كالمعتاد يستمر المعترض المرتد عن جماعتنا في تقديم تزييفاته ومرواغاته، ليثبت تناقض المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام في زعمه، أو ليثبت تناقضه مع الخلافة من بعده، وقدَّم أخيرا نصوصا حول حديث “الأئمة من قريش” ليُثبت أن حضرته كان يرى أنه لا يجوز أن يكون هنالك خليفة إلا من قريش، وهذا يسقط الخلافة الأحمدية تلقائيا في رأيه! فهل هذا صحيح؟

بداية، ولدحض هذا الافتراض من أساسه، سأضع نصًّا حاكما واضحا يفصل في الأمر تماما وهو قوله عليه الصلاة والسلام:

فباختصار، إن هؤلاء القوم يعتقدون من منطلق الحديث “الأئمة من قريش” الذي ترسخ في أذهانهم معناه الخاطئ بأن الخلافة ستنتقل إلى قريش في نهاية المطاف وسيكون اسم هذا الخليفة “محمد المهدي” وسيكون من بني فاطمة ويسفك الدماء بكثرة من أجل الدين.” (كشف الغطاء)

إذن حضرته عليه الصلاة والسلام يقول بوضوح إن الاعتقاد بأن الخلافة ستنتقل إلى قريش في نهاية المطاف وقيامها بسفك الدماء إنما هو “معنى خاطئ” للحديث، وهو لا يؤمن به، وهذا النصُّ وحده يسقط شغبه كله!

والواقع إن ما يعتقد به حضرته ويؤكد عليه وما يرتكز عليه في دعواه هو أن المسيح الموعود هو الذي سيكون الخليفة المهدي، ولن يكون من قريش بل سيكون فارسيا، وأن شرط أن تعود الخلافة من بعده في قريش ليس صحيحا، وهو فهم خاطئ. وهذا صلب دعواه كما هو معلوم.

أما النص الذي جاء به من الكتاب نفسه “كشف الغطاء” الذي يتضمن النص الحاكم الواضح، وهو قول حضرته:

صحيح تماما أني لا أحسب السلطان العثماني ِخليفة بحسب الشروط الإسلامية لأنه ليس من قريش، بينما من الضروري للخلفاء أن يكونوا من قريش، وقولي هذا لا يعارض تعليم الإسلام بل يطابق الحديث: “الأئمة من قريش” تماما. (كشف الغطاء 1898)

فإنما انتزعه من سياقه كعادته، الذي لم يكن سوى إلزام الشيخ البطالوي بمعتقداته وإثبات تناقضه؛ إذ أنه من ناحية يقول بأن الخلفاء يجب أن يكونوا من قريش حسب الحديث، ومن ناحية ثانية هو يقول بأن السلطان العثماني خليفة مخالفا هذا المبدأ حينا، ويعترض على المسيح الموعود لأنه لا يعتبِره خليفة، وحينا آخر يقول بأنه ليس خليفة لأنه ليس من قريش!! وهذا واضح تماما فيما لو نقل النصَّ بأمانة دون اقتطاع، إذ يقول النص:

لقد هاجمني (أي الشيخ البطالوي) لذكري السلطان العثماني أيضا ونشر في مجلته “إشاعة السنة” الرقم: 3، المجلد 18 الصفحة 98 و99 و100 مقالا يحرّض على التمرد ويتلخصّ في أنه: “يجب اعتبار السلطان العثماني خليفة راشدا ومقتدى دينيا”. ثم يقدم سببا لتكفيري أن: “هذا الشخص لا يعتقد بكون السلطان العثماني خليفة “. فمع أنه صحيح تماما أني لا أحسب السلطان العثماني خليفة بحسب الشروط الإسلامية لأنه ليس من قريش بينما من الضروري للخلفاء أن يكونوا من قريش، ولكن قولي هذا لا يعارض تعليم الإسلام بل يطابق الحديث: “الأئمة من قريش” تماما (أي الذي يعتقد البطالوي به البطالوي). ولكن من المؤسف أن محمد حسين ترك تعليم الإسلام أيضا في بيانه هذا الذي ينمّ عن التمرد مع أنه قال بنفسه من قبل بأن السلطان ليس خليفة المسلمين، وليس مقتدانا الديني. أما الآن فقد صار السلطان العثماني خليفته ومقتداه الديني نتيجة عداوتي فقط.” (كشف الغطاء)

وقد ذكر حضرته مرجعا لنفي الشيخ البطالوي إمكانية أن يكون الخليفة من خارج قريش إذ قال:

وهناك دليل آخر أيضا (على نفيه لخلافة السلطان العثماني) على ذلك وهو أنه (أي البطالوي) كتب في مجلته إشاعة السنة المجلد 12 الصفحة 380 بوضوح تام: “الخلافة مسلّمة لقريش فقط ولا يمكن أن يكون خليفة من قوم آخرين”…” (كشف الغطاء)

وأما النص الذي نقله من الملفوظات فهو يؤكد قولنا تماما، وهو أن حضرته يناقش المداهنة والتناقض عند الشيخ البطالوي وأمثاله الذين يقولون بخلافة السلطان العثماني من ناحية، ثم يؤمنون بأن الخلافة يجب أن تكون من قريش ولذلك يؤمنون بالمهدي السفاك الذي يجب أن يكون من قريش، ويقولون أحيانا بأن السلطان العثماني خليفة وأحيانا يقولون إنه ليس خليفة!!:

المداهنون مَن يعتقدون بأنّ “الأئمة من قريش” ويفتون بأنّ السلطان التركي أمير المؤمنين“. (الملفوظات نقلا عن الحكم 10/10/1902م)

ومع أني أهمل كثيرا من اعتراضاته المماحِكة لأنها كلها من هذا القبيل، فإنما تطرقت لهذا الأمر خاصة لأني وجدته نموذجا واضحا لشبهاته التي هي في حقيقتها تغابيات مقصودة أو غير مقصودة؛ يتبين منها مدى مراوغته ومماحكته ومجانبته للحق والعدل إن كانت مقصودة، أو مدى قصور فهمه وضيق أفقه إن كانت غير مقصودة.

إن الافتراض بأن الجماعة تناقض الإمام المهدي عليه الصلاة والسلام أو أنها متناقضة في أقوالها، أو التغابي وتقديم معتقدات لا حقيقة لها بقراءة نصوص خارج سياقها أو تقديمها بصورة محرفة ومزيفة إنما يكشف حقيقة من يقوم بذلك. ولا عجب، فهنالك من يقول بنفس هذه الأقوال ضد الإسلام والقرآن الكريم؛ إذ بلغ بالبعض الحمق والمماحكة القول بأن القرآن الكريم يدعم ألوهية المسيح!!

أفكلما ألقى مجنون حجرا في بئر أصبح واجبا علينا إخراجه؟!

About الأستاذ تميم أبو دقة

من مواليد عمَّان، الأردن سنة 1968 بدأ بتعلَّم القرآن الكريم وحفظ بعض سوره وفي تعليمه الديني في سنٍّ مبكرة وبدأ بتعليم القرآن في المساجد في الثانية عشرة من عمره. انضم إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية عام 1987 قبل أن يبلغ التاسعة عشرة من العمر وكان من أوائل الأحمديين العرب. يعمل في خدمة الجماعة في المكتب العربي المركزي وفي برامج القناة الإسلامية الأحمدية وفي خدمات التربية والتعليم لأفراد الجماعة وفي العديد من الأنشطة المركزية. أوفده الخليفة الخامس نصره الله تعالى ممثلا ومندوبا لحضرته إلى عدد من الدول، وكرَّمه الخليفة نصره الله بلقب “عالِم” في العديد من المناسبات. عضو مؤسس ومعدّ في فريق البرنامج الشهير “الحوار المباشر” الذي انطلق رسميا عام 2006 والذي دافع عن الإسلام ضد الهجمة المسيحية التي انطلقت على بعض القنوات في بداية الألفية وأخمدها، والذي أسهم في تعريف الجماعة الإسلامية الأحمدية إلى العالم العربي، والذي يبث الآن مترجما ترجمة فورية إلى العديد من اللغات. وهذا البرنامج أصبح نموذجا للعديد من البرامج المشابهة في اللغات الأخرى. شارك ويشارك في العديد من البرامج الأخرى وخاصة المباشرة في اللغة العربية وفي بعض البرامج باللغة الإنجليزية. عضو هيئة التحرير لمجلة “ريفيو أوف ريلجنز” الإنجليزية العريقة التي بدأ إصدارها في زمن الإمام المهدي والمسيح الموعود عام 1902م.

View all posts by الأستاذ تميم أبو دقة

One Comment on “الأئمة من قريش ونموذج من تزييفات المعترض ومرواغاته ومماحكته”

Comments are closed.