كتبها الأستاذ تميم أبو دقة بتاريخ 8 تشرين أول 2016، نعيد نشرها لأهميتها


الإغراق في الوهم ونظرية المؤامرة وسوء الظن والارتياب والوساوس والفرضيات ‏غير المعقولة ما هو إلا المرض النفسي بعينه، الذي هو خطوة على طريق ‏الجنون، والجنون ما هو إلا الانفصال عن الواقع وإنكاره والعيش في عالم من ‏الأوهام.‏

الفارق بين الإنسان السوي والمريض النفسي هو أنه يستغرق في الافتراضات ‏التي تبدو ممكنة ومنطقية بالنسبة له ويفتح لها آفاق الريب والوساوس، أما ‏الإنسان السوي فإنه يلغي كثيرا من الاحتمالات والافتراضات ويستبعدها إما ‏بحجج عقلية مباشرة أو غير مباشرة، أو بإحسان الظن، ولا يترك للوهم ‏والريب والوساوس أن تعبث به.‏

وقياسا على ذلك يمكن أن نعرف الحالة التي عليها بعض المعارضين من ‏المرتدين وغيرهم، فإن فرضياتهم التي تبدو منطقية بالنسبة لهم هي في الواقع ‏تعبِّر عن حالتهم النفسية المزرية وعن الفساد المستشري في قلوبهم.‏

فمن فرضياتهم مثلا أن المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام كان ينتظر أن ‏يحدث الحدث ثم يعلن أنه تنبأ به! وهذه النظرية الحمقاء تبدو بالنسبة لهم ‏منطقية جدا، ولكنهم يتناسون جانبا عقليا مهما يُبعد هذه الاحتمالات؛ وهو ‏أن عاقلا لا يمكن أن يفعل ذلك ويعرِّض نفسه لهذا الحرج، كما أن معاصريه ‏من أتباعه ومن مخالفيه ما كان ممكنا أن يتقبلوا ذلك! ثم ما كان ممكنا أن ‏يوثِّق هذا في كتاب أو إعلان ليكون حجة عليه في المستقبل إلى الأبد!‏

ومن فرضياتهم أن حضرته كان يحيل إلى كتبه السابقة ما ليس فيها، ويدَّعون ‏أنه كان يستمرئ ذلك لأن أحدا لن يدقق في هذا الأمر ولن يكتشفه! ورغم ‏أنه قد تبين كذبهم هم في هذه المسألة، فهم تناسوا أن أمرا كهذا لا يمكن أن ‏يحدث، لأن الكتب منشورة مسبقا وهنالك من يترصدون كل كلمة يقولها ‏ويتتبعونها، كما ثبت من كثير من الأحداث، وما كان لهم أن يفوتوا أي فرصة ‏كهذه، بل كانوا سيقيمون الدنيا في حينها ولا يقعدونها!‏

ومن فرضياتهم أن حضرته كان يزيِّف في كل شيء – والعياذ بالله- ثم بعد ‏ذلك يفترضون أنه يترك أدلة تزييفه هذه وتفاصيلها في كتبه وإعلاناته، ثم لا ‏يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، بل تقوم جماعته أيضا بجمع ملفوظاته التي تحمل ‏مزيدا من أدلة التزييف المزعومة هذه! ولا يستبعدون أن يحدث هذا كله، لأن ‏المزيِّف لا يمكن أن يحتفظ بأدلة تزييفه وينشرها وتنشرها جماعته من بعده، بل ‏كان واجبا أن يزيلوا كل هذه الأدلة – إن وجدت. أما دعواهم أن الكتب ‏كانت منشورة وأصبحت في أيدي الأعداء، فأصبح من غير الممكن إزالة ‏أدلة التزييف هذه، فيمكن الرد على هذه الدعوى بالادعاء أن الذي في يد ‏الأعداء نسخ مزيفة زيَّفها الخصوم وأن المرجع الصحيح هو الذي في يد ‏الجماعة، وليثبتوا أنها نسخ أصلية إن استطاعوا! هذا ليس صعبا على جماعة ‏تمارس التزييف والكذب منذ البداية!‏

ورغم أن دعواهم بالتزييف والتزوير ليس له مرجع عندهم سوى فرضياتهم ‏الحمقاء، إلا أن افتراضهم أيضا بأنهم هم من اكتشفوا هذه التزييفات التي لم ‏يتمكن السابقون من الخصوم ومن أفراد الجماعة من اكتشافها، أو أنهم رأوها ‏وتجاهلوها وتواطأوا على قبولها، فهذا أيضا نابع من استغراقهم في الوهم المرضي ‏المشوب بجنون الارتياب والعظمة وسوء الظن الذي يدفع إلى الجنون ‏والانفصال التام عن الواقع.‏

الواقع أن حالة هؤلاء المضطربين نفسيا مؤسفة، ويبدو أنهم سائرون لا محالة ‏نحو الجنون الذي برز في أقوالهم ومواقفهم وسيصبح أكثر بروزا أيضا في ‏سلوكهم عما قريب.‏ أما الإنسان السوي فإنه سيجد نفسه تلقائيا مُسقطا لكل وساوسهم وشبهاتهم بشيء من العقل وإحسان الظن، بل سيجد أن وجود هذه النقاط التي سببت العثرة لهؤلاء، والتي تحتاج شيئا من الشرح والتوضيح، والتي لم تعمد الجماعة إلى إزالتها والتخلص منها، سيجده دليلا ناصعا على صدق هذه الجماعة وأمانتها، بعكس ما توصل إليه هؤلاء المرضى واستنتجوه.

هؤلاء المعارضون ما زالوا عاجزين عن تعريف أنفسهم وتحديد منهج أو ‏مذهب لهم، ولا دين لهم الآن سوى معارضة الجماعة وكيل الاتهامات التي ‏تكشف عن حالتهم النفسية والقلبية المؤسفة ولا تضر الجماعة شيئا. هؤلاء ‏أساءوا ويسيئون إلى أنفسهم بشدة، فقد حكموا على أنفسهم بالغباء ‏والسذاجة إلى درجة أنهم بايعوا شخصا وصدقوه قبل أن تتبين لهم دلائل ‏صدقه، ثم بعد ذلك عاشوا سنوات بالنفاق في جماعته بعد أن كفروا به! ‏فأصبح واضحا اضطرابهم العقلي والنفسي، وأصبح واضحا أيضا أنهم لا دين ‏لهم ولا خُلق؛ إذ ارتضوا لأنفسهم هذا النفاق ولم يخرجوا من الجماعة حتى ‏طردوا من عملهم!‏

هل مَنْ هم على هذه الحالة من الاضطراب النفسي والعقلي وهذه الحالة من ‏الانحطاط الأخلاقي يمكن أن يؤخذ منهم صَرْفٌ أو عدْلٌ أو يوثق بكلامهم ‏أو حُكمهم؟

أليس الأولى بهؤلاء أن يخجلوا من أنفسهم بعدما تبيَّنت حالتهم للعيان؟

لو كان عندهم شيء من العقل والخُلق لما فعلوا بأنفسهم ما فعلوا، ولكن ‏يبدو أن جنون الأوهام والعظمة يستولي عليهم ويريهم نتائج أعمالهم على ‏صورة مخالفة للواقع، كما كان “دون كيشوت” يحارب طواحين الهواء.‏

About الأستاذ تميم أبو دقة

من مواليد عمَّان، الأردن سنة 1968 بدأ بتعلَّم القرآن الكريم وحفظ بعض سوره وفي تعليمه الديني في سنٍّ مبكرة وبدأ بتعليم القرآن في المساجد في الثانية عشرة من عمره. انضم إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية عام 1987 قبل أن يبلغ التاسعة عشرة من العمر وكان من أوائل الأحمديين العرب. يعمل في خدمة الجماعة في المكتب العربي المركزي وفي برامج القناة الإسلامية الأحمدية وفي خدمات التربية والتعليم لأفراد الجماعة وفي العديد من الأنشطة المركزية. أوفده الخليفة الخامس نصره الله تعالى ممثلا ومندوبا لحضرته إلى عدد من الدول، وكرَّمه الخليفة نصره الله بلقب “عالِم” في العديد من المناسبات. عضو مؤسس ومعدّ في فريق البرنامج الشهير “الحوار المباشر” الذي انطلق رسميا عام 2006 والذي دافع عن الإسلام ضد الهجمة المسيحية التي انطلقت على بعض القنوات في بداية الألفية وأخمدها، والذي أسهم في تعريف الجماعة الإسلامية الأحمدية إلى العالم العربي، والذي يبث الآن مترجما ترجمة فورية إلى العديد من اللغات. وهذا البرنامج أصبح نموذجا للعديد من البرامج المشابهة في اللغات الأخرى. شارك ويشارك في العديد من البرامج الأخرى وخاصة المباشرة في اللغة العربية وفي بعض البرامج باللغة الإنجليزية. عضو هيئة التحرير لمجلة “ريفيو أوف ريلجنز” الإنجليزية العريقة التي بدأ إصدارها في زمن الإمام المهدي والمسيح الموعود عام 1902م.

View all posts by الأستاذ تميم أبو دقة