بسم الله الرحمن الرحيم
{ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} (الأنبياء 19)
دحض أوجه استدلال المعارضين في إثبات انقطاع النبوة بجميع أشكالها..
الحلقة الحاديةَ عشْرَةَ في دحض الاعتراضات على نبوة سيدنا أحمد عليه السلام
ملخص الحلقة:
هذه هي الحلقة الحادية عشرة في ردّ الاعتراضات على نبوة سيدنا أحمد عليه السلام، والتي نقوم من خلالها بتفسير النصوص التي استشهد بها المعارضون، والتي حاولوا بواسطتها إثبات إيمان المسيح الموعود عليه السلام بانقطاع النبوة بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بجميع أشكالها.
ومن خلال تفسيرنا للنصوص، نرى أن حضرته عليه السلام قصد فيها بالذات المعنى العكسي للذي ذهب إليه المعارضون، وهي تؤكد إيمان حضرته بانقطاع النبوة التشريعية والمستقلة فقط بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، مع استمرار النبوة الظلية، فهي إذاً، تؤكد أيضا عدم انقطاع النبوة بجميع أشكالها كما يدعي المعارضون. حيث نرى أن معظم هذه النصوص جاءت في معرض دحض فكرة نزول سيدنا عيسى بن مريم عليه السلام بصفته نبي مشرع ومستقل، فما جاء استشهاد المسيح الموعود عليه السلام في هذا السياق بآية ” خاتم النبيين” وحديث “لا نبي بعدي” إلا ليؤكد انقطاع النبوة التشريعية والمستقلة فقط بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، إذ هذا هو معنى الآية الكريمة والحديث الشريف، وهو ما يدحض فكرة نزول سيدنا عيسى عليه السلام ببصفات التشريع والاستقلال.
الحلقة كاملة:
نتابع الرد على الاعتراض التاسع:
فسر سيدنا أحمد عليه السلام الآية القرآنية : {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} (الأحزاب 41) بأنها تعني انقطاع النبوة بجميع أشكالها، وأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو آخر الانبياء كلية؟
نخوض الآن في تفسير النصوص التي يحتج بها المعترضون في هذا الصدد:
النص الأول :
- فيا حسرة على قومٍ يقولون إن المسيح عيسى بن مريم نازلٌ بعد وفاة رسول الله، ويقولون إنه يجيء وينسخ من بعض أحكام الفرقان ويزيد عليها، وينزل عليه الوحي أربعين سنة، وهو خاتم المرسلين. وقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “لا نبي بعدي”، وسمّاه الله تعالى خاتم الأنبياء، فمِن أين يظهر نبي بعده؟ ألا تتفكرون يا معشر المسلمين؟ تتبعون الأوهام ظلما وزورًا، وتتخذون القرآن مهجورًا، وصرتم من البطّالين. ( تحفة بغداد)
تفسير النص:
ينفي حضرته عليه السلام إمكانية مجيء نبي بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم متصفا بالصفات المذكورة أعلاه عن المسيح بن مريم، أي يكون مستقلا عن هذه الأمة وينسخ شرع القرآن، أي ياتي بشريعة جديدة؛ ولا ينفي حضرته بذلك النبوة بجميع أشكالها كالنبوة الظلية.
وذلك لأن معنى لانبي بعدي ومعنى خاتم النبيين عنده عليه السلام، هو انقطاع نبوة التشريع والاستقلال بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وإذا نزل عيسى بن مريم وفق الفهم المغلوط بكونه مستقلا ولينسخ من شريعة القرآن، فهذا ينافي مفهوم الآية القرآنية والحديث الشرف الذي استشهد بهما حضرته عليه السلام.
النصّ الثاني:
- وأما ذكرُ نزول عيسى بن مريم فما كان لمؤمن أن يحمل هذا الاسم المذكور في الأحاديث على ظاهر معناه، لأنه يخالف قول الله – عز وجل -: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيّينَ} (1). ألا تعلم أن الربّ الرحيم المتفضّل سمّى نبيَّنا – صلى الله عليه وسلم – خاتَمَ الأنبياء بغير استثناء، وفسّره نبيُّنا في قوله لا نبي بعدي ببيان واضح للطالبين؟ ولو جوّزْنا ظهورَ نبي بعد نبيّنا – صلى الله عليه وسلم – لجوّزْنا انفتاح باب وحي النبوة بعد تغليقها، وهذا خُلْفٌ كما لا يخفى على المسلمين.( حمامة البشرى)
تفسير النصّ:
يقصد حضرته عليه السلام ما عناه في الاقتباس السابق، وهو انغلاق وحي النبوة التشريعية لا غير، وأن يأتي سيدنا عيسى بن مريم متصفا بصفات الاستقلالية بالنبوة والتشريع الذي ينسخ القرآن الكريم،
النصوص الأخرى:
- إضافة إلى ذلك فإن آية: (- {وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ (-} (1) أيضا تمنع البعثة الثانية للمسيح ابن مريم، وكذلك الحديث: “لا نبي بعدي“؛ فكيف يجوز أن يأتي نبي آخر في زمن ما ويبدأ وحي النبوة مع أن نبينا (- صلى الله عليه وسلم – خاتم النبيين؟! ألا تفرض كل هذه الأمور أن تُصرف الكلمات عن ظاهرها عند تفسير هذا الحديث؟ ( ايام الصلح)
- أتزعمون أنه يُرسِل عيسى إلى الدنيا، ويوحي إليه إلى أربعين سنة، ويجعله خاتم الأنبياء ( اي ان يكون آخر الانبياء المشرعين) وينسى قوله {وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (1)؟ سبحانه وتعالى عما تصِفون! إنْ تتّبعون إلا ألفاظًا لا تعلمون حقيقتها، ولو رددتموها إلى حَكَمٍ من الله الذي أُرسلَ إليكم لكان خيرًا لكم إن كنتم تعلمون.( الخطبة الالهامية)
- والنبوّة قد انقطعت بعد نبيّنا – صلى الله عليه وسلم -، ولا كتاب بعد الفرقان الذي هو خير الصحف السابقة، ولا شريعة بعد الشريعة المحمديّة، بَيْدَ أني سُمّيتُ نبيًّا على لسان خير البريّة، وذلك أمر ظلّي مِنْ بركات المتابعة، وما أرى في نفسي خيرًا، ووجدتُ كُلّ ما وجدت من هذه النفس المقدّسة. وما عنى الله من نبوّتي إلا كثرة المكالمة والمخاطبة، ولعنة الله على من أراد فوق ذلك، أو حسب نفسه شيئًا، أو أخرج عنقه من الرِّبْقة النبويّة. وإن رسولنا خاتم النبيين، وعليه انقطعتْ سلسلة المرسلين. فليس حقّ أحدٍ أَن يدّعي النبوّة بعد رسولنا المصطفى على الطريقة المستقلّة، وما بقي بعده إلا كثرة المكالمة، وهو بشرط الاتّباع لا بغير متابعة خير البريّة. ووالله، ما حصل لي هذا المقام إلا من أنوار اتّباع الأشعّة المصطفوية، وسُمِّيتُ نبيّا من الله على طريق المجاز لا على وجه الحقيقة. ( الاستفتاء)
التفسير :
فلو تمعنا النصوص الواردة أعلاه والتي هي أهم النصوص التي يسوقها المعارضون في هذا الاعتراض، فإننا نرى بشكل واضح أن الأربعة الأولى منها جاءت في معرض الحديث عن نزول سيدنا عيسى بن مريم بعينه من السماء كمسيح منظر، فاستشهد سيدنا أحمد عليه السلام بآية ” خاتم النبيين” وحديث “ لا نبي بعدي” ليدحض هذا الاعتقاد، نافيا بذلك إمكانية بعثة نبي مشرع ومستقل خارج عن شريعة الإسلام، بحيث يوحى إليه بنبوة التشريع فيزيد وينقص في شريعة الإسلام، وليس في هذه النصوص ما يشير إلى أن حضرته عليه السلام يؤمن بانغلاق باب النبوة الظلية قطّ.
وأما الاقتباس الخامس، فواضح منه أيضا وضوح الشمس في كبد السماء، نفي حضرته عليه السلام النبوة المستقلة بعد سيدنا محمد ليس إلا. والحق أن كل النصوص التي يستشهد بها المعترضون في هذا الصدد تندرج تحت نفس المبدأ والتفسير الذي وضحه سيدنا أحمد عليه السلام لختم النبوة، وهو انقطاع النبوة التشريعية والمستقلة مع بقاء باب النبوة الظلية المنبثقة من طاعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.