لا خلاف عندنا على أن معنى خاتم النبيين هو آخر النبيين
كل ما أورده المرتدّون من أحاديث حول ختم النبوة نؤمن كمسلمين أحمديين بها كل الإيمان ونقبلها كلها، بل إنَّ خصومنا هم الذين لا يُؤْمِنُونَ بالأحاديث كحديث “لا مهدي إلا عيسى” وحديث أُمّ المؤمنين رَضِيَ اللهُ عَنْهُا “قولوا خاتم النبيين ولا تقولوا لا نبي بعده” وغيرها من أحاديث، وهُم الذين يأولون معنى “متوفيك” في القُرآن الكَرِيم إلى “منيمك” أو “قابض روحك وجسدك إلى السماء”. فنحن نؤمن بمجموع الأحاديث الصحيحة سنداً وحتى التي لا تصح عندهم ولا نضعف أياً منها بخلاف عادة خصومنا في رفض الأحاديث.
باختصار، لا خلاف عندنا على أن معنى خاتم النبيين هو آخر النبيين، وهذا ما تقوله الجماعة الإسلامية الأحمدية اقتداء بالمسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام، وَآخِرُ النبيين التي تثبت أفضلية النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الخلق كافة ومنهم النبيين ؏ لا تمنع بروز النبوة التابعة غير المستقلة بل العكس، إذ تثبتها وتؤكد على أن النبوة الخاتمة والأخيرة لن تأتي بعدها نبوة مستقلة عنها كنبوة عيسى نبي إسرائيل عَلَيهِ السَلام كما وصفها النبي ﷺ بـ “مِنِّي” أي منه ومن أُمّته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا من خارجها، وإنما تكون منها كالمتبوع للتابع. أما غير الأحمديين وخاصة الخصوم فهم يعتقدون بأن عيسى نبي إسرائيل ؏ قد نزل من قبل وسينزل بعد خاتم النبيين ﷺ مع أن النبي ﷺ يقول “لا نبي بعدي“، أي لا نبي مستقل عن نبوتي كما هي الحال مع نبوة عيسى ؏ نبي إسرائيل المستقلة عن نبوة خاتم النبيين ﷺ المبعوث للناس كافة، وهذا الذي يشهد عليه الحديث الصحيح حول أفضلية النبي ﷺ على سائر النبيين ؏ أنه بُعث للناس كافة وبُعث كل نبي إلى قومه فقط، لحديث جابرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عن النبي ﷺ أنه قال: “أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أحَدٌ مِنَ الأنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وجُعِلَتْ لي الأرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا، وأَيُّما رَجُلٍ مِن أُمَّتي أدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وأُحِلَّتْ لي الغَنَائِمُ، وكانَ النبيُّ يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وبُعِثْتُ إلى النَّاسِ كَافَّةً، وأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ.” (صحيح البخاري). فإذا كان عيسى ؏ كما يحسب الخصوم بُعث لإسرائيل وسيُبعث عند نزوله كنبي بعد خاتم النبيين ﷺ للناس كافة أيضاً، فأي فضلٍ بقي للنبي ﷺ بحسب الحديث الصحيح أعلاه؟!
هذا هو المعنى الذي يؤكد عليه السلف الصالح أيضا ومنهم الإمام الحافظ الفقيه والمحدّث إمام أهل السنة في القراءات الملا علي القاري رحمه الله تعالى بقوله:
“وَإِنَّمَا الْكَلَامُ عَلَى فَرْضِ وُقُوعِ الْمُقَدَّمِ فَافْهَمْ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ يَقْرُبُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْمَعْنَى حَدِيثُ: “لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ” وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ بِهِ مَرْفُوعًا، قُلْتُ: وَمَعَ هَذَا لَوْ عَاشَ إِبْرَاهِيمُ وَصَارَ نَبِيًّا، وَكَذَا لَوْ صَارَ عُمَرُ نَبِيًّا، لَكَانَا مِنْ أَتْبَاعِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَعِيسَى وَالْخَضِرِ وَإِلْيَاسَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، فَلَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ سورة الأحزاب آية 40، إِذِ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَأْتِي نَبِيٌّ بَعْدَهُ يَنْسَخُ مِلَّتَهُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أُمَّتِهِ، وَيُقَوِّيهِ حَدِيثُ “لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا لِمَا وَسِعَهُ إِلَّا اتِّبَاعِي.“.” (الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة، المُلا علي القاري، حَرْفُ اللَّامِ، رقم الحديث: 379)
وهذا عين ما قاله المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية:
“لستُ حامل شرع مستقل، كما أنني لستُ بنبي مستقل. ولكن حيث إني قد تلقيتُ علمَ الغيب من الله تعالى بواسطة رسولي المقتدى، مستفيضًا بفيوضه الباطنة، ونائلاً اسمَه فإنني رسول ونبي، ولكن بدون أي شرع جديد. وَلَمْ أُنكر أبدًا كوني نبيًّا من هذا المنطلق، بل إنَّ الله تعالى قد ناداني نبياً ورسولاً بنفس هذا المعنى. لذلك لا أُنكر الآن أيضاً كوني نبيًّا ورسولاً بهذا المفهوم.” (إزالة خطأ، الخزائن الروحانية، ج 18، ص 210-211، طبعة 1901)
وقوله عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام:
“وإنَّ نبيّنا خاتم الأنبياء، لا نبيّ بعده، إلا الذي ينوَّر بنوره، ويكون ظهوره ظِلَّ ظهوره. فالوحي لنا حقٌّ ومِلْكٌ بعد الاتّباع، وهو ضالّةُ فطرتنا وجدناه من هذا النبيّ المُطاع.” (الاستفتاء)
وقول حضرته:
“الأحاديث كلها قد اتفقت على أن المسيح الموعود من هذه الأمة، فإن النبوة قد خُتِمَت وإنَّ رسولنا ﷺ خاتم النبيين.” (تحفة بغداد)
فمن هو المسيح الموعود الذي من هذه الأمة الذي يقصده مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية ؟
يجيبنا حضرته:
“كتبتُ … في “البراهين الأحمدية” بناء على اجتهادي الشخصي -قبل العلم القاطع الذي كشف اللهُ لي بوجه خاص- أن عيسى نفسه سينـزل من السماء. ولكن الله تعالى أظهر فساد هذه العقيدة بوحيه المتواتر، وقال لي بأنك أنت المسيح الموعود.” (ترياق القلوب)
المستثنى من كسر ختم النبوة هي نبوة المسيح الموعود التابعة لنبوة الرسول
فالخلاصة هي أنه ما دام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم هو الذي استثنى المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام من كسر ختم النبوة باستثناءٍ لا يمس أفضلية النبي بل العكس يثبت أفضليته وكماله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم -لأن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام من أمته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وتابع له كالمرآة العاكسة لنوره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- فالمسيح الموعود نبيٌّ بالفعل ولكن نبوّته تابعة لنبوّة مطاعه النبي مُحَمَّدٍ المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.
فالذي يقول لا نبي بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وفي نفس الوقت يؤمن بأن عيسى نازل وهو نبي فإنه واقع في تناقض كبير مع القرآن الكريم والسنة، وهو حال خصومنا.
إذن عيسى ؏ بمفهومهم هو قبل النبي ﷺ بعثةً ولكنه بعده عملاً وحاجة، وهكذا يجعلون معنى خاتم النبيين فقط آخرهم بعثة من حيث الترتيب أما من حيث الحاجة له ومن حيث كونه آخر نبي يعيش على الأرض فعند خصومنا ليس نبينا مُحَمَّد ﷺ بخاتم النبيين بل خاتم النبيين عندهم هو عيسى والعياذ بالله!
الخلاصة، أنَّ الجماعة الإسلامية الأحمدية تؤمن تماماً بأن خاتم النبيين تعني آخر النبيين والتي تثبت أفضلية النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما أسلفنا من شواهد الحديث والقُرآن الكَرِيم وإجماع السلف، وأن خصوم الجماعة هم الذين يأولون الآيـات ويرفضون الأحاديث الشريفة ويعتقدون بأن نبياً مستقلاً تابعاً لشريعة أخرى غير القُرآن الكَرِيم سيأتي بعد خاتم النبيين ﷺ، وأن لا أحد يؤمن بختم النبوة في الحقيقة غير الجماعة الإسلامية الأحمدية.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ