المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية ..281
نكنة الخلط بين الفعل الثلاثي المجرد والمزيد
جواز مجيء (أفْعَلَه) بمعنى (فَعَلَه) بقرار مجمع اللغة المصري
الاعتراض:
يدّعي المعترض أن المسيح الموعود عليه السلام أخطأ في الجمل التالية:
1: وقلت: إنا نحن المنجدون، وإنا نحن بُشِّرْنا وإنا لمــُـــحـــْفَظون. (مواهب الرحمن)
2: ومع ذلك تملكوا وعلوا في الأرض، وأثمروا وأكثروا، وأَملأوا الأرض كثرة، وزادوا هيبة وشوكة، (مرآت كمالات الإسلام)
3: كما أنكم ترون أن آثار العلم قد امتحتْ وعفَتْ . (مرآت كمالات الإسلام)
4: ألستَ ذهبت إلى الدنيا عند رجْعتك، وأعثرت على شرك أمّتك؟ (الاستفتاء)
وموضع الخطأ وفق زعمه في الأفعال المبرزة في الخط الغليظ، حيث جاءت على وزن (أفعل)، بينما الصحيح أن تجيء على وزن (فَعَل). فهذه الأفعال كما جاءت بوزنها الرباعي، فإما أنه لا وجود لها في اللغة العربية، أو أنها لها معان أخرى على هذا الوزن، لا تتلاءم مع السياق المذكور.
فالكلمات: مُحفظون، أملأوا، أَمْتَحَت، وأَعْثَرْتَ؛ لا بدّ أن تُشتق من الثلاثي كما يلي: محفوظون من حفِظ، ملأوا من مَلأ، مُتَحَتْ من متح الشيءَ أي قطعه من أصله، وعَثَرْتَ.
الرد:
لا خطا في كل هذه الكلمات كما جاءت في كلام المسيح الموعود عليه السلام، فيصحّ اشتقاقها من الأفعال المزيدة التي على وزن أفعل أيضا، وذلك لجواز دخول الهمزة على الفعل الثلاثي المتعدي بنفسه، للدلالة على نفس معناه كما أقر بذلك مجمع اللغة العربية المصري، حيث جاء:
” يرى المجلس أن الصرفيين يقولون: إن أَفعَله قد يكون بمعنى فَعَلَه، وقد علّل الرضي الزيادة بأنها لمعنى وإن لم يكن إلا التأكيد، وفي اللغة عشرات من الأفعال المتعدية بنفسها، داخلة عليها الهمزة دون أن يتغير أصل المعنى في الفعل. لذلك يجيز المجلس ما يشيع استعماله من ذلك، على أن تكون الهمزة لتقوية المعنى وإفادة التأكيد” (في أصول اللغة، ج3، ص366)
وقد أُرفق هذا القرار بمذكرتين للأستاذ محمد شوقي أمين في هذا الموضوع؛ الأُولى بعنوان ” جواز همز الفعل المتعدي وتضعيفه” ، عرَض من خلالها بعض أقوال النحاة لا سيما ذلك الرأي الذي ذهب إليه الأخفش والفارسي، بقياسية النقل بالهمزة في الفعل اللازم والمتعدي. ثم خلص في هذه المذكرة إلى قوله التالي: ولعلنا بعد هذا كله في سعة من القول بجواز همز الفعل، سواء أكان متعديا أم لازما، أخذا برأي الأخفش والفارسي، وبالتضعيف …”.
وأما المذكرة الثانية فهي بعنوان: “قياسية مجيء الهمزة مع الفعل المتعدي بمعناه”؛ وأهم ما جاء فيها ما يلي:
_ نقَل لنا قول ابن الحاجب حيث قال: وأَفعَل للتعدية غالبا، وبمعنى فَعَلَ، نحو: قلته وأقلته”
_ أن في لغة العرب افعالا كثيرة ووفيرة متعدية بنفسها، استعملت بنفس معناها بدخول الهمزة إليها.
_ أثبتت المعاجم العربية أفعالا ثلاثية متعدية بنفسها أو بحرف الجرّ (لازمة)، وأثبتت في نفس الوقت نفس هذه الأفعال مسبوقة بالهمزة.
_ عدّ وعرض الأستاذ نحو سبعين فعلا، منها سبعة وخمسون فعلا متعديا بنفسه، والباقي أي ثلاث عشرة فعلا لازما (متعديا بحرف الجر) ، كلها أثبتتها المعاجم مهموزة وغير مهموزة بنفس المعنى. فمن المتعدي بنفسه ذكر: برّ وأبرّ/ برم وأبرم/ بهج وأبهج/ حَبَّه وأحَبَّه/ ضَرَّه وأضَرَّه.
ومن اللازم ذكَر: خَلَد وأخلَد/ لــَحد وألحد/ وَحى وأوحى/ وفى وأوفى/ مَسَك وأمسَك.
وغيرها من الأفعال الأخرى.
_ خلص الكاتب إلى أن ما عرضه من الشواهد والأمثلة، كافية للقياس عليها في مجيء الفعل المتعدي بنفسه مع الهمزة، وقد أجاز الكوفيون القياس على التمثيل بالعدد القليل بل الأقل، فماذا لو توفرت لدينا عشرات الأمثلة كهذه التي عُرضت.
_ بناء على هذا، ينحو الكاتب إلى القول بقياسية دخول الهمزة على الفعل المتعدي بنفسه.
_ من الدواعي إلى اعتماد هذا القياس، ينوّه الكاتب إلى ان مصادر العديد من الأفعال الثلاثية المتعدية هي سماعية ومشتركة بين اللازم والمتعدي؛ كما تاتي بعض التصاريف مشتركة أيضا، فمثلا: يُستعمل (الإيقاف) كثيرا كمصدر بدلا من (الوقف)، ويُستعمل (مُربك) كإسم فاعل بدلا من (رابك) رغم وجود الفعل المتعدي (ربكه).
_ لذلك يقول الكاتب: إن دواعي الاستعمال العصري، أو ضرورة الاصطلاح العلمي، تتطلب صيغا مقيسة واضحة، لا تتوقف على السماع ولا يُضعف من دلالتها الاشتراك، ولا تعروها غرابة الصوغ في بعض التصاريف، ولا تقف دونها قيود حين يراد التعبير ، وذلك يتحقق ميسورا في الأفعال المزيدة، فصيغها فيها وضوح، ومصادرها جارية على قياس، والتوسع في الأقيسة الميسرة هدف من أجلّ أهداف الحرصاء على تنمية اللغة، وفسح المجال للوفاء بحاجات الاستعمال، ومراعاة التذوق للبيان العصري، ما دامت سنة الفصحى لا تتأبى. (في أصول اللغة،ج3، ص370-378)
وانطلاقا من كل هذا، نرى بأن الأستاذ محمد شوقي أمين، ينحو إلى القول بقياسية دخول الهمزة على الفعل المتعدي للدلالة على نفس معناه، رغم أن قرار المجمع لا ينص على قياسية هذا الدخول صراحة، إلا أنه يجيزه.
وإننا إن قلنا أن المعنى الأصلي لا يتغير بدخول الهمزة على الفعل، غير ان دخولها يفيد التأكيد وتقوية المعنى.
وبناء على كل هذا، نخلص إلى ما يلي في الكلمات المعترض عليها:
كلمة مُــحفَظُون:
مشتقة من الفعل (أحفَظ) المشتق من الفعل (حَفِظ) الثلاثي المتعدي بنفسه، بدخول الهمزة عليه جوازا، لتأكيد المعنى وتقويته؛ فنقول:(حفظه الله وأحفظه). فيكون اسم المفعول من هذا الفعل (أَحفَظ) على وزن (مُفعَل) أي (مُحفَظ) وجمعها (مُحفَظون). ولا خطأ في ذلك.
كلمة أَملَأُوا:
الفعل (أملأَ) مشتق من الفعل (مَلأ) الثلاثي المتعدي بنفسه، وذلك بدخول الهمزة عليه جوازا، لتقوية المعنى وتأكيده. فنقول ملأه وأملأه على نفس المعنى.
ومما يثير الانتباه ايضا، في تداخل معنى الثلاثي المجرد مع المزيد، أن الفعل (أملأ) له معنى آخر وهو (أزكم)، ومشتقات هذا الفعل من اسم الفاعل والمفعول، لا تأتي من الفعل نفسه، بل من الثلاثي المجرد، فنقول أملأه الله أي أزكمه فهو (مملوء)، مشتقا من الثلاثي (ملأ) رغم أن هذا الثلاثي المجرد لا يعني الزكام، ولا يقال هو (مُمْلأ). (يُنظر مقال: تحرير المشتقات من مزاعم الشذوذ، لمحمد بهجة الأثري عضو مجمع اللغة المصري، ص36)
كلمة أمتحت:
فلنا معها وقفة مهمة! عُدت إلى النسخة الاصلية لكتاب التبليغ، لأجد أن الكلمة الأصلية هي (مُحِيت)، وهكذا وجدت محركة في النسخة الأصلية. ولكن يبدو أن هناك من المراجعين الذين اجتهدوا في إخراج الطبعات اللاحقة، أو عملوا على إعداد قائمة السهو لهذا الكتاب، قد شطب هذه الكلمة (مُحِيت) وكتب بخط يده كلمة (امتحت) دون التحريك. لذلك اقول: لا بدّ من إرجاع الكلمة إلى اصلها وأن الاجتهاد فيها لم يكن في مكانه، خاصة إن لم يتوفر لدينا موافقة المسيح الموعد على هذا التعديل للكلمة. وأغلب ظني أن لا علاقة للمسيح الموعود عليه السلام بهذا التعديل والاجتهاد، لأن المراجعة إن كانت زمن المسيح الموعود وبعلمه، لحدثت تلك في النسخ المكتوبة بخط يده لا المطبوعة. لذا يبدو أن هذا الاجتهاد جاء لاحقا وبعد طبع الكتاب ونشره؛ ولذا يجب أن لا نعتد به ولا بد من اعتبار الكلمة الاصلية (مُحيت).
ولكن على فرض ان الكلمة (امتحت) موافق عليها من قبل المسيح الموعود عليه السلام، فاحد توجيهاتها على نفس الجواز بدخول الهمزة على الفعل الثلاثي المتعدي بنفسه (مَتَحه) أي : قطعه من أصله، للدلالة على نفس المعنى أو تاكيده وتقويته، فيصبح الفعل بدخول الهمزة عليه (أَمتَحَه)، غير أنها هنا مبنية للمجهول وليس كما حركها المعترض، فهي (أُمتِحَت) أي قُطعت من أصلها. والفعل (أمتحَه) المشتق من (مَتَحَه) بدخول الهمزه عليه.
ومما يسوغ بناءها للمجهول هو عدم تحريكها في الأصل، وأن الكلمة الاصلية (مُحِيت) جاءت مبنية للمجهول، وأنه لا مانع من عطف المبني للمجهول على المبني للمعلوم.
كلمة أعثَرت:
فإن أَوْلى توجيهاتها أنها على البناء للمجهول، لأنها غير محركة في الأصل، فهي (أُعثِرتَ) وليست (أَعثَرت) كما يظنها المعترض. وفي هذا جاء:
“أعثره على الأمر: أطلعه عليه، دلَّه عليه ” {وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ} “” (معجم اللغة العربية المعاصرة (2/ 1456)
فنقول” أعثرك الله على أمرك، فأنت أُعثِرت على الأمر.
ولا مانع من عطف المبني للمجهول على المبني للمعلوم وبالعكس في اللغة العربية، فهذا المنع هو من مظانّ المعترض الواهية، التي تنم عن جهله وسطحيته في اللغة. وفي هذا أفردنا مقالا خاصا (يُنظر: مظاهر الإعجاز 213 على الرابط التالي: https://wp.me/pcWhoQ-5iK )
لذلك فلا خطأ في كل الفقرات المعترَض عليها، وكلها لغة عربية صحيحة وفصيحة.