هذه إحدى قصائد حضرة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام في حمد حضرة العزّة تبارك وتعالى ونعْت خير البريّة صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:

يَا مَنْ أَحَاطَ الْخَلْقَ بِالآلاَءِ​ * * * نُثْنيِ عَلَيْكَ وَلَيْسَ حَوْلُ ثَنَاءِ

انْظُرْ إِلَيَّ بِرَحْمَةٍ وَعُطُوفَةٍ​ * * * يَا مَلْجَئِي يَا كَاشِفَ الْغَمَّاءِ

أَنْتَ الْمَلاَذُ وَأَنْتَ كَهْفُ نُفُوسِنَا​ * * * فيِ هَذِهِ الدُّنْيَا وَبَعْدَ فَنَاءِ

إِنَّا رَأَيْنَا فيِ الظَّلاَمِ مُصِيبَةً * * * ​فَارْحَمْ وَأَنْزِلْنَا بِدَارِ ضِيَاءِ

تَعْفُو عَنِ الذَّنْبِ الْعَظِيمِ بِتَوْبَةٍ * * * ​​تُنْجِي رِقَابَ النَّاسِ مِنْ أَعْبَاءِ

أَنْتَ الْمُرَادُ وَأَنْتَ مَطْلَبُ مُهْجَتيِ​ * * * وَعَلَيْكَ كُلُّ تَوَكُّلِي وَرَجَائِي

أَعْطَيْتَنيِ كَأْسَ الْمَحَبَّةِ رَيْقَهَا * * * ​​فَشَرِبْتُ رَوْحَاءً عَلَى رَوْحَاءِ

إِنِّي أَمُوتُ وَلاَ تَمُوتُ مَحَبَّتيِ​​ * * * يُدْرَى بِذِكْرِكَ فيِ التُّرَابِ نِدَائِي

مَا شَاهَدَتْ عَيْنيِ كَمِثْلِكَ مُحْسِنًا​ * * * يَا وَاسِعَ الْمَعْرُوفِ ذَا النُّعَمَاءِ

أَنْتَ الَّذِي كَانَ مَقْصِدَ مُهْجَتيِ​​ * * * فيِ كُلِّ رَشْحِ الْقَلَمِ وَالإِمْلاَءِ

لَمَّا رَأَيْتُ كَمَالَ لُطْفِكَ وَالنَّدَا​​ * * * ذَهَبَ الْبَلاَءُ فَمَا أُحِسُّ بَلاَئِي

إِنِّي تَرَكْتُ النَّفْسَ مَعَ جَذَبَاتِهَا * * * ​​لَمَّا أَتَانِي طَالِبُ الطُّلَبَاءِ

مُتْنَا بِمَوْتٍ لاَ يَرَاهُ عَدُوُّنَا * * * ​بَعُدَتْ جَنَازَتُنَا مِنَ الأَحْيَاءِ

لَوْ لَمْ يَكُنْ رُحْمُ الْمُهَيْمِنِ كَافِلِي​ * * * كَادَتْ تُعَفِّينيِ سُيُولُ بُكَائِي

نَتْلُو ضِيَآءَ الْحَقِّ عِنْدَ وُضُوحِهِ​​ * * * لَسْنَا بِمُبْتَاعِ الدُّجَى بِبَرَاءِ

نَفْسِي نَأَتْ عَنْ كُلِّ مَا هُوَ مُظْلِمٌ​ * * * فَأَنَخْتُ عِنْدَ مُنَوِّرِي وَجْنَائِي

لَمَّا رَأَيْتُ النَّفْسَ سَدَّ مَحَجَّتيِ​​ * * * أَسْلَمْتُهَا كَالْمَيْتِ فيِ الْبَيْدَاءِ

إِنِّ شَرِبْتُ كُئُوسَ مَوْتٍ لِلْهُدَى​​ * * * فَرَأَيْتُ بَعْدَ الْمَوْتِ عَيْنَ بَقَائِي

فُقِدَتْ مُرادَاتِي بِزَمْنِ لَذَاذَةٍ​​ * * * فَوَجَدْتُهَا فيِ فُرْقَةٍ وَصِلاَءِ

لَوْلاَ مِنَ الرَّحْمَانِ مِصْبَاحُ الْهُدَى * * * ​كَانَتْ زُجَاجَتُنَا بِغَيْرِ صَفَاءِ

إِنِّي أَرَى فَضْلَ الْكَرِيمِ أَحَاطَنيِ​​ * * * فيِ النَّشْأَةِ الأُخْرَى وَفيِ الإِبْدَاءِ

اللهُ أَعْطَانِي حَدَائِقَ عِلْمِهِ​ * * * لَوْلاَ الْعِنَايَةُ كُنْتُ كَالسُّفَهَاءِ

وَقَد اقْتَضَتْ زَفَراتُ مَرْضَى مَقْدَمِي​ * * * فَحَضَرْتُ حَمَّالاً كُئُوسَ شِفَاءِ

اللهُ خَلاَّقِي وَمُهْجَةُ مُهْجَتيِ​​ * * * حِبٌّ فَدَتْهُ النَّفْسُ كُلِّ فِداءِ

وَلَهُ التَّفَرُّدُ فيِ الْمَحَامِدِ كُلِّهَا​​ * * * وَلَهُ عَلاَءُ فَوْقَ كُلِّ عَلاَءِ

فَانْهَضْ لَهُ إِنْ كُنْتَ تَعْرِفُ قَدْرَهُ * * * ​وَاسْبِقْ بِبَذْلِ النَّفْسِ وَالإِعْدَاءِ

مَلَكُوتُهُ تُبْقَى بِقُوَّةِ ذَاتِهِ​​ * * * وَلَهُ التَّقَدُّسُ وَالْعُلَى بِغَنَاءِ

غَلَبَتْ عَلَى قَلْبيِ مَحَبَّةُ وَجْهِهِ​​ * * * حَتَّى رَمَيْتُ النَّفْسَ بِالإِلْغَاءِ

وَأَرَى الْوَدَادَ أَنَارَ بَاطِنَ بَاطِنيِ​​ * * * وَأَرَى التَّعَشُّقَ لاَحَ فيِ سِيمَائِي

مَا بَقِيَ فيِ قَلْبيِ سِوَاهُ تَصَوُّرٌ​​ * * * غَمَرَتْ أَيَادِي اللهِ وَجْهَ رَجَائِي

هَوْجَاءُ أُلْفَتُهُ أَثَارَتْ حُرَّتِي​ * * * فَفَدَا جَنَانِي صَوْلَةَ الْهَوْجَاءِ

أَبْرِي الْهُمُومَ بِمَشْرَفِيَّةِ فَضْلِهِ​​ * * * وَاللهُ كَافٍ لِي وَنِعْمَ الرَّائِي

مَا شَمَّ أَنْفِي مَرْغَمًا فيِ مَشْهَدٍ​​ * * * وَأَثَرْتُ نَقْعَ الْمَوْتِ فيِ الأَعْدَاءِ

يَا رَبِّ آمَنَّا بِأَنَّكَ وَاحِدٌ​​ * * * رَبَّ السَّمَآءِ وَخَالِقَ الْغَبْرَاءِ

آمَنْتُ بِالْكُتُبِ الَّتيِ أَنْزَلْتَهَا​ * * * وَبِكُلِّ مَآ أَخْبَرْتَ مِنْ أَنْبَاءِ

يَا مَلْجَئِ أَدْرِكْ فَإِنَّكَ مَوْئِلِي​​ * * * يَا كَهْفيِ اعْصِمْنيِ مِنَ الشَّغْبَاءِ

يَا رَبِّ أَيِّدْنِي بِفَضْلِكَ وَانْتَقِمْ​​ * * * مِمَّنْ يَدُسُّ الدِّينَ تَحْتَ عَفَاءِ

لاَ يَعْلَمُونَ نِكَاتِ دِينِ الْمُصْطَفَى​ * * * وَتَهَالَكُوا فيِ بُخْلِهِمْ وَرِيَاءِ

يُؤْذُونَنيِ قَوْمٌ أَضَاعُوا دِينَهُمْ * * * ​​نَجْسُ الْمَقَاصِدِ مُظْلِمُ الآرَاءِ

خَشُّوا وَلاَ يَخْشَى الرِّجَالُ شَجَاعَةً​ * * * فيِ نَائِبَاتِ الدَّهْرِ وَالْهَيْبَاءِ

زَمَعُ الأُنَاسِ يُحَمْلِقُونَ كَثَعْلَبٍ​​ * * * يُؤْذُنَنيِ بِتَحُوُّبٍ وَمُوَاءِ

حَسَدُوا فَسَبُّوا حَاسِدِينَ وَلَمْ يَزَلْ​ * * * ذُو الْفَضْلِ يَحْسُدُهُ ذَوُو الأَهْوَاءِ

صَالُوا بِإِبْدَاءِ النَّوَاجِزِ كَالْعِدَا * * * ​​لِمَقَالَةِ ابْنِ بَطَالَةَ وَشَّاءِ

إِنَّ اللِّئَامَ يَكْفُرُونَ وَذَمُّهُمْ ​ * * * مَا زَادَنِي إِلاَّ مَقَامَ سَنَاءِ

نَضُّوا الثِّيَابَ ثِيَابَ تَقْوَى كُلُّهُمْ​​ * * * مَا بَقِيَ إِلاَّ لِبْسَةَ الإِغْوَاءِ

مَا إِنْ أَرَى غَيْرَ الْعَمَائِمِ وَاللُّحَى​​ * * * أَوْ أُنُفًا زَاغَتْ بِفَرْطِ مِرَاءِ

وَأَرَى تَغَيُّظَهُمْ يَفُورُ كَلُجَّةٍ​ * * * مَوْجٌ كَمَوْجِ الْبَحْرِ فيِ الْغَلْوَاءِ

كَلِمُ اللِّئِامِ أَسِنَّةٌ مَذْرُوبَةٌ​​ * * * أَعْرَى بَوَاطِنَهُمْ لِبَاسُ عُوَاءِ

مَنْ مُخْبِرٌ عَنْ ذِلَّتيِ وَمُصِيبَتيِ​​ * * * مَوْلاَيَ خَتْمَ الرُّسْلَ أَهْلَ رَجَاءِ

يَا طَيِّبَ الأَخْلاَقِ وَالأَسْماءِ​​ * * * جِئْنَاكَ مَظْلُومِينَ مِنْ جُهَلاَءِ

إِنَّ الْمَحَبَّةَ لاَ تُضَاعُ وَتُشْتَرَى​​ * * * إِنَّا نُحِبُّكَ يَا ذُكَاءَ سَخَاءِ

أَنْتَ الَّذِي جَمَعَ الْمَحَاسِنَ كُلَّهَا​ * * * أَنْتَ الَّذِي قَدْ جَاءَ لِلإِحْيَاءِ

أَنْتَ الَّذِي تَرَكَ الْهُدُونَ لِرَبِّهِ * * * ​​وَتَخَيَّرَ الْمَوْلَى عَلَى الْحَوْبَاءِ

يَا كَنْزَ نِعَمِ اللهِ وَالآلاَءِ​​ * * * يَسْعَى إِلَيْكَ الْخَلْقُ لِلاِرْكَاءِ

يَا بَدْرَ نُورِ اللهِ وَالْعِرْفَانِ​​ * * * تَهْوَى إِلَيْكَ قُلُوبُ أَهْلِ صَفَاءِ

يَا شَمْسَنَا يَا مَبْدَأَ الأَنْوَارِ * * * ​نَوَّرْتَ وَجْهَ الْمُدْنِ وَالْبَيْدَاءِ

إِنِّي أَرَى فيِ وَجْهِكَ الْمُتَهَلَّلِ​​ * * * شَأْنًا يَفُوقُ شُئُونَ وَجْهِ ذُكَاءِ

مَا جِئْتَنَا فيِ غَيْرِ وَقْتِ ضَرُورَةٍ​​ * * * قَدْ جِئْتَ مِثْلَ الْمُزْنِ فيِ الرَّمْضَاءِ

إِنِّي رَأَيْتُ الْوَجْهَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ * * * ​​وَجْهٌ كَوَجْهِ اللَّيْلَةِ الْبَلْمَاءِ

شَمْسُ الْهُدَى طَلَعَتْ لَنَا مِنْ مَكَّةَ​ * * * عَيْنُ النَّدَا نَبَعَتْ لَنَا بِحِرَاءِ

ضَاهَتْ آيَاتُ الشَّمْسِ بَعْضَ ضِيَائِهِ​ * * * فَإِذَا رَأَيْتُ فَهَاجَ مِنْهُ بُكَائِي

أَعْلَى الْمُهَيْمِنُ هِمَمَنَا فيِ دِينِهِ​​ * * * نَبْنيِ مَنَازِلَنَا عَلَى الْجَوْزَاءِ

نَسْعَى كَفِتْيَانٍ بِدِينِ مُحَمَّدٍ​​ * * * لَسْنَا كَرَجُلٍ فَاقِدِ الأَعْضَاءِ

نِلْنَا ثُرَيَّاءَ السَّمَاءِ وَسَمْكَهُ​ * * * لِنَرَدَّ إِيمَانًا إِلَى الصَّيْدَاءِ

إِنَّا جُعِلْنَا كَالسُّيُوفِ فَنَدْمَغُ​​ * * * رَأْسَ اللِّئَامِ وَهَامَةَ الأَعْدَاءِ

وَاهًا لأَصْحَابِ النَّبيِّ وَجُنْدِهِ​​ * * * حَفَدُوا إِلَيْهِ بِشِدَّةٍ وَرَخَاءِ

غُمِسُوا بِبَرَكَاتِ النَّبيِّ وَفَيْضِهِ​​ * * * فيِ النُّورِ بَعْدَ تَمَزُّقِ الأَهْوَاءِ

قَامُوا بِإِقْدَامِ الرَّسُولِ بِغَزْوَةٍ * * * ​​حَضَرُوا جَنَابَ إِمَامِنَا لِفِدَاءِ

فَدَمُ الرِّجَالِ لِصِدْقِهِمْ فيِ حُبِّهِمْ​​ * * * تَحْتَ السُّيُوفِ أُرِيقَ كَالأَطْلاَءِ

بَلَغَ الْقُلُوبُ إِلَى الْحَنَاجِرِ كُرْبَةً​​ * * * فَتَخَيَّرُوا للهِ كُلَّ عَنَاءِ

دَخَلُوا حَدِيقَةَ مِلَّةٍ غَرَّاءِ​​ * * * عَذْبُ الْمَوَارِدِ مُثْمِرُ الشَّجْرَاءِ

وَفَنُوا بِحُبِّ الْمُصْطَفَى فَبِحُبِّهِ * * * ​​قُطِعُوا مِنَ الآبَاءِ وَالأَبْنَاءِ

قَبِلُوا لِدِينِ اللهِ كُلَّ مُصِيبَةٍ​ * * * حَتَّى رَضُوا بِمَصَائِبِ الأَجْلاَءِ

قَدْ آثَرُوا وَجْهَ النَّبيِّ وَنُورَهُ​ * * * وَتَبَاعَدُوا مِنْ صُحْبَةِ الرُّفَقَاءِ

فيِ وَقْتِ ظُلُمَاتِ الْمَفَاسِدِ نُوِّرُوا​ * * * وَجَدُوا السَّنَا فيِ اللَّيْلَةِ اللَّيْلاَءِ

نَهَبَ اللِّئَامُ نُشُوبَهُمْ فَمَلِيكُهُمْ * * * ​​أَعْطَى جَوَاهِرَ حِكْمَةٍ وَضِيَاءِ

وَاهًا لَهُمْ قُتِلُوا لِعِزَّةِ رَبِّهِمْ​ * * * مَاتُوا لَهُ بِصَدَاقَةٍ وَصَفَاءِ

شَهِدُوا الْمَعَارِكَ كُلَّهَا حَتَّى قَضَوْا​ * * * لِرِضَا الْمُهَيْمِنِ نَحْبَهُمْ بِوَفَاءِ

مَا فَارَقُوا سُبُلَ الْهُدَى وَتَخَيَّرُوا * * * ​​جَوْرَ الْعِدَا وَبَوَائِقَ الْهَيْجَاءِ

هَذَا رَسُولٌ قَدْ أَتَيْنَا بَابَهُ * * * ​​​بِمَحَبَّةٍ وَّإِطَاعَةٍ وَّرِضَاءِ

يَالَيْتَ شُقَّ جَنَانِي الْمُتَمَوِّجُ * * * ​​لأُرِي الْخَلاَئِقَ بَحْرَهَا كَالْمَاءِ

إِنَّا قَصَدْنَا ظِلَّهُ بِهَوَاجِرٍ​​ * * * مَالطَّيْرِ إِذْ يَأْوِي إِلَى الدَّفْوَاءِ

يَا مَنْ يُكَذِّبُ دِينَنَا وَنَبِيِّنَا * * * ​وَتَسُبُّ وَجْهَ الْمُصْطَفَى بِجَفَاءِ

وَاللهِ لَسْتُ بِبَاسِلٍ يَوْمَ الْوَغَى​​ * * * إِنْ لَمْ أَشُنَّ عَلَيْكَ يَا ابْنَ بِغَاءِ

إِنَّ نُشَاهِدُ حُسْنَهُ وَجَمَالَهُ​ * * * وَمَلاَحَةً فيِ مُقْلَةٍ كَحْلاَءِ

بَدْرٌ مِنَ اللهِ الْكَرِيمِ بِفَضْلِهِ * * * ​وَالْبَدْرُ لاَ يَغْسُو بِلُغَيِّ ضِرَاءِ

لاَيُبْصِرُ الْكُفَّارُ نُورَ جَمَالِهِ * * * ​وَالْمَوْتُ خَيْرٌ مِنْ حَيَاةِ غِشَاءِ

إِنَّا بُرَاءٌ فيِ مَنَاهِجِ دِينِهِ​​ * * * مِنْ كُلِّ زِنْدِيقٍ عَدُوِّ دَهَاءِ

نَخْتَارُ آثَارَ النَّبيِّ وَأَمْرَهُ​​ * * * نَقْفُو كِتَابَ اللهِ لاَ الآرَاءِ

يَا مُكْفِرِي إِنَّ الْعَوَاقِبَ لِلتُّقَى​​ * * * فَانْظُرْ مَآلَ الأَمْرِ كَالْعُقَلاَءِ

إِنِّي أَرَاكَ تَمِيسُ بِالْخُيَلاَءِ * * * ​أَنَسِيتَ يَوْمَ الظَّعْنِ وَالإِسْرَاءِ

تُبْ أَيُّهَا الْغَالِي وَتَأْتِي سَاعَةٌ​​ * * * تُمْسِي تَعَضُّ يَمِينَكَ الشِّلاَّءِ

أَفَتَضْرِبَنْ عَلَى الصَّفَاةِ زُجَاجَةً​​ * * * هَوِّنْ عَلَيْكَ وَلاَ تَمُتْ بِإِبَاءِ

غَرَّتْكَ أَقْوَالٌ بِغَيْرِ بَصِيرَةٍ * * * ​سُتِرَتْ عَلَيْكَ حَقِيقَةُ الأَنْبَاءِ

إِنَّ السُّمُومَ لَشَرُّ مَا فيِ الْعَالَمِ * * * ​​وَمِنَ السُّمُومِ غَوَائِلُ الآرَاءِ

جَاوَزْتَ بِالتَّكْفِيرِ عَرَصَاتِ التُّقَى​ * * * أَشَقَقْتَ قَلْبيِ أَوْ رَأَيْتَ خَفَائِي

تَاتِيكَ آيَاتِي فَتَعْرِفُ وَجْهَهَا * * * ​​فَاصْبِرْ وَلاَ تَتْرُكْ طَرِيقَ حَيَاءِ

إِنَّ الْمُقَرَّبَ لاَ يُضَاعُ بِفِتْنَةٍ​ * * * وَالأَجْرُ يُكْتَبُ عِنْدَ كُلِّ بَلاَءِ

يَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا بِكَرَامَةٍ​​ * * * يَا مَنْ يَرَى قَلْبيِ وَلُبَّ لُحَائِي

يَا مَنْ أَرَى أَبْوَابَهُ مَفْتُوحَةً​ * * * لِلسَّائِلِينَ فَلاَ تَرُدَّ دُعَائِي

(كتاب مِنَـن الرحمن)

يقول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام في مدح العربية كونها أصل اللغات:

وأما اللغة العربية فحسبانها أنها تجري تحت مقاصد القرآن، وتتمّ بمفرداتها جميع دوائر دِين الرحمان، وتخدم سائر أنواع التعليم والتلقين. وإنها مِن أعظم مجالي القدرة الربّانية، وخّصها الله بنظام فطري من جميع الألسنة، وأودعها محاسن الصنعة الإلهية، فأحاطت جميع لطائف البيان، وأبدى الجمال كأحسن أشياء صدرت من الرحمان، وهذا هو الدليل على أنها ليست من الإنسان، وفيها صبغة حِكَميّة من الله المنّان، وفيها حُسنٌ وبهاءٌ وأنواع اللمعان، وفيها عجائب صانع عظيم الشان، تلمع وجهها بين صفوف ألسنة شتّى، كأنها كوكب دُرّيٌ في الدّجى، وإنها كروضة طيبة على نهر جار، مثمرة بأنواع ثمار، وأمّا الألسن الأخرى فقد غيّر وجهها قتر تصرّف النوكى، وما بقيت على صورتها الأولى، فهي كأشجار اجتثت من مغارسها، وبعدت من نواظر حارسها، ونُبذت في موماة وقفر وفلاة، فاصفرّت أوراقها، ويبست ساقها، وسقطت أثمارها، وذهبت نضرتها واخضرارها، وترى وجهها كالمجذومين. فواهًا للعربية.. ما أحسن وجهها في الحلل المنيرة الكاملة، أشرقت الأرض بأنوارها التّامّة، وتحقق بها كمال الهويّة البشرية، توجد فيها عجائب الصانع الحكيم القدير، كما توجد في كل شيء صدر من البديع الكبير، وأكمل الله جميع أعضائها، وما غادر شيئا من حُسنها وبهائها، فلا جرم تجدها كاملة في البيان، محيطة على أغراض نوع الإنسان، فما من عمل يبدو إلى انقراض الزمان، ولا من صفةٍ من صفات الله الديّان، وما من عقيدة من عقائد البرية، إلاّ ولها لفظ مفرد في العربية، … بل إن العربية أحاطت جميع أغراضنا كالدائرة، وتجدها وصحيفة الفطرة كالمرايا المتقابلة، وما تجد من أخلاق، وأفعال وعقائد وأعمال، ودعوات وعبادات، وجذبات وشهوات، إلاّ وتجد فيها بحذائها مفردات، ولا تجد هذا الكمال في غير العربية. … واعلم أن للعربية، وصحيفة الفطرة، تعلّقات طبعية، وانعكاسات أبدية، كأنهما مرايا متقابلة من الرحمان، أو توأمان متماثلان، أو عينان من منبع تخرجان وتصدغان. … فهذه نصوصٌ قاطعة، وحجج بيّنة على أنَّ العربية هي اللسان، والفُرقان هو النورُ التامُّ الفُرقان. … ومَن فكّرَ في القرآن وتدبّرَ كلمات الفرقان، ففهم أنَّ هذا قد ثبت من البرهان، وما كتبناه كالظانين، بل أوتينا علماً كنور مبين. … هذا شأن مفردات العربية، وأمّا مركّباتها فهي أرفع شأنا عند أهل البصيرة، فإن المِسْك واللؤلؤ إذا خُلطا لغرض من الأغراض، فلا شك أنَّ هذا المُركّب أشدّ وأقوى لدفع الأمراض، وأنت تعلم أنَّ مُركّبات النبات، قد تحدث فيها كيفية خارقة للعادات، نافعة لكثير من الأوقات، فكيف تركيب مفردات قُدّ على شأنها، وأشرق برهانها، وأعجبَ الخَلْقَ لمعانها، فإنها نورٌ على نور، ومفتاحٌ لسرٍّ مستور، وآيةً عظيمةً للمُستَرشدين.” (مِنَـن الرحمن)

ثم يختم عَلَيهِ السَلام بقوله:

وإني لمّا أردتُ أن أنضد جواهر الكلام، وأسلكها في سمط الانتظام، أُلقيَ في روعي أن أكتبها في هذه اللهجة، ولا أخفي بروقها في البرقة الهندية، وأسرّح النواظر في النواضر الأصلية.” (مِنَـن الرحمن)

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد