المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية .. 319

مجمع اللغة العربية المصري يؤيدنا في جواز الابتداء بالنكرة وكون النكرة اسما للنواسخ

الاعتراض:

كان من بين ما اعتُرض عليه في لغة المسيح الموعود عليه السلام أن حضرته يرفع خبر كان وأخواتها في مثل الجملة التالية:

_ وكان هذا ((وعدٌ)) من الله في التوراة والإنجيل والقرآن (الخطبة الإلهامية)

فكلمة (وعدٌ) لا بد أن تكون منصوبة على اعتبارها خبرا لكان كما يدعي المعترض. وذكر المعترض جملا وعبارات أخرى وقع فيها نفس الخطأ على حدّ زعمه.

الرد:

كنا قد رددنا على هذا الاعتراض بعدة توجيهات في سلسلة مقالات يمكن الرجوع إليها (مظاهر الإعجاز: 48-52). ومن بين التوجيهات التي ذهبنا إليها، هو جواز الابتداء بالنكرة وأن تكون النكرة هي بذاتها اسما للنواسخ. والذي بناء عليه تكون كلمة (وعدٌ) في الجملة السابقة هي اسم كان المرفوع والمؤخر وليس خبرها المنصوب،  وكلمة (هذا) هي الخبر المنصوب المقدم.

ويؤيد كل ما ذكرناه هناك من نُقول وتفصيل عن جواز الابتداء بالنكرة ، ما ذهب إليه مجمع اللغة العربية المصري، في قرار خاص بهذا الشأن جاء فيه: ” إن ما ذكره النحاة من مسوغات الابتداء بالنكرة للإفادة توسع لا داعي له، لأن المعرفة والنكرة في اشتراط الإفادة لصحة الكلام سواء” (في أصول اللغة، ج4، ص 390)

وما يقصده مجمع اللغة من هذا القرار، أن تقييد النحاة المبتدأَ بكونه معرفة لا نكرة، لكون النكرة عامة والإخبار عنها لا تترتب عليه فائدة، هو تقييد لا داعي له؛ لأنه لا فرق بين النكرة والمعرفة في هذه الإفادة. وعليه فكما يجوز الابتداء بالمعرفة يجوز الابتداء بالنكرة.

وقد اعتمد المجمع على بحث للاستاذ الدكتور عبد الرحمن السيد، الذي عدد ما يقارب ال45 حالة مما جوزه النحاة للابتداء بالنكرة لتحقق الإفادة ؛ ثم أكد بعدها على أن للنحاة عبارات واضحة الدلالة على إجازة الابتداء بالنكرة دون حاجة إلى قيود أو شروط، ومن بينها ما يلي: “فالرضي يقول: وقال ابن الدهان- وما أحسن ما قال- إذا حصلت الفائدة فأخبر عن أي نكرة شئت، وذلك لأن الغرض من الكلام إفادة المخاطب، فإذا حصلت جاز الحكم، سواء تخصص المحكوم عليه بشيء أو لا. فضابط تجويز الإخبار عن المبتدأ ….شيء واحد هو عدم علم المخاطب بحصول ذلك للمحكوم عليه، فلو عُلم في المعرفة ذلك، كما لو عُلم قيام زيد مثلا، فقلتَ: زيد قائم، عُدّ لغوا، ولو لم يعلم كون رجل ما من الرجال قائما في الدار، جاز لك أن تقول : رجل قائم في الدار، وإن لم تتخصص النكرة بوجه، وكذا تقول: كوكب انقض الساعة، قال الله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة)….

وقال ابن مالك في شرح التسهيل 1/289: والمعرفة خبر النكرة عند سيبويه في نحو: كم مالُك؟ واقصد رجلا خيرٌ منه أبوه. ….”

وخلص الباحث إلى قوله التالي الذي بُني عليه قرار المجمع المذكور أعلاه:

“لهذا أرى أن كل ما قيل عن الابتداء بالنكرة تزيّد لا داعي إليه؛ لأن المعرفة والنكرة في الحكم سواء. وكما يجوز الابتداء بالمعرفة إذا أفاد الحكم عليها، يجوز الابتداء بالنكرة كذلك إذا كان الحكم عليها مفيدا، فإذا لم تتحقق الفائدة لم يصح أن يكون أحدهما مبتدأ”  (لكل ما نقل عن بحث الدكتور عبد الرحمن السيد يُنطر: في أصول اللغة، ج4، ص 395 – 403)