الشبهة: هل سكب المسيح الموعود الماء الحار على يد خادمته؟

يقول بشير أحمد في كتابه “سيرة المهدي” ما يلي:

كان حضرته لا يستعمل للإستنجاء إلا الماء الدافيء، وفي أحد الأيام طلب من إحدى الخادمات أن تضع له الماء الدافيء في المرحاض للإستنجاء، فأخطأت الخادمة ووضعت ماءاً ساخناً جداً في إبريق الإستنجاء ووضعته في المرحاض. ولما فرغ حضرته خرج من المرحاض قائلاً “من وضع هذا الإبريق في المرحاض؟”، قيل له الخادمة التي أمرتها بذلك، قال: فأحضروها هنا. ولما حضرت قال: مدي يديك. ولما فعلت سكب عليها ما تبقى من الماء الساخن حتى تشعر بالخطأ الذي قامت به. فماء الإستنجاء يجب أن لا يكون ساخناً جداً.” (سيرة المهدي، ص 243 رواية رقم 847)

اين الرحمة؟ هل هذه اخلاق انبياء؟!

الرد:

نورد أولاً الترجمة الصحيحة للنص من كلام حضرة مرزا بشير أحمد رضي الله عنه ابن المسيح الموعود عليه السلام في كتاب “سيرة المهدي” كما يلي:

لقد أخبرتني زوجتي أم مظفر أحمد: كان حضرة المسيح الموعود عليه السلام يستعمل الماء الدافيء للاستنجاء عادة، ولم يكن يستعمل الماء البارد. وفي أحد الأيام طلب من إحدى الخادمات أن تضع له الإبريق في المرحاض. فوضعت بالخطأ إبريقًا بماء ساخن جداً. ولما خرج حضرة المسيح الموعود عليه السلام بعد الفراغ سأل: “مَن وضع هذا الإبريق؟” فلما قيل له وضعتْه الخادمة الفلانية، استدعاها، وأمرها بمدّ يدها، ثم سكب على يدها الماء المتبقي في الإبريق، لكي تشعر بأن هذا الماء ساخن بحيث لا يمكن الاستنجاء به. ولم يقل لها أكثر من ذلك.” (سيرة المهدي، الجزء الثالث، ص 758 رواية رقم 847، طبعة 2008 قاديان)

إنَّ قاريء نص الخصوم سيظن للوهلة الأولى أن الماء كان مغليّاً وأنَّ المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام قام بتعنيف الخادمة بطريقة مبالغ بها وكأنه نوع من الانتقام والعياذ بالله، بينما يظهر من النص الذي قمنا بمراجعته وترجمته الترجمة الصحيحة أن الأمر هو على العكس تماماً من ذلك إذ يُظهر مدى سمو أخلاق حضرته عَلَيهِ السَلام وأسلوبه الراقي الهاديء الرحيم والهادف في التعليم، فلم يعنِّف حضرته الخادمة، بل قام بتنبيهها وتعليمها دون أن يوجه لها حتى كلمة زجر أو أي تصرُّف قد يكسر خاطرها ويؤذي مشاعرها. فَلَمْ يكن عقاباً لأن الماء لم يكن مغلياً يسبب الحرق كما يريد المعترضون تصويره، بل كان ساخناً أكثر من اللازم أي لم يكن دافئاً تحتمله المناطق الحساسة في الجسم بل لم يكن مناسباً فقط لتلك المنطقة الجسدية شديدة الحساسية والتأثر، فأراد حضرته عَلَيهِ السَلام أن يُشعرها بمدى سخونته وعدم صلاحه للاستنجاء الذي يتم في أماكن جسدية لا تحتمل إلا الماء الدافيء فقط، وذلك لكي تعرف بنفسها سخونة الماء وعدم أهليته لذلك. ومن البديهي أن تلك هي الطريقة الوحيدة لمعرفة سخونة الماء، وهو ما نفعله إلى الآن مع تطور الوسائل الحديثة لقياس حرارة الماء على وجه الدقة. هذا هو الأمر ببساطة شديدة رغم إخفاء المعترضين الجملة الأخيرة في الرواية المهمة جداً، وهي: “ولم يقل لها أكثر من ذلك“، أي أنَّ حضرته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام لَمْ يعنّف الخادمة ولم يعاقبها ولم يزجرها البتة.

هذا كان سبب ذِكْر الحادثة أي الأسلوب اللطيف للمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام في تنبيه وتأديب الآخرين وليس العكس، وإلا ما ذَكَرَ حضرته هذه الحادثة إذا كان فيها أي إساءة للمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بعكس ظنون خصوم الجماعة الإسلامية الأحمدية.

فالحمد لله تعالى الذي يجعل اعتراضات الخصوم على المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام سبباً لكشف جمال حضرته وأسوته الحسنة.

أما الذي لا زال يعترض على هذا التعليم والتأديب جملة وتفصيلاً فهو يعارض الأشدّ منه والذي ورد في القُرآن الكَرِيم حين غضب موسى عَلَيهِ السَلام من عدم قيام هارون عَلَيهِ السَلام بمنع إسرائيل من عبادة العجل في غيابه فقام بإلقاء ألواح الشريعة التي ذهب من أجلها في سفره إلى الجبل ألقاها على الأرض وأخذ يجرّ هارون من لحيته توبيخاً له:

﴿وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي ۖ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ۖ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ۚ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ -الأعراف

فهذا لم يفعله المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام على الإطلاق بل قام بسكب ما تبقى من الماء الذي لم يكن مناسباً للاستنجاء في المناطق الحساسة على يدي الخادمة لتدرك ذلك فقط دون كلمة زجر أو تعنيف على الإطلاق. ولكن لا نلوم موسى عَلَيهِ السَلام أيضاً على ما فعله غيرة على الله تبارك وتعالى. فالتأديب مُهِمٌّ خاصة أن كل تابع لنبي هو في الحقيقة كولدٍ من أولاده يتلقى التعليم والتأديب على الخطأ بما يناسبه.

فالذي يعترض على المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام فهو يعترض بداهة على القُرآن الكَرِيم.

إذن في الحقيقة لا يعترض على التأديب إلا قليلي الفهم وأصحاب الأنفس الضعيفة التي لا تحب التقيد والالتزام.

كذلك وردت أهمية التأديب بل التوبيخ في الكتاب المقدّس كما يلي:

مَنْ يُحِبُّ التَّأْدِيبَ يُحِبُّ الْمَعْرِفَةَ، وَمَنْ يُبْغِضُ التَّوْبِيخَ فَهُوَ بَلِيدٌ.” -أمثال 12:1

اَلابْنُ الْحَكِيمُ يَقْبَلُ تَأْدِيبَ أَبِيهِ، وَالْمُسْتَهْزِئُ لاَ يَسْمَعُ انْتِهَارًا.” -أمثال 13:1

اَلأَحْمَقُ يَسْتَهِينُ بِتَأْدِيبِ أَبِيهِ، أَمَّا مُرَاعِي التَّوْبِيخِ فَيَذْكَى.” -أمثال 15:5

اَلْعَصَا وَالتَّوْبِيخُ يُعْطِيَانِ حِكْمَةً، وَالصَّبِيُّ الْمُطْلَقُ إِلَى هَوَاهُ يُخْجِلُ أُمَّهُ.” -أمثال 29:15

أَدِّبِ ابْنَكَ فَيُرِيحَكَ وَيُعْطِيَ نَفْسَكَ لَذَّاتٍ.” -أمثال 29:17

لأَنَّ الْوَصِيَّةَ مِصْبَاحٌ، وَالشَّرِيعَةَ نُورٌ، وَتَوْبِيخَاتِ الأَدَبِ طَرِيقُ الْحَيَاةِ.” -أمثال 23:6

وفي رسالة بولس إلى العبرانيين كتب التالي:

وَقَدْ نَسِيتُمُ الْوَعْظَ الَّذِي يُخَاطِبُكُمْ كَبَنِينَ: «يَا ابْنِي لاَ تَحْتَقِرْ تَأْدِيبَ الرَّبِّ، وَلاَ تَخُرْ إِذَا وَبَّخَكَ. لأَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَيَجْلِدُ كُلَّ ابْنٍ يَقْبَلُهُ». إِنْ كُنْتُمْ تَحْتَمِلُونَ التَّأْدِيبَ يُعَامِلُكُمُ اللهُ كَالْبَنِينَ. فَأَيُّ ابْنٍ لاَ يُؤَدِّبُهُ أَبُوهُ؟ وَلكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِلاَ تَأْدِيبٍ، قَدْ صَارَ الْجَمِيعُ شُرَكَاءَ فِيهِ، فَأَنْتُمْ نُغُولٌ لاَ بَنُونَ. ثُمَّ قَدْ كَانَ لَنَا آبَاءُ أَجْسَادِنَا مُؤَدِّبِينَ، وَكُنَّا نَهَابُهُمْ. أَفَلاَ نَخْضَعُ بِالأَوْلَى جِدًّا لأَبِي الأَرْوَاحِ، فَنَحْيَا؟ لأَنَّ أُولئِكَ أَدَّبُونَا أَيَّامًا قَلِيلَةً حَسَبَ اسْتِحْسَانِهِمْ، وَأَمَّا هذَا فَلأَجْلِ الْمَنْفَعَةِ، لِكَيْ نَشْتَرِكَ فِي قَدَاسَتِهِ. وَلكِنَّ كُلَّ تَأْدِيبٍ فِي الْحَاضِرِ لاَ يُرَى أَنَّهُ لِلْفَرَحِ بَلْ لِلْحَزَنِ. وَأَمَّا أَخِيرًا فَيُعْطِي الَّذِينَ يَتَدَرَّبُونَ بِهِ ثَمَرَ بِرّ لِلسَّلاَمِ.” -الرسالة إلى العبرانيين 12: 5-11

فالتأديب أمرٌ مُهِمٌّ، ومع ذلك لم يكن تأديب المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام لخادمته إلا ألطف وأحنّ من تأديب الوالد لولده لأنه لم يقل كلمة واحدة تجرح مشاعر الإنسانة ولم تشتكي الخادمة بل كانت أول المؤمنين به عَلَيهِ السَلام وقد فهمت الدرجة المناسبة للاستنجاء بتفحّص حالة الماء بنفسها بهذه الطريقة اللطيفة الهادفة والهادئة.

أما سيرة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام مع خدمه فهي سيرة عطرة تثبت حب وتفاني جميع من خدموا حضرته لدرجة لا توصف، بل إنَّ أحد خدّامه وكان يُدعى الشيخ حامد علي كان هذا الخادم هو أول المبايعين للمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام مع المولوي نور الدين رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، حيث يقول مرزا بشير أحمد رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:

سألتَُ والدتي: مَن بايعَ في اليوم الأول غير المولوي نور الدين؟ فذكرَتْ والدتي اسم ميان عبد الله السنوري والشيخ حامد علي.” (سيرة المهدي، ج 1، رواية رقم 20)

وعندما تعرض المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام لوعكة صحية وكان لا يستطيع النهوض للصلاة كان خادمه الشيخ حامد علي هو الذي يأمر أهل بيت المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بتسخين الماء لحضرته، حيث يقول حضرة مرزا بشير أحمد رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عندما مرض المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام:

تقول والدتي: بعد قليل طرق شيخ حامد علي الباب وقال: سَخِّنِي إبريقاً من الماء.” (سيرة المهدي، ج 1، رواية رقم 19)

فها هو الخادم يأمر أهل بيت المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بتسخين الماء بالذات !

إذن، ما يثيره المعترضون بتحريفهم للنصوص ولي عنقها إنما هو في الواقع سبب لظهور أنوار المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام للجميع.

وبهذه المناسبة نقدِّم للقرّاء الكرام نبذة بسيطة من سيرة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام القائل:

إنَّ المبدأ الذي أعملُ به هو أنَّ أحداً لو جاء ضيفاً وبلغَ في كلامه حدّ السَبّ والشَتْم فعلينا أنْ نصبر على ذلك، لأنه ليس مِن مُريدينا، فكيف يحق لنا أن نتوقع منه ذلك الاحترام والحب اللذيَن يُبديهما المُريدون. بل أرى أنَّ كلامه معنا برفقٍ منّةٌ مِنْه علينا. لقد قال رَّسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم إنَّ للزائر عليك حقّاً. وأرى أنَّ الضيف لو جُرحت مشاعره، وَلَوْ قليلاً، فهذه معصية.” (سيرة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام، تأليف الشيخ يعقوب علي العرفاني، ص 451-452)

ويكتب حضرة الشيخ يعقوب علي العرفاني رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عن خُلُق المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام حتى مع أوقح خصومه:

لقد حدثت الواقعة التالية في أثناء جلسة عُقدت في بيت “محبوب ارايون”، حيث كان زعيم طائفة براهمو سماج الهندوسية، “انباش موزم دار بابو”-على ما أذكر- يستفسر من حضرته عَلَيهِ السَلام ويطرح عَلَيْهِ بعض الأسئلة وكان حضرته يجيبه. وبينما هم في ذلك إذ جاء معارض بذيء اللسان وأخذ يصبّ على حضرته عَلَيهِ السَلام وابلاً من الكلمات البذيئة النابية والمؤذية جدا. ولا يزال ذلك المشهد ماثلاً أمام عيني حيث ظل هذا المعارض يثير صراخاً شديداً وحضرته عَلَيهِ السَلام جالس دون أن ينبس ببنت شَفَة، واضعاً يده على فمه كما كانت عادته في مثل هذه الحالات حيث كان يضع على فمه طرفا من عمامته أو يَدَه فقط، كأن أمراً قد شغله فانهمك فيه وكأن شيئا لم يحدث حوله عَلَيهِ السَلام، أو كأن أحداً يحدثه بحديث عذب ويسمعه كلمات حلوة رائعة. فأراد الزعيم الهندوسي منْع هذا المشاغب، ولكنه لم يسكت. فقال له حضرته عَلَيهِ السَلام: دَعْه يقول ما يشاء ولا تقل له شيئا. فظل يهذي ويهذر حتى تعِب، ثم قام وانصرف. فأعجب الزعيمُ الهندوسي بموقفه عَلَيهِ السَلام إعجاباً شديداً وقال: لا شك أنها لمعجزةٌ أخلاقك السامية.” (سيرة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام، تأليف الشيخ يعقوب علي العرفاني، ص 443-444)

ومن أمثلة ذلك ما كتبه المؤلف المسيحي إين أدامسون Iain Adamson في كتابه “أحمد المهدي” حول حياة وسلوك المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام ولم يدخل حتى وفاته إلى الإسلام ولكنه كان منصفاً فقال ما يلي في كتابه:

في بعض الأحيان لم يكن (حضرته) يعود إلى غرفته لينام فيها، إذ يروي واحد من أصحابه عن واحدة من هذه المرات أنه كان أمضى مرة الليل معه في الطابق العلوي للمسجد ساهراً، وبعد أن فرغ مما كان يدرسه أو يعمله لفّ نفسه بملاءة ونام على الأرض دون فراش، وقال لصاحبه: يظن الناس أنه ليس بمقدورهم النوم دون أسرّة، بفضل الله تعالى يمكنني أن أستمتع بالنوم حتى على الأرض. وأردف قائلاً: لا يجتمع الزهد وحُب الرفاهيات في قلب واحد. يضيف هذا الصحابي أنَّ المرء يخيلّ إليه أنَّ المرزا لم يكن ينام أكثر من خمس دقائق دون تقطّع؛ فقد كان يستيقظ كثيراً ويفتح عينيه ويتمتم قائلا “الحمد لله رب العالمين” ثم ينام ثانية.” (أحمد المهدي، إين أدامسون، ص 180)

ويكمل أدامسون:

وفي مناسبة أخرى يرويها أحد أتباعه، كان خادمه غائباً لوجوده في مكان بعيد، فعرض أحد أصحابه بل طلب أن يكون معه ليخدمه في تلك الليلة وأنه لن يزعجه فهو يريد فقط أن يجلس مستعدا لأي طلب منه. ولكن ما حصل بالفعل كما يروي هذا الصحابي كان العكس تماماً، فبدلاً من أن يقوم هو بخدمة المرزا قام المرزا بخدمته ! إذ كان أحمد هو من أحضر الماء للوضوء وكان هو من أحضر كوبين من الحليب قبل النوم، وعندما اعترض الصحابي لأنه يريد بدافع المحبة أن يقوم هو بهذه الأشياء حتى يجلس أحمد ويتفرغ لعمله، فأجابه أنَّ هذا ليس بالشيء الكبير وأنه يعرف مكان كل شيء. مَرّةً دعا أحمدٌ أصحابه وضيوفا آخرين على العشاء وكانوا يتحدثون عن أنواع من المُخلّلات وما يُحب كل واحد أو لا يُحب، ثم غادر الغرفة، ثم عاد حاملاً بيده إناء فيه نوع من المُخلّلات التي ذَكَرَ أحدهم أنه يحبه وقدّمه له، فتساءل أحد الحاضرين ِلماذا لم يطلب من أحد الخدم أن يحضره له بدلاً من أن يقوم حضرته بنفسه لإحضاره ! فأجاب أحمد أنه لا يعتبر نفسه أفضل من أحد، بمعنى أنه يخدم نفسه بنفسه. في الواقع لم يؤثَر عنه أبداً أنه كان يتصرّف كالسيّد المُطاع الذي يكثر من الأوامر للخدم.

ويقول أدامسون أيضاً:

يروي الخدم الذين كانوا في منـزله أنهم عند القيام بأعمال التنظيف،كانوا يضطرون إلى إزاحة الأسرة أو المقاعد، وإذا تصادف مروره كانوا غالباً ما يجدونه عند الطرف الآخر للسرير يحمله ليعاونهم فيه. .. لقد تعامل مع تقصيرات الخدم بالصبر الشديد والعطف، فذات مرة حضر مجموعة من الضيوف إلى داره وكانوا يركبون عربة ويحملون معهم حقائب أمتعتهم، وكان الحمّالون مشغولين بأمرٍ آخر فطلب الحمّالون من الضيوف، بطريقة بدا لهم فيها شيء من الجفاء أن يقوموا بإنزال حقائبهم بأنفسهم فاعتبروا الأمر إهانةً وأداروا عربتهم عائدين من حيث أتوا، ولما أُخبر غلام أحمد بما فعل الضيوف هبَّ من فوره راكضاً وراء عربتهم على قدميه واستطاع اللحاق بهم على مسافة خمسة أميال من منـزله واعتذر لهم على سوء الفهم الذي حصل في استقبالهم وعاد بهم إلى منـزله في قاديان، وأنزل بنفسه حقائبهم معهم. ولمّا عاد إلى منزله لم يوبّخ خدمه على الموقف الذي تسببوا فيه فلم تكن تلك عادته أبدا، ولكن بعد عدة أيام قال في المسجد أنه ينبغي على الجميع أن يبدو مزيداً من الاهتمام والترحاب بالضيوف الذين يأتون من خارج قاديان، وأضاف قائلاً لهم أنَّ الضيف الذي يأتي مسافراً أميالاً عديدة متجشماً متاعب ومصاعب كثيرة يجد الراحة في وصوله مقصده، فإذا لم يلْق الترحاب تكون خيبة أمله كبيرة، وعلى الجميع أن يبذلوا قصارى جهدهم حتى لا يجد أي ضيف خيبة أمل.” (أحمد المهدي، إين أدامسون، ص 187)

ويروي حضرة مرزا بشير أحمد عن جدته رَضِيَ اللهُ عَنهما حول سيرة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام حتى مع أعدائه، فيقول:

في بعض الأحيان كان المرزا إمام الدين (من أبناء عم حضرته عَلَيهِ السَلام وكان ملحداً) يُكلّف أحداً مِن الأوباش الأراذل ليشتم سيّدنا المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام. فكان الشخص المُكلّف مِن قِبَله يشتمه عَلَيهِ السَلام طوال الليل. وعند السحور كان الْمَسِيحُ الموعودُ عَلَيهِ السَلام يقول لجدتي المحترمة أنْ تعطيه (للخصم آلِشتّام) شيئاً للأكل لأنه يكون قد تعب وجفّ حلقه، فكنتُ أقول له عَلَيهِ السَلام: يجب أن لا نُعطي شقياً مثله أي شيء، فيقول: لو أسأنا إلى أحدٍ فالله تعالى ينظر إلينا. يجب أن لا يصدر منا شيء غير لائق.” (سيرة المهدي، الجزء الثاني، رقم الرواية 1130، ص 102-103)

فاللّهُمّ اجعلنا ممن تتفضل عليهم بموهبة الحلم والتواضع

اللّهُمّ آمين

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ


لتصفح كتاب أحمد المهدي نرجو الضغط هنا

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد