يتهمنا البعض بأننا عشّاق الدمار والأوبئة والزلازل، حين تفتك بالناس لإهلاكهم، ومعاذ الله أن نكون كذلك. ويعترضون على بيت شعر للمسيح الموعود يقول فيه:

فلما طغى الفسق المبيد بسيله تمنيت لو كان الوباء المتبرّ * * * فإن هلاك الناس عند أولي النهى أحب وأولى من ضلال يخسّر

وقَصْد المسيح الموعود من ذلك واضح وضوح الشمس في كبد السماء، بأنه لا يتمنى العذاب إلا إذا كان الوسلة الوحيدة لردع الناس عن الفسق وارتكاب المعاصي، كما هي سنة الله في تأديب خلقه وإخراجهم من حياة الغفلة عن خالقهم.

ثم إن كل هذا، لم يخرج عن إطار الأخلاق النبويّة فانظروا ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم:

– “.. وَتعقبه الطَّيِّبِيّ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا عَلَى أَحْيَاءٍ مِنَ الْعَرَبِ وَدَعَا عَلَى أُنَاسٍ مِنْ قُرَيْشٍ بِأَسْمَائِهِمْ وَدَعَا عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَدَعَا عَلَى مُضَرَ قَالَ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةً تُسْتَجَابُ فِي حَقِّ أُمَّتِهِ فَنَالَهَا كُلٌّ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا وَأَمَّا نَبِيُّنَا فَإِنَّهُ لَمَّا دَعَا عَلَى بَعْضِ أُمَّتِهِ نَزَلَ عَلَيْهِ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْء أَو يَتُوب عَلَيْهِم فَبَقِيَ تِلْكَ الدَّعْوَةُ الْمُسْتَجَابَةُ مُدَّخَرَةً لِلْآخِرَةِ وَغَالِبُ مَنْ دَعَا عَلَيْهِمْ لَمْ يُرِدْ إِهْلَاكَهُمْ وَإِنَّمَا أَرَادَ رَدْعَهُمْ لِيَتُوبُوا….” (فتح الباري لابن حجر)

– {وَعَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو عَلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَالْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَنَزَلَتْ لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ إِلَى قَوْلِهِ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} (صحيح البخاري, كتاب المغازي)

إذن، فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان يدعو على أعدائه أيضا!!!

ونرى رأي الكاتب في هذا، أن الهدف من ذلك هو ردع هذه الأقوام عن معاصيها، وليس الهدف إهلاكهم. وهذا هو ما يبغيه المسيح الموعود عليه السلام في قوله:

فلما طغى الفسق المبيد بسيله تمنيت لو كان الوباء المتبرّ * * * فإن هلاك الناس عند أولي النهى أحب وأولى من ضلال يخسّر

فالهدف أن يرتدع هؤلاء عن فسقهم وضلالهم؛ وإلّا، فإن هلاكهم أفضل، لأن فسقهم وضلالهم من شأنه أن يضلّ الآخرين وينتشر في غيرهم وتستفحل فتنتهم.

ولا ننسى دعاء سيدنا نوح عليه السلام حيث قال: {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا } (نوح 27) أي أن سيدنا نوح يريد إبادة هؤلاء الكفار عن بكرة أبيهم. وما ذلك إلا لنفس السبب، ألّا يؤثر كفرهم في غيرهم ويكون فتنة للناس.

ثم ما يجب التنويه إليه، أن هلاك الفاسقين والكافرين بيد الله عز وجل بواسطة الأوبئة والزلازل والقوارع، لا يختلف عن الإذن بقتال الكفار وقتلهم أو قتل جزء منهم لصدهم عن العدوان حتى لا تكون فتنة وفق قوله تعالى: { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} (الأَنْفال 40). فكلاهما لردع الكافرين والفاسقين عن عدوانهم وعصيانهم وقتل فتنتهم؛ غير أن الأوّل يبقى بيد الله عز وجل، لأن العدوان فيه على حقوق الله، والثاني وضعه الله بيد المسلمين لأن العدوان فيه على حقوق العباد في اختيارهم لدينهم وعقيدتهم.

ولما كان مجيء المسيح الموعود عليه السلام في عصر الحرية الدينية، ليضع الحرب وفق نبوءات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وكان مجيئه في عصر فتنة الدجال التي يصحبها انتشار الفسق والفاسقين، وهي فتنة قد تكون أشد وطأة على المسلمين من القتال نفسه، بفتنتهم عن دينهم، كما نلحظ في عصرنا هذا موجة من الإلحاد والارتداد عن الإسلام؛ فلم يبق مكان إلا للعقاب الأول الذي وضعه الله بيده في إهلاك الفاسقين لصد فتنتهم بطرقه المختلفة. ومن هذا المطلق جاء دعاء المسيح الموعود بهلاك الفاسقين.

فماذا اختلفت أخلاق سيدنا أحمد عليه السلام عن أخلاق الأنبياء السابقين!؟

إنها الأخلاق نفسها، المبنية على الحديث الشريف القائل: {إِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ} (مسند أحمد, كتاب مسند الأنصار رضي الله عنهم).