هل الصلاة خلف غير الأحمدي مخالفة؟

يثير خصوم الجماعة مسألة يطربون لها كثيرا ظنا منهم أنها مخالفة صريحة للدين وإضافة للشرع بما لم ينص عَلَيْهِ ألا وهي منع المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام الأحمديين من الصَلاة خلف غير الأحمدي. بداية نقول بأن حضرته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام ما منع الناس الصَلاة قبل أن يمنعوه هم من الصَلاة وكفروه وجماعته وحظروهم من الصَلاة والحج بل والدفن في مقابر المسلمين، فكانت تعاليم المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام أن هؤلاء فسقة لا تصح الصَلاة خلفهم بالأصل. وعموماً فعلى الذي يقول بأن منع الصَلاة خلف إمام ما هو تشريع جديد مكفّر لقائله عَلَيْهِ أن يكفّر الحنابلة وغيرهم من المسلمين على بكرة أبيهم إذ إن المعروف عن الحنابلة قولهم بـ”عدم صحة إمامة فاسقٍ مطلقاً، سواء كان فسقه بالاعتقاد أو بالأفعال المحرّمة، وسواء أعلن فسقه أو أخفاه” . (راجع الموسوعة الفقهية الكويتية).

يقول ابن قدامة حول عدم إمامة الفاسق من كتابه الكافي في فقه ابن حنبل :

لا يصح (أي لا تصح الصَلاة خلف إمام فاسق) لأن جابرا قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ لا تؤمن امرأة رجلا ولا فاجر مؤمنا إلا أن يقهره بسلطان أو يخاف سوطه أو سيفه ] رواه ابن ماجة

ولأنه لا يؤمن على شرائط الصلاة ويحتمل أن تصح الجمعة والعيد دون غيرهما لأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بهما خلف كل بر وفاجر لأنها لا تختص بإمام واحد فالمنع منها خلف الفاسق يفضي إلى تفويتها فسومح فيها دون سائر الصلوات.“. [ الكافي في فقه الإمام المبجل أحمد بن حنبل، لمؤلفه عبد الله بن قدامة المقدسي أبو محمد، 1/293 ]

جاء في كتاب المبدع في شرح المقنع:

لا تصح إمامة الفاسق مطلقاً. قاله أكثر الأصحاب. وقدمه السامري ، وصاحب الفروع، وذكر ابن هبيرة أنها الأشهر. قال ابن الزاغوني : وهي اختيار المشايخ، لقوله تعالى: {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقاً لا يستوون} [السجدة:18] ولما روى ابن ماجه ، عن جابر مرفوعاً: «لا يؤمن امرأة رجلاً، ولا أعرابي مهاجراً، ولا فاجر مؤمناً إلا أن يقهره سلطان يخاف سوطه وسيفه». وعن ابن عمر، أن النبي قال: «اجعلوا أئمتكم خياركم، فإنهم وفدكم بينكم وبين ربكم» قال البيهقي : إسناده ضعيف، ولأنه لا يقبل إخباره لمعنى في دينه، أشبه الكافر، ولا يؤمن على على شرائط الصلاة، ولا فرق بين أن يكون فسقه من جهة الاعتقاد، أو من جهة الأفعال، فمتى كان يعلن ببدعته، ويتكلم بها، ويناظر عليها لم يصح.

قال أحمد : لا يصلى خلف أحد من أهل الأهواء، إذا كان داعية، أي: يظهرها ويدعو إليها. وعليه حمل المؤلف كلام «الخرقي»: «ومن صلى خلف من لم يعلن ببدعته أو سكر، أعاد، فيكون موافقاً لما اختاره الشيخان من أن البطلان مختص بظاهر الفسق دون خفيه. قال في «الوجيز»: لا يصح خلف الفاسق المشهور فسقه، لكن ظاهر كلامه -وهو المذهب- مطلقاً.” [المبدع في شرح المقنع، إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن مفلح أبو إسحاق برهان الدين (المتوفى: 884هـ) الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، 2/288]

فهل كل هؤلاء العلماء الأجلاء كفرة مبتدعة أتوا بغير ما شرع الله تعالى في القرآن الكريم ؟

هل يصح لمن يعمل المعاصي أن يكون إمام؟

وسئل ابن أبي زيدٍ عمّن يعمل المعاصي هل يكون إماماً ؟ فأجاب : أمّا المصر والمجاهر فلا . والمستور المعترف ببعض الشّيء فالصّلاة خلف الكامل أولى ، وخلفه لا بأس بها . وسئل عمّن يعرف منه الكذب العظيم ، أو قتّات كذلك ، هل تجوز إمامته ؟ فأجاب : لا يصلّى خلف المشهور بالكذب والقتّات والمعلن بالكبائر ولا يعيد من صلّى خلفه ، وأمّا من تكون منه الهفوة والزّلّة فلا يتبع عورات المسلمين..

تجب الصلاة وراء غيره (الإمام الفاسق) ، ونأثم لعدم تغيير المنكر بعقدنا للصلاة وراءه ، لأنَّّ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، فالصلاة خلفه سبب في إبقاءه في الإمامة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : › إنَّ تقديم الواحد من هؤلاء في الإمامة لا يجوز مع القدرة على غيره ، فإن كان مُظهراً للفجور والبدع يجبُ الإنكار عليه ، ونهيُه عن ذلك ، وأقلُّ مراتب الإنكار هجره لينتهي عن فجوره وبدعته ›.

جاء في كتاب الفقه (3/75) (باب في من لا تصح إمامته في الصلاة) :

إن الإمامة في الصلاة مسئولية كبرى ، وكما أنها تحتاج إلى مؤهلات يجب توافرها في الإمام أو يستحب تحليه بها ; كذلك يجب أن يكون الإمام سليما من صفات تمنعه من تسلم هذا المنصب أو تنقص أهليته له : فلا يجوز أن يولى الفاسق إمامة الصلاة ، والفاسق هو من خرج عن حد الاستقامة بارتكاب كبيرة من كبائر الذنوب التي هي دون الشرك . والفسق نوعان : فسق عملي ، وفسق اعتقادي : فالفسق العملي : كارتكاب فاحشة الزنى ، والسرقة ، وشرب الخمر . .. ونحو ذلك . والفسق الاعتقادي : كالرفض ، والاعتزال ، والتجهم . فلا يجوز تولية إمامة الصلاة الفاسق ، لأن الفاسق لا يقبل خبره ، قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا فلا يؤمن على شرائط الصلاة وأحكامها ، ولأنه يكون قدوة سيئة لغيره ; ففي توليته مفاسد .“. أ.هـ

خلف من تصح الصلاة؟

يشترط الحنابلة أن يكون الإمام عدلاً، فلا تصح إمامة الفاسق ولو بمثله، فلو صلى شخص خلف الفاسق، ثم علم بفسقه، وجبت عليه إعادة الصلاة، إلا في صلاة الجمعة والعيدين، فإنهما تصحان خلف الفاسق إن لم تتيسر الصلاة خلف عدل.

واشتراط المالكية: أن يكون الإمام سليماً من الفسق المتعلق بالصلاة، كأن يتهاون في شرائطها أو فرائضها، كمن يصلي بلا وضوء أو يترك قراءة الفاتحة. أما إن كان الفسق لا يتعلق بالصلاة كالزاني، أو شارب الخمر، فتصح إمامته مع الكراهة على الراجح.

فالمسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام نبي وهو أعلم بالشرع والاستنباط من غيره وينبغي التسليم لأوامره. إن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام إذا جاز لنا اعتبار تقليده لغيره -وهو ما لا يصح إذ لا يقلد النبي المجتهد بل العكس حيث يتلقى النبي فقهه من الله تعالى مباشرة ولا يقلد مجتهداً بل يقيس بما علمه الله ﷻ- أقول على افتراض صحة التقليد فإن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام ما خرج عن الفقه الذي ثبت عند الحنابلة وجمهور من الفقهاء وأهل العلم كما تقدم. والمحصلة هي أن منع الصَلاة خلف غير الأحمدي باعتباره كافرا بالمسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام من جهة وفاسقا اعتقادا من جهة أخرى لهو أمر موافق مع المذاهب الإسلامية المعروفة وفوق ذلك فإن الأمر الصادر من نبي هو هنا عيسى عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام هو أولى وأكثر إلزاماً من اجتهاد المجتهد وقياس الفقيه.

يقول الإمام السيوطي رحمه الله حول هذا الموضوع :

وَقَوْلُ السَّائِلِ : وَإِذَا قُلْتُمْ : إِنَّهُ يَحْكُمُ بِشَرْعِ نَبِيِّنَا فَكَيْفَ طَرِيقُ حُكْمِهِ بِهِ أَبِمَذْهَبٍ مِنَ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ الْمُقَرَّرَةِ أَوْ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُ ؟ هَذَا السُّؤَالُ عَجَبٌ مِنْ سَائِلِهِ وَأَشَدُّ عَجَبًا مِنْهُ قَوْلُهُ فِيهِ : بِمَذْهَبٍ مِنَ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ ، فَهَلْ خَطَرَ بِبَالِ السَّائِلِ أَنَّ الْمَذَاهِبَ فِي هَذِهِ الْمِلَّةِ الشَّرِيفَةِ مُنْحَصِرَةٌ فِي أَرْبَعَةٍ وَالْمُجْتَهِدُونَ مِنَ الْأُمَّةِ لَا يُحْصَوْنَ كَثْرَةً ، وَكُلٌّ لَهُ مَذْهَبٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِ التَّابِعِينَ وَهَلُمَّ جَرًّا ، وَقَدْ كَانَ فِي السِّنِينَ الْخَوَالِي نَحْوُ عَشَرَةِ مَذَاهِبَ مُقَلِّدَةٌ أَرْبَابُهَا مُدَوَّنَةٌ كُتُبُهَا وَهِيَ : الْأَرْبَعَةُ الْمَشْهُورَةُ ، وَمَذْهَبُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، وَمَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ ، وَمَذْهَبُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ، وَمَذْهَبُ إسحاق بن راهويه ، وَمَذْهَبُ ابْنِ جَرِيرٍ ، وَمَذْهَبُ داوود ، وَكَانَ لِكُلٍّ مِنْ هَؤُلَاءِ أَتْبَاعٌ يُفْتُونَ بِقَوْلِهِمْ وَيَقْضُونَ ، وَإِنَّمَا انْقَرَضُوا بَعْدَ الْخَمْسِمِائَةِ لِمَوْتِ الْعُلَمَاءِ وَقُصُورِ الْهِمَمِ ، فَالْمَذَاهِبُ كَثِيرَةٌ ، فَلِأَيِّ شَيْءٍ خَصَّصَ السَّائِلُ الْمَذَاهِبَ الْأَرْبَعَةَ ؟ ثُمَّ كَيْفَ يُظَنُّ بِنَبِيٍّ أَنَّهُ يُقَلِّدُ مَذْهَبًا مِنَ الْمَذَاهِبِ ، وَالْعُلَمَاءُ يَقُولُونَ : إِنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا ، فَإِذَا كَانَ الْمُجْتَهِدُ مِنْ آحَادِ الْأُمَّةِ لَا يُقَلِّدُ فَكَيْفَ يُظَنُّ بِالنَّبِيِّ أَنَّهُ يُقَلِّدُ ؟ فَإِنْ قُلْتَ : فَتَعَيَّنَ حِينَئِذٍ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَحْكُمُ بِالِاجْتِهَادِ ، قُلْتُ : لَا لَمْ يَتَعَيَّنْ ذَلِكَ ، فَإِنَّ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحْكُمُ بِمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ وَلَا يُسَمَّى ذَلِكَ اجْتِهَادًا ، كَمَا لَا يُسَمَّى تَقْلِيدًا ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ حَكَوْا خِلَافًا فِي جَوَازِ الِاجْتِهَادِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَوْ كَانَ حُكْمُهُ بِمَا يَفْهَمُهُ مِنَ الْقُرْآنِ يُسَمَّى اجْتِهَادًا لَمْ تَتَّجِهْ حِكَايَةُ الْخِلَافِ . ” (الحاوي للفتاوي، الفتاوى الحديثية، كتاب البعث، مبحث النبوات، كتاب الإعلام بحكم عيسى عليه السلام)

وأخيرا لنقتبس بعضا مما قاله حضرة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام حول هذا الموضوع:

إن الصلاة وراء شخص ورع تؤدي إلى غفران ذنوب الإنسان. إن الصلاة مفتاح كافة البركات، وفي الصلاة يستجاب الدعاء، والإمام إنما هو بمنـزلة وكيل، ولو كان هو نفسه أسودَ القلب فكيف يجلب البركة للآخرين” (الملفوظات ج 2 ص 318)

ويقول أيضا عليه السلام:

يسأل بعض الناس قائلين: هل نصلي وراء الذين لا يقولون سوءًا (في حقك)، ولا يُبدون أيضًا موقفهم بشكل واضح خوفًا من طعن القوم؟ أقول: كلا، إذ لا يزال في سبيل قبولهم الحقَّ حجرُ عثرة، ولا يزالون غصنًا من تلك الشجرة ذات الثمر السام والفتاك. ولو أنهم لم يعتبروا أهل الدنيا معبودًا وقِبلةً لهم لشقّوا كلَّ هذه الحجبَ وخرجوا منها، ولم يكترثوا أبدًا لطعن الطاعنين، وما خافوا شماتة الشامتين، بل فَرّوا إلى الله وحده. فقبل القيام بأي عمل يجب أن تروا أيُرضي الله هذا العمل أم يُرضي الخلقَ؟ فإن الإنسان لا يزال معرَّضًا للعثار ما لم يصل إلى درجة يصبح رضا المولى فيها هو المقدَّم لديه ولا يقدر أي شيطان أو مُضِلٍّ على إغوائه“(الملفوظات، ج 2 ، ص 361)

فيلزم المعترض إما أن يكفّر العلماء القائلين بعدم الصَلاة خلف من اختلت عقيدته أو أن يخالف العلماء من جهة أخرى حول عدم حاجة النبي للمجتهد. كما أن عَلَيْهِ أن يجاهر بعدم تكفير الجماعة الإسلامية الأحمدية واعتبارهم مسلمين وأن إمامهم مسلم صالح صادق في دعواه وبهذا تقع المسؤولية عَلَيْهِ لا على غيره.

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد

2 Comments on “لماذا لا يصلي الأحمديون خلف غير الأحمدي؟”

  1. إذن فراعي الكنيسة فاسق و الإمام الشيعي فاسق، و الإمام السني فاسق … حتى يؤمن بميرزا ، أين هو تسامحكم، تحكمون على صلاة إخوانكم البشر بالبطلان، بمجرد إختلافهم معكم، و نفهم أن الصلاتكم هي الصحيحة من دون باقي الناس ؟

    1. لو قرأت المنشور ولم تقتطف من بعيد لعلمت أن القائل بالفسق هم الحنابلة وليس نحن. فالحنابلة يَرَوْن حرمة الصَلاة خلف الفاسق أي الذي لا تصح عقيدته فيسمونه فاسقا. أما نحن فلا نصلي خلف غير الأحمدي فقط لأنه غير مؤمن بالمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام ولا نطلق عليه فاسقاً ولا أي وصف آخر. فاقرأ عزيزي بتدبر بٰارَكَ اللهُ فِيك

      أما موقفنا من العلماء فإليك مقالنا التالي:

      مكانة العلماء عند الجماعة الإسلامية الأحمدية
      https://wp.me/pa2lnY-8Z

Comments are closed.