الاعتراض: هل حج مؤسس جماعتكم مرزا غلام أحمد؟

هل حج مؤسس جماعتكم كما ورد عن المسيح في حديث صحيح للنبي صلى الله عليه وسلم “ليهلن ابن مريم بفج الروحاء حاجا أو معتمرا” ؟ طبعا لا! وهذا دليل أنه ليس هو المسيح الموعود.

الرد:

لنر في ضوء الحديث الشريف. ونبدأ بحديث رواه الحافظ ابن عساكر في تاريخه:

قَرَأْتُ عَلَى أَبِي القَاسِم الشحامي، عَنْ أَبِي سَعد الجنزرودي، أَنَّبَانَا أَبُو أَحْمَد مُحَمَّد بِن مُحَمَّد الحَافِظ، أَنَّبَانَا مُحَمَّد بِن مُحَمَّد بِن سُلَيْمَان الواسطي، حَدَّثَنَا هِشَامُ بِن عَمَّار، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ بِن شُعَيْب، حَدَّثْنَا عَمرُ بِن مُحَمَّد، عَنْ أَبِي عِقَالٍ، عَنْ أَنَسَ بِن مَالِك قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بِالبَيْتِ إِذْ رُفِعَ إِلَيْنَا يَدٌ وَبرْدٌ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ مَا اليَد الَّذِي رَأْينَا وَالبرد الَّذِي رَأْينَا؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ؟»، فَقُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: «ذَاكَ عِيسَى بِن مَرْيَم سَلَّمَ عَلَيّ».” (تاريخ دمشق، لابن عساكر، حديث 5519، 521/47)

ونقل الآلوسي الحديث في تفسيره:

وَفِي رِوَايَةِ اِبْنِ عَسَاكِرَ عَنْهُ: كُنْتُ أَطُوفُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ إِذْ رَأَيْتُهُ صَافَحَ شَيْئًا وَلَمْ أَرَهُ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَافَحْتُ شَيْئًا وَلَا نَرَاهُ، قَالَ: «ذَلِكَ أَخِي عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ اِنْتَظَرْتُهُ حَتَّى قَضَى طَوَافَهُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ».” (تفسير الألوسي، تفسير سورة الأحزاب، تفسير قوله تعالى ما كان محمد أبا أحد)

وأورده الإمام السيوطي ؒعن أنس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:

كُنْت أَطُوفُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ إذْ رَأَيْته صَافَحَ شَيْئًا وَلَا نَرَاهُ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْنَاك صَافَحْت شَيْئًا وَلَا نَرَاهُ، قَالَ: «ذَاكَ أَخِي عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ اِنْتَظَرْتُهُ حَتَّى قَضَى طَوَافَهُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ».” (“الحاوي للفتاوي”، الإمام السيوطي، الجزء 2، الفتاوى الأصولية الدينية، كتاب البعث، مبحث النبوات، كتاب الإعلام بحكم عيسى عليه السلام، ص 195)

وسند الحديث الآخر: أخبرنا أبو الحسن علي بن المُسَلَّم السَّلمي، وأبو يَعلى حمزة بن الحسن بن المُفَرّج الأزْدي، قال: أنبأنا علي بن مُحَمَّد السُّلمي، أنبأنا عبد الرحمن بن عثمان التميمي، أنبأنا خيثمة بن سليمان القُرشي، حدّثنا أحمد بن أبي غَرَزَة، حَدّثنا إسماعيل بن أبان الأزْدي، حدّثنا مُحَمَّد بن زياد الألهاني، عن جابر ‏بن يزيد الجعفي عن أبي عِقال عن أنس بن مالك. أهـ

إذن حجَّ المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بالفعل!

فإن قيل بأن الذي حجَّ هو نَبِيّ بني إسرائيل وليس الذي تدّعونه أيها الأحمديون أنه مسيح هذه الأمة الموعود، قلنا؛ لنقرأ هذه الأحاديث:

عيسى بني إسرائيل أحمر البشرة جعد الشعر

أخرج البخاري في صحيحه:

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَأَيْتُ عِيسَى ومُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ فَأَمَّا عِيسَى فَأَحْمَرُ جَعْدٌ عَرِيضُ الصَّدْرِ».” (صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله واذكر في الكتاب مريم، 3255)

وأخرج مُسْلِم:

وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ قَالَ ابْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا وَقَالَ عَبْدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حِينَ أُسْرِيَ بِي لَقِيتُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام (فَنَعَتَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَإِذَا رَجُلٌ (حَسِبْتُهُ قَالَ) مُضْطَرِبٌ رَجِلُ الرَّأْسِ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ (قَالَ) وَلَقِيتُ عِيسَى (فَنَعَتَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَإِذَا رَبْعَةٌ أَحْمَرُ كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ (يَعْنِي حَمَّامًا).».” (صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات وفرض الصلوات، 168)

وفي حديث الإسراء، عن ابن عباس ؓمرفوعا: “رأيتُ عيسى عليه السلام أبيض جعد الرأس، حديد البصر، ومبطن الخلق.” (رواه أحمد)

إذن مسيح بني إسرائيل أحمر/أبيض البشرة جعد الشعر.

المسيح المهدي الموعود من وإلى هذه الأمة في آخر الزمان آدم أسمر البشرة سبط الشعر

أخرج البخاري في صحيحه:

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ سَبْطُ الشَّعَرِ يَنْطُفُ أَوْ يُهَرَاقُ رَأْسُهُ مَاءً قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا ابْنُ مَرْيَمَ».” (صحيح البخاري، كتاب الفتن، باب ذكر الدجال، 6709)

وفي لفظ:

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى عَنْ نَافِعٍ قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بَيْنَ ظَهْرَيْ النَّاسِ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، أَلَا إِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، وَأَرَانِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ فِي الْمَنَامِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ كَأَحْسَنِ مَا يُرَى مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ، تَضْرِبُ لِمَّتُهُ بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ، رَجِلُ الشَّعَرِ، يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً، وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلَيْنِ، وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: هَذَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ. ثُمَّ رَأَيْتُ رَجُلًا وَرَاءَهُ جَعْدًا، قَطِطًا، أَعْوَرَ الْعَيْنِ الْيُمْنَى، كَأَشْبَهِ مَنْ رَأَيْتُ بِابْنِ قَطَنٍ، وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلٍ، يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ.».” (صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها، 3256)

كيف لا يعرفه النبي ﷺ وقد رَآه في الإسراء والمعراج؟

لا بد أن أحد الأمرين حدث قبل الآخر أي سبق الإسراء والمعراج هذه الرؤيا أو العكس! فلا يمكن أن ينسى النبي ﷺ صفة عيسى ؑ إلا إذا كان شخصاً آخر مختلف! وهذا ما يفسر استغراب النبي ﷺ حول عيسى ؑ!

إذن الذي رَآه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الإسراء هو مسيح إسرائيل وصِفته أحمر البشرة جعد الشعر، بينما الذي رَآه النبي ﷺ في المنام يحج البيت هو مسيح هذه الأمة الموعود في آخر الزمان الذي قال عنه إماماً مهدياً وصِفته آدم البشرة (أسمر) سبط الشعر (مثل شعور العجم كما قال الهروي، انظر: “المسالك في شرح موطأ مالك”، للقاضي الإمام المعافري، الجزء 5، ص 602)!

وبهذا يثبت أن المسيح الموعود الذي حجَّ مع النبي ﷺ وَسَلَّم عليه ورآه الصحابة هو الآدم السبط وليس الأحمر الجعد!

بالإضافة لما سبق فإن حديث الحج لم يكن علامة من علامات صِدق المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام، لأن الحج في متناول المسلمين جميعا وليس بعلامة فارقة يختص بها المهدي من دون خلق الله تعالى ليُعرَف له كدليل صدق. إنَّ هذا الحديث جاء في سياق (حج النبيين) البيت حيث أورده الحافظ ابن عساكر رحمه الله في هذا السياق خاصة بعد أن ذكر حديث “لَيُهِلَّنَّ ابْنُ مَرْيَمَ بِفَجِّ الرَّوْحَاءِ، حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا“، ليكون جواباً على ذلك؛ أن لا نبي تخلَّفَ عن حج البيت وذكرَ ابن عساكر أحاديث الباب، ومن مختلفها حديث ابْنِ عَبَّاسٍ حيث قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلَّى فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ سَبْعُونَ نَبِيًّا، مِنْهُمْ مُوسَى، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ وَعَلَيْهِ عباءتانِ قَطْوانِيَّتانِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ عَلَى بَعِيرٍ مِنْ إِبِلِ شَنُوءةَ، مَخْطُومٍ بِخِطَامِ لِيفٍ لَهُ ضَفْرَانِ».” (رواه الطبراني في “المعجم الكبير” 12283. وحسَّنه الألباني في “صحيح الترغيب” 1127)

وَعَن أبي مُوسَى ؓقَالَ:

قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لقد مر بِالرَّوْحَاءِ سَبْعُونَ نَبيا فيهم نَبِي الله مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام، حُفَاة عَلَيْهِم العباء، يؤمُّونَ بَيت الله الْعَتِيق».” (رَوَاهُ أَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ. ورواه الأزرقي في “أخبار مكة” 1/49. وكذلك أحمد في “الزهد”ص34)

إذن سياق الحديث ليس ضمن علامات معرفة المسيح الموعود في آخر الزمان بل ضمن أخبار حج الأنبياء ؑجميعا لبيت الله الحرام.

وبهذا تحقق حديث النبي ﷺ السابق: “وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُهِلَّنَّ ابْنُ مَرْيَمَ بِفَجِّ الرَّوْحَاءِ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا“.

وهكذا ثبت أن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام قد حجَّ البيت بالفعل بشهادة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!

فإن قيل كيف فَعَلَ ولم يولد بعد، قلنا أن الكشوف لا تخضع للزمن الحالي بل فيها كشف على الماضي والمستقبل، وكلها حقٌّ لا ريب فيه.

فلا جدوى للإنكار بعد ذلك!

أما الحج الذي هو مسألة شخصية لا تُثبت شيئاً ولا تنفيه بالنسبة للمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام فهو مندرج تحت قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}، والمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام لم يستطع إليه سبيلا بسبب منع المشايخ وتهديدهم له بالقتل إضافة إلى حالته الصحية والمرض الذي سبب لحضرته ضعفاً شديداً كان يستحيل معه السفر مئات الأميال بين مشي وتسلق ومشقة تجعل السبيل إلى ذلك بحكم المنقطع.

في الواقع كان المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام قد حجَّ بإبنه حضرة المُصْلِحُ المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وأرْضاه الذي زار مكة وحجَّ بالفعل، ومن حجَّ لأبيه فقد أجزأه كما في حديث المرأة التي سألت النبي ﷺ: “إن أمي ماتت ولم تحج أفأحجُّ عنها؟ قال: «نعم حجي عنها».” (رواه الترمذي بسند صحيح)

فالحديث إذن تحقّقَ بالحرف في المرة الأولى وكذلك للمرة الثانية -رغم عدم حاجته له كعلامة من علامات صدق المهدي- وذلك على يد ولده وخليفته رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وأرْضاه.

وبهذا تدور الدلائل جميعاً حول الحج من كافة الوجوه لصالح المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام ولله الحمد والمنّة.

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد

One Comment on “هل حج المسيح الموعود مرزا غلام أحمد؟”

Comments are closed.