المعترض:

وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَما وَجَدنا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا
في كتابه إزالة الأوهام ذكر الميرزا أنّ الصحابة ” كانوا مُجمعين على أن ابن صياد هو الدجال”، وبعد 157 صفحة ذكر أنّ “بعض الصحابة (لا كلهم) كانوا يعتبرون أنّ ابن صياد هو المسيحُ الدجال”، وأن خلافا كان بينهم. وبعد 122 صفحة ذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم غيّر رأيه في نهاية الأمر ولم يعُد يرى أن ابن صياد هو الدجال. وبعد 119 صفحة من ذلك عاد وأكّد أن الصحابة كانوا مجمعين على أن ابن صياد هو الدجال. ودافع بشدّة عن قوله.
فهل هذا يدلّ على أنّ أكثر من شخص ساهموا في كتابة هذا الكتاب، أم أنّ الميرزا لا يَعي ما يقول؟ أم أنه ألَّف بدايته ونهايته أولا، ثم عاد وأكمل ما جاء في وسطه؟! وفي كل الحالات: لماذا لم يشطب ما تراجع عنه؟ لماذا يحوي الكتاب القول ونقيضَه ونقيضَ نقيضِه.
وفيما يلي أقواله:
1: إجماع الصحابة أن ابن صياد هو الدجال
“إن في تصريح ابن صياد أن الناس كانوا يعتبرونه الدجال المعهود دلالة كافية على أن جميع الصحابة  كانوا يعُدّونه الدجال المعهود لا دجالا آخر. ويتبين من هنا أن الصحابة  كانوا مُجمعين على أن ابن صياد هو الدجال المعهود. (إزالة الأوهام ص 224)
2: اختلاف الصحابة في ابن صياد، أهو الدجال أم لا
“لقد ذكرتُ من قبل أنه كان هناك خلاف بين الأكابر في قرن الإسلام الأوّلِ في تعيين المسيح الدجال وتشخيصه، فكان بعض الصحابة  يعتبرون أن ابن صياد هو المسيحُ الدجال بالقطع واليقين”. (إزالة الأوهام ص381)
3: الرسول صلى الله عليه وسلم تراجع عن قوله في أن ابن صياد هو الدجال
لم تُكشَف النبوءةُ عن ابن صياد أيضا بجلاء تام، فكان صلى الله عليه وسلم يظن بدايةً أن ابن صياد هو الدجال المعهود، ولكنه غيّر رأيه في نهاية الأمر. (إزالة الأوهام ص 503)
4: التأكيد على إجماع الصحابة على أن ابن صياد هو الدجال
يرد الميرزا على البطالوي قائلا:
“ثم زعمتَ في إعلانك أن قولي بإجماع الصحابة على كون ابن صياد الدجال، هو من الأكاذيب. … هل رُوي عن صحابي إنكارُه بعد ذيوع هذا الخبر؟ فإذا كان الأمر كذلك فسَمِّهِ لي. ألا تعلم أن من أنواع الإجماع – من حيث أصول الفقه – الإجماع السكوتي أيضا”؟ (إزالة الأوهام ص 622)

الرد:

هذه فرصة جيدة ليطّلع القرّاء على جمال تفسير المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام لأحاديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم حول خروج الدجال وطبيعتها وكيفية تحققها ووقتها وفق الكتاب والسنة حيث بيّن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام كيف أن النبي ﷺ لحرصه الشديد على تحقق النبوءات قد شك برجل يدعى ابن صياد أو ابن صائد واجتمع الصحابة رضوان الله عليهم على أنه هو الدجال المعهود ولكن اتّضح لاحقاً بأن الرجل أسلم ولم يكن هو الدجال بل كان صورة عن الدجال الذي يخرج في زمن المسيح الموعود الذي قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لعمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بأنه ليس أوانه بعد أي أن الدجال المقصود في النبوءات ليس هو هذا بل هو ما حدده القرآن الكريم بأنه الكذاب أي القسس المنصرين في القرآن الكريم، ولنأخذ مثالاً من الحديث الشريف:

“حدثنا محمد بن سابق، حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن أبي، عن جابر بن عبد الله، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “يخرج الدجال… ثم ينزل عيسى ابن مريم فينادي من السحر، فيقول: يا أيها الناس، ما يمنعكم أن تخرجوا إلى الكذاب الخبيث؟ فيقولون: هذا رجل جني، فينطلقون فإذا هم بعيسى ابن مريم، فتقام الصلاة، فيقال له: تقدم يا روح الله، فيقول: ليتقدم إمامكم فليصل بكم، فإذا صلى صلاة الصبح خرجوا إليه”، قال: “فحين يرى الكذاب ينماث كما ينماث الملح في الماء، فيمشي إليه، فيقتله..”.” (مسند أحمد، طبعة الرسالة، ج 23، ص 212، رقم الحديث 14954، إسناده على شرط مسلم)

فقد ورد في الحديث أعلاه وصْف الدجال بالكذاب وهو ما يوافق الذي جاء عن الدجال في سورة الكهف أي الأمة النصرانية “إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا” وحسب حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم للعصمة من فتنة الدجال؛ “اقرأوا فواتح وخواتم سورة الكهف“، ومنها ادعاء النصارى أن لله ولد -تعالى عن ذلك- وقوله سبحانه كما سلف “إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا“. فالدجال هو الكذاب وهو المذكور في القرآن الكريم حسب الحديث وهي الأمة النصرانية وبالأخص القسس الذين يحاربون التوحيد.

إذاً، فالمسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام يناقش نبوءة الدجال وعدم تحققها في ابن صياد رغم إجماع الصحابة في البداية على كونه هو الدجّال وذلك لإسلام الرجل فيما بعد وصلاة المسلمين عليه. إذاً فقد بيّن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بأن النبوءة لم تكشف أسرارها للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أي لم تحدد له هوية هذا الدجال في بداية الأمر وهذه هي طبيعة النبوءات أن لا تُكشف كل أسرارها وتفاصيلها بل تترك لوقتها المعلوم. إضافة لما سبق فقد فنّد المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام اعتقاد المشايخ بأن الدجال يجب أن يكون أعوراً على الحقيقة وأن يكون على جبهته عبارة مكتوبة “كـ ف ر” وما إلى ذلك من تفاصيل لا يجب أن تؤخذ على حرفيتها مما يؤكد أن الصفات المذكورة للدجال ليست حرفية كما يظن المشايخ. ولأن التوحيد مبدأ قرآني أساسي فلا يجوز نسب القدرات الإلهية للدجال لأنها تناقض التوحيد وتطعن في عقيدة القرآن الكريم.

يتجلى بوضوح مما سيلي من كلام المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام أن حضرته ذكر المسألة كإجماع بداية ثم عرّجَ على صحة الحديث ووجوب تحققه بما يناسبه من تأويل لا يطعن بالتوحيد الثابت في القرآن الكريم وتراجُع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم والصحابة رضوان الله عليهم عن ابن صياد في نهاية المطاف ثم ناقش المسألة في سياقات ومواضع مختلفة من الكتاب. فالدروس والعبر كثيرة وعظيمة في كلام حضرته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام، ولذلك ندعوكم لقراءة كتاب إزالة الأوهام لغناه في هذا المجال حيث أغلق المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام كل الأبواب بوجه التنصير والتفسير الخرافي للدجال وإنكار أحاديث خروج الدجال ونزول المسيح الموعود.

لن نتكلم كثيراً بل سنقتبس بعضاً مما قاله حضرته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام لتوضيح الأمر وبيان ترابطه وجماله وكماله بشرح ماتع لحضرة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام سائلين المولى ﷻ السداد والقبول والنفع، اللهم آمين.

كتب المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام في الصفحة 224-226 من كتاب “إزالة الأوهام” ما يلي:

وقد جاء في حديث آخر ورد في “شرح السنة”: “لم يزل رسول الله ﷺ مشفقا أنه هو الدجال“. أي كان النبي ﷺ خائفا أن ابن صياد قد يكون دجالا، أي كان أغلب ظن النبي ﷺ دائما أن ابن صياد هو الدجال. الآن، وقد ثبت مما ورد في صحيح البخاري، وصحيح مسلم بوجه خاص؛ أن ابن صياد هو الدجال المعهود، بل كان الصحابة ؓ يقولون حالفين بالله إنه هو الدجال المعهود، فأي شك بقي في كونه الدجال المعهود؟ أما ما آلت إليه حالة ابن صياد وكيف كانت عاقبته فيتبين ذلك من حديث ورد في صحيح مسلم كما يلي:

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ صَحِبْتُ ابْنَ صَائِدٍ إِلَى مَكَّةَ فَقَالَ لِي أَمَا قَدْ لَقِيتُ مِنَ النَّاسِ يَزْعُمُونَ أَنِّي الدَّجَّالُ أَلَسْتَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ ‏”‏إِنَّهُ لاَ يُولَدُ لَهُ”‏‏.‏ قَالَ قُلْتُ بَلَى‏.‏ قَالَ فَقَدْ وُلِدَ لِي‏.‏ أَوَلَيْسَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ ‏”‏ لاَ يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ وَلاَ مَكَّةَ ‏”‏.‏ قُلْتُ بَلَى‏.‏ قَالَ فَقَدْ وُلِدْتُ بِالْمَدِينَةِ وَهَذَا أَنَا أُرِيدُ مَكَّةَ.

هنا يجب أن يفكر المرء أنه من الغرابة بمكان أن بعضا من الصحابة يقولون حالفين بالله إن ابن صياد هو الدجال دون غيره، بينما قد ورد في الصحيحين برواية جابر أنه حين أقسم عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ على أن هذا الشخص هو الدجال المعهود في الحقيقة، ولزم النبي ﷺ الصمت، فبسكوته أظهر رأيه أن ابن صياد هو الدجال المعهود. ثم ورد في صحيح مسلم ذكر إسلام ابن الصياد بكل وضوح وكونه صاحب أولاد ودخوله مكة والمدينة. وليس ذلك فحسب بل قد ورد أيضا في الأحاديث أنه مات في المدينة المنورة وصّلوا عليه صلاة الجنازة. والآن كل منصف يستطيع أن ينظر بعين الإنصاف، يرى أن الكتب التي جاء فيها ذكر خروج الدجال في الزمن الأخير وهلاكه على يد عيسى عَلَيهِ السَلام قد ورد فيها أيضا أنه كان قد خرج في زمن النبي ﷺ ومات بعد إسلامه. علما أن إسلامه أيضا كان ضروريا بحسب نبوءة وردت في صحيحي البخاري ومسلم عن النبي ﷺ بصورة رؤياه إذ قد رآه في الرؤيا يطوف بالكعبة.

على أية حال، ما دام هذا قد ورد عن الدجال في بعض الأحاديث فكيف يمكن الثقة بالأحاديث الأخرى التي تتعارض معها؟ أما لو حكم العلماء بأنها موضوعة، وشطبوها من صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما من الصحاح، لكان لادعائهم شيء من الأهمية، وإلا فلا بد أن يعتبر كلا النوعين من الأحاديث ساقطاً عن مرتبة الثقة عملا بالمبدأ: “إذا تعارضا تساقطا”.

والأغرب من ذلك في هذا المقام أن الإمام مسلم يورد حديثا: “الدجّال مكتوب بين عينيه ك ف ر”، ولكن هذا الدجال قد أسلم بحسب حديث آخر. وقد أورد الإمام مسلم حديثا أن النبي ﷺ قال إن الدجال سيجول في الشرق والغرب “كالغيث استدبرته الريح“، ولكن هذا الدجال لم يتمكن من المشي أسرع من “أبي سعيد” كما يتبين من حديث أبي سعيد الذي أورده مسلم في صحيحه. كذلك لم ير أحدٌ ك ف ر، مكتوبا بين عينيه. ولو كان ذلك مكتوبا بين عيني ابن صياد لما منع النبي ﷺ عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ من قتله، ولما قال بأننا ما زلنا نشك في أمره. فإذا كان هو الدجال المعهود، فسيقتله صاحبه عيسى بن مريم، وليس لنا أن نقتله.

واللافت في الموضوع أنه إذا لم يكن “ك ف ر”، مكتوبا بين عيني ابن صياد، فما السبب في اعتباره الدجال المعهود؟ وأما إذا كان ذلك مكتوبا فعلا فما السبب لعدم اعتباره الدجال المعهود؟ ولكن يتبين من الأحاديث الأخرى أنه قد اعتبر الدجال المعهود بالتأكيد في نهاية المطاف، وقد قال الصحابة ؓ حالفين بالله تعالى بأنه لم يعد عندهم أي شك قط في كونه الدجال المعهود، كما أيقن ذلك النبي ﷺ أيضا.

ولكن الجدير بالتدبر أنه إذا كان الحديث الذي ورد فيه: الدجّال مكتوب بين عينيه ك ف ر، صحيحا فلماذا ارتاب النبي ﷺ بنفسه وشك في أمر ابن صياد في أوائل الأيام؟ ولماذا قال إنه من الممكن أن يكون هو الدجال المعهود أو غيره؟ فيظنّ من هنا أن “ك ف ر” قد لا يكون مكتوبا بين عينيه إلى ذلك الحين. إنني لأستغرب وأحتار بشدة من أن خروج الدجال إذا كان مقدَّراً في الزمن الأخير في الحقيقة، أي في الزمن الذي ُقدِّر فيه نزول المسيح ابن مريم فلماذا نشأت هذه الشكوك والشبهات قبل الأوان؟ والأغرب من ذلك أن ابن صياد لم يقم بأي عمل يمكن اعتباره من علامات الدجال المعهود؛ مثل أن تكون الجنة والنار معه، وتتبعه كنوز الأرض، ويحيي الموتى، وينـزل المطر بأمره، وينبت الزروع، ويركب حمارا طوله سبعون ذراعا.

إن المشكلة العويصة التي تواجهنا هنا هي أنه إذا اعتبرنا الأحاديث الواردة في صحيحي البخاري ومسلم التي تتحدث عن خروج الدجال في الزمن الأخير صحيحةً، فلا مندوحة لنا من اعتبار الأحاديث المذكورة آنفا موضوعةً، والعكس صحيح.” (إزالة الأوهام ص 224-226)

وقد كتب المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام في حاشية الصفحة نفسها ما يلي:

إن في تصريح ابن صياد أن الناس كانوا يعتبرونه دجالا معهودا دلالة كافية على أن جميع الصحابة كانوا يعدونه دجالا معهودا وليس دجالا آخر. ويتبين من هنا أن الصحابة كانوا مجمعين على أن ابن صياد هو الدجال المعهود، منه.” أهـ

ثم يقول عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام في الصفحة 227:

فمن منطلق هذا الطريق للحكم؛ تبدو الأحاديث عن ابن صياد أقرب إلى الفهم، لأنه كان دجالا فعلا في أيامه الأولى، وكانت تظهر منه أمور عجيبة نتيجة علاقته مع بعض الشياطين، فيفتن الكثير من الناس. ولكن الله تعالى هداه بعد ذلك فأسلم وتخلى عن تصرفاته الشيطانية، وقام بطواف الكعبة أيضا كما رآه النبي ﷺ. وليس في أمره شيء خارج عن قوانين الطبيعة والعقل، ولم يبالَغ في وصفه إلى حد الشرك. ولكننا حين نلقي نظرة على الأحاديث الأخرى التي تنبئ أن زمن خروج الدجال المعهود هو الزمن الأخير قرب نهاية الدنيا، نجدها مليئة بما لا يصح عقلاً ولا ينسجم -بحسب الشريعة- مع عقيدة التوحيد في الإسلام. لذا فقد اقتبسنا حديثا طويلاً من صحيح مسلم عن خروج الدجال من النوع الثاني، فيمكن للقراء الكرام أن يدركوا من خلاله مدى مخالفة صفات الدجال المعهود المذكورة فيه وتعارضها مع العقل وشرع الإسلام. ومن الواضح الجلي أننا إذا حملنا الحديث عن “دمشق” على ظاهر كلماته واعتبرناه صحيحا، وأنه وحي من الله تعالى إلى رسوله، فلا بد من الإيمان بأن الدجال سيُعطَى نوعا من قوة الألوهية حقيقةً، وستطاوعه الأرض والسماء، ويحدث كل شيء بمجرد إرادته مثلما يحدث بإرادة الله تماما. فكلما أراد إنزال المطر نزل تلقائيا، ولو أمر السحاب أن يتوجه إلى بلد معين لامتثل لأمره فورا، وكذلك يتصاعد البخار من الأرض إلى السماء بأمره. وبأمره ستنبت الأرض -مهما كانت قاحلة- نباتا أجود وأعلى نوعا. باختصار، سوف ينجز كل شيء بمجرد قوله: “كن فيكون” كما هو شأن الله تعالى، حيث يقول: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. وسيكون قادراً على الإحياء والإماتة، وترافقه الجنة والنار كما لو كانت السماوات والأرض في قبضته، وسينجز أعمال الألوهية إلى مدة تمتد إلى أربعين عاما أو أربعين يوما، وتصدر منه جميع الصلاحيات والمؤهلات الخاصة بالألوهية !! هنا أتسائل: هل هذا المفهوم الذي يستخلص من ظاهر كلمات الحديث ينسجم مع التوحيد الذي علَّمنا إياه القرآن الكريم؟ ألا تحكم مئات من آيات القرآن الكريم للأبد أن الإنسان -هالك الذات وباطل الحقيقة- لا يمكن أن يُخَوَّل بصلاحيات الألوهية؟ ألا يشكّل هذا المفهوم -إذا حُمل على الظاهر- نقطةً سوداء في جبين عقيدة التوحيد في القرآن؟ من الغريب حقاً أن إخواننا الموحِّدين يتباهون من ناحية بأنهم تخلَّوا عن الشرك تماما ويعدّون غيرهم مشركين وأهل بدعة، ويقولون عن أنفسهم بأنهم متمسكون بالتوحيد والسنَّة، ويذكرون ذلك أمام الآخرين بكل اعتزاز ويمدحون تمسكهم بالتوحيد ويثنون عليه، ومن ناحية ثانية نجد أن العقائد المليئة بالشرك لا زالت مترسخة في قلوبهم” أهـ

ثم كتب عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام في الصفحة 381:

لقد ذكرتُ من قبل أنه كان هناك خلاف بين الأكابر في قرن الإسلام الأولِ في تعيين المسيح الدجال وتشخيصه، فكان بعض الصحابة يعتبرون أن ابن صياد هو المسيح الدجال بالقطع واليقين. فقد قال عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أمام سيدنا رسول الله ﷺ حالفا بالله أن ابن صياد هو الدجال (أي المسيح الدجال). ولأن “الدجال” لا يطلَق إلا على المسيح الدجال، كذلك قال ابن عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أيضا بكلمات صريحة إنَّ ابن صياد هو المسيح الدجال. ولقد كتبتُ أيضا من قبل أنه يتبين من بعض الأحاديث أن ابن صياد قد مات في المدينة بعد إسلامه، وصلّى عليه المسلمون. ويقول البعض أيضا بأنه غاب، ولكن القول الأول هو الأرجح لأن خبر الموت يحتوي على علم قاطع ويقيني.” أهـ

ويقول عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام في الصفحة 449 مخاطباً الشيخ البطالوي:

ثم زعمتَ في إعلانك أن قولي بإجماع الصحابة على كون ابن صياد دجالا، هو من الأكاذيب. سامحك الله! ألا يثبت من بيان ابن صياد نفسه المذكور في صحيح مسلم -الذي أدلى به بعد إسلامه- أن الصحابة كانوا يعتبرونه الدجال المعهود. هل يخرج من نطاق هذا الحديث صحابي لم يكن يعتبره دجالا معهودا؟ وهل روي عن صحابي إنكاره بعد ذيوع هذا الخبر؟ فإذا كان الأمر كذلك فسمِّه لي. ألا تعلم أن من أنواع الإجماع -من حيث أصول الفقه- الإجماع السكوتي أيضا؟ ألا تعلم أن عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حلف عند النبي ﷺ على أن ابن صياد هو الدجال المعهود، فلم ينكر ذلك النبي ﷺ ولا أحد من الصحابة الموجودين في المجلس؟ أليس هذا الحديث موجودا في صحيح مسلم؟ إن قولك بأن “الدجال” ليس اسماً خاصا بالدجال المعهود فقط، يشكل أقوى دليل على بلادتك وقلة علمك.

يا أيها الشيخ المحترم؛ لو أثبتَّ لي من صحيح البخاري أو مسلم أو من أي حديث صحيح آخر بأن الصحابة قد أطلقوا “الدجال” على غير الدجال المعهود أيضا، لقدمْتُ لك خمسين روبية بدلا من خمس روبيات. لماذا تفضح نفسك بنفسك. عليك أن تلتزم الصمت، فالحقيقة معروفة!” أهـ

ثم كتب عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام في الصفحة 503:

كذلك لم يُكشف معنى الوحي حول ابن صياد أيضا بجلاء تام، فكان يظن ﷺ بدايةً أن ابن صياد هو الدجال، ولكنه ﷺ غيَّر رأيه في نهاية الأمر. كذلك حين شارط أبو بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ على النبوءة الواردة في بداية سورة الروم، قال النبي ﷺ بوضوح إن كلمة “بضع” تطلَق في لغة العرب على عدد يصل إلى تسعة، ولم يُكشف عليه بوضوح في أية سنة ستتحقق هذه النبوءة في مدة السنين التسع.” أهـ

إذاً فقد اتضح بآن ما قاله المعترض حول التضارب المزعوم في كلام المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وتشكيكه بكاتب إزالة الأوهام ما هو إلا تضارب في رأس المعترض وقلة فهمه أو محاولة التدليس والكذب على عباد الله والتعكز على الظنون المجردة كما عوَّدنا في سلسلة اعتراضاته التي سنرد عليها أولاً بأول إنْ شاءَ الله.

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد