المسيح الموعود ؑ ينسف المعترض المرعوب
المعترض:
الميرزا يتهم نفسه بالغباء وعدم احترام الرسول صلى الله عليه وسلم
يقول:
جميع الصحابة اعترفوا في ذلك اليوم أن جميع الأنبياء قد ماتوا من قبل. وإنْ كان في ذهن أحدهم فكرةُ حياة عيسى لطرَحها كما يُطرح الشيء الرديء. أقول هذا لأنه من الممكن أن يكون هناك شخص غبي ذو دراية غير سليمة يُكنُّ في قلبه – متأثرا بالديانة المسيحية – فكرة أن عيسى ما زال حيا في السماء”. (تذكرة الشهادتين)
إنه لا يتّهم بالغباء نفسه فحسب، حيث ظلّ يقول بحياة المسيح 50 عاما من حياته منذ ولد عام 1841 حتى 1891، بل يتّهم المجددين الـ 12 الذين سبقوه، فلم نسمع عن أيّ منهم من انتقد هذه العقيدة باعتبارها عقيدة الأغبياء المتأثرين بالمسيحية. بل إنّ أي عاقل يسمع أحاديث نزول المسيح عليه السلام، يمكن أن يستنتج أنه أُصْعِد إلى السماء، خصوصا أنّ هناك آيات يمكن أن تُحمل على أكثر من معنى.
ثم يقول الميرزا:
وأنّى لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين كانوا فانين في حبه صلى الله عليه وسلم أن يقبلوا أن نبيهم مع كونه سيد الأنبياء لم يبلغ من العمر 64 عاما، بينما عيسى حي في السماء منذ 600 عام؟ كلا! ثم كلا! لا يمكن لمن يحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يفتي بفتوى تقول بأفضلية عيسى بوجه خاص. (تذكرة الشهادتين)
يصرّح الميرزا هنا أنه ظلّ يكره الرسول صلى الله عليه وسلم خمسين عاما من الـ 67 عاما التي عاشها. ثم ما علاقة الأفضلية بالإصعاد إلى السماء؟ هل كان المسلمون أغبياء عن آخرهم لم يتنبّهوا إلى هذه الصلة حتى جاء الميرزا؟ ماذا لو قيل له مثلا إن وجود قبر المسيح في كشمير يلزم منه أن المسيح أفضل من الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنّ كشمير أعلى من المدينة جدًّا، ومناخها أفضل؟!
مَن يكثر مِن الكذب لا بدّ أن يفقد المنطق والعقل.
الرد:
لن نفترض هذه المرة أي احتمال لجهل المعترض فالإلحاد والكذب صريح بما فيه الكفاية.
أما ولادة حضرة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام فلم تكن في 1841 بل 1835. وقد رددنا على هذه الشبهة سابقاً (من هنا: عمر المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام)
أما مَن المقصود بالغبي فليس أي أحد من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين بل أي شخص من العامة في ذلك الزمن، وهو مجرد احتمال أن يكون واحد فقط أو القلة النادرة متأثر بتعاليم المسيحية قبل الإسلام، وقد يظن بسبب ذلك أن المسيح حي في السماء. والدليل أن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام قال:
“مما لا شكَّ فيه أن جميع الصحابة ؓ اتفقوا بعد وعظ “الصِّدِّيق” أن جميع الأنبياء قبل النبي ﷺ قد ماتوا” (تذكرة الشهادتين 28)
إذن هو شخص من خارج الصحابة، وذلك احتمال فقط لا غير. وهذا يثبت كذب المعترض للجميع.
والنص كاملاً كما يلي:
“من الواضح جليا أنه لو كان الصحابة يظنون أن عيسى ؑ موجود في السماء حيا منذ 600 عام، لطرحوا الفكرة أمام أبي بكر ؓ، ولكن الجميع اعترف في ذلك اليوم أن جميع الأنبياء قد ماتوا من قبل. وإن كان في ذهن أحدهم فكرة حياة عيسى لنبذها كما يُنبذ الشيء الرديء. أقول هذا لأنه من الممكن أن يكون هناك شخص غبي ذو دراية غير سليمة يُكنُّ في قلبه -متأثرا بالديانة المسيحية- فكرة أن عيسى ما زال حيا في السماء. ولكن مما لا شكَّ فيه أن جميع الصحابة ؓ اتفقوا بعد وعظ “الصِّدِّيق” أن جميع الأنبياء قبل النبي ﷺ قد ماتوا. وكان ذلك أول إجماع أجمع عليه الصحابة أجمعون. وأنّى لأصحاب النبي ﷺ الذين كانوا فانين في حبه ﷺ أن يقبلوا أن نبيهم لم يبلغ من العمر حتى 64 عاما مع أنه سيد الأنبياء، بينما عيسى حَيٌّ في السماء منذ 600 عام؟ كلا! ثم كلا! لا يمكن لمن يحب النبي ﷺ أن يفتي بفتوى تقول بأفضلية عيسى بوجه خاص، ألا لعنة الله على اعتقاد يستلزم إهانة النبي ﷺ.” (تذكرة الشهادتين 28-29)
أما القول بأن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام يتّهم نفسه والمجدّدين بالغباء فذلك هو الغباء بعينه لأن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام يقول بصريح العبارة أن سَجيَّة جميع الصحابة وفطرتهم الصالحة ترفض حياة المسيح في السماء وكذلك الناس عامة في ذلك العصر إلا مَن كان نصرانياً مِن العامة أو متأثراً بتعاليم النصرانية ولم تسعفه درايته وفهمه لمعرفة أن البشر لا يعيشون في السماء بل في الأرض خصوصاً وقد انعقد الإجماع السَّكُوتي للصحابة على موت المسيح عَلَيهِ السَلام، وهذا الأمر ثابت في القرآن الكريم. أما رأي المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام في الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين فكما يلي:
إنّ الصحابةَ كلَّهم كذُكاءِ … قد نَوّروا وجهَ الورى بضياء
قومٌ كِرامٌ لا نُفرِّقُ بينهم … كانوا لخير الرسل كالأعضاء
ما كان طعنُ الناس فيهم صادقًا … بل حَشْنَةٌ نشأَتْ مِن الأهواء
أنوارُهم فاقَتْ بيانَ مبيِّنٍ … يسوَدُّ منها وجهُ ذي الشحناء
يا ربِّ فارحَمْنا بصَحْبِ نبيِّنا … واغفِرْ وأنتَ اللهُ ذو آلاء
والله يعلَم لو قدرتُ ولم أمُتْ … لَأَشَعْتُ مدحَ الصَحْبِ في الأعداء.
انتهى
أما حقيقة موت المسيح وقبره وقصته كاملةً حسب القرآن الكريم والحديث فلم يكن من الضروري كشفها في القرون الماضية وإنما دعت الضرورة لتنكشف هذه الحقيقة في زمن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام لكي يقتل الدجال بحجة القرآن العظيم. وهذا هو دور المسيح الموعود للأمة إلى جانب تجديد الدين من البدع والأهواء. وفي ذلك يقول حضرته عَلَيهِ السَلام:
“وكل شيء يُكتشف؛ إنما يتم اكتشافه نتيجة العقل والفهم الذي أعطاه ﷻ للناس، ولكن لا يُكتشف شيء يزيد عن حاجة العصر. وأن كل مبعوث من الله ﷻ يُعطَى سعةً في العلم أيضا بحسب ضرورة العصر. وعلى المنوال نفسه تكشف دقائق القرآن الكريم ومعارفه وحقائقه أيضا بحسب ضرورة العصر. فمثلا؛ إن المعارف القرآنية التي نحتاج إليها -في زماننا هذا- لمكافحة الفرق الدجالية، ما احتاج إليها الناس الذين لم يعاصروا تلك الفرق الدجالية. فظلت تلك الأمور خافية عليهم، ولكنها كُشفت علينا. فمثلا قد مضى كثير من الناس في انتظار عودة المسيح ابن مريم إلى الدنيا حقيقةً، ولم تكشف الحكمة الإلهية قبل الأوان السر والمراد من عودة المسيح. أما الآن، وقد انتشرت صفات اليهود كالوباء، وأحرز النصارى نجاحا كبيرا نشر في أفكارهم المبنية على الشرك نتيجة اعتقادهم بحياة المسيح، فقد أراد الله تعالى أن يميط اللثام الآن عن وجه هذه الحقيقة الثابتة؛ فقد كشف ﷻ أن مسيح المسلمين سيكون من المسلمين أنفسهم، كما كان مسيح بني إسرائيل من بني إسرائيل أنفسهم. وأوضح جيدا أن المسيح الإسرائيلي قد مات، وبرهن أيضا أن الميت لا يعود إلى الدنيا قط.” (إزالة الاوهام 479)
ويتضح أن قياس المعترض يفصح عن مفهوم إلحادي مَقيت إذ يعرّض بالصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم حين نهاهم النبي ﷺ عن زيارة القبور لأن زوار القبور ملعونين عند الله ﷻ كما في الحديث التالي:
“حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ.” (أخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ)
ثم أباح لهم ﷺ فيما بعد زيارة القبور بل أوجب ذلك حسب مذهب الإمام ابن عبد البر، كما في الحديث التالي:
“حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَمَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلَّالُ قَالُوا حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمِ النَّبِيلُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَقَدْ أُذِنَ لِمُحَمَّدٍ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّهِ فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ.” (أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وابْنُ مَاجَهْ وأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ)
فحسب قياس المعترض كان الصحابة والعياذ بالله ملعونين طيلة الفترة السابقة للنهي!
أما الحقيقة فهي كما قال المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام؛ لا تنكشف الحقائق إلا في وقتها ولا مؤاخذة للذين ماتوا على العقيدة السابقة.
أما الحياة في السماء فالأفضلية هي في الحاجة إلى بقاء نبي ليس من أمة النبي ﷺ لم يتتلمذ على يديه ًوتعاليمه ﷺ بقائه حياً في السماء نظراً للحاجة والضرورة إلى وجوده بينما انتفت الحاجة إلى وجود النبي ﷺ! كما أن الصعود والرقي إلى السماء بحد ذاته يعد تكريماً وتشريفاً عند أهل السنة (أنظر: وقفات مع ذكرى الإسراء والمعراج)
وهذا الذي جاء في موقع أهل السنة والجماعة:
“المقصود من هذه الرحلة المعجزة تكريم النبي وإطلاعه على عجائب خلق الله وليس المقصود منه الوصول الى مكان ينتهي فيه … والمقصود بمعجزة المعراج تشريف الرسول الأعظم ﷺ باطلاعه على عجائب العالم العلوي وتعظيم مكانته ﷺ.” (أنظر: الرابط السابق)
ثبت إذن بأن الصعود إلى السماء هو تشريف وتكريم وليس كما قال المعترض. كذلك فإن القول أن النبي ﷺ والعياذ بالله انتفت الحاجة إليه ودُفن في تراب الأرض بينما يحيا المسيح في السماء لمهمة إصلاح أمة محمد ﷺ هو تفضيل لعيسى على النبي ﷺ نفاه المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام كل النفي.
حتى الأمثال التي يضربها المعترض نفسها فاسدة لا تصلح كقوله بأن جو كشمير أفضل من مكة ولذلك فالمسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام يفضّل المسيح على النبي ﷺ هو قول فاسد للغاية لأن الْفُقَهَاء أجمعوا على أن مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ هُمَا أفضل بقاع الأْرْضِ قاطبة، وفي ذلك يقول تعالى:
﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾
فالمثال الذي قدمه المعترض فاسد من جميع الوجوه.
أما محاولة المعترض إيهام الناس بأن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام يسيء إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والعياذ بالله فهو قول سخيف تنقضه بعثة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام نفسها لأنها عبارة عن إثبات أحقية النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالإتّباع. ويقول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام في ذلك:
“وأنا أيضا ِمن أحقر خدام ذلك النبي الجليل الشأن الذي هو سيد الرسل وتاج المرسلين أجمعين، فإذا كان أولئك حامدين فهو أحمد، وإذا كانوا محمودين فهو محمد ﷺ.” (البراهين الأحمدية، الجزء الرابع، الخزائن الروحانية، مجلد 1، ص 593-594، الحاشية في الحاشية 3)
ويقول عَلَيهِ السَلام:
“لقد أثّر بي جمال جليسي مُحَمَّد ﷺ، ولولاه ﷺ لستُ إلا حفنة من التراب .. الآن يمكن أن يفكر المنصفون بأنفسهم أنه ما دامت آلاف النبوءات تتحقق على يد أدنى خدام سيدنا خاتم الأنبياء وأحقر غلمانه ﷺ وتظهر منهم الخوارق العجيبة، فأي وقاحة وعدم حياء أن ينكر عَمِهٌ نبوءات النبي ﷺ.” (البراهين الأحمدية جـ 4، ص 444)
لقد استعرض المعترض في الشبهات السابقة جهله المدقع في العلوم الدينية والمادية وهنا يستعرض إلحاده وسوء سريرته التي لا تتورع عن الكذب وتلبيس الأمور لتضييع الحقائق. ولكن هيهات وشهب المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام المحرقة بالمرصاد. ولن يزداد المعترض الكاذب إلا بؤساً وذلاً ولن يزداد المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام إلا عْزّاً وسؤددا.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ