الشبهة:

مؤسس جماعتكم يزعم أن أهل السنة يؤمنون ببعثة شخص باسمِ محمدٍ بن الحسن العسكري أي الإمام الحادي عشر عند الشيعة، فيقول:

يعتقد أهل السنة أن الإمام محمد المهدي قد مات، وأن إماما آخر سيُبعث باسمه في الزمن الأخير“. (إزالة الأوهام، ص 367)

والحقيقةُ أنّ أهل السنة لا يرون أنّ هنالك أيّ ابن للحسن العسكري، بل يرون أن بعض أتباع الحسن العسكري هم مَن فبرك حكاية وجود ابن عند الحسن العسكري، وبُعيد وفاة الحسن زعم أحد المؤمنين بولايته أنه سفير هذا الإمام ذي العامين أو الأعوام الخمسة، حتى إذا قرب أجل السفير أوصى لسفير آخر، حتى إذا مات السفير الرابع غاب هذا الإمام غيبة كبرى. بل لا يؤمن أهل السنة بالإمامة ولا بإمامة أيّ من أئمة الشيعة، بل يرونهم مجرد أشخاص صالحين فبركَ بعضُ المغرضين على ألسنتهم أقوالا. وهم يؤمنون بهم أئمةً من دون أن يدعو هؤلاء الصالحون أحدا إلى أنْ يتّخذهم أئمة. فكيف بعد هذا كله سيقول أهل السنة إن “إماما آخر سيُبعث باسم محمد بن الحسن في الزمن الأخير“!!

وحتى لو صدّق بعض أهل السنة أنّ هناك ابنا للحسن العسكري فهم يرون أنه ليس له أدنى علاقة بالمهدي المنتظر.

فهذا الزعم إذن باطل

 الرد:

إنَّ الجزْم بأن أهل السُنَّة لا يعتقدون بأن للحسن العسكري رحمه الله إبناً هو تسرّع وكذب في نفس الوقت. انظر عزيزي القارئ ما قاله الإمام الذهبي رحمه الله حول وجود إبنٍ للحسن العسكري هو مُحَمَّد المهدي رحمهم الله وذلك في كتابه الشهير الأعلام في ذِكْر الإمام الرمادي البغدادي:

مَاتَ الرَّمَادِيُّ لِأَرْبَعٍ بَقِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخَرِ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ. وَقَدِ اسْتَكْمَلَ ثَلَاثًا وَثَمَانِينَ سَنَةً. قُلْتُ: سَمِعْنَا مِنْ طَرِيقِهِ جَمَاعَةَ أَجْزَاءٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. وَفِيهَا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ الْبَغْدَادِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِئٍ النَّيْسَابُورِيُّ، وَسَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ الْمُخَرِّمِيُّ وَصَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَعَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ الْمُخَرِّمِيُّ، وَالْقُدْوَةُ أَبُو حَفْصٍ النَّيْسَابُورِيُّ، وَهَارُونُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَالْمُنْتَظَرُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَالرَّافِضَةُ تَقُولُ: لَمْ يَمُتْ، بَلِ اخْتَفَى فِي السِّرْدَابِ.” (سِيَر أعلام النبلاء الإمام الذهبي، الجزء الثاني عشر، ص 391)

وَقَدْ عرّفه كما يلي:

“الشَّرِيفُ أَبُو الْقَاسِمِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيُّ ابْنِ عَلِيٍّ الْهَادِي ابْنِ مُحَمَّدٍ الْجَوَادِ ابْنِ عَلِيٍّ الرِّضَى ابْنِ مُوسَى الْكَاظِمِ ابْنِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ ابْنِ مُحَمَّدٍ الْبَاقِرِ ابْنِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الشَّهِيدِ ابْنِ الْإِمَامِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، الْعَلَوِيُّ الْحُسَيْنِيُّ.” (سِيَر أعلام النبلاء الإمام الذهبي، الجزء الثالث عشر، ص 120)

وكان الذهبي ؒقد ذكر مولد مُحَمَّدٍ المهدي أيضاً فقال في كتابه العبر:

وفيها -أي في سنة 256 ه‍- وُلِدَ محمد بن الحسن بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق العلوي الحسيني، أبو القاسم الذي تلقبه الرافضة الخلف الحجة، وتلقبه بالمهدي، والمنتظر، وتلقبه بصاحب الزمان، وهو خاتمة الاثني عشر.” (العبر في خبر من غبر. ج 3 ص 31)

وذكر الذهبيُّ ؒ وفاة مُحَمَّدٍ بن الحسن العسكري كما يلي:

وأما ابنه مُّحَمَّدٌ بن الحسَن الذي يدعوه الرافضةُ القائمُ الخلَف الحُجّة، فوُلِدَ سَنَة ثمانٍ وخمسين، وقيلَ: سنة ست وخمسين. عاش بعد أبيه سنتين ثم عدم، وَلَمْ يعلم كيف مات. وأمّه أُمّ ولد. وهم يدّعون بقاءه في السرداب مِن أربعمائة وخمسين سنة، وأنه صاحب الزمان، وأنه حَيٌّ يعلم عِلم الأولين والآخرين، ويعترفون أنَّ أحداً لم يره أبدا، فنسألُ اللهَ أنَّ يثبت علينا عقولنا وإيماننا.” (تاريخ الإسلام، الجزء 19 ، ص 113)

ذكر ذلك أيضاً محمد أمين السويدي في كتابه سبائك الذهب:

محمد المَهْديّ: وكان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين، وكان مربوع القامة، حسن الوجه والشعر، أقنى الأنف، صبيح الجبهة، وزعم الشيعة أنه غاب في السرداب بسر من رأى والحرس عليه، سنة مائتين وإثنتين وستين، وأنه صاحب السيف القائم المنتظر قبل قيام الساعة، وله قبل قيامه غيبتان، إحداهما أطول من الأخرى، قلتُ: ومما يبطل كون المهدي مُحَمَّدٍ هذا هو المنتظر قبل الساعة: أصولهم التي أصلوها للإمامة، وهي ما ذكروا في كتبهم من أنَّ نصْب الإمام واجبٌ على الله تعالى، وأنه لا يجوز على الله أن يخلو الزمان من الإمام، وعندهم الإمامة محصورة في هؤلاء الإثني عشر الذين ذكرناهم، وهمُ الذين يوجبون العصمة لهم، فيقتضي أنَّ الله: قد ترك ما هو واجب عليه من عدم نصب المهدي إماماً بعد موت أبيه، بل أخّر ذلك إلى آخر الزمان.” (سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب، رقم ص 366 و 78)

وهو قول الإمام ابن حجر الهيتمي كالتالي:

إلى أنْ مات بسُرّْ مَن رأى ودُفن عند أبيه وعمه وعمره ثمان وعشرون سنة، ويقال إنه سُمِّ أيضا وَلَمْ يخلف غير ولده أبي القاسم مُحَمَّد الحُجّة وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين لكن آتاه الله فيها الحكمة ويسمّى القائم المنتظر، قيل: لأنه سُتر بالمدينة وغاب فلم يعرف أين ذهب ومرَّ في الآية الثانية عشر قول الرافضة فيه أنه المهدي وروي ذلك مبسوطاً فراجعه فإنه مهم.” (الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة لإبن حجر الهيتمي، ص 124، طبعة مصر)

فما أتعس حظ الذي يتسرع ويتحدث بما لا يعلم !

إذن لم يقل الْمَسِيحُ الموعود عَلَيهِ السَلام غير ما قاله الإمام الذهبي والسلف الصالح رحمهم الله في ردّه على سؤال ورد إلى حضرته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام يفترض فيه السائلُ أنَّ الدجّال ليس إلا ابن صياد الذي لَمْ يمُتْ إلى الآن بل صار مفقوداً منذ زمن النبي ﷺ وأنه سيُبعث في نهاية الزمان عندما يحين وقته، فكان ردّ المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام أَنَّكُم لا تعلمون بأن هذا يناقض الحديث الصحيح أنَّ الناس لا تعيش طويلاً بعد المائة سنة، فكيف بالمهدي الذي غاب لحد الآن لأكثر من ألف سنة؟ ثم يدفع المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام عن أهل السُنَّة هذا الاعتقاد ويقول بأنهم لا يَرَوْن المهدي حيّاً في السرداب ولا في غيره بل أنَّ شخصاً آخَر يحمل اسمه -أي المهدي- سوف يُخلق ويُبعَث في آخَر الزمان، بل إنَّ المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام أكَّدَ بأن أهل السُنّة ليسوا جميعهم يعتقدون بعودته بل خبر المهدي أصلاً عندهم ليس من اليقينيات كنزول المسيح المتواتر. فيقول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام:

هل نسيتم أحاديث صحيحة قال فيها النبي ﷺ: مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ الْيَوْمَ تَأْتِى عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ وَهْىَ حَيَّةٌ يَوْمَئِذٍ ؟ يجب الانتباه أيضاً إلى أنَّ الشيعة يعتقدون عن الإمام “محمد المهدي” أنه غاب في الغار حياً، وهو مفقود وسيظهر قرب القيامة. وأما أهلُ السُنّة فيرون اعتقادهم هذا باطلاً، ويُقدّمون بهذا الصدد أحاديث أنَّ النبي ﷺ قال: مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ الْيَوْمَ تَأْتِى عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ وَهْىَ حَيَّةٌ يَوْمَئِذٍ. فيعتقد أهلُ السُنّة أنَّ الإمامَ مُحَمَّد المهدي قَدْ مات، وأنَّ إماماً آخَر سيُبعَث باسمه في الزمن الأخير. أما مجيء المهدي فليس بأمرٍ يقيني عند المحققين.” (إزالة الأوهام، ص 367)

فالمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام لم يزد حرفاً على ما قاله السلف الصالح ؒ وفوق ذلك بيَّنَ أن عقيدة ظهور المهدي ليست من القطعيات عندهم، فلا معنى بعد هذا للتسرع والكذب المُهلكَين.

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد