جهل المعترض بأساسيات الإسلام
يعترض أحد الناس سائلا:
سأطرح فيما يلي سؤالاً عن ركن الجهل الذي يتجلّى جدا في جُلّ مواضيع الأحمديين، خصوصا موضوع الخلافة وتصوّرهم عنها.
السؤال: متى بدأت الخلافة ومتى انتهت
يرى الأحمديون أن الخلافة انقطعت بمقتل عليّ رضي الله عنه.
سألناهم: ما الذي حدث حين قُتل عليّ حتى قلتم بانقطاعها؟ فالخليفة السابق قُـتل أيضا، وبويع عليّ واعترفتم بخلافته، وهكذا حين قُتل عليّ بويع الحسن، فلماذا لا تعترفون بخلافته؟ لم نعثر لهم على جواب حتى هذه اللحظة.
ونسألهم: تنازَلَ الحسنُ عن الخلافة لمعاوية، وبايع الناس معاوية كما بايعوا الحسن ومَن قبله، فما الذي يمنعكم مِن الاعتراف بخلافته كما اعترفتم بخلافة السابقين؟
الرد:
متى بدأت الخلافة ومتى انتهت؟
الجواب هو قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم في حديث سفينة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكا عضوضا
(حديث صحيح أخرجه الإمام أحمد في “المسند”، والحاكم في “المستدرك”، وأبو يعلى في ”المسند”، وابن حبان في “الصحيح”، والترمذي في “السنن”، ومعنى هذا الحديث بينه الحافظ في الفتح فقال: “أراد بالخلافة: خلافة النبوة، وأما معاوية ومن بعده فعلى طريقة الملوك، ولو سموا خلفاء. وبالله التوفيق. وصلَّى الله على نبينا مُحَمَّد، وآله وصحبه وسلم.”)
قال سفينة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
“أمسك خلافة أبي بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (سنتين)، وخلافة عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (عشر سنين)، وخلافة عثمان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (اثني عشر سنة)، وخلافة على رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (ست سنين).”
ولهذا قال معاوية رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بعد انقضاء الثلاثين سنة:
“أنا أول الملوك” (من رسالة أبي زيد القيرواني ج١ ص٩٦، ج٢)
يقول ابن تيمية مثبتاً ومصححاً هذا الحديث في “مسودته” -ق ٨١ / ٢ – ٨٤ / ٢- المحفوظة في المكتبة الظاهرية بخطه قال في مطلعها:
“وهو حديث مشهور من رواية حماد بن سلمة وعبد الوارث بن سعيد والعوام ابن حوشب عن سعيد بن جمهان عن سفينة مولى رسول الله ﷺ، رواه أهل السنن كأبي داود وغيره، واعتمد عليه الإمام أحمد وغيره في تقرير خلافة الخلفاء الراشدين الأربعة، وثبته أحمد، واستدل به على من توقف في خلافة علي من أجل افتراق الناس عليه، حتى قال أحمد: “من لم يربع بعلي في الخلافة فهو أضل من حمار أهله”. ونهى عن مناكحته، وهو متفق عليه بين الفقهاء، وعلماء السنة…. ووفاة النبي ﷺ كانت في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة هجرية، وإلى عام ثلاثين سنة كان إصلاح ابن رسول الله ﷺ الحسن بن على السيد بين فئتين من المؤمنين بنزوله عن الأمر عام واحد وأربعين في شهر جمادى الآخرة، وسمي عام الجماعة لاجتماع الناس على معاوية، وهو أول الملوك، وفي الحديث الذي رواه مسلم: “سيكون خلافة نبوة ورحمة، ثم يكون ملك ورحمة، ثم يكون ملك وجبرية، ثم يكون ملك عضوض.” أهـ
فالخلافة إذاً حدّدها النبي ﷺ بثلاثين سنة فقط، وقد اعترف بذلك سيدنا معاوية رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بنفسه كما في الحديث السالف.
أما من أقوال أهل العلم فلنأخذ عينة كما يلي:
قال ابن تيمية رحمه الله:
“لم يكن من ملوك الإسلام ملك خير من معاوية، ولا كان الناس في زمان ملك من الملوك خيراً منهم في زمن معاوية، إذا نسبت أيامه إلى من بعده.” (الفتاوى ٤/٤٧)
وقال أيضا:
“واتفق العلماء أن معاوية أفضل ملوك هذه الامة، فان الأربعة قبله كانوا خلفاء نبوة وهو اول الملوك، كان ملكه ملكاً ورحمة.” أهـ
قال الذهبي:
“معاوية من خيار الملوك الذين غلب عدلهم على ظلمهم.” أهـ
قال ابن كثير في ترجمة معاوية:
“واجمعت الرعايا على بيعته في سنة إحدى وأربعين .. فلم يزل مستقلاً بالامر في هذه المدة إلى هذه السنة التي كانت فيها وفاته، والجهاد في بلاد العدو قائم، وكلمة الله عالية، والغنائم ترد إليه من أطراف الأرض، والمسلمون معه في راحة وعدل وصفح وعفو.” (البداية والنهاية ٨/١٢٢)
قال ابن العز الحنفي:
“وأول ملوك المسلمين معاوية وهو خير ملوك المسلمين.” (شرح العقيدة الطحاوية)
وهذه أساسيات لا يجهلها مُسْلِم ولا نقتبس إلا قول الإمام أحمد بن حَنْبَل رحمه الله:
“من لم يربع بعلي في الخلافة فهو أضل من حمار أهله.” (منهاج السنة ٤/٤٠٢ لابن تيمية. “طبقات الحنابلة” لابن أبي يعلى، الصفحة ١٧)
هذا ليس قولنا بل قول إمام أهل السنة صاحب المسند أحمد بن حَنْبَل رحمة الله عليه
أما السؤال الثاني الذي أورده المعترض حول الخلافة فالرد عليه أن قول المُصْلِح المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حول اجتهاد الحسن رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في تنازله لمعاوية رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في الخلافة فهو بالفعل اجتهاد خاطيء ولكنه خطأ اجتهادي حَمِيد أي أصلح به بين جموع تفرقت إلى حزبين في زمنه رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مالت كفة القوة ظاهرياً فيها إلى معاوية فشعر الحسن رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بأن التنازل سيحقن دماء المسلمين فتنازل لهذا الغرض النبيل وبالفعل لم يحدث قتال بسبب هذا التنازل ولكن حدث بعد ذلك عندما رفض الحسين رَضِيَ اللهُ عَنْهُ خلافة يزيد فقتل يزيدٌ عليه من الله ما يستحق الحسين رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ومن معه من أهل بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم في الحادثة المعروفة. ومن يتتبع التاريخ سيجد أن تداعيات هذا القتال والاقتتال فيما بعد هو تنازل الحسن رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أي أن الاجتهاد الذي حقن دماء المسلمين لم يدم طويلاً بعد ذلك بل اتضح أنه اجتهاد خاطيء فقط لا يعني المساس بالصحابة وعلى رأسهم الحسن رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فلكل اجتهاد جانب صحيح وَآخر ليس كذلك. وعندما نقرأ قول الحسن كما في كتب الشيعة سنعلم دافع هذا الاجتهاد وأنه ليس وحياً بل اجتهاد فقط على أسس ومعطيات رآها حضرته رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في تلك الفترة العصيبة. يقول الراوي:
“أتيت الحسن بن علي عليه السلام فقلت: يابن رسول الله اذللت رقابنا، وجعلتنا معشر الشيعة عبيدا، ما بقي معك رجل قال: ومم ذاك ؟ قال: قلت: بتسليمك الامر لهذا الطاغية. قال: والله ما سلمت الامر إليه الا اني لم أجد أنصارا، ولو وجدت أنصارا لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه، ولكني عرفت أهل الكوفة، وبلوتهم، ولا يصلح لي منهم من كان فاسدا، انهم لا وفاء لهم. ولا ذمة في قول ولا فعل، انهم لمختلفون، ويقولون لنا: ان قلوبهم معنا، وان سيوفهم لمشهورة علينا” (الاحتجاج للطبرسي، الجزء الثاني، ص ١٠-١١)
وقد اعترف معاوية ابن يزيد بأن الحسين كان هو الأحَقّ بالخلافة من أبيه يزيد حيث يقول ابن حجر رحمه الله في الصواعق المحرقة:
“ومات ـ يزيد بن معاوية ـ سنة أربع وستّين وعنده ولد شاب صالح عهد إليه فاستمرّ مريضاً إلى أن مات، ولم يخرج إلى الناس ولا صلّى بهم ولا أدخل نفسه في شيء من الاُمور، وكانت مدّة خلافته أربعين يوماً، وقيل: شهرين، وقيل: ثلاثة أشهر، ومات عن إحدى وعشرين سنة، وقيل: عشرين. قال: ومن صلاحه الظاهر أنّه لمّا ولي صعد المنبر فقال: إنّ هذه الخلافة حبل الله وأنّ جدّي معاوية نازع الأمر أهله ومَن هو أحقّ به منه عليّ بن أبي طالب، و ركب بكم ما تعلمون حتّى أتته منيّته فصار في قبره رهيناً بذنوبه، ثمّ قلّد أبي الأمر وكان غير أهل له ونازع ابن بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقصف عمره، وانبتر عقبه، وصار في قبره رهيناً بذنوبه، ثمّ بكى وقال: مِنْ أعظم الاُمور علينا علمنا بسوء مصرعه وبؤس منقلبه، وقد قتل عترة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأباح الخمر وخرّب الكعبة، ولم أذق حلاوة الخلافة فلا أتقلّد مرارتها، فشأنكم أمركم، والله لئن كانت الدُّنيا خيراً فقد نلنا منها حظّاً، ولئن كانت شرّاً فكفى ذرّية أبي سفيان ما أصابوا منها، ثمّ تغيّب في منزله حتّى مات بعد أربعين يوماً ـ كما مرّ ـ فرحمه الله أنصف من أبيه وعرف الأمر لأهله.” (الصواعق المحرقة لابن حجر الهيتمي ص ١٣٤)
أي أن الحسن رَضِيَ اللهُ عَنْهُ اجتهد في تنازله لا غير. فهل يدعي المعترض أن الحسن رَضِيَ اللهُ عَنْهُ معصوم عن الخطأ ؟ فقد اجتهد وصار اجتهاده صُلحاً للمسلمين كما تنبأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وفيما بعد طفت تداعيات الاجتهاد وجوانبه الأخرى على سطح الخلاف بين الحسين رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ويزيد وانتهت باستشهاد الحسين ومن معه من آل البيت الاطهار رضوان الله عليهم أجمعين.
أما هذه الخلافة التي تحدثنا عنها فهي الخلافة الدنيوية أو ما يسمى السياسية حيث أن للخلافة معنيين وذلك لأن المُصْلِحَ المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قد تحدث قبل ذلك طويلاً حول الخلافة الراشدة وكيف أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أخبر كما في حديث سفينة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنها لثلاثين سنة فقط وأن بعد هذه الخلافة ملك جبري وعاض حتى تعود على يد عيسى عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام وقد عادت ولله الحمد والمنة. فثبت أن الخلافة المقصودة هنا هي الحكم السياسي للمسلمين والذي لم يكن ليخل من السداد ما دام الناس يطلبون فضل الله ﷻ ولكن للأسف ذلك لم يحدث كما ينبغي وسوف نأتي على بيانه إنْ شاءَ الله.
إن استمرار الخلافة الراشدة كما في آية الاستخلاف هو العمل الصالح أي كثرته وشيوعه والتمسك بالأوامر كلها، وما دام الأمر كذلك فلن ترتفع نعمة الخلافة. أما ما حدث أي رفع الخلافة وزوالها فقد تم حين كثر العكس أي عندما كثر أهل الباطل وقلَّ عدد الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم فزالت النعمة تماماً بانتهاء خلافة سيدنا علي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وابتدأ عهد الحكم الجبري وهو ما لا يخفى على مطَّلع، ولنأخذ الأحاديث التالية:
“حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ صَالِحٍ ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ ، قَالَ : بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فِي قَرِيبٍ مِنْ ثَمَانِينَ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ ، لَيْسَ فِيهِمْ إِلَّا قُرَشِيٌّ ، لَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ صَفْحَةَ وُجُوهِ رِجَالٍ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْ وُجُوهِهِمْ يَوْمَئِذٍ ، فَذَكَرُوا النِّسَاءَ ، فَتَحَدَّثُوا فِيهِنَّ ، فَتَحَدَّثَ مَعَهُمْ ، حَتَّى أَحْبَبْتُ أَنْ يَسْكُتَ ، قَالَ : ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَتَشَهَّدَ ، ثُمَّ قَالَ : ” أَمَّا بَعْدُ ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، ” فَإِنَّكُمْ أَهْلُ هَذَا الْأَمْرِ ، مَا لَمْ تَعْصُوا اللَّهَ ، فَإِذَا عَصَيْتُمُوهُ بَعَثَ إِلَيْكُمْ مَنْ يَلْحَاكُمْ كَمَا يُلْحَى هَذَا الْقَضِيبُ ” لِقَضِيبٍ فِي يَدِهِ ، ثُمَّ لَحَا قَضِيبَهُ ، فَإِذَا هُوَ أَبْيَضُ يَصْلِدُ.” (رواه أحمد بن حنبل بإسناد صحيح في مسنده، مُسْنَدُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ، مُسْنَدُ المُكْثِرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ ص ٦/١٧٦)
وهذا الحديث صحيح صحّحه الألباني في “صحيح الجامع” الصفحة ١٣٥٩.
وكذلك الحديث الصحيح عن ابن مسعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
“حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقُرَيْشٍ : ” إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَزَالُ فِيكُمْ وَأَنْتُمْ وُلَاتُهُ حَتَّى تُحْدِثُوا أَعْمَالًا ، فَإِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ شِرَارَ خَلْقِهِ ، فَالْتَحَوْكُمْ كَمَا يُلْتَحَى الْقَضِيبُ ” , حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ، قَالَ : ” فَالْتَحَوْكُمْ ” ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو أَحْمَدَ ، وَقَالَ : ” فَالْتَحَوْكُمْ ” ، قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ : ” كَمَا يُلْتَحَى الْقَضِيبُ. “.” (رواه أحمد بن حنبل في مسنده بسند رجاله ثقات، مُسْنَدُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ، مُسْنَدُ الْأَنْصَارِ، حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيّ برقم ٢١٧٦٥)
وذلك مصداقاً لقوله تعالى :
{وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِير} (الشورى ٣١)
{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (الروم ٤٢)
فما يرتفع من نعم الله تعالى إنما هو بما كسبت أيدي الناس من باب العقاب للعبرة والتوبة. وقد ورد أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يرى صحابته يوم القيامة يؤخذ بهم ذات اليمين وذات الشمال فيقول أصحابي أصحابي فيقال له إِنَّكَ لا تدري ماذا أحدثوا بعدك أي بعد موتك فيقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم كما قال عيسى عَلَيهِ السَلام: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۚ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنْتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (١١٨)
أي أن الصحبة ليست سواء فممن صحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم صحابته المقربون رضوان الله عليهم أجمعين ومنهم من صحبه من بعيد أي عاش في زمنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فقط. فلا خلاف أن الصحابة أي المعروفين منهم وعلى رأسهم الخلفاء هم حماة الدين وسبب وصوله إلينا رضوان الله عليهم أجمعين، ولكن المنافقين كانوا أيضاً هنا وهناك ثم كثروا في آخر أوان الخلافة وهم الخوارج وقلَّ عدد الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم فلم يعد الخوارج ومن سار معهم جديرون بنعمة الخلافة الراشدة فتُركوا في حكم الدنيا حتى بدأت تتلاشى بركات الخلافة بعد وفاة سيدنا معاوية رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وتكالبت الناس على الدنيا بعد القرون الثلاثة، ولا يعدم ذلك بروز العلماء الأجلّة -هنا وهناك- الذين ذبّوا عن الدين وشمروا عن سواعد الدفاع والحرص على نقل الحق بعد تمحيص الكتب وتفتيشها وتنقية الأقوال ضمن مسانيد ومصنفات حديثية وعلوم التعديل والتحقيق.
فالقول أن الصحابة أشرار وغير ذلك هو من كيس المعترض لا غير لأن المُصْلِح المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ومن قبله المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام كتبوا في مدح الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كتباً وقصائد ومقالات لا يمكن حصرها في هذه العجالة وهي مما يزخر به أدب الجماعة الإسلامية الأحمدية. فالمُصْلِحُ المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كان يتحدث على العكس من ظن المعترض إذ يقول رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بأن الصلاح قل بقلة عدد الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم وسواد الخوارج وليس العكس.
أما قول المُصْلِح المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بعدم توريث الخلافة فهو صحيح وفق آية الاستخلاف التي تؤكد أن الخلافة هي بأمر الله تعالى فقط. أما لماذا صار كل من ولدَي المُصْلِح المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ خليفة فهذا لأن الخلافة تمت بالاختيار والتوفيق الإلهي عبر شورى المؤمنين وليس على أساس الوراثة. وهذا كله يدل على أن المعترض غير مطلع على أساسيات الدين أو هو عالم بها ولكنه يدلّس فقط خصوصاً بعد عباراته الفظة مثل “يا له من سخيف” و “يا لكم من متبجحين” و “أنتم أهل الكذب ودخلتم موسوعة غينيس للكذب” وما شابه ذلك من عبارات متشنجة مبالغة. نسأل الله تعالى العافية. اللهم آمين
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ