ننـزل بساحة دمشق أو أحدٌ من أتباعنا المخلصين“. (مكتوب أحمد، ص 31)

والنـزول في الحديث بمعنى نـزول المسافر من مكان إلى مكان، فإن النـزيل هو المسافر، فلو سلم صحة الحديث فيثبت أن المسيح الموعود أو أحدٌ من خلفائه يسافر من أرض وينـزل بدمشق في وقتٍ من الأوقات، فلم يبكون الناس على لفظ دمشق؟ بل يثبت من لفظ النـزول عند منارة دمشق أن وطن المسيح الموعود الذي يخرج فيه هو مُلكٌ آخر، وإنما ينـزل بدمشق بطريق المسافرين. هذا إذا سلّمنا الحديث بألفاظه، وفيه كلام.. لأن الأحاديث من الظنيات إلا الحصة التي ثبتت من تعامل المؤمنين“. (تحفة بغداد، باقة من بستان المهدي، ص 37)

وقد أشير في بعض الأحاديث أن المسيح الموعود والدجّال المعهود يظهران في بعض البلاد المشرقية، يعني في ملك الهند، ثم يُسافر المسيح الموعود أو خليفة من خلفائه إلى أرض دمشق، فهذا معنى القول الذي جاء في حديث مسلم أن عيسى ينـزل عند منارة دمشق، فإن النـزيل هو المسافر الوارد من مُلك آخر. وفي الحديث.. يعني لفظ المشرق.. إشارة إلى أنه يسير إلى مدينة دمشق من بعض البلاد المشرقية وهو مُلك الهند. وقد أُلقِيَ في قلبي أن قول: عيسى عند المنارة دمشق، إشارةٌ إلى زمان ظهوره، فإن أعداد حروفه تدل على السنة الهجرية التي بعثني الله فيها. واختار ذكر لفظ المنارة إشارةً إلى أن أرض دمشق تنير وتشرق بدعوات المسيح الموعود بعدما أظلمت بأنواع البدعات، وأنت تعلم أن أرض دمشق كانت منبع فتن المتنصرين. وتفصيله كما رأيناه في أناجيل النصارى أن بولص الذي كان أول رجل أفسد دين النصارى وأضلهم، وأجاح أصولهم، ومكر مكرًا كُبّارًا، وسار إلى دمشق وافترى من عند نفسه قصة طويلة ليعرضها على بعض سادات النصارى الذين كانوا غافلين من مكائده، وكانوا سفهاء بادي الرأي، ذوي الآراء السطحية والعقول الناقصة الضعيفة، سريعي الإيمان بالخرافات المنقولة والعجائبات المروية، ولو كان ناقلها وراويها امرأً كذّابا مفسدًا، فلقي بولص في دمشق رجلا منهم الذي كان اسمه أنانيا، وكان أولهم غباوة وسريع الميل إلى مثل هذه المزخرفات، فقال يا سيدي إني رأيت كشفًا عجيبا.. أني كنت أسير مع جملة فرسان إلى جهة من الجهات، وكنت من أشد الأعداء لدين المسيح، أروح وأغدو في هذا الفكر، فنـزل عليّ المسيح وناداني من الضوء، وسمعت صوته وعرفته، فقال لم تؤذيني يا بولص؟ أتطيق أن تضرب يدك على رمح الحديد؟ فزجرني وخوّفني حتى خفت وارتعدت، فقلت: يا ربي إني تبت مما فعلت، فأْمُرْ ما أفعل بعد ذلك. فأمرني وقال: سِرْ إلى مدينة دمشق، وابحثْ فيها عن رجل اسمه أنانيا، واقصصْ عليه هذه القصة، فهو يعرّفك ما يكون عملك. فالحمد لله أني وجدتك ورأيتك على صفات عرّفني بها ربي المسيحُ. ثم قال بعد تمهيد هذه المكائد يا سيدي إني بريء من دين اليهود، فأدخِلْني في الملة المقدسة النصرانية، فإني جئتك مؤمنا ومبشرا من المسيح. فتنصّرَ على يد أنانيا، وأجابه أنانيا في كل ما طلبه وعظّمه وأشاع هذه القصة في مدينة دمشق. فأولُ أرضٍ غُرِسَ فيها شجرة ربوبية المسيح هي مدينة دمشق، وغرَس بولص فيها هذه الأشجار الخبيثة وأهلك أهلها، فالنصارى كلهم أشجار بذر بولص الذي بذره في دمشق، فأراد رسول الله ﷺ أن يذكر مدينة دمشق في نبأ المسيح الموعود تنبيهًا إلى أن تلك الأرض كانت مبدأً للفساد، ومنبعًا أولاً لفتن التنصر ولجعلِ العبد إلهًا. ثم سيصل عبدٌ مُوَحّدٌ إليه في آخر الزمان لإشاعة التوحيد كما وصل بولص لإشاعة الشرك والكفر والخبث، تلبيسًا من عند نفسه، ليكون له مكانا في أعين النصارى.

فالحاصل أن دمشق كان أصلا ومنبعا لفتن المتنصرين، وكان مبدأ الفساد ومبدأ كيد الكائدين. فبشّر الله لعباده أن فتنة ألوهية المسيح تُجاح وتُزال من وجه الأرض كلها حتى من دمشق الذي كان مبدؤها ومنبعها، وينتهي كمال التوحيد إليه كما ابتدأت الفتن منه. وهذا فعل الله وعجيب في أعين الذين لا يؤمنون بعجائب رحمة أرحم الراحمين“. (حمامة البشرى، ص 71-74)

وقالوا إن المسيح ينـزل بسِمْتِ شرقيِّ دمشقَ، وهذا هو الحق إن كنتم تتفكرون. وإنّ المسيح قد ظهر في الأرض الشرقية كما أن الدجَال قد ظهر فيها، فالمسيح شرقي والدجّال شرقي، وفي الشِّرك كثُر المشركون. وإن قريتي هذه شرقية من دمشقَ، فاسألوا من يعلمها إن كنتم لا تعلمون. وإن هذا المُلك مُلك الهند شرقيٌّ مِن حجاز، فتمَّ ما أومى النبي إلى المشرق للدجَّال والمسيحِ، وتم وعد الله صدقًا وحقّا، فلا تحاربوا الله أيها المستعجلون. وإنكم ترون كيف تنصّرَ الناس وارتدّوا من دين الله، ثم تقولون ما جاء مرسل مِن عند الله، ما لكم كيف تحكمون. وإن هذه الأرض فاقتْ كلَّ أرض بفتنها. أتعلمون كمثلها أرضًا أخرى، فأَرُونا تلك الأرض إن كنتم تصدُقون. وقد شهدت السماء والأرض والزمان والمكان على صدقي، ومضى من هذه المائة قريبًا من خُمْسها، فبأي شهادةٍ بعدها تستيقظون؟ وقد أَرَى الله آياتِه قريبا من ثلاثمائة، ورآها الشهداء الذين كانوا زهاء مائة ألف أو يزيدون. وإن كنتم تظنون أنهم كذبوا فأْتوا بشهداء كمثلهم كاذبين يشهدوا لكم إن كنتم صادقين فيما تدّعون“. (الخطبة الإلهامية، الخزائن الروحانية، مجلد 16 ص 156-158)

لفظ النـزول الذي جاء في الأحاديث إيماءٌ إلى أن الأمر والنصر ينـزل كله من السماء في أيام المسيح من غير توسُّل أيدي الإنسان ومِن غير جهاد المجاهدين، وينـزل الأمر من الفوق مِن غير تدبير المدبّرين. كأن المسيح ينـزل كالمطر من السماء واضعا يديه على أجنحة الملائكة لا على أجنحة حيلِ الدنيا والتدابير الإنسانية، وتبلغ دعوتُه وحجّته إلى أقطار الأرض بأسرع أوقاتٍ كبرق يبدو من جهة فإذا هي مشرقة في جهات. فكذلك يكون في هذا الزمان، فليسمعْ من يكن له أُذُنان، ويُنفَخُ في الصُّور لإشاعة النور وينادي الطبائعُ السليمة للاهتداء، فيجتمع فِرق الشرق والغرب والشمال والجنوب بأمرٍ من حضرة الكبرياء، فهناك تستيقظ القلوب وتنبت الحبوب بهذا الماء، لا بنار الحرب وسفك الدماء، ويُجذَب الناس بجذبة سماوية مطهّرة من شوائب الأرض لما هو نموذج ليوم القضاء من مالك يوم الدين. وقد وعد الله عند الفتنة العظمى في آخر الزمان، والبليّة الكبرى قبل يوم الديّان، أنه ينصر دينه من عنده في تلك الأيام“. (الخطبة الإلهامية، الخزائن الروحانية مجلد 16 ص 284-286)

   “لا تسلكوا طريقا غير طريق القرآن يا أهل الدهاء، ولا تقولوا إن عيسى نازل من السماء. انتهُوا خير لكم أيها المسلمون! إنكم اخترتم عقيدة لا نظير لها في الأنبياء، وإنّا اخترنا عقيدة كثرتْ نظائرها في الرسل والأصفياء، فأي الفريقين أحقُّ بالأمن وأقرب إلى الصدق والصفاء أيها العاقلون؟ وما نزل نبي من السماء من قبل فكيف أنتم تترقّبون؟ وكان اليهود يعتقدون كمثلكم أن إلياس ينـزل من السماء قبل المسيح وكانوا عليه يصرّون، فلما جاء المسيح كذّبه القوم وقالوا كيف نقبله وما نزل إلياس، ولا يأتي المسيح الصادق إلا بعد نزوله وإنا له منتظرون، فرَدَّ عيسى ما زعموه وقال إن يحيى الذي أُرسلَ مِن قبلي هو إلياس إن كنتم تقبلون. فما قبلوا وكفروا بعيسى بن مريم رسول الله، فغضب الله عليهم ولعنهم وأنزل عليهم رجزه بما كانوا يكفرون. ثم اتّبعتم عقيدتهم بقولكم إن المسيح ينـزل من السماء.. أوَصَّاكم اليهود أم تشابهت القلوب والعيون، فصارت أهواؤكم كأهوائهم، وقَرُبَ أن تُجزَوا كجزائهم، فاتّقوا الله ولا تتّبعوا سنن المغضوبِ عليه، فيمسّكم العذاب وأنتم تقرأون الفاتحة ألا تعلمون؟ وقد سمّى الله تلك اليهودَ المغضوبَ عليهم، وحذّركم في أُمّ الكتاب أن تكونوا كمثلهم، وذكّركم أنهم أُهلكوا بالطاعون. فما لكم تنسون وصايا الله ولا تتّقون ربّكم ولا تحذرون؟ ولا تفكّرون في قول الله: ]غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ[. ولم يقُلْ غيرِ اليهود، فإنه أَوْمَى في هذه إلى عذابٍ أصابهم وإلى عذابٍ يصيبكم إن لم تنتهوا فهل أنتم منتهون؟ وإنه نبأٌ عظيم وقد ظهرت آثاره، وإنّ في هذا لآية لقوم يفكّرون. وقد غضب الله على اليهود بقولهم إنّ موعودهم ينـزل من السماء ثم يأتي المسيح، فقال الله على لسان عيسى إنهم قوم مبطلون. فما لكم ترجون أمرًا أبطله الله من قبل، والمؤمن لا يُلدَغ من جُحر واحدٍ مرّتين، ويتّعظ بغيره لئلاّ يلومه اللائمون. أتُكْمِلون هذه المشابهة بألسنكم وغلُوِّكم على عقيدة النـزول وتعلمون أن المسيح قد خالف هذا الرأي، فما لكم تحبّونه ثم تعصون حُكْمَه وتخالفون؟ وإن الطاعون قريبٌ من داركم، وما تدري نفس ما يُفعَل بها في سنة آتية، فلا تكفروا كل الكفر، وتوبوا إلى الله الذي إليه تُرجَعون. وتعلمون أنه رجزٌ نزل على اليهود ثم ينـزل على الذين يشابهونهم غضبًا من الله، وذلك هو السر في آية: ]غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ[ أيها المتدبّرون“. (الخطبة الإلهامية، الخزائن الروحانية مجلد 16 ص 144-150)

واعلم أن ذلك الرجل الذي يتشابه قلبه بقلب نبي بمشابهة قوية شديدة تامة كاملة لا يأتي إلا إذا اشتدت الضرورة لمجيئه، فلما قامت الضرورة لوجود مثل ذلك الرجل.. يستأثر الله عبدا من عباده لهذا الأمر، فيدانيه رحمته كما كانت دانت مُورِثه، وينـزل عليه سرّ روحه وحقيقة جوهره، وصفاء سيرته وشأن شمائله، ويجعل إرادته في إراداته، وتوجهاته في توجهاته، حتى يتجلى فيه جميع شؤون النبي المشبه به ويصير مغمورا في معنى الاتحاد، فيصيران حقيقة واحدة يقع عليهما اسم واحد، ويُنسَبون إلى مثال واحد، كأن النبي المشبه به نزل من السماء إلى أهل الأرضين. فهذا معنى قولِ النبي ﷺ في نزول عيسى ابن مريم ؏، وهو الحق لا يُخالف القرآن ولا يُعارضه، وقد مضى مثله في الأولين. فلا تجادِلْ بغير الحق ولا تكن من المنكرين. قد تُوُفِّي عيسى كما تُوُفِّي الذين خلوا من قبله وجاءوا من بعده. فلا تخَفْ قوما تركوا كتاب الله ونصوصه، وآثروا غير القرآن على القرآن، وآثروا الشك على اليقين، وخَفِ اللهَ وقَهْرَه واعتزِلْ تلك الفرقَ كلها واعتصِمْ بحبل الله المتين“. (كرامات الصادقين، ص 73)

“ومن الشهادات الإنجيلية التي وجدناها ما ورد في “متّى” كالآتي:

وحينئذ تظهر علامةُ ابنِ الإنسان في السماء، وحينئذ تنوح جميعُ قبائل الأرض، ويُبصرون ابنَ الإنسان آتيًا على سحاب السماء بقوّة ومجد كثير“. (إنجيل “متى” الإصحاح 24 العدد 30)

والمراد الحقيقي بهذه العبارة هو أن المسيح يقول إنه سيأتي زمن تظهر فيه من السماء، أي بمجرّد قدرة الله تعالى، علومٌ وأدلة وشواهد تقطع ببطلان عقيدة ألوهية المسيح وموتِه على الصليب وصعوده إلى السماء ونزولِه منها ثانية؛ كما أن السماء ستشهد على افتراء القبائل أي الشعوب – اليهود مثلًا – التي أنكرت كونَه نبيًّا صادقًا بل اعتبرته ملعونًا لكونه مصلوبًا؛ إذ سوف ينكشف في ذلك العصر بكل جلاء أنه لم يمت على الصليب، ومن ثَمّ فهو لم يكن ملعونًا؛ فعندئذ ستنوح جميع الشعوب التي مالت إلى الإفراط أو التفريط في أمر المسيح، وسيأخذهم أشدُّ الخجل والندامة بسبب خطئهم. وفي الزمن الذي تتجلّى فيه هذه الحقيقة، سيرى الناسُ أيضًا المسيحَ نازلا إلى الأرض نزولا روحانيًّا بمعنى أن المسيح الموعود سيُبعث في تلك الأيام متحلِّيًا بصفات وقوًى شبيهة بصفات المسيح وقواه، ومؤيَّدًا بتأييد سماوي وجلال وسلطان إلهي، ومصحوبًا ببراهينه الساطعة، وسيعرفه الناس“. (المسيح الناصري في الهند، ص 40-41)

About مرزا غلام أحمد الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام

View all posts by مرزا غلام أحمد الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام