بسم الله الرحمن الرحيم

{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} (الأنبياء 19)

تمويهُ وكَذِبُ المعارضين في قولهم: لا وحيٌ ولا نصٌّ ينسخ الأقوال الأولى للمسيح الموعود عن نبوّته المحدَّثية.

الحلقة الخامسة في ردّ الاعتراضات على نبوّة المسيح الموعود عليه السّلام

ملخّص الحلقة:

هذه هي الحلقة الخامسة لدحض اعتراضات المعترضين على نبوّة المسيح الموعود سيدنا أحمد (عليه السّلام). ندحض من خلالها قول المعترضين: إنه لا وجود لوحيٍ ينسخ أقوال المسيح الموعود عليه السّلام الأولى، والتي صرح بها أن نبوّته نبوّة ناقصة كنبوّة المحدّثين. كما وندحض فيها قولهم بأنه لا نصَّ من أقوال المسيح الموعود ينسخ فهمه السابق بأن نبوته ناقصة، وننسف ادعاءهم أن العثور على نصّ كهذا دونه خرط القتاد. بل نثبت ونبيّن أن إقرار المسيح الموعود (عليه السلام) أن نبوّته كاملة، ونسْخَه فهمه السابق بأن هذه النبوة ناقصة، جاء بناء على الوحي الألهيّ الذي كان يتلقاه، كما ونورد بعض النصوص التي تثبت نسخه لفهمه الأول في أمر نبوّته لنثبت أن العثور على نصوص كهذه لهو أمر في غاية السّهولة.

الحلقة كاملة:

الاعتراض:

لم يُدلِ سيدنا أحمد عليه السلام، بأي وحي يعزوه لله تعالى، ينسخ به أقواله الأولى عن نبوته الناقصة، بحيث يصرّح هذا الوحي الجديد أن نبوته كاملة؟

الردّ:

لما كان الوحي الإلهي قد سمّى المسيح الموعود (عليه السلام) نبيا منذ البدء، أي منذ تأليف حضرته لكتاب البراهين الأحمدية حوالي سنة 1880، دون الانتقاص من كمال هذه النبوة، حيث أكّد سيدنا أحمد (عليه السلام) هذا الأمر وقال : “وفي “البراهين” الذي نُشر قبل 22 سنة لم ترد هذه الألفاظ مرات قليلة، بل إنّ في هذه المكالمات الإلهية التي نُشرت في “البراهين” هذا الوحي الإلهي: “هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ“، انظروا الصفحة 498 من “البراهين الأحمدية”؛ ففيه خوطب هذا العاجز بوضوح بـ”رسول“. ثم بعد ذلك في هذا الكتاب “البراهين” وُصفتُ في وحي الله بـ “جريّ الله في حُلل الأنبياء“: أي رسول الله في حلل الأنبياء؛ انظروا الصفحة 504 من “البراهين الأحمدية”. ثم ورد في هذا الكتاب قربَ ذلك الوحيِ الوحيُ التالي: “مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ“؛ ففي هذا الوحي سميت محمدًا ورسولاً أيضا. ثم في الصفحة 557 من “البراهين” هذا الوحي الإلهي: “جاء نذير في الدنيا“، وقراءته الثانية: “جاء نبيّ في الدنيا“. كما ذُكر هذا العاجز بلفظ رسول في “البراهين الأحمدية” وفي أماكن أخرى عديدة. ( إزالة خطأ)

– ولما كان وصْف هذه النبوة بأنها ناقصة، محدَّثية، مجازية، تأويلا لحضرته عليه السلام، ولم تكن هذه من كلمات الوحي نفسه، فلم يستلزم الأمر نزول وحي جديد يلغي أو ينسخ وحيا سابقا، بل ظل الوحي على ما هو عليه دون تغيّر. ولكن وحي الله المتواتر على سيدنا أحمد (عليه السلام)، والذي ظل ينزل عليه باستمرار ويناديه بنفس الإسم كنبي ورسول، أفهمه أن النبوة التي ألبسه الله تعالى إياها إنما هي نبوة كاملة وصريحة.

– إلا أنه ورغم ذلك فقد صرح سيدنا أحمد عليه السلام بشكل واضح أن التغيّر في فهم نبوته بأنها كاملة، كان بناء على الوحي الذي تلقاه من الله تعالى، وذلك وفق النص التالي الذي نجده بسهولة في كتاب حقيقة الوحي حيث قال حضرته: ولكن وحي الله – سبحانه وتعالى – الذي نزل عليَّ بعد ذلك كالمطر لم يدعني ثابتًا على العقيدة السابقة، وأُعطيتُ لقب “نبي” بصراحة تامة، بحيث إنني نبيٌ من ناحية، وتابعٌ للنبي – صلى الله عليه وسلم – ومِن أُمته من ناحية أخرى. ( حقيقة الوحي) . فهذا النص وحده يكفي لإثبات نسخ عبارات سيدنا أحمد السابقة المتعلقة بمفهوم النبوة، وهو وحده يكفي لإثبات أن وحي الله تعالى هو الذي أفهمه كمال نبوته والمفهوم الصحيح لها.

ونصّ آخر يقول فيه:”ما تسمّونه المكالمة والمخاطبة، أنا أطلق على كثرتها- وبأمر الله- نبوةً.” (تتمة حقيقة الوحي، الخزائن الروحانية، المجلد 22، الصفحة 503). فهذا النص يثبت بشكل واضح أنه عليه السلام، أعلن هذه النبوة بأمر من الله تعالى، وهذا هو ما يعزوه سيدنا أحمد عليه السلام لله تعالى، بأنه هو تعالى الذي أمره بنسخ فهمه السابق.

فمن ناحية كان الوحي مستمرا في تسميته بالنبي والرسول منذ البداية، وازداد وتواتر مع مرور الوقت، ثم صرَّح الله تعالى لحضرته صراحة وأمره بأن يعلن أنه نبي بأمر منه، كما رأينا سابقا. فليس في الأمر نسخ، بل جاء أمر الله بأن يعلن أنه نبي تأكيدا على ما كان مستمرا ومتواترا.

ما يمكن اعتباره نسخا، كان في الحقيقة محصورا فقط في فهم حضرته لحقيقة النبوة، التي كانت وفقا للتعريف التقليدي تستلتزم التشريع أو الاستقلال، وإلا فكل عباراته السابقة في نفي النبوة بقيت صحيحة أيضا، لأنها تنفي نبوة التشريع والاستقلال ولا تنفي حقيقة النبوة التي اتضح أن تعريفها القرآني هو الإظهار على الغيب بالتبشير والإنذار.

الاعتراض:

لم يصرّح سيدنا أحمد عليه السلام، بنسخ أقواله الأولى عن النبوة، وبتغيّر مفهومها من نبوة ناقصة إلى كاملة، والعثور على نصٍّ كهذا دونه خرط القتاد.

الردّ:

ليس من المفروض أن يقول سيدنا أحمد عليه السلام بنسخ أقواله السابقة بصيغة محددة كما يطلبها المعارضون، الذين تشابهت قلوبهم بقلوب العصاة من قوم موسى، حيث قالوا “ أرنا الله جهرة“؛ فلم يكن من الضروري أن يقول سيدنا أحمد (عليه السلا): “إن أقوالي السابقة منسوخة، واشطبوا كل أقوالي المتعلقة بالنبوة، السابقة لكتاب إزالة خطأ“؛ فهذه الصياغة ليست ضرورية لفهم التغيّر الحاصل في فهم هذا الموضوع، إذا كان حضرته عليه السلام قد بيّن هذا الأمر في نصوص واضحة أخرى يُعثر عليها بسهولة.

وليست هذه سنة الله عز وجل في كتابه العزيز عند نسخ أحكامه المؤقتة غير القرآنية، فمثلا عند تغيير القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، لم يقل الله عز وجل ” إنني أنسخ الحكم السابق بالتوجه إلى بيت المقدس، واشطبوا هذا الحكم من أذهانكم”؛ بل جاء هذا النسخ بنصوص واضحة تؤكد هذا النسخ والتغير في الحكم، وهكذا كان أمر التصريح بنبوة سيدنا أحمد عليه السلام أيضا.

علما أن تغيّر المفهوم والاعتقاد عند حضرته عليه السلام لم يكن مقتصرا على موضوع النبوة، بل حدث مثيله في مسألة وفاة المسيح الناصري، فقد أقرّ المسيح الموعود بحياة المسيح الناصري عليهما السلام في كتابه “البراهين الأحمدية”، ثم كتب في “فتح الإسلام” على النقيض من ذلك. كذلك الأمر نفسه في مسألة تفضيل نفسه على المسيح الناصري عليه السلام، ففي بادئ الأمر ما كان المسيح الموعود عليه السلام، يعُدّ نفسه أفضل من المسيح الناصري وكتب مذهبه هذا في كتابه “ترياق القلوب”، ثم كتب في “دافع البلاء” ما يخالف ذلك وقال بأنه أفضل منه. فلا نجد أن حضرته عليه السلام قد كتب في هاتين المسألتين نصّا حرفيا يقول فيه:” إنني أعتبر أقوالي السابقة في هاتين المسألتين منسوخة وعليكم أن تشطبوها”، كل هذا لأنه بوجود النصوص الأخرى التي يُستنبط منها النسخ، فلا حاجة إلى مثل هذا التصريح الحرفي. ثم إننا لا نجد المعترضين يطالبون بنصّ كهذا في هاتين المسألتين، وهم لا ينكرون هذا النسخ ولا ينكرون إيمان حضرته عليه السلام بوفاة سيدنا عيسى عليه السلام وعدم نزوله من السماء، وكذلك إيمان حضرته عليه السلام بأفضليته على سيدنا عيسى عليه السلام.فلماذا هذا الكيل بمكيالين!؟ لماذا لا يُطبّق نفس المكيال على مسألة النبوة!؟

ومن الأدلة القاطعة على تغير فهم حضرته بالنسبة لموضوع النبوة ونسخ أقواله السابقة، هو أن العبارات التي عدّ فيها نبوته جزئية وناقصة ونبوة المحدَّثين يعود تاريخها دون استثناء إلى ما قبل عام 1901م، ولم يحسب نبوته جزئية في أيّ كتاب أُلِّف بعد 1901م، ولم يحسبها ناقصة أو نبوة المحدَّثية، ولم يكتب بكلمات واضحة أنه ليس نبيًّا؛ بل قال بأنه ليس نبيًّا مشرّعًا، وليس حائزًا على النبوة مباشرة، بل إنه نبي حتمًا نال بركة النبوة بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم.ففي كتاب “إزالة خطأ” أقرّ بنبوته دون أن يذكر فيه أو بعده بأنها نبوة ناقصة أو نبوة التحديث أو أنه محدث فقط. إذ علم حضرته عليه السلام أنه ليس شرطًا للنبي أن يأتي بشريعة جديدة أو ينسخ بعض الأحكام السابقة أو ينال النبوة بلا واسطة، بل له شروط أخرى وهي موجودة فيه منذ ادعائه كونَه المسيح الموعود، لذا بدأ يُطلق تسمية “النبي” على نفسه ولم ينفِ كونه نبيًّا بعد ذلك قط، وإنما أنكر كونه نبيًّا جاء بشريعة أو مستقلا، هذا مع أن الكثرة التي ذُكرت بها النبوة في كتبه بعد عام 1904م لم ترد بالكثرة نفسها في كتبه السابقة. إذًا، إن ترك اسم المحدثية والتغيير في تعريف النبوة يشهد أنه ترك مصطلح النبوة الجزئية وأقر بالنبوة الكامل.

أما النصوص التي تثبت التغيير في مفهوم النبوة من ناقصة إلى كاملة والإقرار بهذه النبوة بشكل واضح، فهي عديدة سنورد البعض منها في الحلقة القادمة.