لم يحدث قطَّ أن ادعى متقول النبوة، وبقي أكثر من 35 عاما ينسب وحيا حرفيًّا لله تعالى، ثم يكتبه في كتبه، ثم يحلف عليه أغلظ الأيمان أنه من الله تعالى، ثم يتحدى به، ثم يدعو الله تعالى أن يهلكه إن كان كاذبا في ادعاء هذا الوحي ونسبته إلى الله تعالى، ثم لا يهلكه الله تعالى سريعا وفقا لوعده في قوله تعالى:
{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } (الحاقة 45-48)
وهذا الوعد يعني أن الهلاك المريع المهين سيلحق به سريعا، ولن يتمكن أحد من حجزه عنه.
لم يحدث هذا مطلقا! ومن كان لديه مثال لهذا فليأت به إن كان من الصادقين!
ثم نرى أن الله تعالى رأى جماعته من بعده مستمرة على نهجه، فلم تكتف بتصديق دعاواه والإيمان بها، بل أنشأت خلافة وادَّعت أنها الخلافة الراشدة الموعودة على منهاج النبوة التي أنبأ النبي صلى الله عليه وسلم بعودتها، واستمرت هذه الخلافة أكثر من 108 عاما إلى يومنا هذا! فلو لم يكن صادقا، ولو كانت جماعته مستمرة بالافتراء، فهذا افتراء وتقوُّل مركب لا يمكن أن يتركه الله تعالى دون عقاب!
الواقع أننا لا نرى مثالا لحال هذه الجماعة ومؤسسها إلا في دعوات الأنبياء الصادقين، وهذه الحقائق وحدها تكفي دليلا دامغا لا مجال لرده.
أما معارضونا وأعداء الجماعة فمثالهم معروف في تاريخ الأنبياء، وليس مثالهم سوى مثال المكذبين المفترين الذين لا عمل لهم سوى معارضة الصادقين، ثم سيجدون أن عاقبتهم هي الفشل الذريع والخيبة والخسران. لن يستطيعوا أن يجدوا مثالا صالحا لمؤمنين يقارعون متنبئا كذابا ويريدون إثبات كذبه، بل سيجدون أن المؤمنين كانوا دائما لا يبالون بالكاذبين ويتركونهم لافترائهم لأنه سيقضي عليهم.
قطعا هذا مثال معارضينا، وإن كانوا قادرين على أن يأتوا بمثال صالح لهم فليأتوا به، ولكن هيهات!
أما المرتدون عن الجماعة فهم ليس لهم مثال أيضا سوى مثال المرتدين عن الإسلام ودعوات الأنبياء من قبل، والذين غلبت عليهم شقوتهم وتغلبت نفوسهم الفاسدة عليهم وأهلكت إيمانهم، فلم يستطيعوا العيش في جماعة المؤمنين، فتوجهوا إلى محاربتها راغبين في القضاء عليها محاولين الدفاع عن أنفسهم وعن خيارهم بتركها ليحفظوا ماء وجوههم. ولكن سيجدون أنفسهم في النهاية أنهم بارتدادهم ومعارضتهم قد أخزوا أنفسهم وخسروا كل شيء، وأن ارتدادهم كان أول منازل عذابهم على ما في أنفسهم من سوء وكبر وخبث وفساد، وسيخرجُ اللهُ أضغانهم وسيثبت من خلال ما سيظهرون من أعمال أنهم ما كانوا يستحقون البقاء في جماعة المؤمنين.
أما لم يحدث في التاريخ أن شخصا صالحا خرج من جماعة فاسدة فدمرها أو أصلحها، بل إن الجماعة الفاسدة – إن وجدت وبقيت- فلا يدخلها ولا يخرج منها إلا الفاسدون عموما، ومن ادعى هذه الدعوى فهو يدين نفسه قبل أن يدين غيره.
سنة الله تعالى تخبرنا أن الدين الفاسد المنحرف أو الجماعة الفاسدة القائمة على الكذب والتحريف لا يصلحها الله تعالى بخروج شخص منها ليحاربها ويقضي عليها، بل إن فسادها كاف للقضاء عليها. لكن الله تعالى يكون قد دبَّر لاستبدالها بما هو خير منها؛ إذ ينشئ الله تعالى جماعة أو دينا جديدا على يد نبي أو مبعوث رباني يأتي بالحق ويدعو الناس إليه، ويحمل الحق الذي ضيعته تلك الجماعة، ولا يتعرض لها إلا قليلا.
فعلى سبيل المثال، عندما انحرفت المسيحية، لم يخرج الله قسيسا صالحا لإصلاحها، بل بعث الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم بالإسلام الدين الكامل، الذي تضمَّن تلقائيا ما يناقض الانحراف والفساد في العقيدة والسلوك في المسيحية. فلا يكفي أن يأتي شخص ليشرح ما تقوم عليه المسيحية من فساد، بل ينبغي أن يكون الله تعالى قد هيأ بديلا متكاملا يقدِّم من العقائد والسلوك ما هو خير مما فيها، وإلا فلا قيمة لمجرد الانتقاد، لأن الانتقاد هدفه إظهار الفساد ولكنه لا يقدم بديلا له، والله تعالى لم تكن تلك سنته، بأن أرسل منتقدا ولم يرسل بديلا.
لذلك، فإن على معارضينا من المرتدين وغيرهم أن يدركوا أن فعلهم هذا لا ينضوى تحت سنة الله تعالى في الإصلاح، بل لن يجدوا مثالا لأنفسهم إلا في سنة المكذبين وأعداء الأنبياء الداخليين والخارجيين. والمرتدون خاصة سيجدون قصة إبليس مع آدم ماثلة أمامهم لتذكّرهم بحالهم، فهو سلفهم وهم خلفه شاءوا أم أبوا، وإلا فليأتونا بمثال آخر وأحسن تأويلا إن كانوا صادقين!