تأثير النجوم والكواكب في كتاب التحفة الغورلوية

شبهة وشهاب

المعترض ساخراً: تأثير النجوم والكواكب على البشر مسخرة

في كتاب التحفة الغورلوية يقول المرزا صاحب بأن تأثير المريخ المعروف بالحرب والقتال كان في زمن الرسول ﷺ ولذلك حدثت المعارك والقتال بينما كان في زمن المؤسس تأثير المشتري الذي هو الجمال والحلم لذلك لم تحدث الحروب الدينية بل الإقناع والعلم. ما هذا الكلام ؟ يعني يا عالَم، كل الحروب في تاريخ الإسلام حدثت بسبب المريخ ولم تحدث الآن بسبب المشتري ! هل هذا كلام شخص عاقل ؟

الجواب:

لقد كان المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام يتحدث في سياق رده على فرق الهندوس الذين يتهمون الإسلام بأنه دين يدعو للخرافات والتنجيم، ولأنهم لا يؤمنون بالملائكة والغيب وتحَكُّمِ الله تعالى بكل ذرة في الكون فقد رَدَّ اَلْمَسِيحُ الموعودُ عَلَيهِ السَلام عليهم بإثبات صدق الإسلام من خلال تفسير الآيات التي تتحدث عن النجوم والكواكب والشهب والقَسَم الإلهي بها وبيّنََ عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام بأن ذلك عائدٌ إلى علم الله تعالى وأفعاله الظاهرة والباطنة أي المادية والروحية والتي تكون دوماً جنباً إلى جنب حيث يكون على كل نجم وكوكب وشهاب ملََكٌ موكل بتسيير شؤونه وللشهاب أيضاً وأن كل هذه القوانين التي تتحكم بالكون هي ملائكة وليست عشوائية كما يظن الملاحدة وخاصة العلماء منهم وبالتالي فكل شيء مردَّه إلى الله تعالى علّة العلل. ولقد كان كلام المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام شيقاً للغاية وهو يصف ذلك في صفحات مفصَّلة من كتابه الرائع “مرآة كمالات الإسلام” حيث وصف النجم والشهاب وما يقابله في العالم الروحي من ترقي الإنسان ورجم شهب الشبهات والوسوسة بشهاب الإيمان وغير ذلك من أمور تكشف لأول مرة بعد بعثرتها هنا وهناك ونقصها الحاد لتكتمل في كتاب من تأليف المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام لإظهار كمال الإسلام ونبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم. ولنقرأ معاً بعض ما قاله عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام حول علاقة الشهب والنجوم ببعثة الأنبياء:

“كان مترسخا في أذهان كهان العرب أنه كلما تسقط الشهب يُولد نبي. وكانت تجربتهم الشخصية أنهم يتلقون الأخبار الشيطانية القليلة بعد سقوط الشهب بكثرة

والآن يجب أن يكون معلوما أن العرب بسبب الأفكار التي انتشرت فيهم من كهانهم كانوا يعتقدون بشدة أنه عندما تسقط الشهب بكثرة يولَد شخص عظيم. وخاصة أن كهانهم الذين كانوا يخبرون بأنباء الغيب، كانوا يُنشئون نوعا من العلاقة بالأرواح الخبيثة ويعتقدون بشدة ويقين بأن كثرة الشهب أْي سقوطها بكثرة هائلة وغير عادية يدل على أن نبيا سيولَد في الدنيا عن قريب. وحدث أن سقطت الشهب في زمن بعثة النبي ﷺ بكثرة هائلة كما شهد الله تعالى في سورة الجن على هذا الحادث بلسان الجن فقال: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ ۖ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا} (الجن: ٩-١٠) ملئت حرسا: أي مليئة بالملائكة والشهب، وكنا نقعد من قبل في المرصاد في السماء لسماع الأمور الغيبية، أما الآن فحين نجلس للغرض نفسه نجد شهابا في المرصاد لنا يسقط علينا. وهناك أحاديث كثيرة تؤيد هذه الآيات. فقد أورد الإمام البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم في مصنفاتهم أحاديث تقول إن الشهب تسقط لردع الشياطين. ويروي الإمام أحمد عن ابن عباس أن الشهب كانت تسقط في زمن الجاهلية أيضا ولكنها كثرت وغلظت عند البعثة. وقد ورد في تفسير ابن كثير: “فلما بعث الله محمدًا نبيا، رجموا ليلة من الليالي، ففزع لذلك أهل الطائف، فقالوا: هلك أهل السماء، لما رأوا من شدة النار في السماء واختلاف الشهب. فجعلوا يعتقون أرقاءهم ويَُسيبون مواشيهم، فقال لهم عبد ِياليل بن عمرو بن عمير: “ويحكم يا معشر أهل الطائف، أمسكوا عن أموالكم، وانظروا إلى معالم النجوم فإن رأيتموها مستقرة في أمكنتها فلم يهلك أهل السماء، وإنما هو من ابن أبي كبشة -يعني: محمدا- (إذ كانوا يسمون النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بابن أبي كبشة لخبثهم) وإن أنتم لم تروها فقد هلك أهل السماء”.

لقد سقطت الشهب بكثرة في عام بعثة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم

فباختصار، كان راسخا في أذهان العرب أنه عندما يُبعث نّبي أو يولَد إنسان عظيم تسقط النجوم بكثرة، فبناء على ذلك وتماشيا مع أفكار العرب أقسم الله تعالى بسقوط الشهب؛ والمراد من ذلك أنكم تعترفون بأنفسكم ويعترف به كهانكم أنه كلما سقطت الشهب بكثرةٍ بعث نبي أو ملهم من الله، فما السبب لإنكاركم إذاً؟ ولأن سقوط الشهب بكثرة كان في نظر الكهان العرب دليلا قاطعا على نبي أو ملهم من الله، وكان العرب يتبعون الكهان كما يتبع المريد مرشده ؛ لذا قدَّم الله تعالى مُسَلَّمتهم هذه أمامهم لينتبهوا إلى حقيقة أن كل ذلك إنما هو من عند الله، وليس من صنع الإنسان وكيده.

لم يكن صعبا على الكهان أن يفهموا أن كثرة سقوط الشهب تدل على بعثة نبي الله لأن شياطينهم كانت تحرم من الأخبار السماوية في أيام سقوط الشهب بكثرة

وإذا طُرح سؤال أنه إذا كان سقوط الشهب دليلا على بعثة نبي أو محدث أو ملَهم، فما السبب في أن الشهب تسقط عادة ودائما ولكن لا يُبعث نبي أو محدث بسقوطها؟

فجوابه: الحكْم يُطلق على الكثرة دائما. ومما لا شك فيه أن الزمن الذي تحدث فيه هذه الأحداث بكثرة بوجه خارق للعادة يأتي فيه إلى العالم من الله رجلٌ من رجاله لإصلاح خلقه، وفي بعض الأحيان تظهر هذه الأحداث قبل ظهوره ببضع سنوات إرهاصا له، وتظهر أحيانا أخرى في وقت ظهوره بالضبط، وأحيانا يظهر في السماء نور الفرحة والسعادة هذا على انتصاره العظيم.

ماذا يُستبنط من القرآن عن الشهب؟

لقد أورد تفسير ابن كثير رواية عن السدي أن سقوط الشهب بكثرة يدل على بعثة نبي أو يبشر بغلبة الدين، ولكن ما يُفهم من إشارات النص القرآني هو مفهوم عام ويُستنبط منه بصراحة ووضوح أنه عندما يأتي نبي أو وارثه مأمورا إلى الأرض، أو كان موشكا على المجيء، أو تكون إرهاصاته موشكة على الظهور، أو كان انتصار عظيم على وشك الوقوع؛ فإنه تظهر في السماء هذه الأمارات؛ وإنكارها غباوة بحتة، لأن عدم العلم بالشيء لا يستلزم عدم وجوده. فقد يأتي بعض المصلحين والمجددين إلى الدنيا، والدنيا لا تعرفهم أيضا بوجه عام.” (مرآة كمالات الإسلام، الحاشية من ص ١٥١ إلى نهاية الفصل)

 توكيل الملائكة بتسيير شؤون الكون

ثم يتحدث عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام حول توكيل الملائكة بتسيير شؤون الكون وحفظ الأنفس بما يثبت تحكم الله تعالى بكل شيء، فيقول عَلَيهِ السَلام:

“والهدف من الَقسم هنا هو البيان أنه ما من نفس إلا وعليها حافٌظ، بمعنى أن على كل نفس من نفوس المخلوقات ملاكا موكلا يراقبها ويبقى معها دائما. وقد أورد الله تعالى هذه الآية بحصرها في كلمة “كّل”، فثبت من ذلك بوضوح تام أن كّل ما يمكن أن يُطلَق عليه اسم “نفس” تحفظه الملائكة. فبحسب هذه الآية لا بد من الاعتقاد عن نفوس الكواكب أيضا أن جميع الكواكب بما فيها الشمس والقمر وزحل والمشتري تحفظها الملائكة؛ بمعنى أن لكل من الشمس والقمر وغيرهما ملاكا موكلا بها يحفظها ويدير أعمالها على أحسن وجه.” (المرجع السابق)

وأيضاً:

“تؤيد هذا المفهوم آية أخرى أيضا وهي: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} (الملك: ٦) ولأن الملائكة هي التي ترجم وليست النجوم، فثبت من ذلك قطعا أن على كل نجم ملاكا موكلا ولأن الملائكة بمنـزلة الروح للنجوم لشدة العلاقة بينها لذا نُسب فعل الملائكة إلى النجوم، فتدبَّر.” (المرجع السابق)

تأثير الكواكب على الإنسان حسب علم الفلك

ثم يفصّل المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام في موضوع الكواكب وتأثيرها حسب علم الفلك على الإنسان بفعل الملائكة فيقول عَلَيهِ السَلام رداً على اعتراض للهندوس ضد الإسلام:

“اعتراض: ما حاجة الله لاستخدام الملائكة؟ هل يحتاج مُلكهُ أيضا إلى العاملين مثل حكومات الناس؟ وهل هو أيضا بحاجة إلى الجنود كحاجة الإنسان إليهم؟

أما الجواب: فليتضح أن الله تعالى ليس بحاجة إلى أّي شيء، لا إلى الملائكة ولا إلى الشمس ولا إلى القمر ولا إلى النجوم، ولكنه أراد ذلك لتظهر قدراته بواسطة الأسباب، ولكي تنتشر الحكمةُ والعلم بين الناس بهذا الأسلوب. فلولا توسط الأسباب لما وجد في الدنيا علم الأفلاك ولا علم النجوم ولا الطبيعة ولا الطب ولا النباتات ولا غيرها من العلوم. فبفضل هذه الأسباب جاءت العلوم إلى حيّز الوجود. ولو تفّكرتم لوجدتم أنه إذا كان يُعترض على استخدام الملائكة، فالاعتراض نفسه يرد على استخدام الشمس والقمر والكواكب والنباتات والجمادات والعناصر أيضا. والذي يملك نصيبا من المعرفة يدرك أن كل ذرة تعمل بحسب مشيئة الله تعالى. وكل قطرة ماء تدخل أبداننا لا يمكن أن تؤثر فيها إيجابا أو سلبا إلا بإذن الله تعالى.

إًذا، فجميع الذرات والكواكب وغيرها من الأشياء هي في الحقيقة نوع من الملائكة، وهي مُسخّرة للخدمة ليَل نهار؛ بعضها مسخرة لخدمة جسم الإنسان وبعضها لخدمة الروح. والله الحكيم الذي أحّب توسط أسباب كثيرة لتربية الإنسان الجسدية وأوجد من عنده كثيرا من المؤثرات المادية كي تؤثر في جسد الإنسان بشتى الطرق، قد أحّب الله الواحد نفسه -الذي لا شريك له والمتّسمة أفعاله بالوحدة والاعتدال- أن يُرّبى الإنسان روحانيا أيضا بالأسلوب والنمط نفسه الذي اختير لتربية الجسد، وذلك كي يدّل كلا النظامين؛ الظاهري والباطني، والروحاني والمادي -بناء على انسجامهما ووحدتهما- على خالق واحد مدبّر بإرادته. فلهذا السبب وكل الملائكة وسائَط على تربية الإنسان المادية، بل على التربية الروحانية أيضا، ولكن كل هذه الوسائط مسيَّرة وفي يد الله تعالى كأداة تديرها يده ﷻ المقدسة؛ فلا تملك الوسائط إرادة ولا تصرفا. كما أن الهواء يدخل فينا بأمر الله ويخرج بأمره ويؤثر بإذنه، كذلك الحال تماما بالنسبة للملائكة؛ فهم: {يـْفعلُوَن ما يـُْؤَمُروَن}.” (المرجع السابق)

هل للنجوم والكواكب تأثير على حياة البشر؟

الجواب هو نعم، فلَّليل والنهار، وحرقة الشمس وتسببها بسرطان الجلد، واستقرار الأرض رغم دورانها، والمواسم المتعاقبة، وتغير أنماط تجارة الألبسة حسب تلك المواسم بدقة، والطاقة الشمسية، وتأثير الغلاف الجوي، وموجات المد والجزر وعلاقتها بأنماط القمر والكوارث الطبيعية الأخرى، وسرعة انتشار الأمراض في بلدان المناطق المدارية، وتطور الاستثمار في مجال التكنولوجيا، ومراقبة السماء والأجرام، والتحكم بجداول الألعاب الرياضية اعتماداً على الطقس، والسفر الجوي الذي يتغير بسبب دوران الأرض، وظاهرة الكسوف والخسوف، وانحراف مدار الأرض المتأثر بسبب الجاذبية القوية لكوكب المشتري وزحل، لكل ذلك تأثير مجمع عليه عند جميع الناس على اختلاف ثقافاتهم. أما التأثير الأعمق فهذا يثبته العلماء فقط وعلى رأسهم المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام. ولنأخذ مثالاً فقط على حقيقة ذلك من هذا الموقع الخاص بعلم حركة النجوم والكواكب الذي يقول -كما قال المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام من قبل- بأن للنجوم والكواكب أثراً حقيقياً على حياة الناس والنمط المعيشي للعصر، وقد ذَكَرَ العلماء أن تأثير المريخ هو السبب لانتشار العداوات والحروب وسفك الدماء، بينما يؤكد العلماء في نفس الوقت على أن تأثير كوكب المشتري يكون مسبباً لانتشار العلم وَالْحِكْمَةَ والتسامح في الروابط هنا و هنا

ويقول الدكتور محمد توفيق صدقي في مجموعة محاضراته التي تصدرها مجلة المنار:

“النزلة الوافدة الأنفليونزا (INFLUENZA). الأنفليونزا اسم إيطالي أو لاتيني لمرض كانوا يظنون أنه من تأثير الكواكب في الإنسان؛ فلذا سموه بهذا الاسم الذي معناه (التأثير) ويسمي الأطباء المحدثون من العرب هذا المرض بالنزلة الوافدة.” (مجلة المنار، د. محمد توفيق صدقي، مدرسة دار الدعوة والإرشاد، دروس سنن الكائنات، محاضرات علمية طبية إسلامية 12)

إذاً، صَدَقَ المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وأجمَلَ في بيان هذه الحقيقة وفق علم الفلك وحركة النجوم، وأن ذلك كله بتحكم الله تعالى في الملائكة. وهذا هو الرد العظيم على الهندوس الذي يتهمون القرآن الكريم بالخرافة والتنجيم والقسم بالاشياء التافهة وما إلى ذلك والذي مِنْ جهْله آثَرَ المعترضُ الكريم الركون إليه بدل التدبر في ما قاله المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام من روعة البيان. ولهذا لم يكن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام يتحدث كما يحاول المعترض الكريم إيهامه -مستعرضاً للعالم جهله الشديد بالعلم المادي والروحي معا- لم يكن يتحدث عن قتال المسلمين للمشركين لأن التأثير عندئذ كان للمريخ، بل لأن المريخ حسب علم الفلك والنجوم هو الشاهد والدليل على ذلك النوع من الحياة التي يكثر فيها الذين لا حل عندهم إلا بالسيف وسفك الدماء، وهو الأمر المثبت علمياً وفوق ذلك كله تثبته التجارب الروحية خاصة إذا تمعّنا في المعاني الروحية للآيات الكريمة. والله ولي التوفيق.

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ