بسم الله الرحمن الرحيم

{ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (19)} (الأنبياء 19)

الحلقة الخامسة – معجزة اللغة العربية

في الردّ على قول المعارضين عن كتب سيدنا أحمد عليه السلام العربية:”بأنها أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، وإِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ويِكتُبها له”


الاعتراض:

يدّعي المعارضون أن المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام قد بدأ بالكتابة ‏بالعربية منذ عام 1893 فصاعدا، لأنه العام الذي استقر فيه المولوي نور ‏الدين في قاديان، ويدّعون ادعاء سافرا بأن كتب حضرته العربية وأشعاره كانت ‏كلها من تأليف المولوي نور الدين الذي كان يملك زمام العربية ومتمكنا منها ‏بقوة، وبناء على هذا يتهم المعارضون المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام ‏بالتزوير! ورغم ذلك، فلم يتمسكوا بهذه النظرية، بل افترضوا ‏افتراضا آخر بعدها يناقضه؛ وهو قولهم إن حضرته قد يكون هو من كتب ‏الكتب بنفسه، ولكن الكتب تحتوي أخطاء لغوية ونحوية كثيرة!

الردّ:

لقد استند المعارضون في قولهم بأن المولوي نور الدين هو من ألّف الكتب والأشعار إلى معارضة شعرية جرت بين المسيح الموعود عليه الصلاة ‏والسلام والمولوي نور الدين رضي الله عنه في قصيدة. والمعارضة الشعرية هي فن من ‏فنون الشعر؛ إذ ينظم شاعر قصيدة، فيعارضه شاعر آخر بقصيدة على نفس ‏الوزن والقافية والنسق، ويُعيد استخدام بعض تعابيره مرة أخرى لإظهار مدى ‏قدرته الشعرية وتفوّقه، إذ يستخدمها على صورة أفضل مما فعل صاحبه الأول.

‏والمعارضات بين الشعراء معروفة منذ الجاهلية وبدأت تُعرف بصورة أكبر في ‏العصر الأموي، كمعارضات الفرزدق وجرير والأخطل، واستمرت إلى العصر ‏الحديث كمعارضات شوقي وحافظ إبراهيم وغيرهم. وهذه المعارضات لا تعني ‏أن الفريقين يكونان على طرفي نقيض أو أن بينهما عداوة، بل في أكثر ‏الأحيان تكون مداعبة وتعبيرا عن الودّ. فالشاعر الذي يتصدّى لشاعر آخر ‏ويعارضه يكون شاعرا قديرا، ويريد عادة من المعارضة أن يظهر قدرته هو ‏وكيف استخدم التعابير بطريقة أجمل بكثير وأبلغ من الشاعر الأول.‏

ثم ما الذي دفع ‏المولوي نور الدين ليكتب الكتب للمسيح الموعود ولا يصدرها باسمه؟ وما ‏الذي جعله يسكن قاديان ويصبح خادما عند المسيح الموعود بعد العزّ ‏والشرف والجاه والعلم الذي يتمتع به؟ المنطق يفرض أنه لو كان قادرا على ‏كتابة هذه الكتب لما احتاج أن ينضمّ إلى جماعة المسيح الموعود عليه الصلاة ‏والسلام ولأنشأ جماعته الخاصة. ‏

ثم إن تأليف الكتب كان يشهده أهل بيت المسيح الموعود عليه الصلاة ‏والسلام وصحابته، وكانت المسوّدات الأصلية تخرج من عند حضرته وتُرسل ‏إلى النساخ والمطابع، ولو كان المولوي نور الدين يكتبها لاطّلع أهل بيت ‏حضرته وصحابته على ذلك حتما، ولو عددا من المرات، فقد كان حضرته ‏يكتب في بيت الفكر الملاصق للمسجد المبارك، وكان أهل بيته يرون ذلك ‏وكذلك أصحابه.وهنالك شهادة من المولوي عبد الكريم السيالكوتي يقول فيها: فأوّل ما ‏ألّف حضرته هو كتابُ التبليغ الذي كنت معه طيلة فترة تأليفه وتشرفت ‏بترجمته إلى الفارسية. ( جريدة الحكم 1901) إذن، فهو يصرح أنه كان بمعيّة حضرته عليه السلام عند تأليف كتاب التبليغ، أليست هذه شهادة على أن حضرته عليه السلام كان هو الذي يكتب هذه الكتب!؟ على كل حال، هذه تهمة سخيفة سبق أن اتهم الكافرون ‏بها النبي صلى الله عليه وسلم، إذ ادعوا أن شخصا نصرانيا يكتب له،وفق قول الله تعالى : {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (6)} (الفرقان 6) وقوله تعالى:

{ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (104)} (النحل 104)

ولكن مرجع هذه التهمة هو ‏الاستخفاف بالمسيح الموعود عليه الصلاة والسلام والعياذ بالله، وهذا ‏الاستخفاف لا يمكن أن يترك الله أصحابه دون عقاب.‏

وفي ذكر المعارضين للوحي الذي ‏نزل على سيدنا أحمد عليه السلام بخصوص المولوي نور الدين، فقد أراد الله تعالى أن يذكِّر ‏بحقيقة المعارضات الشعرية وأنها دليل قوة الشاعر المعارض إن أتى بما هو ‏أجمل مما قيل سابقا، إذ إن الوحي قد عارض بيت الشعر الذي في مقامات ‏الحريري والذي يقول:‏

لا تَصْبوَنّ الى وطَنْ‎ … ‎فيهِ تُضامُ وتُمتَهَنْ

وجاء الوحي بقوله تعالى:‏

لا تَصْبُوَنَّ إلى الوطنْ… فيه تُهانُ وتُمتَحَنْ

وبالمقارنة بين المعنيين، وبالنظر إلى المعنى في بيت الحريري نجده يأمر بالتفريط ‏في الوطن دوما إذا تعرَّض فيه الإنسان للضّيم والمهانة عموما، وهذا ينافي حب ‏الوطن والوفاء له الذي يجب ألا يكون مشروطا، بل ينبغي أن يحب المرء وطنه ‏وأهله مهما لاقى منهم، كما يقول أبو فراس الحمداني:‏

بلادي وإن جارت علي عزيزة… وأهلي وإن ضَنّوا علي كرام

أما ما جاء في الوحي فهو بما أنه يخص المولوي نورَ الدين ووطنَه تحديدا، فهو ‏لا يحمل ذلك المعنى الانتهازي السيئ، كما هو بيت الحريري الذي يدعو ‏الشخص إلى التخلي عن وطنه لمجرد تعرضه فيه للضيم والإهانة. فقد فهم ‏المولوي نور الدين رضي الله منه أنه رسالة قوية من الله تعالى تفيد بأنه لا ‏ينبغي لك أن تتطلع إلى وطنك والإقامة فيه، فهذا غيرُ نافع لك وسيوقعُك ‏في ابتلاءات؛ أي أن هذا الأمر لا يلائمك بالذات. فماذا كان من المولوي ‏نور الدين حينها – وهو الذي يقول المعترضون أنه يكتب الكتب للمسيح الموعود ‏وبالتالي يُفترض أنه يعلم أنه ليس مسيحا ولا موعودا والعياذ بالله؟ نراه قد آمن بهذا ‏الوحي بكل قوة، وانتهى عن التطلع إلى الوطن وأقام في قاديان، حتى إنه ذات ‏مرة أُمر من المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام للذهاب إلى بلدته بهيرة ‏لعلاج مريض، وهنالك عالج المريض ولم يذهب إلى بيته ولم يلتفت ناحيته، ‏وعاد من هناك فورا، علما أنه كان قد بدأ ببناء بيت كبير ومستشفى ومكتبة، ‏وتوقف عن ذلك بعد هذا الوحي.

فموقف المولوي نور الدين يؤكد بشدة أنه ‏كان مؤمنا بهذا الوحي إيمانا عظيما، وبالتالي كان مؤمنا إيمانا يقينيًا بصدق ‏المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام، وهذا الدليل وحدَه ينفي هذه الفكرة ‏السخيفة التآمرية التي سكنت عقل المعترضين الذي عششت فيه الأفكار ‏الفاسدة نتيجة للفساد الذي تمكن من قلوبهم.‏

الاعتراض:

يقول أحد المعترضين: من الطبيعي أن ‏يكتب المولوي نور الدين شيئا ثم يُنشر باسم المسيح الموعود، لأن هذه هي ‏سنة الجماعة الجارية إلى اليوم التي ليست فيها ملكية فكرية، وكل شيء في ‏الأخير ينشر باسم المسيح الموعود أو الخليفة.

الردّ:

وبالطبع هذا غير صحيح، ‏فالجماعة تصدر الكتب بأسماء مؤلفيها مع أن المؤلفين هم بأنفسهم لا يحبون ‏أن تظهر أسماؤهم أو أن يُذكروا. ومن المعترضين أنفسهم من قد صدرت باسمه كتب ‏منها ما لم يكن من تأليفه أصلا بل قد جمعه جمعا وحاول أن يطمس عمل ‏غيره، ومنها ما ادعى أنه من تأليفه مع أنه ليس له وإنما كان عملا جماعيا لم ‏يكن له الدور المفصلي فيه، وهو بنفسه قد اعترف بذلك عندما روجع في ‏الأمر، إذ قال إنه ليس الكاتب لهذا الكتاب، ولكنه مع ذلك نسبه إلى ‏غير صاحبه أيضا كذبا وافتراءً ونسبه إلى نفسه. فالجماعة لا تحاول نشر الكتب بغير اسم ‏مؤلفيها كما يدّعي، بل أمثال هؤلاء المعترضين الذين يطمحون للشهرة وللحمد بما لم يفعلوا ‏يمكن أن يمرروا أمرا كهذا لهم وتقبله الجماعة تساهلا.

فالذي يتهم المسيح ‏الموعود عليه الصلاة والسلام بأن غيره يكتب له ثم يُصدر الكتب باسمه، هو ‏الذي كان متعطشا لإصدار كتب باسمه ليست له خالصة، بل لم يكن له دور ‏أحيانا سوى الجمع أو وضع بعض الرتوش. فسبحان الله الذي يرينا دوما آية ‏في المعاندين والمعارضين إذ يقعون فيما يتهمون به المسيح الموعود عليه الصلاة ‏والسلام والجماعة.