بسم الله الرحمن الرحيم
{ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} (الأنبياء 19)
قبلت التّحدّي.. تفسير المسيح الموعود لآية “خاتم النبيين ” بعدم انقطاع النبوّة بجميع أشكالها
الحلقة العاشرة في ردّ الاعتراضات حول نبوة سيّدنا أحمد عليه السلام
ملخّص الحلقة:
نردّ بهذه الحلقة على اعتراض المعترضين القائل: بأن سيدنا أحمد عليه السلام، قد فسّر آية “خاتم النبيين” بانقطاع النبوّة بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بجميع أشكالها. فنثبت من خلال النصوص العديدة في تفسير حضرته عليه السلام لهذه الآية، أنه كان يؤمن بانقطاع نبوّة التشريع والاستقلال فقط واستمرار النبوة الظلية بعد سينا محمد؛ وهذا كلّه يصبّ في كسر التّحدي الذي أعلنه المعترضون بقولهم: أين قال المسيح الموعود أن النبوة التابعة مستمرة.
الاعتراض التاسع:
فسّر سيدنا أحمد عليه السلام الآية القرآنية : {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} (الأحزاب 41) بأنها تعني أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو آخر الانبياء كليا ، وأنها تعني انقطاع النبوة بجميع أشكالها بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟
الردّ:
بما أننا قد أثبتنا بنصوص واضحة لحضرته عليه السلام أنه ادعى النبوة منذ بداية دعواه إلى آخر حياته، سواء كانت هذه النبوة نبوة محدثية ناقصة أو كاملة فيما بعد، فهذا بحد ذاته يدحض القول بأن حضرته كان يعتقد بأن سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) هو آخر نبي بالكلية، وأن النبوة قد انقطعت بعده بجميع أشكالها؛ ولذا فلا يمكن أن يفسّر حضرته آية ” خاتم النبيين” بما يخالف هذا الاعتقاد.
وقد أكّدنا في الحلقة الماضية أن اعتقاده في هذا الأمر موافق لاعتقاد أكابر أهل السنة والجماعة والذين يقولون بانقطاع نبوة التشريع بعد سيدنا محمد مع بقاء النبوة العامة الظلية المبنية على كثرة المكالمات والوحي الإلاهي، وهذا من شأنه أن يدحض هذا الاعتراض كلية، إذ كيف يمكن لمن ادعى النبوة مرارا وتكرارا ، ويؤمن باستمرار النبوة الظلية ويعضد اعتقاده هذا بتأييد علماء أهل السنة والجماعة، أن يفسر آية ” خاتم النبيين” أنها تعني انقطاع النبوة بجميع أشكالها!؟
وهنا نورد مرة أخرة نصوصا تثبت بشكل قاطع تفسير حضرته عليه السلام لهذه الآية أو “لخاتم النبيين” في أن باب النبوة التشريعية والمستقلة هو المغلق وليس جميع أنواع النبوة :
“ونعني بختم النبوة ختمَ كمالاتها على نبينا الذي هو أفضل رسل الله وأنبيائه، ونعتقد بأنه لا نبي بعده إلا الذي هو من أمّته ومن أكمَلِ أتباعه، الذي وجد الفيضَ كله من روحانيته وأضاء بضيائه. فهناك لا غير ولا مقام الغيرة، وليست بنبوة أخرى.” (مواهب الرحمن، الخزائن الروحانية، المجلد19، ص285)
فلم يفسر حضرته ختم النبوة هنا بانتهاء النبوة بجميع أشكالها، بل فسّر الختم بختم كمالات النبوة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بجعله أفضل رسل وأنبياء الله، ثم أكّد حضرته عليه السلام أنه لا يرى بختم النبوة انقطاعَها كلية بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، بل انقطاع النبوة المستقلة والتشريعية إذ اشترط للنبي بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن يكون من أمته وتابعا له ولشرعه.
“إن طاعة هذه النبوّة تُوصِل المرء إلى الله بأسهل الطرق، وباتّباعها يتشرّف المرء بالمحبّة الإلهية، والمكالمة والمخاطبة، أكثرَ مما كان مُتاحًا من قبل. ولا يُقال لتابعها الكامل نبيًّا مستقلًا، لأن في ذلك انتهاكًا للنبوة المحمدية الكاملة، بل ينطبق عليه في آن واحد تعبيرانِ: “نبي وأمّتيٌّ”، لأنه ليس في ذلك إساءة إلى كمال النبوّة المحمدية التامة، بل إن هذا الفيضان الروحاني يزيدها حسنًا ولمعانًا.” (الوصية، الخزائن الروحانية، المجلد20، الصفحة، 311)
إذن، فحضرته عليه السلام يقرّ في هذا النصّ أن إطاعة نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إطاعة كاملة يجعل من هذا المطيع نبيا ولكنه ليس مستقلا عن نبوة وشريعة وأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بل يجعله نبيا أمتيا أي من أمته. فهل من يقول هذا القول يفسر خاتم النبيين بانقطاع النبوة بجميع أشكالها!؟
“ومع ذلك فاذكروا جيدًا أن باب النبوة التشريعية بعد الرسول ﷺ مسدود كليًّا، فلا كتاب بعد القرآن يأتي بأحكام جديدة أو ينسخ حكمه أو يعطلُ اتّباعه بل هو معمول به إلى يوم القيامة” (المرجع السابق، الحاشية).
نرى أن حضرته عليه السلام اقتصر انسداد باب النبوة فقط على نبوة التشريع وهو ما يوحي تلقائيا إلا ان هنالك أبوابا أخرى لنبوات اخرى لم تغلق بعد، أفمن يقول بهذا، يفسر خاتم النبيين بانقطاع النبوة بجميع أشكالها!؟
“وإني على مقام الختم من الولاية، كما كان سيدي المصطفى على مقام الختم من النبوة. وإنه خاتم الأنبياء، وأنا خاتم الأولياء، لا وليَّ بعدي، إلا الذي هو مني وعلى عهدي.” (الخطبة الإلهامية، الخزائن الروحانية، المجلد 16، ص69-70)
فنرى أن حضرته لم يفسر كلمة “خاتم ” في قوله إنه خاتم الأولياء بانقطاع الولاية بجميع أشكالها بعده هو عليه السلام وإنما يشترط للولاية أن ينمحي المرء بإطاعته هو ، وهو يسوّي بين هذه الخاتمية وخاتمية الرسول صلى الله عليه وسلم في النبوة فالنتيجة الحتمية أن حضرته لا يفسر خاتمية النبوة إلا كما فسر خاتمية الولاية بحيث من الممكن ان ينال المرء درجة النبوة بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم شريطة اتباعه لشريعته وإطاعته له وعدم خروجه عن أمته صلى الله عليه وسلم. لأفمن يقول بهذا يقول بانقطاع النبوة كلية يا أيها المعارضون!؟
“ولكن نبينا الأكرم ﷺ قد أُعطي بوجه خاص شرفَ أنه خاتَم الأنبياء بمعنى أن جميع كمالات النبوة قد خُتمت عليه. هذا أولا، وثانيًا: لن يأتي بعده رسول بشريعة جديدة ولن يكون نبي خارج أمته بل كل من ينال شرف المكالمة الإلهية ينالها ببركته هو ﷺ وبواسطته ويُدعى فردًا من الأمة وليس نبيًّا مستقلا.” (ينبوع المعرفة، الخزائن الروحانية، المجلد23، ص380).
مرة أخرى يؤكد حضرته ان ختم النبوة يعني ختم الكمالات وليس بانقطاعها، كما يؤكد إساتمرارية النبوة بعد سيدنا محمد شريطة ان لا تكون بشريعة جديدة ولا مستقلة خارجة عن أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. أفمن يقول بهذا، يقول بانقطاع النبوة كليا بع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم!؟
“من الغباوة أيضًا أنهم يقولون من أجل تحريض الجهلاء من الناس إن هذا الشخص يدّعي النبوة، ولكنه افتراؤهم البحت؛ إذ لم أدَّعِ قط نبوةً يمنعها القرآن الكريم. إن ما ادّعيته هو أنني من الأمة من ناحية ومن ناحية أخرى نبي ببركة نبوة النبي ﷺ. وليس المراد من النبوة إلا أني أحظى بكثرة المكالمة والمخاطبة الإلهية. الحقيقة أنه كما كتب المجدد السرهندي في مكتوباته: مع أن بعض أفراد هذه الأمة قد خُصُّوا بالمكالمة والمخاطبة الإلهية وسيبقون مخصوصين إلى يوم القيامة، غير أن الذي يُشَرَّف بكثرة المكالمة والمخاطبة الإلهية وتُكشف عليه الأمور الغيبية بكثرة يسمَّى نبيًّا.” (حقيقة الوحي، الخزائن الروحانية، المجلد 22، ص406).
يؤكد قول حضرته عليه السلام هذا، أن هنالك نوع من النبوة المستمرة بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والتي لا يمنعها القرآن الكريم وهي في الحقيقة النبوة التي يدعيها هو . أفمن يقول بهذا يقول بانقطاع النبوة بجميع أشكالها!؟
“لقد كتبتُ مرارًا أن الأمر الحقيقي والواقعي هو أن سيدنا ومولانا النبي ﷺ هو خاتم الأنبياء، ولا نبوة مستقلة ولا شريعة بعده ﷺ. ومن ادّعى ذلك فهو ملحد ومردود بلا أدنى شك. ولكن الله تعالى أراد منذ البداية أن يُكرم شخصًا- لإظهار كمالات النبي ﷺ العديدة وإثباتها – بمرتبة كثرة المكالمات الإلهية ومخاطباته بسبب اتباعه وطاعته ﷺ ليخلق في ذلك الشخص صبغة النبوة كانعكاس لنبوته ﷺ . فمن هذا المنطلق سماني الله تعالى نبيًّا بمعنى أن النبوة المحمدية انعكست في مرآة نفسي وأُعطيتُ هذا الاسم على سبيل الظلية وليس على وجه الحقيقة لأكون نموذجًا كاملًا لفيوض النبي ﷺ.” (ينبوع المعرفة، الخزائن الروحانية، المجلد 23، الصفحة 340، الحاشية).
هذا النصّ غني عن الشرح، فقد فسر فيه سيدنا أحمد عليه السلام ختم النبوة بانقطاع نبوة التشريع والنبوة المستقلة، وليس انقطاع النبوة بجميع أشكالها!! أفمن يقول بهذا، يفسر خاتم النبيين بانقطاع النبوة كلية وبجميع أشكالها بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم!؟
يقول المسيح الموعود ؏: “إن نبينا الأكرم ﷺ يحتلّ درجة عظيمة بحيث إن فردًا من أمته يمكن أن يصبح نبيًّا ويُسمّى عيسى مع أنه من الأمة.” (البراهين الأحمدية، الخزائن الروحانية، المجلد21، ص355)
إذن، يقر حضرته عليه السلام باستمرار النبوة في أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. أفمن يقول بهذا، يفسر خاتم النبيين بانقطاع النبوة كلية وبجميع أشكالها بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم!؟
“فصار ﷺ خاتَم الأنبياء، ولكن ليس بمعنى أنه لن يُستمَدّ منه فيضٌ روحاني في المستقبل، بل بمعنى أنه صاحب الخاتَم، فلن ينال أحد فيضًا إلا بفضل خاتَمه. ولن يُغلَق باب المكالمة الإلهية ومخاطبتها على أمته إلى يوم القيامة. وليس هناك نبي صاحب الخاتَم إلا هو ﷺ. وهو الوحيد الذي يمكن أن توهب بفضل خاتمه، النبوةُ التي يُشترط لصاحبها أن يكون من أمته ﷺ.” (حقيقية الوحي، الخزائن الروحانية، المجلد22، ص29-30).
أفمن يقول بكل بهذا، يفسر خاتم النبيين بانقطاع النبوة كلية وبجميع أشكالها بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم!؟