الجزء الأول من هنا


“لا سرقة من السير سيد أحمد خان، بل هو الحُكم بالعدل، لأنه الحَكَم العدل..”

يتساءل البعض عن الجديد الذي جاء به المسيح الموعود عليه في مسألة وفاة المسيح إذا كان السير سيد أحمد خان كان قد قال بها من قبله؛ ويقولون: كيف يكون المسيح الموعود عليه السلام مصداقا لنبوءة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بشأن المسيح الموعود أنه يكسر الصليب، إذا كان السير سيد أحمد خان هو من قال بوفاة المسيح بن مريم قبل سيدنا أحمد عليه السّلام؟

لا بدّ من التنويه هنا أولا إلى أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم عندما تنبّأ بمجيء المسيح الموعود في الأمة أناط به بعض المهام وهي: كسر الصليب وقتل الخنزير ووضع الجزية إضافة إلى أن يكون حكما عدلا؛ ولم يكن القصد من كل هذا أن المسيح بنزوله سيقوم باكتشافات جديدة لم يسبقه فيها أحد من العالمين، وإنما مهمته الأساسية تجديد الدين وإحياء الشريعة؛ أي تجديد وإحياء ما هو موجود أصلا في تعاليم الدين الإسلامي وشريعته إلا أنه قد غاب عن أذهان الناس وأصبح في عداد المتروك والمندرس.

وفكرة وفاة المسيح لَهي من هذا القبيل، فهي كما أثبتنا مرارا ليست فكرة وعقيدة جديدة في الإسلام، بل هي أصيلة في العقائد الإسلامية تعود إلى وقت سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأجمع الصحابة الكرام عليها وقال بها العديد من العلماء المسلمين على مر السنين.

ولذا، فليس للسير سيد أحمد خان أية أفضلية أو ميزة على الآخرين من علماء المسلمين في عقيدته هذه، فقد أكدّ السير أحمد ما قاله بعض العلماء الألمان بالنسبة لاكتشافاتهم في هذه المسألة. وعلى العكس من ذلك فإن للسيد أحمد خان ميزات سلبية إذا ما قورن بالعلماء المسلمين الآخرين الذين قالوا بوفاة المسيح بن مريم، فقد كان السير سيد أحمد من الذين ينكرون الوحي اللفظي والخارجي ووجودَ الملائكة وإجابةَ الدعاء، وأحل الربا في حالات معينة، كما لم يكن يعُدّ فصاحة القرآن الكريم وبلاغته معجزة، وزعم أن القرآن الكريم نتيجة أفكار النبي – صلى الله عليه وسلم – وقد ألّف هذه القصص بعد أن سمعها من المسيحيين.وقال أيضا بأن شخصا بسيطا أو أعلى من ذلك أيضا يستطيع أن يأتي بنظير القرآن الكريم.

وهنا نسأل السؤال التالي: ما الفائدة من قول السير سيد أحمد خان بوفاة المسيح، في الوقت الذي ألغى ونفى فيه العديد من العقائد والإيمانيات المسلّم بها في الدين الإسلامي!؟ فمن الواضح أن الدافع الذي حدا بالسير سيد أحمد التأكيد على وفاة المسيح هو نزعته في التخلص من كل ما اعتقده إعجازا في الدين الإسلامي ولم يكن يتوافق مع منطقه، فكانت فكرة حياة المسيح الناصري من بين هذه الأفكار التي سعى لإلغائها.

وهنا تكمن أفضلية المسيح الموعود عليه السلام في تأكيده على وفاة المسيح الناصري عليه السلام، فلم يكن تأكيده هذا لمجرد دحض فكرة أو عقيدة باطلة فحسب، بل أكّد حضرته أنها المحور الذي يدور حوله إحياء الإسلم من جديد حيث قال: “إن قضية حياة عيسى كانت في الأوائل بمثابة خطأ فحسب، أما اليوم فقد تحول هذا الخطأ إلى أفعى تريد ابتلاع الإسلام … فمنذ أن قويت شوكة المسيحية واعتبر المسيحيون حياة المسيح دليلا كبيرًا وقويًّا على ألوهيته، قد أصبح هذا الخطأ خطرًا مهدِّدًا؛ إذ يقول هؤلاء بكل شدة وتكرار: لو لم يكن المسيح إلهًا فكيف صعد وجلس على العرش إذاً؟ وإذا كان بإمكان بشر أن يصعد إلى السماء حيًّا فلماذا لم يصعد إليها أحد من البشر منذ آدم إلى اليوم؟ …..

إن الإسلام اليوم في ضعف وانحطاط، وقضية حياة المسيح هي السلاح الذي حملته المسيحية للهجوم على الإسلام، وبسببها أصبحت ذرية المسلمين صيدًا للمسيحية ….. فأراد الله تعالى الآن تنبيه المسلمين لذلك“. (الملفوظات ج 8، ص 337 و345)

وقال أيضا: “تذكروا جيدا أنه لن تموت العقيدة الصليبية من دون إثبات موت المسيح الناصري. فما الفائدة من الاعتقاد بحياته خلافًا لتعاليم القرآن. دَعُوه يَمُتْ ليحيا هذا الدين“. (سفينة نوح، الخزائن الروحانية، مجلد 19 ص 17)

وهذا من أهم الجديد الذي جاء به المسيح الموعود فيما يخص هذه العقيدة، فبينما كان قول السير سيد فيها مجرد دحض فكرة خاطئة، أكّد المسيح الموعود عليه السلام على أهمية هذه العقيدة – حياة المسيح – ومدى ارتباطها بتدهور الإسلام وانحطاطه؛ وبالتالي ببعثه من جديد في الزمن الأخير إذا ما أثبتنا بطلانها.

وبناء على كل هذا ما كان لفكرة السير سيد أحمد خان أن تخدم كسر الصليب الذي تنبأ به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كما فعله سيدنا أحمد عليه السلام، بربطه لهذه العقيدة مع إحياء الإسلام من جديد.

ولا بدّ كذلك من الإشارة إلى أنه عندما أكد المسيح الموعود عليه السلام هذه العقيدة – وفاة المسيح الناصري–، لم يقل هو عليه السلام ولم تقل الأحمدية قط بأن حضرته اكتشف هذا الاكتشاف قبل أي شخص آخر، بل أكّد حضرته على هذه الفكرة غير الرائجة ولكن مع فوارق عديدة لا بد من التنبيه إليها وهي:

– ما قاله سير سيد أحمد خان كان مجرد نظرية، أما المسيح الموعود فقد أكّد عليها بناء عل وحي الله تعالى الذي أنبأه بأنه هو المسيح الموعود المنتظر نزوله. ولولا هذا التأكيد من وحي الله تعالى لبقيت مسألة وفاة المسيح التي ينادي بها السير سيد مجرد نظرية جدلية قابلة للنقض. أما المسيح الموعود عليه السلام فقد أكد هذه العقيدة بقوله أن الله تعالى أوحى له بحقيقتها فلم يعد أدنى شك فيها. ولا شكّ أن التأكيد على هذه العقيدة بالوحي الإلهي هو ما يجعلها حقيقة مطلقة ويجعل من كسر الصليب حقيقة مطلقة لا جدال فيها، على النقيض مما جاء به السير سيد احمد خان، فما دامت عقيدته غير مؤكدة بوحي الله تعالى تبقى مسألة وفاة عيسى عليه السلام وكسر الصليب المترتب عليها مثار شك وجدل.

– ما كان لنظرية سيد أحمد أن تكتمل دون نزول المسيح المحمدي والذي بنزوله الفعلي جعل من هذه النظرية تطبيقا عمليا، وألغي بذلك فكرة حياة المسيح ابن مريم في السماء ونزوله في آخر الأيام. فبنزول المسيح المحمدي سيدنا أحمد وإعلانه فعلا وعملا أنه المسيح الموعود الذي وُعدت به الأمة بصفة عيسى بن مريم، أغلق حضرته باب نزول بن مريم من السماء وقضى على فكرة حياته في السماء وبالتالي أكّد وفاة عيسى عليه السلام بشكل عملي.

– وعليه فإن نظرية سيد أحمد نظرية ناقصة لم تتحدث عن مجمل الجوانب المتعلقة بحياة ووفاة عيسى بن مريم وبعثه من جديد في الأمة ، فقد تحدث عن وفاته ولكنه لم يتحدث عما حدث مع المسيح الناصري بعد نجاته من الموت على الصليب، والأهم من ذلك أنه لم يتحدث عن كيفية تحقق نبوءات الرسول ص بالنسبة لرجوعه وبعثه في آخر الزمان. أما المسيح الموعود عليه السلام فقد قدم العقيدة كاملة من جميع جوانبها، وبالإضافة إلى إثبات نجاته من الموت على الصليب ، أثبت رحلة المسيح بن مريم إلى الهند وأكد وفاته في كشمير وعدم رجوعه مرة أخرى؛ وبذلك اثبت تحقق نبوءات الرسول ص بشخصه هو فاكتملت القضية من جميع جوانبها، وما كان للصليب أن يُكسر دون هذا الاكتمال الذي جاء به المسيح الموعود وإثبات القضية من جميع جوانبها.

– ثم لا بدّ من التنويه، إلى أن وجود فكرة وفاة المسيح عيسى بن مريم قبل بعث سيدنا أحمد عليه السلام وتأكيده لها، لهو من الحكم الإلهية ، والتي من شأنها أن تسهّل على الناس الإيمان بالمسيح المبعوث والمتمثل بسيدنا أحمد عليه السلام ، والإيمان بما يؤكده بنزوله عن هذه العقيدة. فوجود الإرهاصات والعلامات والإشارات للنبوءات قبل تحققها لهو من السنة الإلهية.

– وبصفة المسيح الموعود أنه “حكم عدل” وفق حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، يتبين بشكل واضحة أن مهمته ليست اكتشافات جيدية وإنما الحُكم على العقائد المتضاربة والموجودة أصلا في فكر أتباع هذا الدين. وهذا ما تحقق بمجيء المسيح الموعود عليه السّلام بالنسبة لعقيدة وفاة المسيح الناصري، حيث أكد على صحة هذه العقيدة وبطلان العقيدة القائلة بحياة المسيح بن مريم ورجوعه من جديد، وكل ذلك بناء على الوحي الإلهيّ.

– وأما بالنسبة لإثبات المسيح الموعود عليه السلام رحلة المسيح الناصري إلى كشمير وموته فيها، فقد استشهد حضرته بكتب التاريخ وأقوال بعض الباحثين. وأما معارضونا اليوم فهم يعتبرون الحديث عن رحلة المسيح الناصري إلى الهند مجرد هُراء ولم يقبلها أحد؛ وهنا نقول أن هذا الاستنتاج نابع من الدجل والتعامي عن الحقائق التاريخية؛ حيث أكد على هذه الرحلة العديد من الباحثين والمؤرخين. وقد عرضت قناة ال”بي بي سي” قبل عدة سنوات برنامجا خاصا حول هذا الموضوع التقت فيه مع ثلة من العلماء المؤرخين الذين يعتقدون بهذه الحادثة وهي سفر المسيح الناصري عليه السلام إلى الهند، ويقولون انها الإمكانية الأرجح إذا ما قورنت بنظرية أخرى معروضة من قبل بعض المؤرخين والتي تقول بسفر المسيح إلى أوروبا ولجوئه إلى فرنسا.

– فكل هذا يثبت أن ما جاء به المسيح الموعود يفوق ما جاء به السير سيد أحمد خان في هذه القضية، ولولا تأكيد المسيح الموعود على هذه القضية وإثباتها نظريا وعمليا، والرقيّ بها من مستوى النظرية إلى مستوى التطبيق، لما كان للصليب أن يُكسر لمجرد أيمان عالِم أو بعض العلماء بوفاة المسيح الناصري.

– فلولا المسيح الموعود عليه السلام لبقيت هذه الفكرة في عداد النظرية الخاضعة للجدل، وبمجيء المسيح الموعود والإيمان به لا يبقى أي شكّ وأي جدل بالنسبة للمؤمنين به في صحة عقيدة وفاة المسيح الناصري وكسر الصليب.

– وبكلمات أخرى: لقد كُسر الصليب في نفوس كل من آمن ويؤمن بالمسيح الموعود عليه السلام، أما الذين يؤمنون بما قاله السير سيد أحمد خان سيبقى إيمانهم يعتريه الشكّ والريب، طالما جوبهوا بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي تتحدث عن نزول بن مريم ثانية – هذا سواء أآمنوا بهذه الأحاديث أم لا، وطالما بقيت هنالك النظرية العكسية التي تقول بحياة المسيح الناصري في السماء، وطالما لم ينزل المسيح المحمدي ويغلق باب العودة من السماء.