الكحل لعيون المعترض:

هل يرى الميرزا أن هناك بشرا يسكنون في بيوت على سطح القمر

يقول: “وربما ظهر حادث صحيح على أرض الواقع كما قد نُشر في الجرائد الأوروبية في العصر الحاضر خبر يفيد أنه قد نزل حجرٌ– قُدّر وزنه أكثر من طنّ واحد- وكانت معه عظامٌ أيضًا وربما هي عظام الذين يسكنون في غرفة القمر (جاند كي كمري مين)، فسوف يختلج في قلب الفيلسوف فورا وسوسةٌ”. (كحل عيون الآريا)

الرد:

إن كتاب “الكحل لعيون الآريا” عبارة عن مناظرة بين حضرته عليه السلام وبين مُرليدهر الذي كان مُدرِّساً وناشطًا من قبل آريا سماج في هوشياربور. وقد تصدى حضرته عليه السلام في هذه المناظرة كمدافع عن الإسلام وردَّ على اعتراضات الخصم على الإسلام ومنها كما ورد في بداية هذا الكتاب:

لقد اعترض المدرس على معتقد إسلامي بانشقاق القمر، ويبدو قصده من هذا الاعتراض أنه لما كان المثقفون حديثا يحسبون هذه العجائب الأرضية والسماوية كلها- التي لا تحيط بها عقولُهم- خلافا لقانون الطبيعة بسبب انتشار الفلسفة الإنجليزية، تلك التي لم يروها بأم أعينهم ولم يجدوا أثرها في كتبهم الفلسفية، لذا فقد أثار المدرس اعتراضا لكي يتفق في الرأي دونما سبب مع الفلاسفة الذين تستولي على عقولهم وأذهانهم الأفكارُ الفلسفية أن انشقاق القمر مستحيل. وفي المناظرة إذا تحدث أحد الطرفين كلامًا غير مؤثق فالطرف الآخر يطالبه بالإثبات. وعندما ذكر حضرته عليه السلام هذا الأمر بأنه قد نُشر في الجرائد لم يعترض عليه مُرليدهر ولم يطالبه بالإثبات مما يدل أن الأمر كان منتشرًا وكان مُرليدهر قد اطلع عليه.” (الكحل لعيون الآريا)

وهكذا ففي هذا النص الذي نقله المعترض يردُّ المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام على زعم أعداء الإسلام أن انشقاق القمر خرافة فكان ردّ حضرته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام جميلاً وتناول كافة الجوانب المتعلقة بالموضوع بما يقطع بصحة انشقاق القمر وجهل أعداء الإسلام بسنن الله تعالى. وفي النص الذي نقله المعترض خارج السياق كعادته يُبين المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام للهندوسي كيف أن العقل والفلسفة لوحدهما دون الدين والإيمان بالله تعالى ليس أساساً قوياً بدليل أن الفيلسوف الذي يدّعي العلم لو سمع من مصادر موثوقة بما لا يمكن حدوثه عقلاً عنده فسوف يضطرب ولن تسعفه فلسفته وضرب المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام أمثلة على ذلك كخروج العسل من الحجر وطيران الناس في السماء بلا وسيلة طيران مما ينفيه العقل وخبر سقوط شهب على الأرض كما نشرته صحف أوروبية آنذاك واعتقدوا هم بأنه يضم عظام مخلوقات القمر فسوف يتولد عند الفيلسوف المنطقي وسوسة وشَكّ في منطِقه مما يدل على نقصان عقله ولذلك لا يصح جعل العقل وحده قاضياً على سَنَن الله تعالى. ولاحِظ عزيزي القاريء كيف يقول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بأن هذا ما نشرته الصحف الأوربية وقد قال قبل ذلك بأن الأمر قد يقال على سبيل الفكاهة وليس الحق، فيقول عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام في النص كاملاً:

لقد ثبت ويُلاحظ دوما أن الذين يُدعون متمسكين بقانون الطبيعة عبثا، يكونون غير ناضجين في رأيهم. فلو حَدَّثَ عشرة أو عشرون من العقلاء الثقات ومن في مستواهم عن أمرٍ -حتى لو كان بدافع الفكاهة- فزعموا مثلاً أنهم رأوا بأم أعينهم إنسانا يطير أو قد شاهدوا العسل يرشح من الحجر بل وتناولوه أيضا، أو شاهدوا أزهارا نزلت من السماء وخرج منها الذهب، وربما ظهر حادث صحيح على أرض الواقع كما قد نُشر في الجرائد الأوروبية في العصر الحاضر خبر يفيد أنه قد نزل حجر– قُدّر وزنه أكثر من طنّ واحد- وكانت معه عظامٌ أيضاً وربما هي عظام الذين يسكنون في حُجرةٍ في القمر؛ فعلى الفور سوف تختلج في قلب الفيلسوف وسوسة. فهذه الوسوسة والبلبلة تشهد صراحة على نقصان عقل ذلك الشقي وفهْمه. الأمر الذي يُثبت أن معظم ذخائره هو الظن، لأن الإنسان لا يتردد في أمر قطعي الإثبات. فمثلاً إذا قال عشرة أو عشرون شخصا لِحَيٍّ بأنه ليس حيّا بل قد فارقتْه الحياة فلن يصيبه أي شك في حياته حتى لو أدلى عشرة آلاف شخص بشهادة موته. بل لن يتمكن جمٌّ غفير -يضم عددا لا يحصى- من توليد الإضطراب بشهاداتهم الحلفية. ذلك لأن يقينه بحياته تام وكامل. وقد لوحظ أن العقلاء من الفلاسفة فعلاً قلَّما يثقون بتجاربهم الفلسفية، لأن معلوماتهم واسعة وهم مطلعون على حقيقة فلسفتهم الداخلية.” (كحل عيون الآريا)

اذاً ما نقله عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام إنما هو ما تناقلته صحف ذلك الوقت فقط على سبيل المحاججة ولم يوافق عَلَيهِ بل العكس فقد نقله لتبكيت الفلاسفة الذين يعتمدون على الفلسفة وحدها ويقولون لا حاجة لله تعالى ولم يقل عَلَيهِ السَلام بأن هذه هي عقيدتي التي تلقيتها من الله تعالى على الإطلاق. ولقد كانت فكرة وجود حياة على سطح القمر بالفعل منتشرة في القرن التاسع عشر حتى فترة لاحقة من القرن العشرين وكانت الصحف تنشر وقتئذ أن شهاباً ضرب الأرض من القمر حيث يسكن بعض البشر أو المخلوقات الأخرى، وقد ألَّفَ عددٌ من الكتّاب والأدباء أعمالاً فنية تجسد هذه النظرية ومنهم أتش جي ويلز الذي نشر سنة 1901 كتابه المعنون “أول الرجال على القمر” H.G. Wells The First Men in the Moon (من هنا:The first men in the moon) حيث وصف فيه وجود مخلوقات على القمر ولاقى هذا الكتاب نجاحاً منقطع النظير حول العالم وخاصة في أوربا وتحديداً في إنكلترا.

بل إننا نجد حتى في أهم كتب علم الفلك (The Family Celestial) المنشور سنة 1915 أي بعد كتاب كحل الآريا بـ 29 سنة الذي تم فيه الإعلان لأول مرة عن نفي وجود بشر على القمر نجد أن الكتاب لم يستبعد وجود مخلوقات على القمر بشكل أو باخر حيث يقول:

‏ “Even with all this, still life in some weird form may exist on the Moon” (The Family Celestial)

فهي إذاً محاججة ممتعة من المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام لأعداء الإسلام الذين يقف المعترض إلى جانبهم ويقتطع كلام المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام من سياقه لينتصر للإلحاد.

وبعد ذلك كله نقول بأن عدداً من المشايخ اعترفوا بالدفاع المجيد الذي قام به المسيح الموعود عليه السلام عن حياض الإسلام خلال هذه المناظرة التي سميت بكتاب “الكحل لعيون الآريا”، فعند نشر الكتاب العظيم “الكحل لعيون الآرياً كتب حوله أكبر مشايخ أهل الحديث المولوي محمد حسين البطالوي تقريظاً في مجلته “إشاعة السنة” فقال:

هذا الكتاب الذي ليس له جواب ألَّفه زعيم قاديان مرزا غلام أحمد مؤلف كتاب البراهين الأحمدية، … لقد نُشرت فيه مناظرة المؤلف مع أحد أعضاء الآريا سماج في هوشياربور، حول معجزة شق القمر وتعليم الفيدا. لقد أثبت المؤلف في هذه المناظرة ظهورَ معجزة شق القمر من خلال الوقائع التاريخية والأوجه العقلية، ومقابله قد فنَّد كتاب الآريا سماج أي الفيدا وتعاليمه ومعتقداته (كتناسخ وغيره) بأدلة يُعتَدُّ بها.” (إشاعة السنة ج 9 عدد 6 ص 145 وما بعدها)

وهذا أحد العلماء غير الأحمديين وهو الشيخ سيد أبو الحسن علي الندوي الذي أبدى رأيه حول هذا الكتاب عظيم الشأن فقال:

لقد ناظر المرزا المحترم في 1886 الأستاذ مرليدهر من آريا سماج في هوشياربور، وعن هذه المناظرة ألف كتابا مستقلا سمَّاه “كحل لعيون الآريا”، وهذا كتابه الثاني في مجال المناظرة مع الأديان والفِرق، كان موضوع البحث في أول أيام المناظرة إثبات معجزة شق القمر عقلا ونقلا. لم يدافع المرزا المحترم في هذا الكتاب عن هذه المعجزة فقط بل قد دافع عن معجزات الأنبياء عموما دفاعًا قويًّا، وأثبت أن حدوث المعجزات والخوارق ممكن عقلا. فلا يحق للعقل والعلم الإنساني المحدود والتجربات الشخصية المحدودة أن تنكر هذه المعجزات والخوارق، وتدّعي الإحاطة بهذا الكون. فقد ركز مرارا وتكرارا على هذه الحقيقة؛ أن علم الإنسان محدود ومختصر بينما نطاق الإمكان واسع جدا، كما ركز على أن الأديان والمعتقدات تقتضي الإيمان بالغيب، وليس بينها وبين العقل أي تناقض، وذلك لأن العقل غير محيط بكل شيء.” (قاديانيت، ص 62، 63 للشيخ أبي الحسن الندوي)

وكتبتْ الجريدة المسيحية نور أفشان (6/1/1887) تعليقا على كتاب “الكحل لعيون الآريا” كما يلي:

الحقيقة إن هذا الكتاب قد أماط اللثام جيدا عن الآريا سماج ومزَّقه كل ممزق، إن دحض أدلة الكتاب الحاسمة مستحيل قطعا.

أما عن موضوع قول المُصْلِح المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بالانشقاق الكشفي بينما المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام لم يشر إلى ذلك فنورد فيما يلي قول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام حول إمكانية أن يكون انشقاق القمر أيضاً من قبيل الكشف، ولم يكن انشقاقاً مادياً وأن ليس هنالك ما يمنع ذلك:

كما من الممكن أن تكون القوة القدسية للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قد وَهبت للمشاهدين عيوناً كشفية بحيث أُحضر أمامهم مشهدُ الانشقاق الذي سيحدث قرب القيامة. لأنه من الثابث المتحقق أنَّ قوى المقرّبين الكشفية، تؤثِّر بسبب قوتها الكبيرة في الآخرين أيضًا. والأمثلة على ذلك موجودة بكثرة عند أصحاب المكاشفات. فبعض الأكابر أظهروا وجودهم في بلدان مختلفة وأماكن مختلفة في آنٍ واحد بإذن الله.” (كحل لعيون الآريا)

أي أنَّ المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام يقول بصورة غير مباشرة أنَّ تفسير المُصْلِح المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ هو الصحيح في هذه المسألة. كيف لا وهو ولده الذي وردت حوله رواية “يتزوج ويولد له“.

وبعد كل هذا نقول لعل الآريا فهموا هذه القضية واعتبروا من الدرس أما المعترض فيصدق عليه القول بأنه في الحقيقة يحتاج إلى الكحل أيضا، أو لعله من الذين قال الله تعالى عنهم:

{لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا}

والحمد لله تعالى ناصر المؤمنين مُهين المفترين.

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد