المعترض:
قطع الوتين معناه ومظاهره
{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} (الحاقة 44-47)
الوتين هو شريان القلب، وقطعُه كناية عن الموت، ولا يمنع أن يكون الموت عن طريق القتل، لكنه ليس شرطا، بل يمكن أن يكون موتا عاديا يتّضح منه التدخّل الإلهي، كأنْ يتحقق الموت بعد دعاء واضح.
وحيث إنّ كل إنسان لا بدّ أن يموت، فلا يمكن أن يكون المقصود مجرّد الموت، بل لا بدّ أن يكون الموت المعنوي هو المقصود، وهو الإفشال والمهانة. ويمكن أن يكون كناية عن الموت السريع نسبيا، كما حدث مع الميرزا الذي توفي عن 67 عاما بعد أن تنبأ بأن عمره سيطول عن الثمانين الموعود بها أصلا، وبعد أن تنبأ أن الكاذب سيموت في حياة الصادق فمات سريعا بالإسهال في حياة ثناء الله.
هناك من يرى أنّ قطع الوتين كناية عن القتل، وهذا لا أراه صحيحا للأسباب التالية:
1: ظاهر النصّ يفيد أن الله هو مَن يقطع الوتين، لا غيره. فالتفسير بالموت أقرب.
2: لم يفهم الرسول صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة أن المقصود بذلك استحالة قتل النبيّ الصادق، ولم يفهموا منه أنّ قتله يمكن أن يعني أنه كاذب، أو يمكن أن يكون شبهة في ذلك. ولم يقولوا عند وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وفاة عادية إن هذا دليل دامغ على صدقه، بحجة أن المتقول لا بد أن يقتل قتلا.
3: لو كان عدم القتل دليلا قاطعا على صدق أي نبي لكان دليلا إلجائيا، ولآمن الناس جميعا. أو لانتظر بعضهم أن يموت ميتة عادية حتى يؤمنوا عن يقين لا شبهة فيه، لكن هذا لم يحدث في أي مرة عبر التاريخ.
4: الآية التالية تصرّح بإمكانية قتل الرسول صلى الله عليه وسلم: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} (آل عمران 144)، فإذا كان خاتم النبيين نفسه يمكن أن يُقتل، فكلّ نبيّ معرّض للقتل، فإذا كان المتنبئ يُقتل حتما، فسيكون هناك تشكيك في نبوة النبيّ الصادق إذا قُتل.
5: الآية التالية تصرّح بقتل أنبياء سابقين: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ} (آل عمران 21)، والاستدلال بها كما في سابقتها.
6: هناك من ادعى النبوة كذبا زمن الميرزا، ولم يقُل الميرزا عنه أنه سيُقتل، مثل دوئي، بل حين مات زعم الميرزا أنه كان قد تنبأ بموته. فلو كان ادعاء الوحي والنبوة يستلزم القتل بداهةً فكيف وقع الميرزا في هذا الخطأ؟ حيث يقول مخاطبا دوئي: “وإنك تفتري على الله في دعوى النبوّة. والنبوّة قد انقطعت بعد نبينا صلى الله عليه وسلم (الاستفتاء 1907). ويقول: وقُلتُ لذلك المفتري.. إن كنتَ لا تباهل بعد هذه الدَّعْوة، ومع ذلك لا تتوب مما تفتري على الله بادّعاء النبوّة، فلا تحسبْ أنك تنجو بهذه الحيلة، بل الله يهلكك بعذابٍ شديدٍ مع الذلّة الشديدة (الاستفتاء، ص 83). ويقول: كان دوئي من سكان أميركا يدّعي النبوة، وكان عدوا للإسلام وكان يزعم أنه سيستأصله… فكانت النتيجة أن حُرم دوئي من مئات الألوف من الأموال… وقد قال الأطباء الأميركان إن مرضه عضال لا يُعالَج ولعله يفارق الحياة في غضون بضعة أشهر. (حقيقة الوحي)
7: يمكن أن يُقتل المرء وتنتشر دعوته وأفكاره وقيمه. ويمكن أن يعيش طويلا مهانا، ويمكن أن يموت سريعا مهانا، كما حدث مع الميرزا، والذي ظلّ يتعرض لهوان لا مثيل له، فبعد أن كان شهيرا قبيل تأليف البراهين وخلال ذلك، صار مضرب المثل في كل شرّ، وصار معروفا بالمكار وسارق أموال الناس، وهذه إهانة تلوّث البحار. وليتخيّل أحدُنا نفسه مكانه!! فالميرزا قُطع وتينه من بداياته. أما مظاهر قطع وتينه بعد ذلك فهي عديدة جدا، ومستمرة جدا، وآخرها أنّه دعا الله أن يهلك الكاذب في حياة الصادق (أي هو أو ثناء الله) ومات بعد سنة و شهر من ذلك. فكان ذلك مسك ختام الحكاية التي بيّنت أن الله لا يترك المفتري يعبث بعقول الناس، بل يمزّقه إربا ويقطع وتينه قطعا.
8: يقول محمود ابن الميرزا:
“فالله تعالى لا يرى داعيًا لعقوبة مدّعٍ كذاب إلا إذا كان ادعاؤه يؤدي إلى التشكيك في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أو موسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء عليهم السلام. ولا يشتبه أمر رسالتهم إلا إذا ادعى أحد أنه ينـزل عليه نفس الوحي الذي كان ينـزل عليهم. (التفسير الكبير سورة الزلزلة)
وإن دعوى الميرزا لا تشكك في أي رسالة سابقة، فكذبُه يملأ كتبه، ولا يقع في براثنه إلا مَن لم يطلع على كتبه، وإذا وقع عاقل لفترة محدودة بسبب غشّ الأتباع، فسرعان ما يكتشف أمره بمجرد قراءة كتبه، بل سيتطوَّع لأنْ يُظهر نصوصه على الناس حتى لا يقعوا في براثته. فمثل هذا لن يتسبب في فتنة حقيقية. ومع ذلك فقد عاجله الله بكل هوان، وختمه بالموت السريع المهين.
إذن، قطْعُ الوتين لا يعني القتل المادي، بل يعني الموت المعنوي، لأنّ الكلّ سيموت، فهل يتعهّد الله بإماتة شخص ما؟ هذا غير معقول ما دام الموت واقعا لا محالة. لذا لم يبقَ إلا أن نقول إن المقصود هو الموت المعنوي. فقطعُ وتين المتقوّل مجاز، ومن معانيها إماتة الله إياه بحيث يتضح أنه تدخّل إلهي، كما حدث مع الميرزا الذي أشهدَ الله على أنه كاذب، حيث دعا الله أنه إذا كان كاذبا في دعواه أن يهلكه في حياة الشيخ ثناء الله (إعلان 15/4/1907). وقد حقق الله ذلك سريعا. ومن معانيها الهلاك المعنوي والفضائح المهينة جدا، والتي ظلّت تلاحق الميرزا من أوّل أيامه. وبهذا نكون قد شهدنا تحقّق آيات سورة الحاقة في الميرزا.
الرد:
لقد بَيَّنّا في منشور سابق معنى التقول على الله تعالى وقطع الوتين بشرح العلّامة الحافظ ابن القيم رحمه الله (من هنا: أدلة صدق المدعي من وجهة نظر ابن القيم رحمه الله). وكذلك رددنا على موضوع مباهلة ثناء الله الأمرتسري وأثبتنا دقة تحققها للمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام (من هنا: من حارب الصديق حارب ربه .. أبو الوفا نموذجا). وكذلك أثبتنا أن الموت بالإسهال وآلام البطن شهادة من حديث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والسلف الصالح رحمهم الله وأثبتنا جهل المعترض بأساسيات الدين (من هنا: دعاء المسيح الموعود ﷺ).
كذلك لا بأس أن يطّلع القارئ الكريم على موضوع مباهلة دوئي سريعاً (من هنا: هل كان دوئي مغمورا؟).
أما الآن، دعونا نستعرض -رغم أن المقارنة لا تليق- ما أنجزه المسيح الموعود الصادق المصدوق حضرة مرزا غلام أحمد عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام مقابل ما أنجزه المعترض، فنقول:
لقد كَسَرَ المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام صليب التنصير الذي اجتاح بلاد الهند والعالم الإسلامي كَسَرَهُ بحربة القرآن العظيم بشهادة خصومه قبل أتباعه، ومثال ذلك ما قاله المولوي نور محمد النقشبندي الجشتي وهو من خصوم الجماعة الإسلامية الأحمدية:
“في تلك الأيام قدِم إلى الهند القسيس ليفراي من إنجلترا، مصطحبًا مجموعة كبيرة من القساوسة، وحالفًا بتنصير الهند كلها في أيام قليلة. وبفضل أموال طائلة ووعود متكررة مؤكدة من الإنجليز بالمساعدة المالية أحدثَ زلزالا في كل أنحاء الهند. لقد وجد القسيس في عقيدة حياة المسيح عيسى عليه السلام في السماء بجسده المادي وفي كون غيره من الأنبياء الكرام أمواتًا مدفونين تحت الأرض، سلاحًا ماضيًا على عامة الناس. فقام الشيخ غلام أحمد القادياني للتصدي لهذه الجماعة، وقال: إن عيسى الذي تتكلمون عنه قد مات ودُفن كغيره من البشر، أما عيسى الذي وُعد بمجيئه فهو أنا؛ فصدِّقوني إن كنتم من السعداء. وبهذه الحيلة ضيّق الخناق على القسيس ليفراي وجماعته حتى صعب عليه التخلص من يده، وأنـزل بهذه الحجة هزيمة نكراء بكل القساوسة من الهند إلى إنجلترا.” (مقدمة النقشبندي للترجمة الأردية لمعاني القرآن الكريم ص 30)
لقد كَسَرَ عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام الصليبَ بعد أن عاش حضرته فوق السبعين كما أَخْبَرَهُ الله تعالى (انظرالرد على شبهة عُمر المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام من هنا: عمر المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام). وعاش عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام قرابة الأربعين منذ بدء تلقيه الوحي حتى الوفاة، حيث يقول حضرته:
“.. وكل ذلك من حبّي بالقرآن، وحبّ سيّدي وإمامي وسيّد المرسلين، اللهم صَلِّ وسلّم عليه بعدد نجوم السموات وذرّات الأرضين. ومن أجل هذا الحب الذي كان فطرتي، كان الله معي من أول أمري، حين ولدت وحين كنت ضريعا عند ظِئري، وحين كنت اقرأ في المتعلمين. وقد حُبِّبَ إلي منذ دنوت العشرين أن أنصر الدين، وأجادل البراهمة والقسيسين. وقد ألّفت في هذه المناظرات مصنفات عديدة، ومؤلفات مفيدة، منها كتابي البراهين.. فيه دقائق العلوم وشواردها، والإلهامات الطيبة الصحيحة والكشوف الجليلة ومواردها.. ولما بلغت أشد عمري وبلغت أربعين سنة، جاءتني نسيم الوحي بِرَيّا عنايات ربي، ليزيد معرفتي ويقيني، ويرتفع حجبي وأكون من المستيقنين. فأول ما فتح عليّ بابه هو الرؤيا الصالحة، فكنت لا أرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح. وإني رأيت في تلك الأيام رؤيا صالحة صادقة قريباً من ألفين أو أكثر من ذلك.. ورأيت ذات ليلة وأنا غلام حديث السن كأنّي في بيت لطيف نظيف، يُذكر فيها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم..” (التبليغ، ص 104-105)
وكَتَبَ عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام 80 كتاباً في نصر الإسلام وصلت جُلّها إلى العلماء والمفكرين والأُدباء فامتدحوها غاية المدح ومنهم على سبيل المثال الفيلسوف الروسي المعروف “ليو تولستوي” الذي أبدى إعجابه بكتب المسيح الموعود حضرة مرزا غلام أحمد عَلَيهِ السَلام وقال بآنها تحمل فِكراً نَيّراً وصحيحاً للغاية (Adamson, Iain, Mirza Ghulam Ahmad of Qadian, 1989)، ومن هذه الكتب الثمانين أفردَ عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام 20 كتاباً بالعربية الفصحى من بلاغتها وطلاوتها قَالَتْ عنها مجلة الهلال المصرية بأنها تحاكي أسلوب القرآن الكريم، وأسّسَ جماعة قوامها عشرات الملايين تنتشر اليوم في 200 بلد حول العالم وقد وصلت مراكزها ومساجدها حتى إلى الجزر النائية بأطراف الأرض، جماعة كبيرة تملأ الأرض رصيدها هو بناء آلاف المساجد والمدارس والجامعات والمشافي وفتح المواقع الإلكترونية والمراكز والقنوات الفضائية التلفازية والراديوية بشتى اللغات، وتُطبع من خلال جيوش الساهرين وتُترجم مئات الكُتب والمقالات والأخبار على مدار السنة، وترجمت جماعته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام معاني القرآن الكريم إلى عشرات اللغات، ونشرت المطبوعات والبرامج المسموعة والمرئية وأقامت المؤتمرات والأنشطة في جميع أرجاء العالم، وغير ذلك مما لا حصر له ولا تعداد، جماعة هي أسرع فرقة دينية نمواً اليوم على مستوى العالم والرائدة في كل المجالات (انظر منشورنا السابق: حقائق ملموسة حول الجماعة الإسلامية الأحمدية). وأعادَ حضرة مرزا غلام أحمد المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام الخلافة على منهاج النبوة كما تنبأ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فما الذي أنجزه المعترض ؟
لا يملك المعترض ولو مجرد كتاب واحد من تأليفه، ولا حلقة واحدة من برنامج متلفزة أو مسموعة إلا من خلال جماعة حضرة مرزا غلام أحمد المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام !
كل ما لدى المعترض الآن هو حساب على الفيسبوك يتابعه عشرة أشخاص بأسماء وهمية ينشر من خلاله المعترضُ ليل نهار شبهات ضد وليّ نعمته الذي رَبِّاه فأطعمه وسقاه وآواه لـ 18 عاماً منتشلاً إياه من براثن جماعة التكفير -باعتراف المعترض نفسه ! ولولا حضرة مرزا غلام أحمد المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وجماعته المباركة لكان المعترضُ الآن مِن انتحاريي داعش بكل تأكيد ! فما هو مصير مشايخ التكفير باعتراف المعترض نفسه إلا أحضان داعش الدامية !
هذه مجرد مقارنة سريعة فقط لإعطاء القارئ العزيز صورة حقيقية عن حالة المعترض البائسة ومحاولاته اليائسة.
إذاً لم يخطأ ولم يجهل الدين ويُقطَع منه الوتين ويخلد إلى الأرض ويُنبَذ وحيداً مغموراً إلا المعترض المهين الذي لم يعلن ولو عاقل واحد أنه من أتباعه، فلم يعد المعترضُ يكلّمُ إلا نفسه، وبدل أن يتبعه أحد تبع هو نفسه بنفسه، وأخذ يكذب الكذبة ثم يصفّق لنفسه، ويمتدح نفسه، ويسأل فيجيب نفسه، فيزداد اضطراباً وأنيناً ونكسة!
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ