ليس صحيحا أن هذا المعترض المرتد عن جماعتنا لم يأت بجديد بخصوص ما يبدو وكأنها شبهات، فالواقع إنه قد جاء بجديد، ولكن هذه الشبهات لا يصح أن تسمى شبهات، بل الأجدر أن تسمى “تغابيات”، لأن هذا هو الوصف الدقيق الذي ينطبق عليها. وبخلاف هذه التغابيات فكل ما يقوله ممجوج ومكرر؛ إذ يكرره نكاية وحقدا دون أن يتحقق منه شخصيا، كشبهة سيد أحمد خان التي ذكرناها سابقا وأثبتنا أنها تؤكد أنه شاهد زور لا يتوانى عن الشهادة دون تحقق وتثبُّت.

ولتوضيح ما المقصود بهذه التغابيات سأضرب مثالا: فلو قام مهندس بتصميم وتنفيذ مبنى عظيم رائع، فهو سيقول إنني قد بنيت هذا البناء وأنجزته على أكمل وجه، ويكون كلامه صحيحا في هذه المناسبة. وقد يقول إنني لم أبنِ هذا البناء بل بناه العمال الذين بذلوا قصارى جهدهم وواصلوا الليل بالنهار، فكلامه سيكون صحيحا أيضا. وقد يقول عندما يتحدث عن طموحاته الكبيرة لإنشاء مدينة كاملة من المباني الرائعة إنني لم أبن شيئا حتى الآن ولا أستطيع أن أقوم بذلك وحدي، فكلامه صحيح أيضا في هذا السياق. فإذا جاء أحد وقال إن هذا المهندس العظيم الذي تذكرونه وتمجدونه نظرا إلى إنجازاته وبنائه العظيم هو بنفسه يقول إنه لم يبن شيئا وليس قادرا على أن يبنى أي شيء وحده، فماذا يمكن أن نسمي هذا سوى الغباء إن كان صاحبه جادا، أو التغابي بخبث إذا كان صاحبه يعي ما يقول؟!

وبفهم هذا المثال الذي قدمناه يستطيع أي متتبع أن يحلَّ الغالبية العظمى من تغابياته، مع أن معظم القراء والمتتبعين يعون ذلك تماما.

فمن أمثلة هذه التغابيات قوله إن المسيح الموعود قال بنفسه إنه لم يكسر الصليب ولا يستطيع كسره، بأخذ نصوص متنوعة تبدأ من قوله وإصراره أنه هو كاسر الصليب لا محالة، ثم بقوله إن انتصاره على بعض المسيحيين المعارضين هو كسر جزئي للصليب، ثم بقوله إن مسألة إنجاز كسر الصليب تتطلب أن تتقوى الجماعة وتستمر في عملها لأن ما أُنجز حتى الآن ليس البداية. أليس القول بأنه لم يكسر الصليب ولا يستطيع كسره في هذا السياق ليس إلا تغابيا؟!

ومن الأمثلة الأخرى مسألة البراهين الأحمدية والأدلة الثلاثمئة التي أصبحت إسطوانة مشروخة يكررها؛ إذ يقول حضرته إنه كتب هذه الأدلة بمعنى أنه أعدَّ وهيَّأ المسودات المبدئية لها ثم بدأ بالنشر، ثم يقول لاحقا بأنني كنت سأكتب في البراهين هذه الأدلة ويقصد أن أصدر الكتاب وأنشره وفقا لتصوري المبدئي بوضع هذه الأدلة التي أعددتها، ليقول المعترض بعد ذلك إن هذا كذب واضح، إذ كيف كتب ثم قال لاحقا كنت سأكتب؟!! ولكن المسألة أكثر من واضحة، ولكنه يتعمد التغابي ظانا أن متابعيه سذج سينخدعون بهذه الخديعة الساذجة.

وفي رأيي، فإن هذه التغابيات عند هذا المعترض تنقسم إلى قسمين؛ الأول ما يكون مقصودا بخبث مع أنه يعيه جيدا، والثاني لا يكون مقصودا بل مرجعه ضيق الأفق ومحدودية النظر وسطحيته التي هي من مزايا ذلك المعترض الذي يرى الدنيا بما فيها عبارة عن جملة تناقضات متصالحة نسبيا! ولكن سوء الظن هو الطابع المشترك لهذه التغابيات المقصودة وغير المقصودة دون أدنى شك.

أما قالب السب والشتم والتنابز بالألقاب والإساءة التي يقدم فيها هذه الشبهات فهو بحد ذاته كافٍ لإظهار حقيقته وحقيقة كل ما يقدمه. فلا يرتجي أحد الحكمة والطهارة والنبل والصدق عند من هذه هي أخلاقه؟!

لذلك فمن الطبيعي أن يفشل هذا الفشل الذريع، لأن الأحمديين خاصة والقراء عامة ليسوا سذجا ولا أغبياء، والواقع أن الذين حوله أيضا من الحاقدين على الجماعة ليسوا أغبياء في معظمهم، ولكنه الحقد والضغينة التي لها أسبابهم الخاصة والشخصية التي هي أساس موقفه وموقفهم جميعا.

About الأستاذ تميم أبو دقة

من مواليد عمَّان، الأردن سنة 1968 بدأ بتعلَّم القرآن الكريم وحفظ بعض سوره وفي تعليمه الديني في سنٍّ مبكرة وبدأ بتعليم القرآن في المساجد في الثانية عشرة من عمره. انضم إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية عام 1987 قبل أن يبلغ التاسعة عشرة من العمر وكان من أوائل الأحمديين العرب. يعمل في خدمة الجماعة في المكتب العربي المركزي وفي برامج القناة الإسلامية الأحمدية وفي خدمات التربية والتعليم لأفراد الجماعة وفي العديد من الأنشطة المركزية. أوفده الخليفة الخامس نصره الله تعالى ممثلا ومندوبا لحضرته إلى عدد من الدول، وكرَّمه الخليفة نصره الله بلقب “عالِم” في العديد من المناسبات. عضو مؤسس ومعدّ في فريق البرنامج الشهير “الحوار المباشر” الذي انطلق رسميا عام 2006 والذي دافع عن الإسلام ضد الهجمة المسيحية التي انطلقت على بعض القنوات في بداية الألفية وأخمدها، والذي أسهم في تعريف الجماعة الإسلامية الأحمدية إلى العالم العربي، والذي يبث الآن مترجما ترجمة فورية إلى العديد من اللغات. وهذا البرنامج أصبح نموذجا للعديد من البرامج المشابهة في اللغات الأخرى. شارك ويشارك في العديد من البرامج الأخرى وخاصة المباشرة في اللغة العربية وفي بعض البرامج باللغة الإنجليزية. عضو هيئة التحرير لمجلة “ريفيو أوف ريلجنز” الإنجليزية العريقة التي بدأ إصدارها في زمن الإمام المهدي والمسيح الموعود عام 1902م.

View all posts by الأستاذ تميم أبو دقة