المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السّلام العربية 322

مجمع اللغة المصري يوافقنا في جواز إنابة غير المفعول به مُناب الفاعل

في سياق توجيه الجمل التالية من كلام المسيح الموعود عليه السلام، حيث قال:

1: من الواجبات أن تُكتَب عليهم خدماتٌ تناسبُ قومَ كل أحد وحرفةَ كل أحد. فليُعطَ للنجّار فاسًا، وللطارق النفّاشِ مِنْسجا جِرفاسا، وللحجّام مِشْراطا” (نور الحقّ، ص 30).

2:  مثال آخر: فيُجعَلُ رجل مهديا ويُلقَى الروح عليه، ويُنوَّر قلبَه وعينيه. (سر الخلافة، ص 63)-

قلنا في توجيه نصب الكلمات المشددة، أنها بقيت مفاعيل منصوبة، رغم بناء الفعل الذي سبقها للمجهول، وأما نائب الفاعل فهو شبه الجملة من الجار والمجرور في الجملة الأولى، أو أنه المصدر المقدر (النورُ) الذي يدل عله الفعل (ينوَّر) في الجملة الثانية.

ومما يؤكد صحة توجيهنا هذا، هو ما أقره مجمع اللغة المصري في قرار خاص مُفاده ما يلي:

” يجوز إنابة الظرف أو الجار والمجرور أو المصدر عن الفاعل، سواء وجد المفعول به أم لم يوجد.” (في أصول اللغة، ج4، ص635).

وقد اعتمد المجمع على بحث للدكتور أحمد علم الدين الجندي الخبير في المجمع، عنوانه ” إنابة غير المفعول به عن الفاعل” ملخص ما جاء فيه ما يلي:

1: ان جمهور الكوفيين وابن مالك وأبو عبيد القاسم بن سلام، يجيزون إنابة غير المفعول به عن الفاعل مطلقا، أي سواء كان في الجملة مفعول به أم لم يكن ، فيقال على هذا الرأي:

كَرَّم العميدُ الطلابَ المتفوقين تكريما جميلا

كُرِّم تكريمٌ جميلٌ الطلابَ المتفوقين (إنابة المصدر)

كُرِّم الطلابُ المتفوقون تكريما جميلا (إنابة المفعول به)

كُرِّم يومَ الخميس الطلابَ المتفوقين تكريما جميلا (إنابة الظرف)

كُرِّم الطلابَ المتفوقين في نادي الجامعة (إنابة الجار والمجرور)

وحُجّة الكوفيين ومن تبعهم: أن الظرف وحرف الجر يعمل فيهما الفعل ويُجعلان مفعولا بهما على السَّعة، فصارا كالمفعول به، وكما جاز أن يُجعل المفعول به قائما مقام الفاعل، كذلك هذه الأشياء.

وقد استدل أصحاب هذا الاتجاه على صحة ما ذهبوا إليه بالسماع:

أ: بقراءة أبي جعفر يزيد بن القعقاع أحد القرّاء العشرة، وبقراءة شيبة وعاصم: {لِيُجْزى قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (15)} (الجاثية 15)، بإقامة الجار والمجرور (بما) مُقام نائب الفاعل، مع وجود المفعول به (قوما) مقدما.

ب: بقراءة الشواذ: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ} (الفرقان 33) بنصب القرآنَ. وفيها ناب الجار والمجرور (عليه) مَناب الفاعل.

ج: وقوله تعالى: {وَيُخرجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (14)} (الإسراء 14) فيمن بناه لما لم يُسَمّ فاعله، ونائب الفاعل إما الجار والمجرور (له) أو الظرف (يومَ القيامة).

د: وقراءة عاصم: “نُجّي المؤمنين” فقد أقيم المصدر المقدر (النجاء) مقام الفاعل مع وجود المفعول.

ه: من الشعر: لم يُعن بالعلياء إلا سيدا   ولا شفى ذا الغي إلا ذو هدى

نائب الفاعل فيها (بالعلياء)

ولو ولدت فُقيرة جروَ كلب      لسُبَّ بذلك الجرو الكلابا

نائب الفاعل فيها (بذلك)

أُتيح لي من العدا نذيرا          به وقيت الشر مستطيرا

نائب الفاعل فيها (لي) أو (من العدا)

 

واما البصريون فإنهم يتأوّلون كل هذه الشواهد. وذهب الأخفش إلى قول وسط بين الطرفين، يجيز إنابة غير المفعول به مع وجود المفعول به في حال كان غير المفعول به مقدما على المفعول به. (لكل هذا ينظر ” في أصول اللغةن ج4، ص708-712)

وبناء على كل هذا أجاز المجمع إنابة غير المفعول به مُناب الفاعل  قاطبة آخذا برأي الكوفيين وابن مالك. وهو ما يؤيد كلّ ما قلناه في هذا الصدد، ويؤكد صحة كلام المسيح الموعود عليه السلام.