المعترض:

الإعجاز العلمي عند الميرزا 1:

خلق آدم وعلاقته بالمشتري وخلق الكون

يقول الميرزا عام 1900:

يتبين من كتاب الله أن الله خلق الأرض والسماء في ستة أيام وخلق آدم في الجزء الأخير من اليوم السادس وألَّف نظام العالم، وخلق آدم تابعا للتأثير العظيم للمشتري لينشر السلام والصلح في الأرض. (التحفة الغلروية)

وقد سخر الأحمديون مرارا من قول التوراة أن هذه الأيام هي مثل أيامنا، مكررين أنها مراحل، لا ذلك اليوم المساوي 24 ساعة.

ويُحبط الأحمدي كالعادة حين يجد أن الميرزا يقول بما ظلّ يسخر منه، فقد كتب في الحاشية:

بعد الفراغ من خلق العالم كليا أراد الله أن يخلق آدم، فخلَقه في اليوم السادس أي في الجزء الأخير من يوم الجمعة؛ لأن الأشياء التي كانت خُلقت في اليوم السادس قد خُلق آدم بعدها كلِّها بحسب النص القرآني، ويبرهن على ذلك ما ورد في سورة “فصلت” بصراحة وهو أن الله خلق سبع سماوات في يوم الخميس والجمعة… بعد خلْق ما في العالم كله خُلق آدم. ولما كانت كل هذه الأعمال لم تنتهِ في يوم الخميس فقط، بل قد استغرقت شيئا من يوم الجمعة أيضا. (التحفة الغلروية)

2: ما معنى قول الملائكة:

فما معنى قول الملائكة لله: أتجعل المفسد خليفةً؟ فليتضح أن الحقيقة أن الله حين خَلق في اليوم السادس سبعَ سماوات وقضى وقدَّر أمر كل سماء، وقرُب اليومُ السادس -الذي هو يوم نجم السعد الأكبر أي المشتري- على الانتهاء، ولاحظ الملائكة الذين كانوا قد أوتوا علم السعد والنحس -حسب مدلول الآية (وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا) وكانوا قد علموا أن السعد الأكبر هو المشتري- أن آدم في الظاهر لم يجد نصيبا من هذا اليوم إذ قد بقي من اليوم قليلٌ جدا فخطر ببالهم أن خلق آدم سيكون في وقت “زحل”، وأن فطرته ستُودَع التأثيراتُ الزحلية من القهر والعذاب وغيرهما، ومن ثم سيتسبب في ظهور فتن كثيرة، فكان الاعتراض مبنيا على ظنّ لا يقينٍ. فاعترضوا بناء على الظن وقالوا: “أتجعل فيها من يُفسد فيها ويسفك الدماء؟” وحسبوا أنفسهم زُهّادا وعابدين ومقدِّسين ومنزهين من كل سيئة، بالإضافة إلى أن خلْقهم في عصر المشتري الذي هو رمز للسعد الأكبر. فقال لهم الله تعالى: (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)، أي أنكم لا تعلمون متى سوف أخلق آدم؟ سأخلقه في الساعة التي هي أكثر ساعاتٍ بركةً من يوم المشتري. (التحفة الغلروية)

3: علة البركة في يوم الجمعة

يتساءل الميرزا ثم يجيب:

لماذا بوركت الساعة الأخيرة من يوم الجمعة وهي وقت العصر، التي خُلق فيها آدم، لهذه الدرجة ولماذا خُصَّت بخلق آدم؟

فجواب ذلك أن الله جعل نظام تأثير الكواكب بحيث ينال كوكب في الجزء الأخير من عمله شيئا من تأثير الكوكب القادم اللاحق به. فلما كان الليل قريبا من وقت العصر الذي خُلق فيه آدم، كان ذلك الوقت حائزا على شيء من تأثير زحل أيضا، كما كان مستفيضا بفيض المشتري الحائز على تأثيرات صبغة الجمال. فقد خلق الله آدم يوم الجمعة وقت العصر لأنه كان يريد أن يخلق آدم جامعا للجلال والجمال. وإلى ذلك تشير الآية (خَلَقْتُ بِيَدَيَّ)، أي خلقتُ آدم بيديَّ. فالواضح الجلي أن يدَي الله ليستا كيدَي الإنسان، فإنما المراد من اليدين، التجلي الجمالي والجلالي. فالمقصود من هذه الآية أن آدم خُلق جامعا للتجلي الجلالي والجمالي. ولما كان الله لا يريد أن يضيع سلسلة علمية، فقد استخدم عند خلقه لآدم تأثيراتِ هذه الكواكب التي صنعها بيديه. (التحفة الغلروية)

4: زحل في السماء السابعة وهو أبعد النجوم

يتابع الميرزا قائلا:

كتب الحكماء المتقدمون أن الأرض في البداية كانت غير مستوية جدا، فسوّاها الله بتأثيرات النجوم. وإن هذه النجوم ليست محصورة في السماء الدنيا فقط كما يظن الجهلة، بل تقع على مسافات شاسعة عن بعضها. ففي السماء نفسها يتراءى المشتري الواقع في السماء السادسة كما يُرى زحلُ الواقع في السماء السابعة. وسُمي زحل لكونه أبعد النجوم مسافةً، لأن زحل في المعاجم تعني الأبعد أيضا. والمراد من السماء، الطبقات اللطيفة التي يتميز بعضها عن الآخر بخواصها…. فكما خُلق آدم الأول متمتعا بتأثيرات المشتري وزحل أي بصبغة الجلال والجمال، يتمتع مثل ذلك الآدم الذي وُلد في نهاية الألف السادس (أي الميرزا) بكلا نوعي التأثيرات. فعلى قدمه الأولى إحياء الموتى، وعلى الثانية موت الأحياء، أي في القيامة. (التحفة الغلروية)

وهكذا يستمر الميرزا في إلقاء الهراء على عواهنه.

الرد:

لنرَ هل يقول المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام -كما يظن المعترض- إن السماوات والأرض خلقتا في ستة أيام كل يوم 24 ساعة كأيامنا أم أن المعترض يكذب ويدلس.

يقول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام:

الجانب الثاني الذي بسببه يرِد الاعتراض هو أنه بموجب هذا الحساب المحفوظ عند اليهود والنصارى بتواتر والذي شهادته موجودة بإعجاز في كلام القرآن الكريم الإعجازي بكمال اللطافة كما قد فصلناه في المتن أن النبي ﷺ كان قد بعث بعد 4739 عام من آدم ؑ وفق التقويم القمري. أما بالحساب الشمسي فقد ظهر نبينا محمد المصطفى ﷺ من الله بعد 4598 عام من آدم صفي الله ؑ، ومن هنا يتبين أن النبي ﷺ قد ظهر في الألف الخامس لا في الألف السادس، وهذا الحساب دقيق جدا؛ فهو متواتر عند علماء اليهود والنصارى، ويصدقه القرآن الكريم. وهناك أسباب أخرى كثيرة ودلائل عقلية يطول بيانها بالتفصيل، تجزم قطعا أن هذه هي المدة بين سيدنا محمد المصطفى ﷺ وآدم صفي الله، لا أطول من ذلك. حتى لو كان تاريخ خلق السماوات والأرضين ملايين السنين التي علمها عند الله، إلا أن آدمنا صفي الله- أبو النوع- كان قد خُلق قبل النبي ﷺ بهذه المدة أي 4739 عاما قمريا، وهي تساوي 4598 عاما شمسيا…” (تحفة غولروية، الخزائن الروحانية؛ ج 17، ص 247، الحاشية)

فهنا يصرِّح المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام أن مدة الخلق هي ((ملايين السنين التي لا يعلمها إلا الله))، وبهذا يشير عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام إلى أن الأيام إنما تعني المراحل، وهذه المراحل كانت بهذا الترتيب؛ المرحلة الأولى والثانية والثالثة والرابعة… ومقابل هذه المراحل سُمّيت الأيام في الأسبوع تذكاراً على نفس النسق بالأحد الإثنين الثلاثاء الأربعاء الخ. وقد استخدم هذا الرمز أيضا في ذكر نشوء سلسلة آدم ؑ إلى النبي ﷺ ليصبح اليوم يقابل 1000 سنة.

ويقول حضرته ؑ:

فليكن واضحا أن ذكر “ستة أيام” يشير في الحقيقة إلى مراحل الخلق والتكوين؛ بمعنى أن كل ما صدر من الله تعالى كَخلق -وهو ماديّ ويملك جسما- فإنه يبلغ كمال خلقته مجتازاً مراتب الخلق الستة بحسب حكمة البارئ تعالى وقدرته سواء أكان مجموعة من العالم أم فردا واحدا من أفراد العالم، وسواء أكان عالَـما كبيرا؛ أي الأرض والسماء وما فيهما، أم كان عالَـما صغيرا؛ أي الإنسان. وهذا هو القانون في الطبيعة بوجه عام وليس خاصا بالزمن الأول. فيذكر الله جل شأنه هذه المراتب الستة نفسها فيما يتعلق بخلق كل إنسان أيضا؛ فقد ورد في سورة المؤمنون قوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ 12 ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ 13 ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ 14} أي خْلقنا الإنسان من طين كان خلاصة ومغزى كافة أنواع الأرض َوأقسامها، وكان يملك جميع قدراتها، لكي يكون عالما صغيرا من حيث الجسد أيضا، وتكون فيه القوة والخاصية لكل شيء في الأرض، كما أنه عالم صغير من حيث الروح من منطلق الآية: فِإذا سويـته ونـفخت فيه من روِحي 224، وهو مظهر تام لروح الله من حيث الشؤون والصفات الكاملة والظلية التامة. ثم بدأنا طريقا آخر لخلق الإنسان؛ إذ خلقنا في الإنسان نطفةً وجعلنا النطفة تستقر فور تكوينه في كيس قوي؛ أي الرحم. وهذا ما عبر عنه بـ “قرار مكين” لينطبق على الرحم والكيس معا. ثم خلقنا من النطفة علقةً، ومن العلقة مضغةً، ومن بعض أجزاء المضغة خلقنا العظام، وكسونا العظام لحما، ثم أنشأناه خلقا آخر؛ أي نفخنا فيه الروح، فتبارك الله أحسن الخالقين من حيث الصنعة والكمال وعجائب الخلق. انظروا الآن، فقد بيّن الله تعالى هنا أيضا القانون نفسه في الطبيعة بأن الإنسان يبلغ كمال إنسانيته بعد أن يجتاز مراحل الخلق الستة. والمعلوم أن هناك تشابها كبيرا بين العالم الصغير والعالم الكبير. وكون الإنسان عالما صغيرا ثابت من القرآن الكريم.” (مرآة كمالات الإسلام، ص 506-507)

وكذلك ورد في “الملفوظات” شرح المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام لموضوع خلق آدم عَلَيهِ السَلام عصراً وأنه ليس الوقت المعروف بعد الظهر كما يلي:

“قال عليه السلام عن وحي تلقاه اليوم وتعريبه: “لن يبقى أحد بعد هذا الأسبوع“، لا أستطيع أن أجزم حاليا ما المراد من الأسبوع في هذا الإلهام، ومَن يتعلق به الإلهام.

قال المولوي نور الدين المحترم: بعض الإلهامات من هذا القبيل يكون متعلقا بمكان خاص أو زمن خاص. فقال المسيح الموعود عليه السلام: هذا صحيح، وقد ذُكرت مئات السنين في كتاب النبي دانيال بكلمة “أسبوع”، وعُرِّب عمر الدنيا أيضا بأسبوع. المراد من الأسبوع هنا هو سبعة آلاف سنة إذ يساوي يوم بألف عام كما ورد في القرآن الكريم: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} (الحج:48).

عمر الدنيا وعاقبتها:

قال المسيح الموعود عليه السلام:

الدنيا ستفنى يوما من الأيام على أية حال، وسيفنى الجميع ويبدو أن وقت هذا الفناء هو بعد الألفية السابعة بحسب عمر الدنيا. إننا نحصي هذا العدد بدءًا من زمن آدم عليه السلام ولكن ليس المراد من ذلك أن الإنسان لم يكن موجودا أو الدنيا لم تكن موجودة قبله. بل يُحصى العدد من مورّث أعلى خاص كان اسمه آدم. فكما كان ذلك آدم في البداية كذلك هناك آدم في النهاية أيضا. يتبين من الحديث الشريف أن زمن النبي صلى الله عليه وسلم في الدورة الحالية لعمر الدنيا كان بمنزلة وقت العصر. فلما كان ذلك الوقت عصرًا فيمكن التقدير كم وقتا بقي. هذا ما يثبت من الإنجيل أيضا. فيتبين من ذلك أنه لم يبق من عمر الدنيا إلا قليل. قال حضرة المولوي نور الدين إن الكلمات مثل “القيامة”، و”الفناء” وما شابههما وردت في بعض الأماكن في القرآن الكريم عن قرن معين وقوم معين. فقال عليه السلام: هذا صحيح، والله تعالى خالق منذ الأزل ولكن وحدانيته تقتضي أن يفني كل شيء في وقت من الأوقات. {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} (الرحمن: 27) أي أن الجميع على هذه البسيطة فانون، أيّا كان وقت الفناء، ولا يسعنا القول متى سيأتي ذلك الوقت ولكنه سيأتي حتما. والله قادر على أن يخلق من جديد إذا شاء، فهذا تجلي قدرته فقط.” (الملفوظات بتاريخ 15 فبراير 1907)

أما موضوع الكواكب والنجوم وتاثيرها على البشر فقد سبق الرد عليه هنا

ومما يدل أيضاً على أن المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام كان يقول بأن عمر البشرية لم يبدأ قبل خمسة أو سبعة آلاف سنة هو ما جاء في “التفسير الكبير” للخليفة الثاني للمسيح الموعود عليه السلام، حيث يقول حضرته:

وأذكر في هذه المناسبة حوارا جرى بين مؤسس الجماعة الأحمدية وبين مُنجِّم أسترالي حول مسألة خلق آدم. وقد زار هذه المنجِّم عدة مدن في الهند، والتقى معه في لاهور، حيث دار بينهما هذا الحوار:

السؤال: ورد في التوراة أن آدم أو الإنسان الأول ظهر في أرض جيحون وسيحون، وقطن هناك، فهل هؤلاء المقيمون في أمريكا وأستراليا وغيرها هم أيضا من أبنائه؟

الجواب: لسنا نقول بذلك، ولا نتبع التوراة في هذه القضية.. حتى نقول بما تدّعيه من أن الدنيا بدأت بخلق آدم منذ ستة أو سبعة آلاف عام، ولم يكن قبل ذلك شيء، فكأن الله عز وجل كان متعطلا! كما أننا لا ندّعي أن بني نوع الإنسان الذي يقطنون اليوم في مختلف أنحاء الأرض هم أولاد آدم هذا الأخير، بل إننا نعتقد بأن بني الإنسان كانوا موجودين قبله.. كما يتبين من كلمات القرآن الحكيم.. {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}. فلا يمكن لنا الجزم بأن سكان أستراليا وأمريكا من أولاد آدم هذا، ومن الجائز أن يكون بعض الأوادم الآخرين.” (التفسير الكبير، المجلد الأول)

والنص كاملا من كلام المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام:

قال تعالى: {إِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} فلما كان عدد الأيام سبعةً فقد حُدِّد في هذه الآية عمر الدنيا بسبعة آلاف سنة، وذلك بدءا من زمن آدم الذي نحن أولاده. يتبين من كلام الله عز وجل أن الدنيا كانت موجودة قبل ذلك أيضا، ولكن لا نستطيع القول من كان هؤلاء الناس ومن أي نوع كانوا. يبدو أن دائرة الدنيا تنتهي على سبعة آلاف سنة، لذا فقد حُدِّدت سبعة أيام في الدنيا دلالةً على هذا الأمر، فكلُّ يوم يمثل ألف عام. لا ندري كم دورةً مضت على الدنيا وكم من الأوادم ظهروا في أزمنتهم. ولما كان الله تعالى هو الخالق منذ القِدم؛ فنقبل ونؤمن بأن الدنيا قديمة من حيث نوعيتها، ولكنها ليست قديمة من حيث هويتها. من المؤسف حقا أن يعتقد المسيحيون بأنه لم يمض على خلْقِ اللهِ الدنيا وخلْقه السماوات والأرض إلا ستة آلاف سنة، وبأن الله عز وجل كان دون أيّ عمل قبل ذلك؛ أي كان عاطلا منذ الأزل. ولكن لا يسع عاقلا أن يقبل هذا الاعتقاد. أما اعتقادنا الذي علَّمنا إياه القرآن الكريم فهو أن الله تعالى خالقٌ منذ الأزل، وقادر على أن يهلك السماء والأرض ملايين المرات ويخلقها مرة أخرى كما كانت. ولقد أخبرَنا أيضا أن سلسلة البشر الحالية بدأت بمجيء آدم إلى الدنيا؛ الذي جاء بعد أمم سابقة وكان والدنا جميعا. وإن الدورة الكاملة لعمر السلسلة الحالية هي سبعة آلاف سنة. وإن السبعة الآلاف سنة هذه عند الله كسبعة أيام عند الناس. اعلموا أن سنّة الله حددت أن تكون دورة كل أمة سبعة آلاف سنة. وللإشارة إلى هذه الدورات حدِّدت سبعة أيام للناس.” (الخزائن الروحانية، ج 20، ص 184-185، لاهور ليكتشر)

وَعَلَى ذكر الأوادم نقدم فيما يلي كشفاً رَآه العلامة الصوفي المعروف بالشيخ الأكبر ابن عربي رحمه الله قال فيه:

أراني الحق تعالى فيما يراه النائم.. وأنا أطوف بالكعبة مع قوم من الناس لا أعرفهم بوجوههم، فأنشدونا بيتين نسيت أحدهما وأذكر الثاني وهو:

لقد طفنا كما طفتم سنينا بهذا البيت طرًا أجمعينا

فتعجبت من ذلك. وتسمى لي أحدهم باسم لا أذكره، ثم قال لي: أنا من أجدادك. قلت:كم لك منذ مت؟ فقال: لي بضع وأربعون ألف سنة. فقلت له: فما لآدم هذا القدر من السنين؟! فقال لي: عن أي آدم تقول، عن هذا الأقرب إليك عن غيره؟ فتذكرت حديثا لرسول الله ﷺ أن الله خلق مائة ألف آدم، وقلت: قد يكون ذلك الجد الذي نسبني إليه من أولئك.” (كتاب الفتوحات المكية؛ ج 3، الفصل الخامس في المنازلات، باب 309)

ونعود للخليفة الثاني رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ابن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام الذي أورد كشف ابن عربي وعلَّق عليه كما يلي:

يفهم من هذا الكشف أن آدم الموحى إليه، والذي ينتسب إليه بنو آدم اليوم، لم يكن آدم الأول، بل إنه آخر الآوادم. وكذلك يظهر منه أن كلمة “آدم” قد تستعمل كصفة أيضا، وذلك بمعنى الجد الأكبر، وأن الوجود البشري مازال مستمرا منذ أقدم العصور، وأن الدور المذكور في الأحاديث النبوية الشريفة.. والمحدد بسبعة آلاف سنة.. إنما أريد به دور آدم الأخير فقط.. وليس أدوار البشرية جمعاء.” (التفسير الكبير، المجلد الأول)

فالذي يتّهم المسيحَ الموعودَ عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام أنه يعتبر خلق الإنسان بدأ منذ أربعة آلاف أو خمسة أو سبعة آلاف سنة فهو كذاب لأن المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام يقول بوضوح:

ولكن ليس المراد من ذلك أن الإنسان لم يكن موجودا أو الدنيا لم تكن موجودة قبله. بل يُحصى العدد من مورّث أعلى خاص كان اسمه آدم.” (الملفوظات)

كذلك قال عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام وهو يرد على شبهة حول ذلك:

ويعترض البعض قائلا: إذا قبلنا أن أصل اللغات وجذرها كلها لغة واحدة، فكيف وقعت هذه الفروق الكبيرة بين كل اللغات المتفرعة من لغة واحدة خلال ثلاثة أو أربعة آلاف سنة فقط، فهذا غير معقول.

والجواب أن هذا الاعتراض ليس إلا من قبيل بناء الفاسد على الفاسد؛ إذ ليس من الأمور القطعية اليقينية أن عمر الدنيا أربعة أو خمسة آلاف سنة فقط، ولم يكن قبلها أي أثر للسماء والأرض. بل الحق أن التدبر العميق يكشف أن هذه الدنيا عامرة منذ دهور سحيقة.” (مِنَـن الرحمن، ص 10)

إذن حيثما ذكر أن آدم ولد قبل أربعة ألاف سنة أو أكثر إنما يذكر آدم الذي نعرفه، أما كم آدم مضى قبله فقد وضحنا ذلك من خلال رؤيا ابن عربي رحمه الله.

وبالتالي لم يقصد المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام قطعاً ما ظنَّ المعترض. وبذلك لم يبق إلا الاحتمال الثاني وهو أن المعترض يكذب.

هذا الذي يشير إليه القرآن الكريم عندما استخدم رمز الأيام ليشير إلى المراحل، وهذه المراحل كانت تحمل نفس أسماء أيام الأسبوع، وتذكاراً لها سُمّيت أيام الأسبوع باسمها، وليس المقصود أننا إذا قلنا يوم الأحد في الخلق قَصَدْنا يوم الأحد في الأسبوع بل القصد هو اليوم الأول. ولهذا قال الراغب الأصفهاني في “المفردات” ما يلي:

اليوم في لغة العرب يعبر به عن وقت طلوع الشمس إلى غروبها، وقد يعبر به عن مدة من الزمان أي مدة كانت.” أهـ

وقال القرطبي في تفسيره:

في ستة أيام” أي من أيام الآخرة أي كل يوم ألف سنة لتفخيم خلق السماوات والأرض…. وذكر هذه المدة ولو أراد خلقها في لحظة لفعل، إذ هو القادر على أن يقول لها “كوني فتكون” ولكنه أراد أن يعلم العباد الرفق والتثبت في الأمور…. وحكمة أخرى من خلقها في ستة أيام لأن لكل شيء عنده أجلا…” أهـ

وهذا الأمر لا خلاف عليه عند أهل التفسير.

كذلك جاء في الحديث الشريف ذات الأمر إذ ورد أن آدم خُلق في وقت العصر من يوم الجمعة. فلنقرأ الحديث التالي:

عن أَبِي هُرَيْرَةَ ؓ قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِيَدِي فَقَالَ: خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ، وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الْأَحَدِ، وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَخَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَام بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي آخِرِ الْخَلْقِ، فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ.” (صحيح مسلم 2789)

ويتناول هذا الحديث مراحل الخلق على الأرض؛ التربة أي المرحلة التي استقرت فيها القشرة الأرضية على ما هي عليه ثم تكونت الجبال بفعل هذه العملية الجيولوجية، فالشجر حيث تنبت الخضرة البدائية على سطح الأرض ثم المكروه وقد يقصد به الميكروبات وسمّيت بالمكروه نظراً لتحليلها للخلايا وإصدار الرائحة الكريهة وتسببها بالأمراض، ولذلك فالمكروه بحد ذاته دليل صدق النبي ﷺ فالحديث لا يمكن أن يصدر بهذا الوصف والترتيب العجيب من بشر لا علم له بهذه الحقائق الدقيقة التي لم يتوصل إليها إلا العلم الحديث الذي حسب فترة خلق الأرض بأربعة آلاف مليون سنة تقريباً، وخاصة إذا ما عرفنا أن العلماء حددوا ترتيب ظهور الأحياء بثلاث أصناف هي النباتات (الشجر) والميكروبات (المكروه) والحيوانات (الدواب والإنسان) حيث ظهركل من الحيوان والإنسان في فترة متأخرة جداً يقدرها العلماء بحوالي ٢٠ ألف سنة، والعدد ليس دقيقاً طبعا، أما الحديث فهو معجز بكل الأحوال.

فالمعترض فوق أنه يكذب ويدلس فهو يعترض ضمنياً على الله تعالى والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمحاولته إيهام القرّاء أن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام يقول إن الخلق تم في ستة أيام حسب أيام الأسبوع المعروفة والتي لا يقول بها أحد من الناس ناهيك أن يقول بها أهل العلم.

وهكذا يُهينُ المعترض نفسه بكل محاولة لإهانة مبعوث الله المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام.

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد