سؤال: هل ربنا مخلوق من مادة؟

سمعتُ بأن مؤسس الأحمدية يقول بأن ربَّه مخلوقٌ من العاج ! هذا غريب جداً ! فكيف رَبُّ العٰالَمِينَ وهو مخلوق من مادة العاج ؟ ولماذا العاج بالذات؟

الجواب:

هذا مجرد كذب يشيعه الخصوم اليائسون ضد الجماعة الإسلامية الأحمدية ولا علاقة له بمؤسس الجماعة المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام.

حاشا لله تعالى أن يكون مخلوقاً بل هو خالق كل شيء ولا خالق له سبحانه وتعالى ولا يماثله شيء كما قال تعالى في القرآن الكريم الذي تؤمن به الجماعة الإسلامية الأحمدية بأنه كتاب الله تعالى الكامل الأكمل المُنزه عن الخطأ والزيادة والنقصان والريب والتناقض، وبذلك فلا معنى للقول بأن الله تعالى مخلوق من العاج لأن ما جاء في سورة الإخلاص وغيرها من سُوَر القرآن الكريم تؤمن به الجماعة الإسلامية الأحمدية كل الإيمان ولا كتاب لها غيره. الواقع إنَّ عقيدتنا في الله تعالى تتلخص في كلام مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية التالي:

إنَّ إلٰهنا هو ذلك الإله الذي هو حيٌّ الآن كما كان حيًّا من قبل، ويتكلم الآن كما كان يتكلم من قبل، ويسمع الآن كما كان يسمع من قبل. إنه لظَنٌّ باطل بأنه سبحانه وتعالى يسمع الآن ولكنه لم يعد يتكلم. كلا، بل إنه يسمع ويتكلم أيضًا. إن صفاته كلها أزلية أبدية، لم تتعطل منها أية صفة قَطّ، ولن تتعطل أبدًا. إنه ذلك الأحد الذي لا شريكَ له، ولا ولدَ له، ولا صاحبةَ له. وإنه ذلك الفريد الذي لا كفوَ له… إنه قريب مع بُعده، وبعيد مع قربه، وإنه يمكن أن يُظهر نفسه لأهل الكشف على سبيل التمثُّل، إلا أنه لا جسمَ له ولا شكلَ …. وإنه على العرش، ولكن لا يمكن القول إنه ليس على الأرض. هو مجمع الصفات الكاملة كلها، ومظهر المحامد الحقة كلها، ومنبع المحاسن كلها، وجامع للقوى كلها، ومبدأ للفيوض كلها، ومرجع للأشياء كلها، ومالك لكل مُلكٍ، ومُتّصفٌ بكل كمالٍ، ومنـزه عن كل عيب وضعف، ومخصوص بأن يعبده وحده أهلُ الأرض والسماء.” (الوصية، الخزائن الروحانية، ج 20، ص 309 -310)

وهكذا لا يمكن أن يكون الإله عند الجماعة الإسلامية الأحمدية مخلوقاً ناهيك أن يكون من عاج أو غيره.

معنى كلمة عاج في القواميس

الواقع أن كلمة عاج ورَدَت في إلهام تلقّاه المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام كالتالي:

أُلهمتُ: “قُلْ عندي شهادةٌ من الله فهل أنتم مؤمنون. إنَّ معي ربّي سيهديِن. رَبَّ اغفِر وارحَمْ من السماء. ربنا عاجٍ. رَبَّ السجن أحبُّ إلي مما يدعونني إليه. رَبَّ نجّني من غمّي. إيلي إيلي لما سبقتني؟” أي: …. إنَّ تأييد الله لي، وإظهاره إياي على أسرار الغيب، وِإنباءَه إياي بأخبار المستقبل قبل وقوعها، واستجابته لأدعيتي، ووحْيه إليَّ بلغاتٍ مختلفة، وتعليمَه إياي المعارف والحقائق الإلهية، لشهادةٌ من الله بحقِّي يجب على المؤمن قبولها … لم ينكشف عليَّ معنى: “ربُّنا عاجٍ” … إلهي إلهي، لِمَ تركتني.” … كلها أسرار تنطبق على مواضعها وفي مواعيدها، وعلمها عند الله عالم الغيب.” (البراهين الأحمدية، الجزء الرابع، الخزائن الروحانية، مجلد 1، ص 662-664، الحاشية في الحاشية 4)

كما يظهر من كلام حضرته فمعنى “عاجٍ” لم ينكشف في ذلك الوقت، وباستبعاد المعنى المادي الذي لا يستقيم ولا ينسجم مع سياق كلام المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام فإن المعنى الصحيح والبديهي البعيد عن الخلق المادي بلا شك هو الذي ينسجم مع السياق والعقيدة المعلنة. فلننظر الآن في قواميس اللغة العربية والأثر ما هو معنى “عاج” الوارد في الإلهام.

هذا ما ورَدَ في كتب اللغة من معاني كلمة “عاج” التي يمكن الوصول إليها ما دامت موجودة بالفعل وداخلة في الصيغ المقررة في اللغة العربية:

عَجَّ/عَجَّ بـ عَجَجْتُ، يَعِجّ، اعْجِجْ/عِجَّ، عَجًّا وعَجِيجًا، فهو عاجٌّ، وعَجَّاحٌ، والمفعول معجوج به. 
عَجَّ إِلَى اللَّهِ بِالدُّعَاءِ: ضَجَّ، رَفَعَ صَوْتَهُ. 
عَجَّ الطَّرِيقُ: غَصَّ، اِمْتَلأَ عَجَّتِ الْقَاعَةُ بِالْجُمْهُورِ تَعُجُّ الدُّرُوبُ بِالرِّجَالِ وَالأَطْفَالِ. 
عَجَّتِ الرِّيحُ: اِشْتَدَّتْ فَأَثَارَتِ الْغُبَارَ. 
عَجَّ ثَدْيا الجارية: إذا صَارت كاعِبًا.” (مختلف معاجم اللغة العربية، تحت: عَجَّ)

إذن “عاج” كما تقول المعاجم اللغوية من “عج” أي رفع صوته في النداء والدعاء، ولا يستقيم المعنى السياقي في نص المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام مع باقي المعاني الأخرى المذكورة. وهكذا يتضح المعنى أنه الصوت الجليل والدعاء.

الإستدلال في الأحاديث

وللاستدلال من الأثر على نفس المعنى نورد الحديث الصحيح الذي أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه:

حدثنا التقفي عن أيوب عن سعيد بن جبير قال: سُئل ابن عباس: ما هو الحج؟ قال: العَجُّ وَالثَّجُّ.” (مصنف ابن أبي شيبة 4/1/ 430)

أي رفع الصوت في الحج مهم جدا.

وقد عرَّفَ الترمذيُّ ؒ العج في الحديث بأنه:

وَالْعَجُّ هُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ.‏ وَالثَّجُّ هُوَ نَحْرُ الْبُدْنِ.” (جامع الترمذي، ح 828)

والحديث هذا مشهورٌ في مصنفات الأحاديث.

فهذه هي المعاني حسب معاجم اللغة العربية والأثر، فليختر العاقل أي منها هو المقصود في نص كلام المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام. العاقل سيقول بكل تأكيد ولن يخالفه أحد بأن المعنى الذي ينطبق على السياق هنا هو رفع الصوت بالدعاء والتسبيح والنداء، وليس أن الله تعالى مخلوق من مادة العاج أي سن الفيل والعياذ بالله! لا أحد آخر غير معارضي الجماعة الإسلامية الأحمدية يفهم بهذا النحو السقيم، والذي يفهم ظاهر النصوص على بساطتها للأسف تؤدي به عداوته للجماعة الإسلامية الأحمدية إلى أن يجحد بالحقيقة التي تستيقنها نفسه فيعمد بدل التسليم بالطبيعي والمعروف إلى استغفال البسطاء من الناس لإبعادهم عن سبيل المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام، وهذا في الواقع قصورُ نظرٍ واستخفاف بالناس وكأنهم مجرد أطفال صغار قاصرو الفهم يجهلون أبسط أصول البحث والتحقيق.

وبهذا يصبح المعنى: “إنَّ الله تعالى معي يؤيدني ويشهد لي بصوتٍ جلالي عظيم“.

وهذا القول صحيح تماماً موافق للكتاب والسنة حيث ورَدَ أن صوت الله تعالى من العظمة بحيث يسمعه القريب والبعيد كما في الحديث الصحيح:

عن عبد الله بن أنيس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أنه قال: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُرَاةً حُفَاةً بُهْمًا فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مِنْ بُعْدٍ كَمَا يَسْمَعُهُ مِنْ قُرْبٍ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الدَّيَّانُ».” (أخرجه أحمد في مسنده، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 7/757)

الإستدلال من أقوال العلماء

فهل هذا يعني أن لله تعالى صوت كأصوات البشر يحتاج للهواء والذبذبات وعامل الزمان والمكان؟ لا بكل تأكيد لأنه تعالى ليس كمثله شيء وهو الغني عن كل شي، ولذا فصوته ليس كأصوات المخلوقات. وهذا ما شرحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حين قال:

وليس في الأئمة والسلف من قال: إنَّ الله لا يتكلم بصوت، بل قد ثبت عن غير واحد من السلف والأئمة: أن الله يتكلم بصوت، وجاء ذلك في آثار مشهورة عن السلف والأئمة، وكان السلف والأئمة يذكرون الآثار التي فيها ذكر تكلم الله بالصوت ولا ينكرها منهم أحد، حتى قال عبد الله بن أحمد: قلت لأبي: إن قوما يقولون: إن الله لا يتكلم بصوت؟ فقال: يا بني هؤلاء جهمية إنما يدورون على التعطيل. ثم ذكر بعض الآثار المروية في ذلك . وكلام البخاري في كتاب “خلق الأفعال” صريحٌ في أن الله يتكلم بصوت، وفرّق بين صوت الله وأصوات العباد، وذكر في ذلك عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك ترجم في كتاب الصحيح باب في قوله تعالى: {حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ۖ قَالُوا الْحَقَّ ۖ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} وذكر ما دلَّ على أن الله يتكلم بصوت.” (مجموع الفتاوى 6/527)

أما معنى الإلهام من “عاج” أي كيف تتحقق هذه النبوءة ومتى فَلَمْ تُكشف على المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام، وها نحن نشهد كيف تحققت إلهامات حضرته حتى بلغت دعوته أقصى الأرض إلى جزر نائية في المحيطات لم يسمع بها إلا القلّة فشيّدت فيها مساجد يُذْكَر فيها اسم الله تعالى كثيراً ويرفع فيها اسمه ﷻ بالعشي وَالْإِبْكَارِ وستكشف أكثر فأكثر إنْ شاءَ الله تعالى.

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد