دموعي تفيض بذكرِ فتن أنظُرُ … وإني أرى فتنًا كقطرٍ يمطُرُ
تهبّ رياح عاصفات مبيدةٌ … وقلَّ صلاحُ الناس والغيُّ يكثرُ
وقد زُلزلت أرضُ الهدى زلزالها … وقد كُدّرتْ عين التقى وتُكدَّرُ
وما كان صَرْخٌ يَصْعَدَنّ إلى العُلى … وما مِن دعاء يُسمَعنَّ ويُنصَرُ
فلما طغى الفسق المبيد بسيله … تمنّيتُ لو كان الوباءُ المُتَبِّرُ
فإن هلاك الناس عند أولي النهى … أحبُّ وأولى من ضلال يُخسِّرُ
على أجدُرِ الإسلام نزلت حوادثٌ … وذاك بسيئات تُذاع وتُنشرُ
وفي كل طرف نارُ فتن تأجّجت … وفي كل ذنب قد تراءى التقعُّرُ
ومن كل جهة كلُّ ذئب ونمرة … يعيث بوثب والعقارب تأبُرُ
وعينُ هدايات الكتاب تكدرتْ … بها العِيْنُ والآرام يمشي ويعبُرُ
تراءت غواياتٌ كريح عاصفٍ … وأرخى سدولَ الغيِّ ليلٌ مُكدِّرُ
وللدين أطلالٌ أراها كلاهف … ودمعي بذكر قصوره يتحدّرُ
أرى العصر من نوم البطالة نائما … وكل جَهول في الهوى يتبخترُ
وليلا كعين الظبي غابت نجومه … وداءً لَشِدَّتُه عن الموت تُخبِرُ
نسوا نَهْجَ دين الله خبثًا وغفلة … وأفعالهم بغيٌ وفسق ومَيسِرُ
وما همُّهم إلا لحظِّ نفوسهم … وما جهدهم إلا لعيشٍ يوفَّرُ
وقد ضيّعوا بالجهل لبنًا سائغا … ولم يبق في الأقداح إلا ماضِرُ
وركب المنايا قد دناهم بسيفهم … وهم خيلُ شحٍّ ما دناهم تحسّرُ
تصيدُهم الدنيا بعظمة مكرها … فيا عجبًا منها ومما تمكُرُ
تذكِّر إفلاسا وجوعا وفاقة … فتدعو إلى الآثام مما تذكِّرُ
تريد لتُهلِك في التغافل أهلها … وقد عقرتْ هممَ اللئام وتعقِرُ
وألهتْ عن الدين القويم قلوبَهم … فمالوا إلى لمعاتها وتخيّروا
تقود إلى نار اللظى وجناتُها … ولمعاتُها تصبي القلوب وتختِرُ
وتدعو إليها كلَّ من كان هالكا … فكلٌّ من الأحداث يدنو ويخطِرُ
تميس كبِكرٍ في نقاب المكائدِ … وتُبدي وميضًا كاذبا وتزوِّرُ
ودقّتْ مكائدها فلم يُدْرَ سرُّها … لما نسجتْها من فنون تكوِّرُ
وتبدو كتُرْسٍ في زمان بكيدها … وفي ساعة أخرى حُسامٌ مشهَّرُ
وعين لها تصبي الورى فتّانة … ولقتلِ أهل الفسق كَشْح مُخصَّرُ
عجبتُ لمنظرِ ذاتِ شيبٍ عجوزةٍ … أنيقٍ لعين الناظرين وأزهَرُ
لزِمتُ اصطبارًا إذ رأيتُ جمالها … فقلتُ إلهي أنت كهفي ومأْزَرُ
فصَيَّرَها ربي لنفسي سَرِيَّةً … كجاريةٍ تُلقَى بطَوْعٍ وتُهجَرُ
وذلك فضلٌ من كريم ومحسن … ويعطي المهيمن من يشاء ويحجُرُ
وقد ضاقت الدنيا على عشّاقها … ويبغونها عشقًا وحبًّا فتُدْبِرُ
تزاحمت الطلاب حول لحومها … كمثل كلاب والمنايا تسخرُ
وإنّ هواها رأسُ كلّ خطيئةٍ … فخَفْ حُبَّها يا أيها المتبصّرُ
وقد مضغتْ أنيابُها كلًّ طالبٍ … وأنت أَثارتُهم فسوف تُكسَّرُ
على كل قلب قد أحاط ظلامها … سوى قلب مسعودٍ حماه الميسِّرُ
إذا ما رأيتُ المسلمين كلابَها … ففاضتْ دموع العين والقلبُ يضجَرُ
على فسقِهم لما اطّلعتُ وكسلِهم … بكيتُ ولم أصبِرْ ولا أتصبّرُ
أكبّوا على الدنيا ومالوا إلى الهوى … وقد حلَّ بيتَ الدين ذئبٌ مدمِّرُ
أرى ظلماتٍ ليتَني مِتُّ قبلها … وذقتُ كؤوس الموت لولا أُنوَّرُ
فساد كطوفان مبيد وإنني … أراه كموج البحر أو هو أكثَرُ
أرى كلَّ مفتون على الموت مُشرِفًا … وكل ضعيف لا محالة يعثُرُ
فأنقضَ ظهري ضعفُهم ووبالهم … ومِن دون ربي مَن يداوي وينصرُ؟
فيا ربِّ أَصْلِحْ حالَ أُمّةَ سيدي … وعندك هَيِّنٌ عندنا متعسِّرُ
وليس بِراقٍ قبل أن تأخُذَنْ يدًا … وليس بِساقٍ قبل كأسٍ تُقدِّرُ
وقد نُشِرتْ ذرّاتُنا من مصائبٍ … ومِتْنا فلا تذكُرْ ذُنوبًا تنظُرُ
ولا تُخرِجَنْ سيفًا طويلا لقتلِنا … وتُبْ وَاعْفُوَنْ يا ربِّ قوم صُغِّرُوا
وإنْ تُهلِكْنا يا ربَّنا بذنوبنا … فنفنى بموت الخزي والخصمُ يَبطَرُ
ولا أبرَحُ المضمارَ حتى تعينني … ولا بُدَّ لي أن أُهْلَكَنْ أو أُظفَّرُ
وإني أرى أن الذنوب كبيرة … وأعرف معه أن فضلك أكبَرُ
إلهي أَغِثْنا واسْقِنا واحْمِ عِرْضَنا … بسلطانك الأجلى وإنك أقدَرُ
يئِسنا من المخلوق وانقطع الرجا … وجئناك يا مَن يعلَمَنْ ما يُضمَرُ
تعاليتَ يا مَن لا تُحاطُ كمالُهُ … لك الحمد حمدًا ليس يُحصى ويُحصَرُ
تَصدَّقْ بألطاف كما أنت أهلُها … وأَدْرِكْ عبادًا لك كما أنت أقدَرُ
فخُذْ بيدي يا ربِّ في كل موطنٍ … وأَيِّدْ غريبًا يُلْعَنَنْ ويُكفَّرُ
أتيتُك مسكينًا وعونُك أعظَمُ … وجئتُك عطشانًا وبحرُك أَزخَرُ
قد اندرستْ آثارُ دينِ محمدٍ … فأشكو إليك وأنتَ تبني وتَعمُرُ
أرى كل يوم فتنةًّ قد مُدِّدتْ … ومِتْنا وأمواتُ الأعادي بُعْثِروا
وقد أزمعوا أن يزعجوا سبلَ الهدى … وكم من أراذلَ من شقاهم تنَصَّرُوا
أرى كل محجوب لدنياه باكيا … فمن ذا الذي يبكي لدينٍ يُحقَّرُ
فيا ناصِرَ الإسلام يا ربَّ أحمدا … أَغِثْني بتأييد فإني مُدْخَرُ
أيا ربّ مَن أعطيتَه كل درجةٍ … وشأنًا برؤيته الورى تتحيرُ
وما زلتَ ذا لطف وعطف ورحمةٍ … وما كنتُ محروما وكنتُ أُوقَّرُ
فلا تجعَلَنِّي مضغةً لمحاربي … وأنتَ وحيدي كلّ خطأ تَغفِرُ
وأنت المهيمنُ مرجعُ الخَلق كلِّهم … وأنتَ الحفيظ تعينني وتُعزِّرُ
وما غيرُ بابِ الرب إلا مذلّة … وما غيرُ نورِ الرب إلا تكَدُّرُ
وعُلِّمتُ منك حقائق الدين والهدى … وتهدي بفضلك من ترى وتُنوِّرُ
إذا ما بدا لي أن علميَ غامضٌ … فأيقنتُ أني عن قريب سأُكفَرُ
فسلَّمتُ بعد الاهتداء بفضله … سلامَ الوداع على الذي يستنكِرُ
وإن الهداية يرجِعَنْ نحو طالبٍ … ومَن غضَّ عينيْ رؤيةٍ أين يُبصِرُ؟
ووالله لا يشقى الذي هو يطلب … ومَن جدَّ في تحصيل هديٍ سيُنصَرُ
ومن كان أكبر همّه جلب لذّةٍ … وحظٍّ من الدنيا فكيف يُطهَّرُ
أَمُكْفِرِ! مهلاً بعضَ هذا التحكم … وخَفْ قَهْرَ ربٍّ قال {لا تقفُ} فاحذروا
وإن ضياء الدين قد حان وقته … فتعرف شجرتنا بما هي تُثمرُ
ويا حسراتٍ موبقاتٍ على الذي … يكذّبني مِن غير علم ويُكْفِرُ
وما جئتُ قومي من ديار بعيدة … وقد عرفوني قبله ثم أنكروا
وأعرضَ عني كلُّ من كان صاحبي … وأُفرِدتُ إفرادَ الذي هو يُقبَرُ
تمنَّيتُ أن يخفى تطاوُلُ قولهم … وهل يختفي ما في المجالس يُذكَرُ؟
ويعوي عدوي مثل ذئب مِن طوًى … وليس له علم بما هو أذكرُ
وما رُزِقتْ عيناه مِن نيِّر العُلى … فأخلَدَ نحو الأرض جهلا ويُنكِرُ
أولئك قوم ضيّعوا أَمْرَ دينهم … وخانوا العهود وزيّنوا ما زوَّروا
ويعلم ربي سرَّ قلبي وسرَّهم … وكلّ خفيّ عنده متحضِّرُ
ولو كنتُ مردودَ المليك لضَرَّني … عداوةُ قومٍ كذّبوني وكفّروا
وهمّوا بتكفيري وقاموا للعنتي … ولم يعلموا أن المهيمن ينظُرُ
إذا قيل إنك مرسَلٌ خِلْتُ أنني … دُعِيتُ إلى أمر على الخَلْق يَعسِرُ
وكنتُ على نور فزاغوا من العَمى … وهل يستوي الأعمى ورجلٌ يَبصُرُ
وما ديننا إلا هدايةُ أحمدا … فياليتَ شعري ما يظن المكفِّرُ
وقد كنتُ أنسى كلَّ جَوْرِ مُعيِّري … ولكنه جور كبير مكوَّرُ
وكم من دلائلَ قد كتبتُ لطالبٍ … يفكّر فيها لَوْذَعِيٌّ مُدبِّرُ
ألا أيها المتكبر المتشدّدُ … تريد هواني والكريمُ يُعزِّرُ
وإذ قلتُ إني مسلم قلتَ كافر … فأين التُّقى يا أيها المتهوِّرُ
وبعد بياني أين تذهب منكرًا … أتعلم يا مسكين ما هو مُضْمَرُ
فلا تتجرعْ أيها الضال في الهوى … بأيديك كأس الموت ما لك تُخطِرُ
وكلُّ سعيد يعرف الحقَّ قلبُهُ … وأما الشقيّ فيعلَمَنْ حين يخسَرُ
وإني تركتُ النفس والخَلق والهوى … فلا السبُّ يؤذيني ولا المدحُ يُبطِرُ
وكم من عدوٍّ بعدما أكملَ الأذى … أتاني فلم أَصعَرْ وما كنتُ أصعَرُ
أحِنُّ إلى من لا يحِنُّ محبّةً … وأدعو لمن يدعو عليّ ويهذَرُ
خُذِ الرفقَ إن الرفق رأس المحاسنِ … ويكسِر ربي رأس من يتكبّرُ
عجبتُ لأعمى لا يداوي عيونَه … ومِن كل ذي الأبصار يلوي ويسخَرُ
أتنسى نجاساتٍ رضيتَ بأكلِها … وتذُمّ ما هو مستطاب وأطهَرُ
تُسَمِّينِ جهلاً يا ابنَ آوى ثعلبًا … وما أنا إلا الليث لو تتفكّرُ
تفيض عيون العارفين بقولنا … ولكن غبيٌّ يضحكَنْ ويحقِّرُ
تُعيِّرني ظلمًا وكبرًا ونخوةً … وهيهاتَ، أهلُ الحق كيف يُعيَّرُ
صبرنا على ظلم الخلائق كلها … وتُبْنا إلى الرب الذي هو أقدَرُ
تركْنا القِلى واللهُ كافٍ لصادقٍ … وإن الصدوق بفضله يُتخَيَّرُ
وليس الفتى من يقتل الناسَ سيفُه … ولكنه من يُظلَمَنّ ويصبِرُ
أرى الظلمَ يبقى في الخراطيم وَسْمُه … وأما علامات الأذى فتَغيَّرُ
أَتُكْفِرُني يا أيها المستعجلُ … وأيّ علاماتٍ ترى إذ تُكفِّرُ
وإن إمامي سيد الرسل أحمدُ … رضيناه متبوعا وربّيَ ينظُرُ
ولا شك أن محمدا شمس الهدى … إليه رغِبْنا مؤمنين فنشكُرُ
له درجات فوق كل مدارجٍ … له لمعاتٌ لا يليها تصوُّرُ
أَبَعْدَ نبيِّ الله شيءٌ يرُوقني … أبعدَ رسول الله وجهٌ مُنوَّرُ
عليك سلامُ الله يا مَرْجَعَ الورى … لكل ظلامٍ نورُ وجهك نيِّرُ
ويحمدك الله الوحيد وجندُه … ويُثني عليك الصبحُ إذ هو يَجشُرُ
مدحتُ إمامَ الأنبياء وإنه … لأرفَعُ مِن مدحي وأعلى وأكبرُ
دَعُوا كلَّ فخر للنبي محمد … أمامَ جلالةِ شأنه الشمسُ أحقَرُ
وصلُّوا عليه وسلِّموا أيها الورى … وذَرُوا له طُرقَ التشاجر تُؤْجَروا
ووالله إني قد تبِعتُ محمدًا … وفي كل آن مِن سناه أُنوَّرُ
وفَوَّضَني ربي إلى روضِ فيضه … وإني به أجنِي الجَنى وأُنَضَّرُ
ولِدِينه في جَذْرِ قلبيَ لوعةٌ … وإن بياني عن جنانيَ يُخبِرُ
ورثتُ علوم المصطفى فأخذتُها … وكيف أردّ عطاء ربي وأفجُرُ
وكيف وللإسلام قمتُ صبابةً … وأبكي له ليلا نهارا وأضجَرُ
وعندي دموع قد طلَعْنَ المآقِيا … وعندي صراخٌ مثلُ نارٍ مُسَعَّرُ
تضوّعَ إيماني كمسكٍ خالصٍ … وقلبي من التوحيد بيتٌ مُعطَّرُ
وفي كل آن يأتينْ مِن خالقي … غذائي نَميرُ الماء لا يتغيَّرُ
تضيء الظلامَ معارفي عند منطقي … وقولي بفضل الله دُرٌّ مُنوَّرُ
إلى منطقي يرنو الفهيم تعشقًا … ويُزعِج نطقي كلَّ وهمٍ ويَجذُرُ
سنا برقِ إلهامي ينير لياليا … وكشفي كصبح ليس فيه تكدُّرُ
وإن كلامي مثل سيف قاطع … وإن بياني في الصخور يؤثِّرُ
حفرتُ جبال النفس من قوة العلى … فصار فؤادي مثل نهر يُفجَّرُ
وأَدْعِيَتي عند الوَغى تقتُل العدا … فطوبى لقلبٍ يتّقيها ويحذَرُ
وآذاني قومي بسبٍّ ولعنةٍ … وكم من لسان لا يضاهيه خنجرُ
إذا ما تحامتْني مشاهير ملتي … فقلتُ اخْسَأوا إن الخفايا ستَظهَرُ
فريق من الإخوان لا ينكرونني … وحزب يكذّب كل قولي ويزجُرُ
وقد زاحموا في كل أمر أردْتُه … وكلٌّ يخوِّفني وربي يُبشِّرُ
فأقسمتُ بالله الذي جلَّ شأنهُ … على أنه يُخزي عدوي ويَشزِرُ
وما أنا عن عون المُعين بمُبْعَدٍ … إذا الليل واراني فنُورٌ يُنوِّرُ
وقد قادني ربي إلى الرشد والهدى … ووقَّرني مَن عنده فأُوَقَّرُ
وإن كريمي يُطلِق الكفَّ بالندى … ولي مِن عطاء الرب رزقٌ يُوفَّرُ
ولا زال ممدودا عليَّ ظلالُهُ … ونعماؤه كثرتْ عليَّ وتكثُرُ
أكان لكم عجبًا ببعثِ مجدِّدٍ … هلمَّ انْظُروا فتنَ الزمان وفَكِّروا
أمامك يا مغرورُ فتنٌ محيطة … وأنت تسبّ المؤمنين وتَهجُرُ
فهذا على الإسلام يوم المصائبِ … يُكفَّرُ مثلي والرياضُ حَبَوكَرُ
وللكفر آثار وللدين مثلها … فقُوموا لتفتيش العلامات وانظروا
أتحسب أن الله يُخلف وَعْدَهُ … أتنسى المواعيد التي هي أظهَرُ
ويأتيك وعدُ الله من حيث لا ترى … فتعرفه عينٌ تَحِدُّ وتُبصِرُ
وقد علِم الأعداء أني مؤيَّدٌ … ولكنهم من حقدهم قد أنكروا
ألا أيها الإخوان بَشُّوا وأَبشِروا … هنيًّا لكم عيدٌ جديد أكبرُ
وليس لعَضْبِ الحق في الدهر كاسرٌ … وما يضعون من الحديد فيُكسَرُ
وهل جائز سبُّ المؤيَّد بعدما … أتتْ آيةُ المولى وظهَر المُضمَرُ
وفي يد ربي كلُّ عزّ وسؤدَدٍ … وعزيزه مِن كيدكم لا يُحَقَّرُ
فمن ذا يعاديني وربي يحبّني … ومن ذا يُراديني وربي مُعزِّرُ
لنا كل يوم نصرةٌ بعد نصرة … ويأتي الحبيب مقامَنا ويبشِّرُ
وما أنا ممن يمنع السيفُ قصدَه … فكيف يخوِّفني بشتمٍ مُكفِّرُ
يسبّ ويعلم أنه يترك التُّقى … على مثله الوُعَّاظِ يبكي المنبرُ
وما إنْ رأينا وَعْظَه غيرَ فتنةٍ … وما زالت الشحناء تنمو وتكثُرُ
وكفّرَني حتى ظنَنَّا أنه … سيصلَى بحبّ الكُفر نارًا يُسعِّرُ
عجبتُ له لا يتركنَّ شروره … وذَكَّرَه مِن كل نصحٍ مُذكِّرُ
ومِن عجبِ الأيامِ أنيَ كافر … بأعينِ رجلٍ حاسدٍ بل أكفَرُ
وكيف أخاف الحاسدين وسبَّهم … ويرحمني ربي ويؤوي وينصرُ
أُحِبُّ مصائبَ سبلِ ربي وإنها … لأطيبُ لي مِن كل عيش وأطهَرُ
أيا أيها الألْوَى كسَبُعٍ تغيُّظًا … فستعلَمنْ في أي شكل تُحشَرُ
فلا تقفُ ما لا تعلمَنْ أسراره … وكم من علوم الحق تخفى وتستُرُ
وجهلُك أعجبَني وطولُ امتداده … وإن الفتى بعد الجهالة يشعُرُ
أتُقبِرُ حيًّا مثلَ ميتٍ خيانةً … ويعلم ربي كلَّ ما أنت تستُرُ
إلامَ فسادُ القلب يا تاركَ الهدى … إلامَ إلى سبل الشقاوة تَسفُرُ
ووالله إني مؤمن غير كافر … وأين التُّقى لو كان مثليَ يفجُرُ
فيا سالِكِي سبلِ الشياطين اتقوا … قديرا عليما واحذَروا وتذكَّرُوا
وطوبى لإنسان تيقّظَ وانتهى … وخاف يد المولى وسيفًا يُثَعْجِرُ
ووالله إني جئتً منه مجدِّدًا … بوقتٍ أضلَّ الناسَ غُولٌ مُسخِّرُ
وعلّمني ربي علومَ كتابه … وأُعطِيتُ مما كان يُخفى ويُستَرُ
وأسرار قرآنٍ مجيدٍ تبيّنتْ … عليّ ويسّرَ لي عليمٌ مُيسِّرُ
كأن العذارى بالوجوه المنيرةِ … خرجنَ من الكهف الذي هو مُقعَرُ
ألا إن الأيام رجعتْ إلى الهدى … هنيًّا لكم بعثي فبَشُّوا وأَبْشِروا
وقد اصطفاني خالقي وأعزَّني … وأيَّدني … واختارني … فتدبَّروا
ووالله ما أمري عليّ بغُمّةٍ … وإني لأعرفُ نورَه لا أُنكِرُ
إذا قلَّ دينُ المرء قلَّ اتقاؤُه … ويسعى إلى طرق الشقا ويزوِّرُ
ومَن ظنَّ ظنَّ السَّوء بُخلاً فقد هوى … وكلّ حَسود عند ظنٍّ يُتبَّرُ
ولا يعلمَنْ أن المنايا قريبةٌ … إذا ما يجيء الوقت فالموت يحضُرُ
وهل نافعٌ وِرْدُ التندُّمِ بعدما … دنا وقتُ قارعةٍ وجاء المقَدَّرُ
ألا أيها الناس اذكروا وقت موتكم … فلا تُلْهِكم غولٌ خبيث مخسِّرُ
وقد ذابت الصَفْواء مِن بيتِ عمرِكم … وما بقِي إلا جمرةٌ أو أصغَرُ
ومِسْحُ الحِمام سيحمِلَنْك على المطا … وأنت بأموال وخيل تفخَرُ
ألا ليس غير الله شيء مُدَوَّمٌ … وكلُّ جليسٍ ما خلا اللهَ يهجُرُ
تَذَكَّرْ دماءَ العارفين بسبلهِ … ألم يأن أن تخشى، أأنت محرَّرُ؟
وإن المنايا سابحاتٌ قويّةٌ … أثرنَ غبارًا عند حُكمٍ يصدرُ
وآخر دعوانا أن الحمد للذي … هدانا مناهجَ دينِ حزبٍ طُهِّروا
قد تمّ بمنّه وكرمه
(من كتاب حمامة البشرى)

About مرزا غلام أحمد الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام

View all posts by مرزا غلام أحمد الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام