بسم الله الرحمن الرحيم
{ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} (الأنبياء 19)
عمى البصيرة والبصر، حال معارضي نبوّة الأنبياء..
الحلقة الثامنة
في دحض الاعتراضات على نبوّة سيدنا أحمد المسيح الموعود عليه السلام.
ملخص الحلقة:
نردّ في هذه الحلقة على اعتراضين آخرين في مسألة نبوّة المسيح الموعود عليه السلام. ونثبت من خلالها أن التغيّر في تأويل حضرته (عليه السلام) لمفهوم نبوته، لا يقدح في عصمته ولا يقدح في تأييد الله له بروح القدس. كما نثبت في هذه الحلقة على النقيض مما يدّعيه المعارضون، أن حضرته عليه السلام قد ذكر المبرر لتغيّر تأويله هذا، وهو أن التشريع لم يعُد ركنا من أركان النبوة الكاملة وفق فهمه الجديد لمعنى النبوة الحقيقية الكاملة.
الاعتراض:
إذا كان سيدنا أحمد عليه السلام، قد غيّر في أقواله بالنسبة للنبوة، ونسخ أقواله السابقة التي صرّح فيها أن نبوته نبوة ناقصة بعد ما يقارب 20 سنة من نزول الوحي عليه بأنه نبي، فهذا يدلّ أن روح القدس لم يكن معه حين قال ما قال، وحين نفى أن نبوته حقيقية، وأنه هذا (اي ادعاءه النبوة الناقصة) لم يكن “وحيا يوحى”، وأنه لم يكن صادقا حين أعلن أن الله لا يتركه على الخطأ، بل يصححه سريعا.
الردّ:
بالنسبة لروح القدس فهو الحافظ للنبي في دعواه، وهي حالة لا يخرج عنها النبي بل يبقى ملازما لها طول فترة بعثته ودعواه ولا ينفصل عنها، إلا أن هذه الحالة لا تمنع من النبي أن يؤول وحي الله خطأ لفترة من الزمن، حتى يتضح له المعنى الحقيقي لهذا الوحي. والاعتراض الذي سيق في هذا الصدد يشابه ما وقع به سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي قال الله عنه صراحة ” وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى“، وهو أحق الأنبياء في القول إن روح القدس لازمه في كل لحظة من لحظات نبوته، ولكنه رغم كل هذا أوّلَ وحي الله في عدة مرات تأويلا ليس صحيحا؛ ومثال ذلك تأويلُه لوحي الله تعالى بدخول مكة والطواف بها، والتي لم تتحقق في نفس السنة بعقد صلح الحديبية، وكذلك تأويلُه الخاطئ لمكان هجرته إذ أوّله باليمامة بدلا من المدينة، وكذلك تأويلُه الخاطئ لرؤيا تميم الداري بأن ابن صياد قد يكون هو الدجال. فما ينطبق على سيدنا (محمد صلى الله عليه وسلم) ينطبق على سيدنا أحمد (عليه السلام). وهذا بالضبط ما حدث مع سيدنا أحمد في مسألة التغير في فهم نبوته؛ والحق أن هذا التغير في الفهم ليس بالأمر الغريب، إذ بيّن سيدنا أحمد (عليه السلام) سببه، وهو أنه ببساطة يتّبع الوحي النازل عليه حيث قال : فملخص القول؛ ليس هناك من تناقض في كلامي، إنما أتّبع وحي الله تعالى. فما لم يأتني منه علم ظللتُ أقول ما قلتُ في أول الأمر، ثم قلت خلافَه بعد أن جاءني العلم منه – سبحانه وتعالى -. إنما أنا بشر، ولا أدّعي معرفة الغيب. هذه هي حقيقة الأمر، فمن شاء فليقبل ومن شاء فليرفض.
والاعتراض الذي يساق في هذا الصدد، ما هو إلا تعريض بسيدنا (محمد صلى الله عليه وسلم)، واعتبارُه كاذبا بسبب تأويله الخاطئ لوحي الله تعالى، ونزع القدسية منه ثم تكذيب قول الله في حقه” وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى“، وما هذا إلا إهانة لله تعالى والإلحاد بعينه.
وبوجود النصوص التي تدل على أن سيدنا أحمد عليه السلام، قد صحّح مفهومه السابق لنبوته بناء على وحي الله تعالى، والذي أطلعه على حقيقة الأمر، فيكون صادقا كل الصدق في قوله: إن الله لا يتركه على الخطأ بل يصححه سريعا.
وأما السرعة في هذا الأمر فهي أمر نسبيّ؛ فعشرون سنة قد تكون مدة سريعة نسبيا، في حين أن سنة واحدة قد تكون مدة بطيئة جدا نسبيا. فما بالنا بالسرعة التي تنبأ بها سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) عن قيام الساعة، حين قال {بُعِثْتُ وَالسَّاعَةُ هَكَذَا وَأَشَارَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى} (مسند أحمد, كتاب باقي مسند الأنصار)، فالمسافة بين السبابة والإبهام هي مسافة طرفة عين أو أقل من ذلك أو معدومة، بينما نرى أن الساعة لم تقم بعد ( على اعتبار أن الساعة هي قيام الآخرة مثلما يفسرها البعض)، وإذا فسّرنا الساعة، قيامها على قريش بانهيار سلطتها في معركة بدر، تكون سرعة تحقق هذه النبوؤة بعد خمس عشرة سنة من بعثة النبي (صلى الله عليه وسلم) ، فهل كذب سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) في حديثه ونبوءته، وما كان هذا وحيا يوحى، بل نطق عن الهوى والعياذ بالله !؟ فمن يقول بكذب سيدنا أحمد عليه السلام، حين قال إن الله يصححه سريعا، عليه أن يقول بكذب سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) في هذا الحديث أيضا والعياذ بالله من ذلك.
الاعتراض السادس:
إذا كان سيدنا أحمد عليه السلام قد نسخ أقواله الأولى عن نبوته الناقصة، وصرّح بعدها أنها نبوة كاملة، فهذا يقول أن حضرته عليه السلام لم يكن يعرف معنى النبوة الشامل، فكان يظنّ أن النبوة لا بدّ فيها من التشريع، وحين علم أن التشريع ليس ركنا من أركان النبوة أعلن نبوته بوضوح. إلا أن حضرته عليه السلام لم يذكر هذا المبرر قطّ، فلو غيّر من معتقده لهذا السبب لذَكَرَه.
الردّ:
لقد ذكر حضرته عليه السلام هذا المبرر- الذي ينفي وجودَه المعترضُون – بوضوح في النصوص التالية :
1- “والنبي لفظ مشترك بين العربية والعبرية، ففي العبرانية يقال له: نابي، وهو مشتق من نابا، والذي معناه مَن يتلقى الأخبار من الله تعالى وينبِئ بها. ليس شرطًا أن يكون النبي مشرِّعا، فإنها ليست إلا موهبة تنكشف من خلالها أمورٌ غيبية.” ( إزالة خطأ).
وهذا النص وارد في كتاب إزالة خطأ الذي ألفه حضرته لإعلان نبوته بشكل واضح، فإلى جانب إعلانه هذا، يذكر السبب وراء هذا الإعلان وهو أن وفق فهمه الجديد لمفهوم النبوة لم يعد التشريع شرطا لكما النبوة.
2- “لم يتأملوا في المعنى الحقيقي للنبي. إن معنى النبي هو مَن يتلقّى الأنباء من الله تعالى بواسطة الوحي، ويحظى بشرف المكالمة والمخاطبة، وليس ضروريًّا أن يأتي بشريعة جديدة، كما ليس ضروريًّا ألا يكون تابعًا لنبي مشرّع. فلا مانع من اعتبار فرد من الأمة نبيًّا على هذا النحو“. (البراهين الأحمدية، الجزء الخامس، الخزائن الروحانية، المجلد 21، الصفحة 306).
فهذه النصوص تثبت المبرّر الذي يقول بأن التشريع لم يعد ركنا من أركان النبوة وفق فهم حضرته عليه السلام، وبناء على هذا المبرر تغيّر فهم حضرته عليه السلام لمعنى النبوة الشامل، وسقط اعتراض المعترضين الذي لا ينم إلا عن التهوّر في القراءة والحكم والاستنباط.