المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية …229
نكتة الخلط بين الفعل الماضي والمضارع ..5
نكتة الخطأ في التوابع ..5
العطف بين الماضي والمضارع والأمر في عطف الجمل
الاعتراض:
يدّعي المعارضون وقوع الخطأ في الجمل التالية من كلام المسيح الموعود عليه السلام، حيث قال حضرته:
1: فلو كان من عند غير الله لمزقّوه تمزيقا، وليجعلونا كالمعدومين الفانين. (مكتوب أحمد) والصحيح وفق زعمهم : ولجعلونا.
2: ولا أقول لكم أن تقبَلوني من غير برهانٍ، وآمِنوا بي من غير سلطانٍ (الاستفتاء، ص 23). الصحيح وفق زعمهم: وتؤمنوا بي.
فواضح من تصحيحات المعارضين أن الخطأ الذي يزعمونه واقع في عطف الفعل المضارع على الماضي، وعطف الفعل الأمر على المضارع ، إذ لا بدّ أن تتلائم الأفعال وأن تتشابه عند عطفها على بعضها البعض، على حدّ زعمهم.
الرد:
نقول إنه لا خطأ وارد في مثل هذه العبارات، فالعطف الوارد فيها هو عطف جمل على بعضها، بمعنى أن العطف هو ليس عطف الفعل وحده على فعل مماثل له، بل هو عطف الفعل مع فاعله على فعل آخر مع فاعله، كما سنبينه من خلال البحث. وعند عطف الجمل على بعضها، من الممكن عطف جملة مضارعية على ماضوية، سواء اتّحدتا في الزمن أو لم تتحدا، كما يجوز عطف جملة أمرية على مضارعية بشرط اتحادهما في الزمن.
فعن عطف الجمل يقول النحو الوافي ما يلي:
” عطف الجملة على الجملة.
“كما يجوز عطف الفعلية على الفعلية -بشرط اتفاقهما خبرا أو إنشاء- ولو اختلف زمان الفعلين فيهما؛ فمثال اتحاد الزمن فيهما: وصلت الطائرة وفرح المسافرون بالوصول سالمين، يفرح المنتصر ويفرح أهله وأعوانه، … كل واشرب، والبس، في غير مخيلة ولا كبر …
ومثال اختلاف الزمن: وصل اليوم الغائب ويسافر غدًا؛ يحاسب المرء على عمله يوم الحساب، ورأى المسيء عاقبة ما كان منه.
أما الجملة الفعلية الأمرية -أو غيرها من الجمل الإنشائية الأخرى- فلا تعطف إلا على جملة فعلية متحدة معها في الزمن، نحو قوله تعالى للصائمين: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} ، وقوله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} . [النحو الوافي (3/ 652-653)]
ومن أمثلة عطف الجمل المتحدة في الزمن التي أوردها النحو الوافي في الهامش ما يلي:
“كما اجتمع عطف الماضويه على الماضويه، والمضارعيه على المضارعيه فى قوله “تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ} .
وقوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} .
وقوله تعالى: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} .” [النحو الوافي (3/ 652)]
ومن أمثلة عطف الجملة الأمرية على أمرية أخرى، وعطف أمرية على مضارعة توافقها في الزمن، أورد الأمثلة التالية :
“وقول الشاعر:
إذا ما فعلت الخير فاجعله خالصا … لربك وازجر عن مديحك ألسنا
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} .
ومثل قول الشاعر: -وهذا من عطف الجملة- الأمرية على المضارعية التي توافقها زمنا:
لا تنظرن لملبس وانظر إلى … ما تحته من فطنة وبيان” [النحو الوافي (3/ 653)]
وبناء على بيان النحو الوافي هذا نخلص إلى النتيجة التالية:
1: يجوز عطف جملة فعلية على أخرى وإن اختلف زمان الفعلين فيهما، كأن يكون الأول ماضيا والثاني مضارعا.
2: الجملة الأمرية لا تعطف إلا عطف جملة على جملة متحدة معها في الزمن، وإن كانت مختلفة في نوع الفعل كأن يكون مضارعا مثلا.
3: الشرط الوحيد لعطف الجمل أن تتفقا خبرا وإنشاء ؛ رغم أن هذا الشرط مختلف عليه ولم يأخذ به كل النحاة.
وزيادة وتوضيحا لكل ما سبق، يقول النحو الوافي في سياق حديثه عن عطف فعل على آخر عطف مفردات ما يلي:
“أما اختلافهما (الفعلين) في الزمن فقد يجعل العطف عطف جملة على جملة، بشرط الاتحاد خبرا وإنشاء، ” [النحو الوافي (3/ 642)]
ومن قوله هذا الوارد في سياق الحديث عن جواز عطف فعل ماض على مضارع وبالعكس عطف مفردات إذا اتحد الفعلان بالزمن ، يبين النحو الوافي أنه اذا لم يتحد الفعلان بالزمن يجوز أن يكون العطف عطف جمل على بعضها. فعلى أي حال سواء اتحد الفعلان بالزمن أو لم يتحدا يجوز العطف على أحد الاعتبارين إما عطف مفردات أو عطف جمل.
وفي سياق حديث النحو الوافي عن جواز أن يكون العطف عطف مفردات أو عطف جمل عندما يكون المضارعان المعطوفان على بعضهما البعض مرفوعين، أو في حال عطف فعل ماض على ماض آخر، وذلك لعدم توفر القرينة الدالة على أن العطف هو عطف جمل، كتكرار أداة النصب والجزم كما يحدث في حالتي النصب والجزم ، أو كسَرَيان النصب والجزم للفعل الثاني كقرينة على أن العطف عطف مفردات دون تكرار الأداة، يقول النحو الوافي إنه إذا كان الفاعل في الفعلين – المعطوف والمعطوف عليه – ضميرا متصلا (غير مستقل بنفسه) فيتعين حينها أن يكون العطف عطف جمل وليس عطفَ فعل على فعل عطفَ مفردات. فيقول:
” بخلاف العطف في قوله تعالى عن الكافرين: {وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} حيث يتعين أن يكون عطف جملة ماضوية على جملة ماضوية، لوجود فاعل غير مستقل هو الضمير المتصل لكل فعل ماض منهما…..
ولهذا السبب نفسه يتعين أن يكون العطف عطف جملة مضارعية على جملة مضارعية في قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ..} لوجود فاعل غير مستقل هو ضمير متصل لكل من المضارعين: ينفقون ويتبعون.” [النحو الوافي (3/ 645)]
فيتضح من هذا أنه إذا لم يكن العطف عطف مفردات، كأن يتعين سريان النصب أو الجزم دون تكرار الأداة لهما ، وحوى الفعلان في العطف ضمير رفع متصل، تعيّن أن يكون العطف عطف جمل لا عطف فعل على فعل .
وهذا ما نراه واضحا في الفقرة الأولى من كلام المسيح الموعود عليه السلام:
1: فلو كان من عند غير الله لمزقّوه تمزيقا، وليجعلونا كالمعدومين الفانين. (مكتوب أحمد)
فالفعلان: (لمزقّوه) و (ليجعلونا) فاعلهما ضمير رفع متصل، وعليه فالعطف هو عطف الفعل مع فاعله على فعل آخر مع فاعله أي عطف جمل . هذا على اعتبار أن (لو) شرطية غير جازمة، والفعل (ليجعلونا) مرفوعا وليس مجزوما وحذفت النون منه على لغة التخفيف. وبناء على ذلك يصح عطف الفعل المضارع (يجعلونا) مع فاعله على الفعل الماضي (مزقوه) مع فاعله؛ حيث لا اشتراط في عطف الجمل اتحاد الفعلين في النوع ولا حتى في الزمن. وفي هذه الحال من الممكن اعتبار (لو) شرطية امتناعية تفيد الزمن الماضي حقيقة في فعلي الشرط وجوابه، ثم عطفت الجملة المضارعية على الجواب الماضي. كما من الممكن اعتبارها هنا شرطية غير امتناعية تخلص معاني الأفعال في فعل الشرط والجواب إلى المستقبل المحض.
أما اذا اعتبرنا (لو) شرطية جازمة (وفق رأي بعض النحاة) فيتحتم اعتبار العطف هنا عطف مفردات أي عطف فعل على فعل، بسبب سريان الجزم إلى الفعل المعطوف (ليجعلونا) بحذف النون منه كعلامة للجزم. وهنا تكون (لو) على الأرجح “شرطية غير امتناعية” تخلص معنى الشرط وجوابه للمستقبل المحض كبافي أدوات الشرط، فيصح عطف المفردات هنا لاتحاد زمن الفعل (مزقوه) والفعل ( ليجعلونا) بالدلالة على المستقبل، وهو شرط لا بد من تحققه لعطف المفردات.
ملحوظة: للتفصيل في أنواع (لو) وأحكامها يُنظر النحو الوافي ج4 ص 491 وما بعدها.
وأما بالنسبة لعطف فعل الأمر فقد اتُفق على أن الفعل الأمر لا يُعطف ولا يُعطف عليه عطف مفردات، بل عطف جمل فقط؛ لأنه لا يفارق فاعله الذي يكون ضميرا مستترا أو بارزا، وفي هذا يقول النحو الوافي:
“أما فعل الأمر بدون فاعله فلا يكون معطوفا، ولا معطوفا عليه؛ لأنه لا يفارق فاعله، ولا ينفصل أحدهما عن الآخر، لا لفظا ولا تقديرا؛ كأفعال الأمر التي فاعلها ضمير ظاهر أو مستتر في الآية الكريمة الآتية، وهي: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} –” [النحو الوافي (3/ 642) ]
وعليه فإن الفقرة الثانية من كلام المسيح الموعود عليه السلام
2: ولا أقول لكم أن تقبَلوني من غير برهانٍ، وآمِنوا بي من غير سلطانٍ (الاستفتاء، ص 23).
فهي تندرج تحت عطف الجمل من هذا المنطلق، أن الفعل الأمر لا يعطف إلا عطف جمل، فجاء فيها الفعل الأمر (آمنوا) معطوفا على الفعل المضارع (أن تقبلوني) عطف جملة على أخرى متحدة معها في الزمن وهو الزمن المستقبل ، تماشيا مع شرط عطف الجملة الأمرية على أخرى كما هو مفصل أعلاه.
الخلاصة والنتيجة:
وبناء على كل هذا يتضح أنه لا خطأ وارد قطّ في العطف الوارد في فقرات المسيح الموعود عليه السلام والمذكورة أعلاه، فتوجيههما على النحو المختصر الآتي:
1: فلو كان من عند غير الله لمزقّوه تمزيقا، وليجعلونا كالمعدومين الفانين. (مكتوب أحمد)
العطف هنا عطف جمل لأن فاعل الفعلين ضمير متصل، وفي عطف الجمل لا شرط لتوافقهما في الزمن، فيجوز عطف الجملة المضارعية على الماضوية وبالعكس، وإن لم تتحدا في الزمن.
2: ولا أقول لكم أن تقبَلوني من غير برهانٍ، وآمِنوا بي من غير سلطانٍ (الاستفتاء، ص 23). العطف هو عطف جمل لأن الفعل الأمر لا يعطف عطف مفردات، والجملة الأمرية (آمنوا) معطوفة على جملة مضارعية (تقبلوني) متحدة معها في الزمن وهو الشرط لعطف الجمل الأمرية على غيرها.
نشكر أستاذنا على هذا التوضيح جزاك الله خيرا
جزاكم الله احسن الجزاء
واعانكم وأيدكم بعونه