السؤال: هل صحيح أن ميرزا غلام أحمد وصف نفسه بأنه دودة الأرض وعار على البشرية وأنه ليس من ولد آدم؟

الرد:

المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام شأنه شأن الأنبياء والأولياء كلُّه تواضع أمام الله تعالى، ويقرّ أمام الله تعالى أنه لا شيء، وأنه لولا فضله سبحانه لما كان له أي ذِكر، فكل ما هو فيه من نِعَم فليس له فيها أي فضل، بل الفضل لله وحده. كما أن الأشرار يعتبرونه عارا على البشرية ويحتقرونه ويبغضونه.

وقد وردت عبارته هذه في سياق مناجاة الله باللغة الأردية شعرًا، حيث يقول حضرته:

يا إلهي يا وليِّي ويا ستار العيوب ويا كفيلي
يا حبيبي ويا محسني ويا ربيّ
كيف يمكنني أن أؤدي حق شكرك وحمدك يا ذا المنن
من أين آتي بلسان يمكنه تأدية حق الشكر
لقد أنقذتني من ذوي الظنون السيئة بشهادات منك
وقد جعلتَ العدو مغلوبا ومهانا بصول واحد
إن الذين يقومون بالخدمة ينالون الجزاء في حضرتك
ولكن ما الذي رأيته مني فأنزلتَ عليّ هذا اللطف والإحسان المتكرر؟
إنني لأستغرب أفضالك يا ربيّ الكريم، على أيّ عمل خلعتَ عليّ خلعة القرب والوصال؟
حبيبي، إنني دودة لا إنسان، مُبغَضٌ عند البشر وعَارٌ عند الناس
إنه لفضلٌ بحت منك وإحسانٌ إذ قُبلتُ في حضرتك وإلا فالخدام في حضرتك ليسوا قلة
الذين كانوا يدّعون الصداقة تحوّلوا إلى الأعداء كلُّهم، ولكنك، يا وليِّي، ما خذلتَني حينا من الأحيان
يا حبيبي الأوحد ويا ملجأي أنت تكفيني، ولا يستقر لي بدونك قرار
لولا لطفك لمتُّ من قبل وصرت ترابا، ولا أدري أين كان سُيرمى بهذا التراب
جسمي وروحي وقلبي لك فداء، لا أجد مثلك محبا أبدا

التواضع من دأب الأنبياء

فهذا التواضع الجم هو من دأب الأنبياء، وما كتبه المسيح الموعود هو على شاكلة مناجاة داود عليه السلام في الزبور حين قال:

{1إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي، بَعِيدًا عَنْ خَلاَصِي، عَنْ كَلاَمِ زَفِيرِي؟ 2إِلهِي، فِي النَّهَارِ أَدْعُو فَلاَ تَسْتَجِيبُ، فِي اللَّيْلِ أَدْعُو فَلاَ هُدُوَّ لِي. 3وَأَنْتَ الْقُدُّوسُ الْجَالِسُ بَيْنَ تَسْبِيحَاتِ إِسْرَائِيلَ. 4عَلَيْكَ اتَّكَلَ آبَاؤُنَا. اتَّكَلُوا فَنَجَّيْتَهُمْ. 5إِلَيْكَ صَرَخُوا فَنَجَوْا.عَلَيْكَ اتَّكَلُوا فَلَمْ يَخْزَوْا. 6أَمَّا أَنَا فَدُودَةٌ لاَ إِنْسَانٌ. عَارٌ عِنْدَ الْبَشَرِ وَمُحْتَقَرُ الشَّعْبِ. 7كُلُّ الَّذِينَ يَرَوْنَنِي يَسْتَهْزِئُونَ بِي. يَفْغَرُونَ الشِّفَاهَ، وَيُنْغِضُونَ الرَّأْسَ قَائِلِينَ: 8«اتَّكَلَ عَلَى الرَّبِّ فَلْيُنَجِّهِ، لِيُنْقِذْهُ لأَنَّهُ سُرَّ بِهِ». 9لأَنَّكَ أَنْتَ جَذَبْتَنِي مِنَ الْبَطْنِ. جَعَلْتَنِي مُطْمَئِنًّا عَلَى ثَدْيَيْ أُمِّي. 10عَلَيْكَ أُلْقِيتُ مِنَ الرَّحِمِ. مِنْ بَطْنِ أُمِّي أَنْتَ إِلهِي.}  (اَلْمَزَامِيرُ 22 : 1-10)

هكذا يعترض الملحدون على أصحاب الأديان اليوم الذين يسجدون ويتذللون لإلههم؛ إلهكم جبار متغطرس لا يرضى إلا بالتذلل إليه.

العبادة في الأصل هي إذلال النفس لترتقي وتتخلص من قيود الإبليسية … و أنى للمعترض أن يفهم ذلك! ولهذا فالذي يعترض على مناجاة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام لربّه ﷻ فهو يتبع بذلك سنن الملاحدة لا غير.

دعاء النبي صلى الله عليه وسلم

لقد ورد الدعاء التالي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وفيه عبارات يصف فيها ﷺ نفسه بالذليل والمذنب والبائس و الخائف و الضرير، فهل يصح أن نسخر من حضرته ﷺ وننعته بما دعا به ربّه عز وجل؟

“(حديث مرفوع) حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح وعمرو بن أبي طاهر بن السرح وأحمد بن رشدين، قالوا : ثنا يحيى بن بكير، ثنا يحيى بن صالح الأيلي، عن إسماعيل بن أمية، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس قال : كان مما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع : “ اللهم إنك تسمع كلامي، وترى مكاني، وتعلم سري وعلانيتي، لا يخفى عليك شيء من أمري، أنا البائس الفقير، المستغيث المستجير، الوجل المشق، المقر المعترف بذنبي، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، دعاء من خضعت لك رقبته، وفاضت لك عيناه، وذل لك جسده، ورغم لك أنفه، اللهم لا تجعلني بدعائك شقيا، وكن بي رءوفا رحيما، يا خير المسئولين ويا خير المعطين “ (المعجم الصغير – الإمام الطبراني، و فی الجامع الصغیر للسیوطی)

فهل يصح أن نلقب النبي ﷺ بالذليل والبائس والخائف والمذنب والضرير؟

دعاء الأتقياء

كذلك نقتبس ما قاله الإمام عبد الغني النابلسي في مقدمة كتابه تعطير الأنام في تعبير المنام:

الحمد لله الذي جعل النوم سباتاً، وخلق الناس أشتاتاً، وبسط الأرض لهم فراشاً، وجعل الليل لباساً، والنهار معاشاً، والصلاة والسلام على البشير والسراج المنير محمد النبي الرسول، الذي ألبسه الله تعالى حلة الكرامة وتاج القبول، ورضوان الله تعالى على آله الأبرار، وأصحابه الأئمة الأخيار، وعن جميع التابعين لهم بإحسان إلى آخر الزمان (أما بعد) فيقول العبد الفقير والعاجز الحقير عبد الغني بن إسماعيل الشهير بابن النابلسي ..“. أهـ

فهل يصح على قياس الخصوم أن نلقّب الإمام النابلسي بالحقير؟ أم هي عبارة تواضع وتذلل بينه رحمه الله وبين ربّه جلّ في علاه؟

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد