شبهة إنكار الأنبياء ؏
أثيرت شبهة مؤخراً كما نقل أحد الإخوة الأفاضل وهي أن المُصْلِحُ المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ينادي بإنكار الأنبياء جميعاً والعياذ بالله والاكتفاء بالنبي مُحَمَّد ﷺ فقط! فهل حدث هذا؟
الجواب: لا لمْ يحدث هذا مطلقاً لأن المُصْلِحُ المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يقول:
“الْمُسْلِمُ هو ذلك الذي يؤمن بكلّ أنبياء الله تعالى، ومن حيث مرجعيتهم لا يفرّق بين أحدٍ منهم. يُؤْمِنُ بالأنبياء الذين يعرفهم بأسمائهم، ويؤمنُ بالذين لا يعرف أسماءهم إيمانا إجماليا. ويؤمن أَنَّ الله تعالى قد بعث في كل قوم رسولا، ويراهم صادقين، وأنَّ تعاليمهم كانت من الله تعالى. فالذي يصدّق بنبي زمنه أو بالأنبياء السابقين على زمنه ولا يكفر بأحد منهم هو المسلم؛ لأن الله تعالى قال هنا: قولوا بأن كل هؤلاء كانوا أنبياء صادقين، ثم قال: قولوا ونحن له مسلمون، مما يدل على أن الإنسان بهذا الإقرار الكامل يصبح مسلما. إِنَّ أتباع الديانات الأخرى يدعون إلى تصديق أنبيائهم، ولكنهم لا يولون اهتماماً بالدعوة الى تصديق جميع الأنبياء لدى الأمم الأخرى، أما الإسلام فيمتاز وحده بدعوته إلى تصديق جميع الأنبياء، سواء بُعثوا في بني إسرائيل أو الهندوس أو الفُرس أو أي قوم أو بلدٍ من العالم.” (التفسير الكبير، سورة البقرة)
ثم ينقل حضرته رد مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية حضرة المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام على منكري النبيين فَيَقُول:
“إِنَّ هذه العقيدة منافية للإسلام تماماً. الإسلام يوجب الإيمان برُسل الله جميعاً، وخاصة مُحَمَّد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى ينال الإنسانُ النجاة.” (حقيقة الوحي، 122)
ثم يقول المُصْلِحُ المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
“بقوله تعالى {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} نبَّه إلى أَنَّ رفْض أي رسول منهم يجعل الإنسان مورداً لغضب الله تعالى. فالإيمان بكلّ رسولٍ ضروري، سواء كان ذا شرعٍ قديمٍ أو جديد.”
إذن كيف نفهم شبهة إنكار الأنبياء؟
بسيطة، دعونا نقرأ النص التالي الذي أثيرت حوله الشبهة، ولكن لنقرأه في سياقه، حيث يقول المُصْلِحُ المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
“بعضُ الناس يُحبّون أن يأتوا بالجديد دائمًا، وإشباعًا لرغبتهم هذه يَعرضون على الناس نظرية جديدة غاضّين الطرف عن كل الحقائق والوقائع ليُعَدّوا من الباحثين الذين يأتون باكتشافات جديدة. … فمثل هؤلاء القوم لا يريدون سرد التاريخ سردًا صحيحًا، إنما يريدون الشهرة والصيت فحسب، فبدلاً من التدبّر في الحقائق ودراستها، يريدون أن يُعرَفوا بين الناس، وهؤلاء هم القوم الذين يقولون أحيانًا أنه لم يكن هناك شخص باسم موسى ولا باسم عيسى، أو ليس هناك منطقة باسم سيناء، أو لم يكن هناك شخص باسم زرادشت أو كرشنا أو رام تشندر. وعندي أن هذه أيضا معجزة الإسلام؛ إذ يوجد هناك شخصية واحدة لم ينكروا وجودها وهي شخصية نبينا محمد ﷺ. فيوجد بين النصارى من أنكروا وجود عيسى ؏ نهائياً قائلين إنها شخصية مجازية فقط لا حقيقة لها. وكذلك قد أنكر البروفيسور فرويد اليهودي وجود موسى ؏ (The life and work of Sigmund Freud; p.31). ويوجد بين الهندوس من أنكر وجود كرشنا ورام تشندر بتأثير هؤلاء الأوروبيين المشككين. كما يوجد بين الزرادشتيين من ينكرون وجود زرادشت ويعتبرون قصّته مجازا فحسب. وإذا كان هناك نبي لم يُنكروا وجودَه فإنما هو نبيُّنا العظيم مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفيه حكمة ربّانية بالغة في رأيي؛ فكأن الله تعالى قد أخبر بذلك أنه إذا كان هناك شخصية جديرة بالاهتمام والعناية فإنما هو مُحَمَّدٌ ﷺ فقط، أما باقي الأنبياء فلو أنكرتم وجودهم جميعًا فلا ضير ولا حرج.” (التفسير الكبير، سورة التين)
إذن وبكل وضوح لا يوجد هناك أي دعوة لإنكار النبيين عليهم السَلام، بل العكس، حيث إن النبي ﷺ هو الذي ترتطم وتتبدد عنده دعوى إنكار الأنبياء ؏ التي تروق لبعض الباحثين الجدد كما وضّح ذلك كلامُ المُصْلِحُ المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أعلاه. وخلاصة القول هي أَنَّ عدداً من الباحثين المتأخرين واليوم يكثرون أيضاً ويبثون مثل هذه الشبهات، هؤلاء أخذوا يهملون التاريخ والشواهد الثابتة ويتبعون أهوائهم الخاصة في إنكار وجود النبيين والرسل، والداعي لذلك هي الشهرة والإثارة لكي يعدّهم الناس من الباحثين الجهابذة، ولكنهم مع ذلك لم يجرؤوا على إنكار وجود النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسبب استحالة ذلك مع وجود القُرآن الكَرِيم الذي ذكرته أقدم الكتب والمراجع والرسائل والمخطوطات كما هو وغير ذلك مما تواتر على ألسنة الناس وممارساتهم، وهذا هو مربط الفرس كما يقال، إذْ لولا وجود النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما ثبت عند الجميع وجود أي نبي. وهكذا يكون القُرآن الكَرِيم هو الشاهد الوحيد والأهم على وجود النبيين، فالذي يدرس ويهتم بحياة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسيرته والكتاب الذي أنزله الله تعالى على قلبه ﷺ ثم يؤمن به فسيؤمن بباقي النبيين بداهة.
إذن الخطاب في كلام المُصْلِحُ المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ موجَّهٌ للمنكرين؛ أنكم لن تستطيعوا إنكار وجود الأنبياء لأن وثيقة القُرآن الكَرِيم تشهد بوجودهم، فَإِذَا قلتم (أي المنكرين) بأنكم لا تؤمنون بصدق القُرآن المَجِيد، فانكروا ما شئتم من النبيين لأنكم باعترافكم بوجود النبي مُحَمَّد ﷺ تاريخياً ستضطروا -إذا كُنتُم باحثين عن الحق- إلى الاهتمام والعناية بسيرته، وهذا يفصل في القضية بالتمام، لأنه ﷺ بحسب منكري وجود النبيين كان شخصية تاريخية حقيقية، وبالتالي يصبح الإيمان به ﷺ نقطة فاصلة بين الحق والباطل، بين إثبات وجودهم وصدقهم عليهم السَلام وبين إنكارهم، فلا يهم إذا أنكرتوا وجودهم حيث ليس هناك ما يقطع بذلك إلا وجود النبي مُحَمَّدٍ ﷺ الذي تعترفون به، لأن دراسة سيرته وسنّته لا بد أن ينتهي إما بصدقه ﷺ وبالتالي صدق النبيين جميعاً، أو عدم صدقه والعياذ بالله، وهذا يعيد الموضوع إلى المربع الأول وهو هل المصطفى مُحَمَّد ﷺ رَسُولُ الله حقاً أم لا، وكأن الله تعالى وضع إثبات وجود وصدق جميع النبيين ؏ بيد النبي مُحَمَّدٍ ﷺ وأن الإيمان به هو أهم معيار لوجود وصدق النبيين عليهم السَلام الذين قصّ الله تعالى علينا نبذة عنهم أو الذين لم يقصصهم علينا، فنؤمن بهم هم أيضاً بسبب إيماننا بالنبي مُحَمَّدٍ خاتم النبيين صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقط. وبهذا يجعل الله تعالى كل الأمر مرهوناً بصدق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحده.
الآن يمكن أن نتخيل شخصاً يتحدى الناس أن يثبتوا وجود النبيين ؏ في التاريخ، والجواب البسيط والسريع هو أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الدليل القاطع على وجود النبيين ؏، فَإِذَا قَالَ كيف؟ سنقول لأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثابت كشخصية حقيقية في التاريخ وهو يشهد على وجود النبيين ؏ فيستدعي البحث في سيرته وافعاله وأقواله والكتاب المنزل عليه، فَإِذَا آمَنتُم بصدقه ستؤمنون بصدق النبيين الذين تنكرونهم الآن، أو العكس، وحينها لن يوجد في العالم أي دليل على وجود النبيين ؏ غير خاتم النبيين مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلله درّ المُصْلِحُ المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ!
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ