لماذا يلعن الأنبياء

المعترض: عبارة ألف لعنة

كتب المؤسس عبارة “لعنة” ألف مرة هكذا في صفحات عدة. لماذا تلعن الناس؟ كنا نصدقه ولكن بعد ذلك بدأنا نعذر الخصم فمن غير المعقول أن يلعن الناس هكذا ويكتبها ألف مرة في كتاب ! لماذا لا تتفاهم معهم وتثبت لهم الموضوع بدل هذا اللعن؟ دعوا خليفتكم إذاً يؤلف كتاباً فيه مليون لعنة بدل الألف ! أليست اللعنة ممتازة؟ فواضح أن هذه هي أخلاق المؤسس. فهل هي أخلاق الأنبياء؟

الجواب:

ما هو معنى اللعن؟

معنى اللعن هو [الطرد من رضوان الله ﷻ] وهذا من اختصاص الله تعالى وحده، وهو الذي يوكل النبي عن طريق الوحي أن يعلن عن (لعن) طرد فلان أو علاّن من رحمة الله تعالى والابتعاد عن رضوانه ﷻ، لذلك لا يحق لأي كان خلا الله تعالى أن يطرد أحداً من رضوانه ﷻ بل هذا من سلطة الله تعالى وحده وهو الذي يعلن ذلك على لسان نبيه ﷺ فقط. لهذا لا تجد الصحابة أو الخلفاء يلعنون أحداً وإنما كان ذلك بلسان النبي الذي يُعلنه فقط بما أخبره الله ﷻ لمن كذب وتولى وسعى في الأرض فساداً وأعلن الحرب على الله ورسوله. ولقد ورد اللعن أي الإعلان عن طرد المجرمين من رضوان الله تعالى في القرآن الكريم والسنة بمناسبات شتى كلها كانت بإعلان الله تعالى على لسان نبيه. لنأخذ بعض الأمثلة من القرآن الكريم:

يقول الله تعالى عن أعداء النبي ﷺ:

● إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا

– أي أن الله تعالى لا يحب الذين يؤذون نبيَّه بل يبعدهم عن قربه ورضوانه ﷻ.

● فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ۚ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ

– أي أن الذين يجحدون الحق فهم عن مرضاة الله مبعدون.

● إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ

– فمن كفر ولم يتب فهذا لن يتمتع بقرب الله تعالى بل ستعافه الملائكة والناس أجمعين بما فيه شموله في إعلان الطرد من كرم الله تعالى الذي يقرأه المؤمن كل يوم في صلاته.

● أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ

● أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ۖ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا

● وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ

● إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ

● وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ

● فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ

● وَأُتْبِعُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ

● قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ ۚ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ

ويبّين الله تعالى هذا الإعلان على لسان أنبيائه في الآية التالية:

● لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ

فهل القرآن الكريم كتاب اللعنات والعياذ بالله؟ حسب قياس المعترض

أصل موضوع الألف لعنة

أما أصل الموضوع هنا فهو أن أحد الملالي المعروفين في الهند وكان يدعى “المولوي إمام الدين” كان قد ترك الإسلام ليتنصر ويحول إسمه إلى “عماد الدين” وصار أحد القساوسة المنصرين في الهند ولكنه احتفظ بلقب “مولانا” لكي يخدع المسلمين البسطاء فيدخلوا في حوار معه ينتهي غالباً بتنصيرهم أو على الأقل تشكيكهم بالإسلام. وكان القس عماد الدين مشهوراً بسب وإهانة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم في كثير من محاضراته وكتبه بأشد أنواع السباب الوقح، فبلغ ذلك المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام فأرسل إليه يتحداه في كتاب البراهين الأحمدية لإثبات صدق الإسلام والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وقال حضرته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام بأن من يتطاول على الإسلام والقرآن فعليه على الأقل أن يمتلك ناصية اللغة العربية لكي يفهم ماذا يقول وعن ماذا يتكلم. وقد رد القس عماد الدين بأنه دارس جيد للغة العربية متمكن منها كونه مولوي سابق وأنه يرى بأن القرآن حسب خبرته في اللسان العربي هو كتاب ركيك اللغة مبالغ في السجع الفارغ وينقصه البيان والبلاغة وفيه الكثير من الأخطاء النحوية والعلمية وفيه ركاكة في صيغ التعبير والألفاظ والعياذ بالله. بعد أن سمع المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام منه ذلك تحدّاه عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام أن يرد هو ومن معه من قساوسة منصرين عن طريق تأليف كتيب بالعربية يقابل فصاحة كتاب “نور الحق” الذي ألفه المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بلسان عربي فصيح وأعلن تقديم خمسة آلاف روبية لمن يأتي بكتاب مثله في مدة ثلاثة أشهر ولهم أن يقوموا بذلك مجتمعين لكي نرى هل يحق للقس عماد الدين انتقاد لغة القرآن الكريم التي تفوق لغة “نور الحق” بما لا قياس فيه بل لا يقارن به كتاب على وجه الأرض. ولكن القس عماد الدين ومن معه من قسس عجزوا عن تأليف كتيب مثله لا في ثلاثة اشهر بل لبقية حياته فكسبوا ألف لعنة بدلاً من الفوز بجـائزة خمسة آلاف روبية وسجّلها المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام في وريقات ضمن الكتاب. (أنوار الإسلام: الخزائن الروحانية؛ مجلد 9، صفحة 8-9 ملخصا)

وقد يطرح سؤال مفاده؛

لماذا يكتب اللعنات الألف في صفحات؟ ما الحاجة إلى ذلك؟

وجوابه هو أن اللعنة هنا بمثابة الدعاء بعد إقامة الحجة على المعتدي الذي يصر على العدوان والتكذيب والتشويه وخداع المسالمين، يقول تعالى: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ ( آلِ عِمْران 162)، ولذلك كان لا بد من تسجيل هذا الدعاء بلعن الذي يواصل الكذب والعدوان بعد إقامة الحجة من الفريقين وهو هنا اللعنة أي الطرد من رضوان الله تعالى وقربه، ويكتب كما يكتب أي دعاء. وبناء على ذلك فلا يوجد أدنى إشكال في ما قام به المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام لأنه رد على شتائم ولعنات كانت توجه ضد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ليل نهار بلا مواجهة فانبرى لها عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام وقدّم عرضاً سخياً بخمسة آلاف روبية وَإِن لم يفعلوا فهذه الخمسة آلاف روبية سوف تتحول إلى ألف لعنة على المعتدين.

أما قول المعترض بأنه أي “نور الحق” هو عبارة عن كتاب مليء باللعنات وما دامت اللعنات ممتازة فلم لا يؤلف خليفة المسيح أيَّدَهُ اللهُ بِنَصْرِهِ العَزِيز كتاباً فيه مليون لعنة، نقول للمعترض بأن اللعنة ليست شتيمة بل هي دعاء بحرمان الخصم من كرم الله تعالى بكرمه ورضوانه فقط وهذا من اختصاص النبي وحده لأنه يتلقى به وحياً من الله ﷻ وليس لأحد أن يعلن طرد زيد أو عمر من قرب الله ﷻ، ولهذا كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ينهى عن اللعن ويقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم مثلاً في الحديث الشريف: “حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَا تَلَاعَنُوا بِلَعْنَةِ اللَّهِ ، وَلَا بِغَضَبِهِ ، وَلَا بِالنَّارِ.” (رواه الترمذي في الجامع)، وكذلك حديث النبي ﷺ: “لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا الْبَذِيءِ” (6801 رواه الترمذي)، فاللعن نقيض الإيمان كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وكل نقيض للإيمان هو أساس الشرور كلها. ولكن من جهة أخرى نجد أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم في كثير من الأحاديث لعن اليهود والنصارى والواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة وزوار القبور والراشي والمرتشي وشارب الخمر والمؤي محدِثًا وغيرهم الكثير، وسبب ذلك كما قلنا -ليس تناقضاً والعياذ بالله- بل هو إعلان الطرد من حضرة الله تبارك وتعالى والذي يختص به الأنبياء وحدهم. ومن يقرأ القرآن الكريم يجد فيه عشرات الآيات التي تحتوي لعن الكافرين المكذبين كما سلف. فهذا الاعتراض هو في حقيقته اعتراض على القرآن الكريم والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم من باب أولى. إذاً، فقول المعترض بأن اللعنة ممتازة وأن الخليفة يجب أن يؤلف كتاباً فيه مليون لعنة هو قول غير مسؤول ينم عن عدم فهم معنى اللعن وأسبابه ومن المخول به وأن اللعنة ليست ممتازة كما يقول بل هي إعلان مؤسف ينشره النبي عمن يقرر الله تعالى طرده والغضب عليه وليس مزاودة من هو أكثر لعناً من الأخر.

النتيجة

إذن، لم يكن اللعن شتيمة أو هوى بل هو دعاء بمثابة إعلان طرد المكذّب الكافر من حضن الله تعالى وإكرامه، وقد تفاهم المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بالفعل مع القس عماد الدين وغيره قبل أن ينتهي الأمر بإعلان لعنه وكل من تسول له نفسه سب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وتشويه سيرته ورسالته. ثم من الذي كان يصدق ثم توقف؟ وهل النبي الذي يعلن اللعن مشكوك في أخلاقه؟ هذا هو للأسف قياس المعترض الذي لا يقوم على منهج علمي أو حجة لها وزن.

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

لماذا يلعن الأنبياء

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد