المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية … 249
فنون التذكير والتأنيث الإعجازية ..21
الانتقال من الحمل على اللفظ إلى الحمل على المعنى وبالعكس
حمل الاسم الموصول على المعنى والحمل على معناه
الاعتراض:
يدّعي المعارضون وقوع الخطأ في الفقرات التالية من كلام المسيح الموعود عليه السلام، نعرضها هنا مع تصحيحاتهم المزعومة.
1: وخلاصته أنّا لا نجد في القرآن شيئا في هذا الباب من غير خبر وفاته الذي نجدها في مقامات كثيرة من الفرقان الحميد (نور الحق، ص 40). الصحيح: نجده. والخطأ بسبب كلمة مقامات.
2: فكان السرّ في هذه الأعمال … وانعقاد أسباب الشر الذي هي مخفية عن أعين الناس (نور الحق، ص 165). الصحيح: التي هي مخفية ، أو الذي هو مخفي.
3: ومسحت على رأسه مِن عطرها التي كان قد كُسِب من الحرام (ترغيب المؤمنين، باقة، ص 163). التصحيح: الذي.
4: ويدفعوا بالحسنة سيئاتِهم الذي نشأت من أهوائهم (نجم الهدى، ص 40). الصحيح: التي.
5: وهل هذا إلا المكيدة التي لا يُنسب إلى الله المنان؟ (إعجاز المسيح) الصحيح: التي لا تنسب.
6: وقال بعض الناس إن دابة الأرض التي ذكرَه القرآن هو اسم الجنس لا اسم شخص معين. (حمامة البشرى) . الصحيح: التي ذكرها.
وموضع الخطأ كما يظهر من تصحيحات المعارضين، وفيما أشرنا إليه بالخط العريض فيما تحته خط، يكمن في مسألة التذكير والتأنيث. ومردّ هذه الأخطاء وفق زعمهم، هي العجمة والتأثر باللغة اللأردية.
الرد:
كنّا قد وجّهنا الكثير من الأخطاء المزعزمة في مسألة التذكير والتأنيث على “الحمل على المعنى في اللغة العربية”، وذلك في سلسلة مقالات عديدة يمكن الرجوع إليها. وعمدة ما ذهبنا إليه هناك، أن الكثير مما قد يُخيل للمعارضين بأنه أخطاء في التذكير والتأنيث، مردّه إلى حمل اللفظ على لفظ آخر مشابه له في المعنى، ومختلف معه في التذكير والتأنيث.
ومما لا بد أن نضيفه إلى كل ذلك في هذا البحث، وهو ما له صلة بالفقرات الستّ المذكورة أعلاه، أن الحمل على المعنى في اللغة، له وجوه مختلفة لا تقتصر على حمل اللفظ مرة واحدة على المعنى في نفس السياق؛ بل له وجوه وأساليب مختلفة فصّل فيها الدكتور علي عبد الله العنبكي، في كتابه “الحمل على المعنى في العربية”، ننقل إليكم منه مختصر ما جاء فيه بالتبسيط التالي:
1: الحمل على المعنى ابتداءً: وهو ما لا يتبعه حمل على اللفظ. كقوله تعالى: { وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} (يونس 43) حيث حمل (مَن) على الجمع رغم أن لفظه مفرد ولا بد أن يقول: من يستمعُ. فبدأ مباشرة بعد الاسم الموصول بحمله على المعنى. أو كقراءة التاء في قوله تعالى: { يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْن} (الأحزاب 31) حيث قرئت: { يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ تأتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْن} (الأحزاب 31) حيث حمل (من) مباشرة على التأنيث رغم أن لفظها مذكر، وبقي على التأنيث في باقي الآية وقال (لها).
2: الحمل على المعنى ثم اللفظ: أي الانتقال من المعنى إلى اللفظ في نفس الجملة أو السياق. كقراءة قوله تعالى: { وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} (الأحزاب 32) حيث قرئت: { وَمَنْ تقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَيعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} (الأحزاب 32) حيث حمل (من) مباشرة على معنى المؤنث ( تقنت) رغم كونه مذكرا، ثم عاد إلى اللفظ المذكر وقال (يعمل).
أو كما في قراءة قوله تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} (الحشر 6) حيث قرئت: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمًا عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} (الحشر 6) حيث حمل الاسم الموصول (ما) على معنى التأنيث في (تركتموها) مع أن اللفظ مذكر، ثم عاد إلى اللفظ المذكر مباشرة وقال (قائما).
وعن هذا النوع من الحمل على المعنى جاء:
“الحمل على المعنى ثم اللفظ جائز عند كثير من النحويين. قال أبو حيان:(وأما كلام العرب فجاء فيه الحمل على اللفظ أولا ثم على المعنى وهو الأكثر، وجاء الحمل على المعنى أولا ثم اللفظ)) وقال السيوطي :(( ويجوز البداءة بالمعنى كقولك: من قامت وقعد)). وقال أبو البقاء الكفوي: (( والحمل أولا على المعنى ثم اللفظ غير ممنوع، وله نظير من القرآن، وإن كان الكثير العكس)).
وأجازه الكوفيون بشرط وجود الفاصل عند اجتماع الحملين وتقدُم الحمل على المعنى على الحمل على اللفظ، كقولنا: من يقومون في غير شيء وينظر في أمورنا قومُك. ولا يجوزون: من يقومون وينظر في أمورنا قومك. ولم يشترط البصريون ذلك. أما في حالة تقدم الحمل على اللفظ على الحمل على المعنى، فلا يشترط الكوفيون وجود الفاصل. وقد ذكروا أن السماع لم يرد إلا بالفصل، كما ذهب الكوفيون إلى ذلك. ” [ الحمل على المعنى في العربية 105-106]
ويفصّل الكاتب في مسألة اشتراط الكوفيين وجود الفاصل، بأن هذا الشرط سارٍ إذا وقع الحملان في جملتين منفصلتين وليس في نفس الجملة، فيقول: “أما الذي منعه الكوفيون فهو اجتماع حملين في جملتين وتقدُم الحمل على المعنى على الحمل على اللفظ بغير فاصل” [ الحمل على المعنى 113]
3: الحمل على اللفظ ثم المعنى: وفيه جاء:
” يجوز الحمل على اللفظ وعلى المعنى في كل ماله لفظ يخالف معناه كالأسماء الموصولة وبعض ألفاظ التوكيد وأسماء الجموع والجنس وجمع التكسير وغير ذلك. وإذا اجتمع الحملان بُدئ بالحمل على اللفظ ثم على المعنى، وهذا هو الكثير في كلام العرب والمتفق عليه بين النحويين، فلم يختلفوا فيه كما اختلفوا في غيره. وقد ورد في القرآن كثيرا إذ بلغت مواضعه اثنين وعشرين ومئة موضع. ” [ الحمل على المعنى في العربية ص 111]
وفي اجتماع الحمل على اللفظ والمعنى في جملة واحدة يقول:
” قوله تعالى : {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى } (البقرة 112) حيث حمل على لفظ (مَن) فأفرد الضمير في (كان) الذي هو اسمها، ثم حمل على المعنى فجمع خبر (كان) فقال: “هودا أو نصارى”.
ومن ذلك قراءة الحسن: (من هو صالُ الجحيم) في قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ } (الصافات 164) على أن يكون صالُ جمع مذكر سالما حذفت واوه لالتقاء الساكنين، فيكون المبتدأ (هو) مفردا على لفظ (من) والخبر (صالو) جمعا على معنى (من)” [ الحمل على المعنى في العربية ص 113-112]
4: الحمل على اللفظ ثم على المعنى ثم على اللفظ :
كما في الآية الكريمة: { وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا} (الطَّلَاق 12) أفرد على اللفظ، ثم جمع على المعنى، ثم أفرد على اللفظ.
وقوله تعالى: { وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا} (الأَنعام 140).
وقوله تعالى: {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (35) الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا } (غافر 35-36) وفيها حمل على لفظ (من) فأفرد (هو مسرف)، ثم حمل على معنى الجمع لـ (من) فقال :(الذين) ثم حمل على اللفظ فأفرد (كبر).
وكذلك قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو (كان سيّئةً) بدلا من (سيّئُه) والقراءة: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئةً عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (39) } (الإسراء 39) فذكر (كان) على لفظ (كل) ثم أنّث (سيئة) على المعنى ثم ذكّر على اللفظ في (مكروها).
5: الحمل على اللفظ ثم على المعنى ثم على اللفظ ثم على المعنى:
كما قوله تعالى : { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا} (المائدة 61) أفردَ على اللفظ فجمعَ على المعنى فأفردَ على اللفظ فجمعَ على المعنى.
فهذه هي أهم أنواع الحمل على المعنى والانتقال فيها من اللفظ إلى المعنى و بالعكس. ولا بدّ من الإشارة إلى أن معظم هذه الأساليب، هي محل اختلاف بين النحاة وتضارب واضح في آرائهم، والتي منها ما يجوّز هذه الأساليب ومنها ما يمنعه أو يستقبحه. وللاستزادة في هذا الموضوع من الممكن الرجوع إلى كتاب ” الحمل على المعنى في العربية للدكتور علي عبد الله العنبكي الفصل الثاني ص 91.
وخلاصة ما نقلناه حتى الآن من كتاب الحمل على المعنى ما يلي:
1: (من) و(ما) من الأسماء الموصولة العامة المشتركة، التي يجوز حملها على اللفظ وعلى المعنى، فأما لفظها فهو مذكر مفرد، وأما حملها على المعنى فقد يكون على التأنيث والجمع والتثنية.
2: ورد حمل (من) و(ما) على معنى المفرد المؤنث للدلالة على المفرد المؤنث { يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ تأتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْن}
3: ورد حمل (من) و(ما) على لفظ المفرد المذكر للدلالة على المفرد المؤنث كما في قراءة: { وَمَنْ تقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَيعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} أو في قراءة: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمًا عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} (الحشر 6) وقول السيوطي : من قامت وقعد.
4: ورد حمل (من) و(ما) على معنى المؤنث للدلالة على المذكر كما في قوله تعالى: { وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا} (الأَنعام 140).
5: ورد حمل (من) و(ما) على معنى الجمع للدلالة على المفرد كا في قوله تعالى : {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى } (البقرة 112) وقوله تعالى: { وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا}
6: ورد حمل من وما على لفظ المفرد المذكر للدلالة على الجمع كما في قراءة: (من هو صالُ الجحيم) بدلا من من هم صالو الجحيم . كما يمكن القول فيها أنها وردت محمولة على معنى الجمع (صالُ) للدلالة على الفرد (هو).
7: ورد حمل كلمة (كل) على معنى المؤنث للدلالة على المذكر كما في قوله تعالى: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئةً عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (39) } (الإسراء 39 )
8: يجوز الانتقال من الحمل على اللفظ إلى المعنى والعكس بالعكس .
ورغم أن معظم الأمثلة التي مثّل لها الكاتب في هذا الموضوع، هي في الأسماء الموصولة (من) و(ما)؛ إلا أن هذا الدمج بين الحمل على المعنى واللفظ، لا يقتصر جوازه على هذه الأسماء الموصولة، بل يطال كل لفظ له معنى يخالف لفظه. وفي هذا يقول الدكتور علي عبد الله العنبكي:
” جواز الحمل على اللفظ وعلى المعنى في ما له لفظ ومعنى:
ذكر ابن عصفور قاعدة الحمل على اللفظ وعلى المعنى وهي تنص على أنه: يجوز الحمل على اللفظ وعلى المعنى في كل شيء له لفظ ومعنى، موصولا كان أو غير موصول، وذلك أن هذه الأشياء لها لفظ ومعنى يخالف هذا اللفظ، فيجوز الحمل على اللفظ أو على المعنى الذي يقصده المتكلم. ففي الموصولات المشتركة (من، ما، أي، أل، ذو، ذا) يجوز الحمل على اللفظ وهو الإفراد والتذكير، وعلى المعنى المقصود من حيث التثنية والجمع والتذكير والتانيث. …
ومن غير الأسماء الموصولة (كلا- وكلتا) اللذان لفظهما مفرد ومعناها مثنى، و (كل) و (كم) و (كأين) وهذه مفردة اللفظ مجموعة المعنى. ويدخل في هذا المضمار الكثير من أسماء الجمع وأسماء الجنس وكل ما له معنى يخالف لفظه. “ [ الحمل على المعنى في العربية 96-97]
ومما يؤيد كل هذا، ويؤيد ما جاء في فقرات المسيح الموعود عليه السلام، هو أن الحمل على المعنى في الأسماء الموصولة ليس مقتصرا على الاسم الموصول المشترك العام مثل (من) و(ما)، بل يطال أيضا الاسم الموصول المختص مثل (الذي) و(التي) ، فرغم تأكيد المصادر النحوية على وجوب مطابقة الضمير العائد على هذه الأسماء الموصولة مطابقة تامة في الإفراد والتذكير وفروعهما مع الاسم الموصول ؛ إلا أن الشواهد القرآنية تدحض هذا الجزم وتؤكد أن الضمير العائد عليها ليس بالضرورة أن يتطابق معها؛ بل من الممكن أن يُحمل على المعنى. ولذا فقد صنف إبراهيم السامرائي الأسماء الموصولة (الذي) و (التي) على أنها من الألفاظ التي تحمل على اللفظ وعلى المعنى ، وقال فيها ما يلي:
“التي:
التي اسم موصول خاص بالمؤنث المفرد العاقل وغير العاقل، وقد يقع على الجمع إذا عومل معاملة الواحدة المؤنثة. وقد وردت قراءة شاذة بلفظ المفرد تفيد الجمع، فقد قرأ عبد الرحمن بن هرمز: قوله تعالى: { وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ } (النساء 24)، (التي أرضعنكم) بلفظ الواحد وقد وجه ابن جني هذه القراءة بقوله: (ينبغي أن تكون التي هنا جنسا فيعود الضمير عليه على معناه دون لفظه، كما قال سبحانه: { وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} (الزمر 34) ثم قال: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } (الزمر 34). فهذا على مذهب الجنسية كقولك: الرجل أفضل من المرأة، وهذا أمثل من أن يُعتقد فيه حذف النون من (الذي) كما حذفت من اللذا في قوله : “إن عميّ اللذا” (هذا قول الأخطل حيث قال: أَبَني كليبٍ إن عميّ اللذا قتلا الملوك وفككا الاغلالا) ألا ترى أن قوله (التي أرضعنكم) لا يجوز أن يعتقد فيه حذف النون؛ لأنه لا يقال : اللتين. وذكر الهرويّ أن (التي) إذا جمعت ففيها تسع لغات، “منهم من يقول (التي) على لفظ الواحدة” ثم استشهد بقوله تعالى: { وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ} (النساء 6) ولكن هذه الآية لا شاهد فيها ؛ لأن الجمع لغير العاقل، فيعامل معاملة المفرد المؤنث.
الذي:
الذي اسم موصول موضوع للمفرد المذكر فهو من الموصولات الخاصة، ولكن وردت شواهد على مجيئه جمعا، فقد عاد إليه الضمير واسم الإشارة بصيغة الجمع. ومما جاء من ذلك قوله تعالى: { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (18) } (البقرة 18) وقوله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (34)} (الزمر 34) وقوله تعالى: { وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا …أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ} (الأَحقاف 18-19).
ومما جاء من الشواهد الشعرية قول الأشهب بن رميلة:
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم هم القوم كل القوم يا أم خالد
وقزل الراجز:
يا رب عبس لا تبارك في أحد في قائم منهم ولا في من قعد إلا الذي قاموا بأطراف المسد
ومن ذلك قول المتنبي:
ألست من القوم الذي من رماحهم نداهم ومن قتلاهم مهجة البخل
وقد اختلف النحويون في توجيه هذه الشواهد:
1: فمنهم من ذهب إلى أن (الذي) اسم مبهم كـ (من) (ما) يفيد الكثرة والجماعة، فيجوز أن يحمل على معناه في الجمع، وهذا مذهب الأخفش وأبي علي وذهب مذهبهما أبو البركات الانباري والعكبري وابن يعيش الذي يرى أن هذا قليل في (الذي). ..
2: وقريب من هذا مذهب من يرى أنها على الجنس، فقد ذكر المبرد وابن جني وأبو البركات الانباري أن (الذي) يراد به الجنس فيجوز ان يأتي جمعا.
3: وذهب المبرد أيضا إلى أن (الذي) يكون بمعنى الجزاء قال: فإذا كانت في معنى الجزاء جاز أن تفرد لها وأنت تريد الجماعة كما يكون (من) و(ما)…
4: وذهب جماعة إلى ان (الذي) باق على إفراده وأنه نعت لاسم جمع محذوف، فيكون التقدير في قوله تعالى: (كمَثَل الذي استوقد) : كمثل الجمع أو الفوج أو الفريق الذي استوقد، فيعود الضمير جمعا حملا على معنى الاسم المحذوف؛ لأنه يفيد الجمع، ذكر هذا الزمخشري وتابعه الرضي واختاره أبو حيان من بين الآراء الأخرى لأن (الذي) عنده – مفرد لفظا ومعنى؛ وهذه التوجيهات الأربعة لها علاقة بالموضوع وبقيت توجيهات أخرى نذكر منها:
5: إن (الذي) هو (الذين) فحذفت النون حين طال الكلام؛ لأن الموصول مع الصلة بمنزلة الاسم الواحد. ذكر هذا سيبويه وتابعه على ذلك المبرد ونحويون آخرون.
ويمكن قبول هذا في الشواهد الشعرية؛ لأن العائد على (الذي) جاء مجموعا، ولا يمكن قبوله في الشواهد القرآنية لأن (الذي) لو كان مخففا من (الذين) لم يجز إفراد الضمير العائد إليه.
6: هناك من يجعل (الذين) في الجمع بلفظ (الذي) فيقول: الذي فعلوا ذاك الزيدون. وهذه اللغة لبعض هذيل. وعلل الهروي حذف النون بقوله: ((وإنما جاز طرح النون ، لأن الإعراب فيما قبلها))، وهذا يَصدُق على من يعاملون (الذين) معاملة جمع المذكر السالم من هذيل، فيقولون في الرفع (الّذون) وفي النصب والجر: (الّذين) فتكون علامة الإعراب الواو والياء فتحذف النون، ولكنه لا يصدق على من تكلم (بالذين) بصيغة (الذي) فليس في (الذي) نون حتى يجوز طرحه، فهذا التعليل غير صحيح؛ لأن (الذي) لغة في (الذين). ” [ الحمل على المعنى في العربية 138-144]
وأكثر ما يهمنا في هذا النقل أن الأسماء الموصولة (الذي) و(التي) قد تعتبر أسماء مبهمة يعود الضمير على معناها لا على لفظها. أو أنها قد تدل على الجنس فيعود الضمير عليها على معنى الجمع، أو إمكانية تقدير محذوف قبلها ليعود الضمير عليها حملا على معنى الاسم المحذوف.
وعلى هذه الاعتبارات نرى ورود الأمثلة على حمل (الذي) و(التي) على معنى الجمع، أما في كلام المسيح الموعود عليه السلام، فقد يحمل على التوسع في هذه الاعتبارات وحملها أيضا على معنى المؤنث والمذكر، بالذات إذا ما اعتبرت هذه أسماء مبهمة كـ(من) و(ما).
ومما يتعلق بهذا الانتقال من المعنى إلى اللفظ وبالعكس، هو مسألة مطابقة الضمير لمرجعه، وقد ذكر النحو الوافي إمكانية اختلاف الضمائر المتعددة العائدة لنفس المرجع؛ حملا لها على المعنى أو اللفظ، إلا أنه اقتصرها على الألفاظ التي تصلح للمذكر والمؤنث؛ مثل كلمة (الروح) ولم يذكرها في باقي المواضع من الحمل على المعنى. فقال:
“إذا كان المرجع لفظًا صالحًا للمذكر والمؤنث -مثل كلمة: “الروح” جاز عود الضمير عليه مذكرًا أو مؤنثًا، فنقول: الروح هي من الأسرار الإلهية لم تعرف حقيقتها حتى اليوم … أو هو من الأسرار الإلهية لم يعرف حقيقته حتى اليوم، وإذا عاد على ذلك اللفظ الصالح للأمرين ضميران جاز أن يكون أحدهما للتذكير والآخر للتأنيث، نحو: الروح هي من الأسرار التي لم يعرف حقيقته.” [ النحو الوافي (1/ 269)]
وقول عباس حسن هذا، يقطع الشك باليقين في كل ما أوردناه وقلناه أعلاه؛ فها هو يعيد الضمير العائد على الاسم الموصول (التي) بالتذكير معنى لا لفظا، وهو ما يطابق فقرات المسيح الموعود عليه السلام أعلاه انطباقا تاما؛ ويفسره تفسيرا تاما.
وليس من العجيب أن لا يذكر عباس حسن هذه الإمكانية في الأساليب الأخرى المتعلقة بالحمل على المعنى، إذ إنه ليس من المتلهفين لمثل هذه الأساليب، وفق ما صرح به في هامش حديثه عن المؤنث التأويلي. (يُنظر : [النحو الوافي (4/ 589)]). غير أننا نرى بأن اختلاف الضمائر العائدة لنفس المرجع اختلافها في التذكير والتأنيث أمر يطال كل أساليب الحمل على المعنى وليس مقصورا على بعض الألفاظ، وهذا ما يُفهم من كتاب الحمل على المعنى بشكل عام كما أوضحناه أعلاه. وهذا ما يفهم من أقوال ابن جني عن هذا الباب، وكذا ما يفهم من عباس حسن نفسه حيث قال:
” المؤنث التأويلي: وهو ما كانت صيغته مذكرة في أصلها اللغوي، ولكن يراد -لسبب بلاغي- تأويلها بكلمة مؤنثة تؤدي معناها؛ فقد كان العرب يقولون: “أتتني كتاب أسرُّ بها … ، يريدون: رسالة” -“خذ الكتاب واقرأ ما فيها. يريدون: الأوراق”. وكذلك: “الحرف في مثل قولهم: هذه الحرف: نعت؛ يريدون به: الكلمة” … وأمثال هذا كثير في كلامهم …
وحُكم هذا النوع: أنه يصح مراعاة صيغته اللفظية، من ناحية عدم تأنيث فعلها المسندة إليه، وكذلك مراعاة تذكيرها اللفظي عند نعتها، والإشارة إليها … و … كما يصح مراعاة معناها الذي تؤول به بشرط قيام قرينة جلية تمنع اللبس؛ نحو: “امتلأت الكتاب بالسطور؛ تريد: الورقة التي في يدك، مثلا” “هذه الكتاب نافعة، تريد: هذه الورقة” … ولكن من الخير الاقتصار على مراعاة صيغة اللفظ؛ قدر الاستطاعة منعا للالتباس، فإن هذا المنع غرض من أهم الأغراض اللغوية، يجب الحرص عليه هنا، وفي كل موضع آخر” [النحو الوافي (4/588 -589)]
وفي الهامش يوضح عدم تأييده لفتح المجال على مصراعيه في المؤنث التأويلي ويقول:
“وإلا صارت اللغة فوضى، مضطربة الدلالات، غامضة المعاني والمرامي. ومما يساعد على إيجاد هذه العيوب فتح باب “التأنيث التأويلي” بغير قيد، وإباحته إباحة مطلقة، مع علمنا أن كل لفظ مذكر لا يكاد يعدم ضدا له مؤنثا على التأويل. فلو استبحنا استعمال المؤنث التأويلي استباحة عامة لكان من ورائها فساد لغوي كبير. لكن لا مانع منها إذا اشتهر اللفظ المذكر في عصره وشاع المراد منه شيوعا لا خفاء فيه، ولا لبس معه، كالذي يجري في أيامنا من تسمية بعض الصحف، المجلات بأسماء مذكرة؛ مثل: الهلال، والعربي، والمنبر … من أسماء المجلات الأدبية، ومثل: المقطم، والمساء، والبلاغ … من أسماء الصحف اليومية؛ فينطبق عليها الأمران السالفان، فيقال: ظهر الهلال، أو ظهرت الهلال. وكذا الباقي حيث يلاحظ التذكير أو التأنيث في كل.
ولعل هذا الرأي أنسب وأنفع من الآراء القديمة الأخرى، التي منها الحكم المطلق بالخطأ على تذكير المؤنث -كما يفهم من “الموشح” ص279 منسوبا للكسائي زعيم الكوفيين- ومنها رأي ابن جني في كتابه “الخصائص” -ج2 ص415- حيث يقول: “تذكير المؤنث واسع جدا … ” وحيث يفهم من بحثه أن تأنيث المذكر قليل.. ” [النحو الوافي (4/ 589)]
فعباس حسن ليس من المتلهفين لمثل هذه الأساليب من الحمل على المعنى خوفا من اضطراب اللغة، وهذا رأيه الذي لا يستطيع أن يقيّد به فحول اللغة المتمكنين منها. وما يهمنا في اعترافه هذا قوله بأنه ما من لفظ مذكر إلا وله نظير من المؤنث ليؤول عليه، وأن الحمل على المعنى في كلام العرب كثير؛ وبهذا فهو يعترف أن أساليب الحمل على المعنى ليست مقصورة على الأسماء الموصولة أو مجموعة معينة من الألفاظ بل يكاد يطال كل لفظ.
ثم من الأمور التي تهمنا هنا هو أن تأنيث اللفظ حملا على المعنى سارٍ على الفعل المسند لهذا اللفظ، وعلى نعته وحاله وخبره والإشارة إليه وغيرها مما يتعلق به.
ومن كل هذا النقل نخلص إلى الأمور التالية:
1: يجوز الحمل على المعنى في كل ما له معنى مختلف عن لفظه سواء كان اسما موصولا أو أي لفظ آخر.
2: يجوز البدء بالحمل على اللفظ والانتقال منه إلى الحمل على المعنى، والعكس أيضا.
3: هذا الجواز لا يُشترط فيه الفصل بين الحملين إذا وقع الحملان في نفس الجملة، أما إذا وقعا في جملتين منفصلتين فالكوفيون يشترطون وجود فاصل بين الجملتين ولا يشترط ذلك البصريون.
4: يجوز حمل الاسماء الموصولة الخاصة (الذي) و(التي) والعامة على المعنى، والحمل على معناها، وان يختلف معها الضمير العائد عليها في التذكير والإفراد وفروعهما.
وبناء على كل هذا تتوجه الفقرات المعترض عليها والمذكورة أعلاه، حيث توجيهها على الاعتبارات الرئيسية التالية:
1: جواز الحمل على المعنى ثم الانتقال منه إلى الحمل على اللفظ، أو قد تتوجه بالحمل على اللفظ ثم الانتقال منه إلى الحمل على المعنى.
2: جواز حمل الاسماء الموصولة الخاصة (التي) و(الذي) على المعنى، والحمل على معناها. ولذلك جواز اختلافها مع الضمير العائد عليها في التذكير والإفراد وفروعهما.
3: إذا تعددت الضمائر فيجوز في بعضها حمله على المعنى وفي بعضه الآخر حمله على اللفظ وبذلك اختلافها في التذكير والإفراد وفروعهما، رغم عَودها على نفس اللفظ.
4: تذكير وتأنيث المخبَر عنه لتذكير وتأنيث الخبر. أي اعتبار الخبر والمخبَر عنه كالشيء الواحد تذكيرا وتأنيثا. (لهذا أفردنا مقالا خاصا: يُنظر مظاهر الإعجاز 259، على الرابط: https://wp.me/pcWhoQ-5oM )
كل ذلك في وفق التفصيل التالي:
1: وخلاصته أنّا لا نجد في القرآن شيئا في هذا الباب من غير خبر وفاته الذي نجدها في مقامات كثيرة من الفرقان الحميد .
ذكّر الوفاة حملا على معنى الموت، أو لإضافتها للضمير الهاء؛ فقال (الذي). ثم عاد إلى اللفظ بالمؤنث في (نجدها).
أو : حمل (الخبر) على اللفظ تذكيرا فقال (الذي)، ثم حمله بالتأنيث على معنى (البشارة) أو (المسألة) أو لإضافته لكلمة (وفاة).
أو قد يكون اعتبر (الذي) اسما مبهما بمعنى (ما) فأعاد الضمير العائد عليه على معناه المؤنث وهو (الوفاة) كأنه قال: خبر وفاته ما نجدها.
2: فكان السرّ في هذه الأعمال … وانعقاد أسباب الشر الذي هي مخفية عن أعين الناس.
حمل (الأسباب) على معنى (الجمع) فقال الذي بالتذكير، أي : جمعُ أسباب الشر، كما هو عادة في الجموع؛ ثم عاد على لفظها المؤنث فقال (هي مخفية).
أو: حمل (الانعقاد) على اللفظ فقال (الذي)، ثم أنثها لإضافتها لكلمة (أسباب) المؤنثة.
أو على اعتبار (الذي) اسما مبهما كـ (ما) فأعاد الضمير العائد عليه على معناه المؤنث وهو (الأسباب) كأنه قال: انعقاد أسباب الشر ما هي مخفية.
3: ومسحت على رأسه مِن عطرها التي كان قد كُسِب من الحرام.
أنّث العطر حملا على معنى الرائحة فقال (التي) أو أنثها لإضافتها إلى ضمير الهاء، ثم عاد عليها حملا على اللفظ بالتذكير فقال (كان).
أو على اعتبار (التي) اسما مبهما بمعنى (ما) فأعاد الضمير العائد عليها مذكرا حملا على معناها المذكر وهو (العطر) ، كأنه قال: من عطرها ما كان قد كسب.
4: ويدفعوا بالحسنة سيئاتِهم الذي نشأت من أهوائهم (نجم الهدى، ص 40).
ذكّر (سيئات) حملا على معنى الإثم أو على معنى الجمع أو لإضافتها إلى ضمير المذكر (هم)؛ فقال (الذي). ثم حملها على اللفظ المؤنث في (نشأت).
أو على اعتبار (الذي) اسما مبهما بمعنى (ما) فأعاد عليه الضمير على معناه المؤنث وهو (سيئاتهم) .
5: وهل هذا إلا المكيدة التي لا ينسب إلى الله المنان؟ (إعجاز المسيح)
وفي هذه جعل المبتدأ والخبر كالشيء الواحد، فبدْءا حمَل على لفظ المكيدة في تأنيث الاسم الموصول (التي) ثم انتقل إلى الحمل على معناها المذكر في المبتدأ (هذا) فذكّر الضمير في (يُنسب).
أو على اعتبار (التي) اسما مبهما كـ (ما)، فأعاد الضمير على معناها المتضمن التذكير من المبتدأ (هذا) .
6: وقال بعض الناس إن دابة الأرض التي ذكره القرآن هو اسم الجنس لا اسم شخص معين. (حمامة البشرى)
التوجيه: ذكّر الضمائر في (ذكرَه) وفي (هو) العائدة نهايةً على (دابة) لارتباط هذه الكلمة ارتباطا اعرابيا وثيقا بكلمة (اسم) المذكر. وفي قوله (التي ذكره) انتقال من الحمل على اللفظ المؤنث، إلى الحمل على المعنى المذكر.
ومن التوجيهات الأخرى، أن كلمة (دابة) أصلها مذكر (دابّ) ثم دخلتها التاء للمبالغة وليس للتأنيث، فحمل أولا على اللفظ في قوله (التي) ثم حمل على معنى (الدابّ) يتذكير الضمائر . (ينظر: مظاهر الإعجاز258 على الرابط: https://wp.me/pcWhoQ-5oH )
(ملحوظة: للجملتين الأخيريتين يُنظر كذلك مظاهر الإعجاز 259 على الرابط :
وما يسوّغ كل هذا أن الأسماء الموصولة (الذي) و(التي) كأي لفظ آخر يمكن حملها على معنى ما تشير إليه، ويمكن الحمل على معناها هي، التي تتضمنه مما تشير إليه، خاصة إذا ما اعتبرت أسماء مبهمة. وقد ورد (الذي) بمعنى (ما) في القرآن الكريم في الآية الكريمة : {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ } (الأَنعام 155) وجاء فيها:
“و”الذي” بمعنى”ما” = وكأنّ الكلام حينئذ: ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على ما أحسن موسى” [تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (12/ 235)]
فهذه هي التوجيهات التي نراها حملا على المعنى ثم اللفظ أو بالعكس للفقرات المذكورة أعلاه. وقد تنشأ بعض التساؤلات في هذه المسألة متعلقة بعدم وقوع التطابق بين الاسم الموصول وصلته أو العائد عليه، وهنا نقول أن كل هذا وارد في أساليب الحمل على المعنى، وقد أجاز الكوفيون عدم التطابق بين الموصول وصلته والمبتدأ وخبره في مثل هذه الأساليب كالقول : مَن هو حمراء جاريتك / ومَن هو أحمر جاريتك ؛ فلا إشكال في عدم تطابقهما خاصة في الحمل على المعنى. (ينظر : الحمل على المعنى في العربية، ص 103-104)
وبهذا يثبت صحة كلام المسيح الموعود عليه السلام.
ولا بدّ من التنويه بالنسبة لهذه الفقرات، أنه ليس من المعقول بل من المستحيل أن يكون التذكير أو التأنيث نابعا من العجمة، وذلك لأننا نرى نهج المسيح الموعود واضحا بجلاء فإنه أولا يذكر ويؤنث حملا على المعنى أو وفقا لاكتساب المضاف ذلك من المضاف إليه، ثم بعدها يعود إلى التذكير والتأنيث وفقا للّفظ الأصلي. وهذا إن دلّ على شيئ فإنما يدل على أنه نهج وقاعدة يعتمدها ويتعمدها المسيح الموعود عليه السلام عمدا. ولو كان تذكيره وتأنيثه بسبب العجمة لما عاد إلى التأنيث والتذكير الحقيقي وفق اللفظ في كل جملة من هذه الجمل؛ بل لاستمر بما علِق في ذهنه من عجمة.