المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود العربية ..271
نكتة الكلمات العربية- الأردية ..4
الكلمات تَشْريح وتَنقِيد
الاعتراض:
يقول المعترض في رسالة الدكتوراة المزعومة ما يلي عن كلمة “تشريح” :
” كلمة تشريح دخلت الأردية بمعنى شرح وتفسير (معجم الألفاظ، ص169) وبهذا المعنى استخدمها الميرزا فقال:وكذلك حديث ذكره البخاري في صحيحه مع تشريحه من العالمة الزمخشري وكمال تصريحه.؟ (سر الخلافة) ويقصد شرحه” (إ،هـ)
فيدّعي المعترض أن المسيح الموعود عليه السلام، أخطأ في استعماله لهذه الكلمة لأنه استعملها بمعناها الأردي في لغته العربية، فهو قد استعملها لتأثير العجمة ولغته الأردية عليه، وهذا كله خطأ وضعف.
ونفس هذا الادعاء ادعاه المعترض في كلمة (تنقيد) وقال ما يلي:
“جهل الميرزا بمعاني المفردات العربية .. ح17 .. “كلمة تنقيد”
لا يوجد في لسان العرب كلمة “تنقيد”، بل يوجد كلمة “نَقْد”، و تعني: فحص واختبار وتمييز.
كلمة “تنقيد” أردية”، و تعني: “نقد”، وقد استخدمها الميرزا في عامي 1893 و1894 ظانا أنها عربية .. وفيما يلي الأمثلة:
_: اعلموا أن هذه الرسالة معيارٌ لتنقيد أمري وأمركم. (كرامات الصادقين)… ” (إ،هـ)
الرد:
كنا قد أسهبنا الرد على هذا الاعتراض بما يتعلق بكلمة (تنقيد) وفعلها المشتقة منه (نَقَّد)، في مقال خاص [مظاهر الإعجاز 207 على الرابط التالي، https://wp.me/pcWhoQ-5ha (مظاهر 207) ]؛ وكل ما قلناه في ذلك المقال، ينطبق كلمة بكلمة وحرفا بحرف على كلمة (تشريح) أيضا، فيرجى الرجوع إلى ذلك المقال والاطلاع على تفصيلاته.
غير أنني سوف أركز في هذا المقال على كلمة (تشريح)، وأقول باختصار أنها كلمة عربية أصيلة وأصل فعلها (شرّح) بمعنى الشّرح العادي أو المبالغة والإكثار في الشرح. وذلك رغم أن المعاجم العربية لا تحوي هذه الكلمة، لكنها يجوز اشتقاقها مع قعلها (شَرّح) من الفعل الأصلي (شَرَح) لتدل على نفس معناه أو على المبالغة في معناه؛ وذلك بناء على قياسية اشتقاق الوزن (فَعَّل) من الون (فَعَل)؛ لورود هذا الانتقال من فَعَل إلى فَعَّل بكثرة في كلام العرب. وجواز هذا القياس قد أقر به مجمع اللغة العربية المصري، كما يصرح بذلك معجم الصواب اللغوي، حيث قال:
“وقد قرر مجمع اللغة المصري- في دورته العاشرة- أنَّ «فعَّل» المضعَّف مقيس للتكثير والمبالغة، كما قرر أيضًا- في دورته الحادية عشرة- إجازة استعمال صيغة «فعَّل» لتفيد معنى التعدية أو التكثير، وأجاز المجمع أيضًا- في دورته الثانية والأربعين- مجيء «فعَّل» بمعنى «فَعَل» بناء على أنَّ الصرفيين نصُّوا على أنَّ «فَعَّل» المضعف يجيء بمعنى «فَعَل»، مثل: قطَّب وجهَه وقطَبه، وقدَّر الشيءَ وقدرَه، وزانَ البيت وزيَّنه؛ ولأنَّ المعاجم تذكر أفعالاً مضعَّفة، يقول اللغويون: إن دلالتها وهي مضعفة كدلالتها وهي مجرَّدة.” [معجم الصواب اللغوي (2/ 973)]
وعليه فإنه يجوز اشتقاق الفعل (شَرَّح) من الفعل (شَرَح) ليفيد الفعل (شَرّح) في معناه الوضعي الحقيقي معنى الفعل (شَرَح) نفسه، أو المبالغة والإكثار في الشّرح والتفصيل؛ وليكون مصدر الفعل (شَرَّح) هو (التشريح)؛ فنقول: شَرَح الحديث شَرْحا وشَرَّحه تَشريحا؛ فلا يقتصر معنى التشريح في العربية على تشريح الأبدان والجثث فقط، كما يظن المعترض؛ بل يعني الشرح والإكثار فيه أيضا حقيقة لا مجازا.
كما لا بدّ أن لا ننسى، أن كلمة التشريح قد تؤخذ من معنى (تشريح الأبدان) وتستعمل مجازا في مسألة الشرح والتفصيل فيه، للدلالة على كثرة الشرح والتفصيل ودقته؛ فكأن الشارح يفصل ويبالغ في شرحه للموضوع وكأنه يشرّحه كتشريح الجثث والأبدان؛ وبهذا يكون الاستعمال مجازيا، وهذا المجاز يمكن استعماله في شتى المواضيع، كشرح الأحاديث وشرح الرواة وترجماتهم ونقدهم، وشرح المذاهب وكل شيء يُشرح بشكل تفصيلي مسهب.
وعليه فإن كلام المسيح الموعود عليه السلام رغم تخريجه الأول على قياسية الاشتقاق والمعنى الحقيقي الوضعي للكلمات شرّح تشريحا، إلا أنه يمكن أيضا أن يُحمل على هذا المجاز أيضا، بنقلها من استعمال معين في العربية إلى دلالة مجازية أخرى من نفس اللغة العربية.
وقد جاء استعمال كلمة التشريح في مصادر عربية مختلفة، لمؤلفين عرب وأعاجم، بمعنى تشريح الأحاديث وتشريح الرواة وتشريح المذاهب، وكلها تعني المبالغة في الشرح والتفسير أو على المجاز كما ذكرنا. وكون المؤلف أعجمي لا يجعل من استعماله لهذه الكلمة خطأ وخلطا بين العربية والأعجمية. ومنها هذه المصادر التي أوردت كلمة تشريح، إما على لسان المؤلف أو المحقق أو الناشر:
1: مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/ 374)
المؤلف: أبو الحسن عبيد الله بن محمد عبد السلام بن خان محمد بن أمان الله بن حسام الدين الرحماني المباركفوري (المتوفى: 1414هـ)
_ إن الأمور التي راعاها المؤلف في هذا الشرح الجليل لا توجد مجتمعة في شرح آخر من شروح المشكاة لم يكن فيه شيء من المبالغة أصلاً، وهاك بعض ميزاته:
…. أوفى القول في توضيح الأحاديث وتشريحها، وذكر من معاني الأحاديث المشتملة على مسائل الفقه والكلا.. (ملحوظة: هذه الكلمة جاءت في التعريف عن المؤلف)
2: مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (5/ 171)
المؤلف: أبو الحسن عبيد الله بن محمد عبد السلام بن خان محمد بن أمان الله بن حسام الدين الرحماني المباركفوري (المتوفى: 1414هـ)
_ “فاضطربت الحنفية لذلك وتخبطوا في تشريح مذهبه وتعليله حتى اضطر بعضهم إلى الاعتراف بأن الصلاة في الاستسقاء بجماعة سنة،..”
3: إعلام الموقعين عن رب العالمين ت مشهور (1/ 164)
المؤلف: أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب المعروف بابن قيم الجوزية (المتوفى: 751 هـ)
قدم له وعلق عليه وخرج أحاديثه وآثاره: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان
_ لا يوجد ذكر الكتاب والسنة قطعًا لدى تشريح المسائل الفقهية وتوضيحها أو تفريعها
4: التفسير المظهري (9/ 311)
المؤلف: المظهري، محمد ثناء الله
_ يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ قد مر تشريحها
5: فتاوى الشبكة الإسلامية (5/ 505، بترقيم الشاملة آليا)
_ لكن هول ما ذكرتم دفعني إلى قراءات متعددة في عامة كتبه، فوجدت في كتبه خيراً كثيراً، وإيماناً مشرقاً، وحقاً أبلج، وتشريحاً فاضحاً لمخططات أعداء الإسلام، على عثرات في سياقاته،
6: كتاب :تشريح شرح نهج البلاغة للمؤرخ والاديب محمود الملاح.
7: شرح سنن ابن ماجه للسيوطي وغيره (ص: 75)
قَوْله إِذا قُمْت الخ إِنَّمَا أخر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْلِيمه الى آخر ثَلَاث مَرَّات للتهديد أَو لَعَلَّه يفهم من إِنْكَاره فَلَمَّا علم غباوته أظهر الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالسّنة فِي الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ أَولا الْإِشَارَة وَالْكِنَايَة وَآخر التَّصْرِيح والتشريح وَالله أعلم (إنْجَاح)
8: الوسيط في علوم ومصطلح الحديث (ص: 360)
_ الجرح والتعديل: وقد صاحبت حركة الجمع تجريح الرواة وتعديلهم، وتشريحهم تشريحا دقيقا لوجه الله والحقيقة،
9: مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة (4/ 343، بترقيم الشاملة آليا)
وسنعرف حالة عبد الرحيم بن زيد هذا بعرضه على كتب أئمة الجرح والتعديل كيف تناولوه وشرّحوه هذا التشريح، …
10: كتاب بعنوان: “ترويح الجنان بتشريح حكم شرب الدخان” للإمام أبي الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي
11: الوسيط في علوم ومصطلح الحديث (ص: 48)
إلى غير ذلك من النصوص الدالة على العناية بالأسانيد, ونقد الرواة وتشريحهم تشريحا علميا دقيقا.
وبناء على كل هذا، يتضح أن الكلمات:تشريح وتنقيد، هي كلمات عربية أصيلة، يمكن اشتقاقها قياسا على لغات العرب وقواعد الاشتقاق التي أقر بها كبار علماء اللغة، لا سيما مجمع اللغة العربية المصري؛ لتكون جزءا لا يتجزا من فصيح اللغة والعربية الفصحى. وليكون بذلك استعمال المسيح الموعود عليه السلام لها استعمالا صحيحا لا خطأ فيه، بناء على هذه القواعد واللغات العربية. كما من الممكن أن يكون استعماله عليه السلام لها مجازا مأخوذا من الاستعمال الشائع لهذه الكلمة في تشريح الجثث والأبدان، ليطلقه مجازا على شرح الأحاديث وتشريحها، للدلالة على التفصيل والدقة والمبالغة في الشرح. وسواء أخذناها بمعناها الوضعي أو المجازي فهي تصب في نفس المعنى؛ ولا خطأ في ذلك قط.