المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية ..243
اشتقاق الفعل (شاءم) واسم الفاعل منه (مشائم)
الاعتراض:
يقول المعترضون إن المسيح الموعود (عليه السلام) قد أخطأ خطأ صرفيا في اشتقاق اسم الفاعل (مشائم) في قوله عليه السلام:
“واعلم أن المسيح قد أُنزل على هذه الأرض كما خرج فيها الدجال، فلا تكن من المشائمين.” (التبليغ)
وسبب الخطأ وفق زعمهم أن الفعل هو (تشاءم) فلا بد أن يكون اسم الفاعل “متشائمين” وليس مشائمين.
الرد:
التوجيه الأول: ورود الفعل شاءم في المعاجم اللغوية.
واضح من اعتراض المعترض جهله بوجود الفعل (شاءم) في اللغة العربية، والذي منه يأتي اشتقاق اسم الفاعل (مشائم)، فقد ورد في هذا الفعل في المعاجم التالية:
1: “المشاءمة: شاءم الرجلُ بأصحابه: أي أخذ بهم شأمة.” [شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم (6/ 3619)]
2: (شاءم) بِهِ أَخذ بِهِ نَحْو شِمَاله [المعجم الوسيط (1/ 469)]
3: “ويقال: يا فلان شائِمْ بأصحابك، أي خُذْ بهم شَأْمَةً، أي ذات الشِمال. ونظرت يَمْنةً وشَأْمَةً. والشُؤْمُ: نقيض اليُمْن، يقال: رجل مَشومٌ ومشئوم.” [الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (5/ 1957)]
والشَّأْم كما نرى فيه معنى الشمال ومعنى النار والجحيم والشقاء مجازا؛ حيث جاء :
“(شَأَمَ) الشِّينُ وَالْهَمْزَةُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى الْجَانِبِ الْيَسَارِ. مِنْ ذَلِكَ الْمَشْأَمَةُ، وَهِيَ خِلَافُ الْمَيْمَنَةِ. وَالشَّأْمُ: أَرْضٌ عَنْ مَشْأَمَةِ الْقِبْلَةِ. يُقَالُ الشَّأْمُ وَالشَّآمُ. وَيُقَالُ رَجُلٌ شَآمٍ وَامْرَأَةٌ شَآمِيَةٌ” [مقاييس اللغة (3/ 239)]
ومنها جاء المشأمة وأصحابها في قول الله تعالى : {وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (10)} (الواقعة 10).
وفي المعاجم:
1: “مَشْأمَة [مفرد]: ج مَشْأمات ومشائِمُ: جهة الشِّمال ” {وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ}: أصحاب المشأمة هم الذين يُعطَوْن كتابهم بشمالهم، وقيل: هم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار”. [معجم اللغة العربية المعاصرة (2/ 1154)]
2: “{وَأَصْحَاب المشأمة}: هم الَّذين سلك بهم طَرِيق الشَّقَاء..” [تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم (ص: 176)]
3: ” وَأَصْحَاب المشأمة، قيل الَّذين سلك بهم طَرِيق النَّار لِأَنَّهَا على الشمَال..” [مشارق الأنوار على صحاح الآثار (2/ 242)]
وبناء على كل هذا فلا خطأ في اشتقاق اسم الفاعل (مشائِم) من الفعل (شاءم)، ليكون معنى كلام المسيح الموعود عليه السلام في الفقرة أعلاه، مأخوذا على المجاز في قوله: ولا تكن من المشائمين؛ أي لا تكن من الآخذين بالناس شمالا، أي نحو المشأمة، أي نحو النار والشقاء؛ وذلك بعدم اعترافك بنزول المسيح وخروج الدجال.
التوجيه الثاني: جواز اشتقاق الفعل (شاءم) من الأصل (ش أ م).
وبغض النظر عن كل هذا، ولو نحينا التوجيه الأول جانبا، فإن اشتقاق الفعل شاءم على وزن فاعلَ جائز في اللغة العربية، ولو لم يرد في المعاجم اللغوية؛ وذلك بقرار مجمع اللغة العربية المصري، والذي نصّ على قياسية اشتقاق صيغة فاعلَ للدلالة على معنى التتابع والتوالي أو الموالاة وكذا المشاركة فيه. وقد أقرّ مجمع اللغة العربية قياسية اشتقاق صيغة (فاعَل) على هذه المعاني كلها، بما لم تحويه المعاجم اللغوية بقرار خاص نصه:
” يُستخلص مما أثبته علماء الصرف أن من أمهات معاني فاعَل الدلالة على الموالاة والمتابعة، وفي متن اللغة عشرات الأمثلة على ذلك، ومن ثم ترى اللجنة صوغ فاعَل للدلالة على الموالاة والمتابعة إذا أريد إبراز هذه الدلالة عند الحاجة، وعلى هذا يُجاز في المصطلح العلمي مثل المُعاوقة والمحاثّة بمعنى تابع التعويق والحثّ.” [ في أصول اللغة ، ج4، ص 28]
كنّا قد فصَّلنا الحديث في قياسة اشتقاق صيغة فاعل في مقال خاص ، مظاهر الإعجاز 236 على الرابط التالي: https://wp.me/pcWhoQ-5mY يرجى الرجوع إليه)
وبالأخذ بعين الاعتبار معنى الفعل الثلاثي (شَأَمَ) كما جاء في المعاجم العربية على النحو التالي:
_ “وشأَم فلانٌ أصحابه، إذا أصابهم شؤم من قبله” [ العين (6/ 295)]
_ “[شَأَمَ]، قومه: أي جَرَّ عليهم الشؤم.” [شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم (6/ 3617)]
يمكن اشتقاق الفعل شاءم للدلالة على متابعة الشأم والاستمرار فيه بمعنى تابع واستمر بإصابة الغير بالشؤم، وهو ما يتوافق أيضا مع كلام المسيح الموعود عليه السلام وسياق حديثه؛ ليكون القصد : لا تستمر وتتابع في إصابة الآخرين بالشؤم وبث الشؤم بهم بإنكارك نزول المسيح وخروج الدجال، حيث إن هذه الأنباء لا بد أن تكون بشارات خير وظفر للمسلمين، وإنكارها هو بث للشؤم بين المسلمين. ومن هنا فلا خطأ في كلام المسيح الموعود عليه السلام قطّ!!!