المعترض:

الحَكَم العَدل يزوّج طفلا ورضيعة بناء على أوهام حتى ينجو الطفل من الموت فمات سريعا
الميرزا يعشق الخرافة والأوهام، فلم يكن حَكَما ولا عَدلا، ففي أيام مرض ابنه مبارك رأى أحد في المنام أنه يتزوج، فقال الميرزا: “إنّ المعبرين يقولون إنّ تأويله هو الموت، ولكن إذا أمكن تحقيق الحلم بشكل حرفي فيمكن أن تزول تلك النتيجة، لذا فلنزوّج مبارك.”
ورغم أنّ الطفل كان أصغر من أن يعرف شيئاً عن الزواج، ومع ذلك أراد الميرزا زواجه… فزوّجه رضيعة اسمها مريم. وسرعان ما ترملت بعد 17 يوما من الزواج.” (الفضل اليومية الصادرة في قاديان، آب 1، 1944)
نلاحظ أن الله يُفشل كل خطوات الميرزا حتى آخر لحظات حياته، فهذا مبارك مات قبل ثمانية أشهر من وفاة الميرزا.
لكن الأهم هو: مَن هؤلاء الذين يقولون إنه إذا حقّقنا الحلم حرفيا زال الموت؟ أين هم؟ وما أدلتهم؟ ولماذا لم يسأل الميرزا اللهَ تعالى عن مثل هذا الحكم وهو الذي كان يتحدث مع الله ساعات متواصلة ويجيبه الله على كل أسئلته؟!!! وهل هنالك شيء اسمه تزويج رضيعة لطفل؟ أي هراء هذا؟ “أتينا بك يا عبد المعين حتى تعين…”

الرد:

أما قول المعترض “وهل هنالك شيء اسمه تزويج رضيعة لطفل؟ أي هراء هذا؟” فهو جهلٌ مدقعٌ بالدِّين، لأن تزويج الأب طفله أمر صحيح متفق عليه بالإجماع. يقول ابن قدامة رحمه الله (الذي كان يسخرُ منه المعترضُ قبل إعلان خروجه) ما يلي:

أَمَّا الْبِكْرُ الصَّغِيرَةُ فَلَا خِلَافَ فِيهَا. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ نِكَاحَ الْأَبِ ابْنَتَهُ الْبِكْرَ الصَّغِيرَةَ جَائِزٌ إذَا زَوَّجَهَا مِنْ كُفْءٍ.” أهـ

وقال الشَّوكاني رحمه الله:

قال المهلَّب: أجْمعوا أنَّه يجوزُ للأب تزويجُ ابنتِه الصَّغيرة البِكْر، ولو كانتْ لا يوطَأُ مثلُها؛ إلا أنَّ الطحاويَّ حكى عن ابن شُبْرُمة منعَه فيمَن لا توطأ، وزعم أنَّ تزوُّج النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم عائشةَ، وهي بنتُ ستِّ سنين – كان من خصائصِه، وحكى في “الفتح” الإجْماع على جوازِ ذلك، قال: ولو كانتْ في المهْد، لكن لا يُمَكَّنُ منها حتَّى تصلُح للوَطْء“. أهـ، مُختصرًا.” (النيل)

فالمعترض لجهله يصف إجماع المسلمين بالهراء!

قد فهمنا أن هذا زواج صحيح، فهل هو ملزم للطفل بعد بلوغه؟

الجواب عند الإمام السرخسي في “المبسوط” حيث يقول رحمه الله:

فلو جاز التزويج قبل البلوغ لم يكن لهذا فائدة، ولأن ثبوت الولاية على الصغيرة لحاجة المولى عليه، حتى إن في ما لا تتحقق فيه الحاجة لا تثبت الولاية كالتبرعات، ولا حاجة بهما إلى النكاح؛ لأن مقصود النكاح طبعا هو قضاء الشهوة، وشرعا النسل، والصغر ينافيهما، ثم هذا العقد يعقد للعمر وتلزمهما أحكامه بعد البلوغ، فلا يكون لأحد أن يلزمهما ذلك إذ لا ولاية لأحد عليهما بعد البلوغ.” أهـ

وقال مالكٌ وأحمد رحمهما الله في زواج الرضيعة من غير الأب:

لها الخيارُ في فسْخ النِّكاح إذا بلغتْ.” أهـ

أي أن الآباء يتمنون ويرسمون لأولادهم الطريق ويبقى الأمر بيد الأولاد عند البلوغ ولا يلزمهم إلا رأيهم الخاص. فلا يمكن أن يُحتَج ضد الإسلام بهذا الخصوص.

أما الرؤى التي يصفها المعترض بالأوهام فهي ثابتة في القرآن الكريم والسنَّة لا ينكرها إلا المعترض. فرؤيا الزواج في المنام تعني الموت كما في كتب تعبير الرؤى لابن سيرين والنابلسي وابن شاهين وغيرهم كما يلي:

فإن تزوج الإنسان إمرأة مجهولة دل ذلك على قرب الأجل.” (تفسير الأحلام لابن سيرين، حرف ز)

كذلك يعني غير الموت مثل رضا الله تعالى والبركة، ونحو ذلك، ويمكن العودة إلى كتب تعبير الرؤى وتفسير الأحلام للتفصيل. فأراد حضرة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام تحقيق الرؤيا حرفياً بتزويج الطفل حسب الكتاب والسنَّة أملاً من حضرته أن يكون التأويل المتداول في كتب التعبير غير صائباً ما دام هنالك تعبير آخر لا يعني موت طفله المحبوب. فكان عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام يأمل التعبير الثاني للرؤيا وليس منع القدر.

ولكنها مشكلة عظمى وأوهام في نظر المعترض!

أما وفاة الطفل المحبوب مبارك أحمد فتهكم المعترض على ذلك ليس إلا قسوة مفرطة وشرُّ محضٌ متوَقَّع من ملحد مثله مجرد من المشاعر الإنسانية. وسنترك حضرة المُصْلِح المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يروى لنا حادثة وفاة مبارك أحمد الطفل المحبوب والعزيز جداً على قلب والده المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام وكيف كانت حالة المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام عند وفاة ابنه المدلل الذي كان عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام قد بذل كل جهده لعلاجه وعيادته وكان حضرته يسجد شكراً لله تعالى بتكرار كلما شفي الولد من مرض ووعكة، فيقول المُصْلِحُ المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:

كان المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام يحب كثيرا أخانا الصغير مبارك أحمد. فلما مرض أشرف المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام على علاجه بكل جهد واهتمام حتى ظنّ بعض الناس أن حضرته سيصاب بصدمة كبيرة إذا توفي مبارك أحمد. كان الخليفة الأول يتحلّى بالهمّة والشجاعة العظيمتين. وفي صباح اليوم الذي توفي فيه مبارك أحمد رجع المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام من صلاة الفجر لتفقد حالة مبارك أحمد، وكنت أتولى في ذلك الوقت مهمة إعطائه الدواء والاهتمام به، لأجل ذلك كنت قد استصحبت الخليفة الأول لتفقد حاله، فكنا أنا والخليفة الأول والدكتور مرزا يعقوب بيك ولعل الدكتور خليفة رشيد الدين أيضا موجودين هناك. فلما وصل الخليفة الأول لتفقد حالة مبارك أحمد قال له المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام: تبدو حالة الطفل طيبة لأنه نام. ولكن في الحقيقة كان ذلك وقته الأخير.

… لما جئت بالخليفة الأول إلى هنا كان مبارك أحمد مستلقيًا، وكان رأسه إلى ناحية الشمال والقدمين إلى الجنوب. وقف الخليفة الأول إلى يساره وأخذ يفحص نبضه فلم يشعر به، فقلق والتمس من المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام أن يسرع بإحضار المسك، ثم حاول أن يفحص النبض من مكان قريب من المرفق، إلا أنه لم يشعر به هناك أيضا، فالتمس مرة أخرى من المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام أن يسرع في إحضار المسك، ثم قرّب يده إلى إبط الطفل متحسسًا النبض هناك إلا أنه لم يشعر به هناك أيضا ففزع، وقال في هلع: سيدي! أسرع بإحضار المسك. كان المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام قد وجد المفتاح من مجموعة المفاتيح وأخذ يفتح مغلاق الصندوق حين قال الخليفة الأول فزعًا في المرة الأخيرة: سيدي أسرع بإحضار المسك. وظنّا منه رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أن المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام سيصاب بصدمة كبيرة بوفاة مبارك أحمد اهتزت قدماه رغم شجاعته فلم تحملاه فجلس على الأرض. كان يرى أن النبض ضعيفٌ، فلعله سيشعر به قربَ القلب، وبإعطائه المسك يمكن تنشيط النبض، إلا أنه بدا من نبرة صوته أنه لا أمل. فلما لاحظ المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام الفزع من صوته رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وطريقة تكلمه شعر أنه الوقت الأخير لمبارك أحمد، فترك فتح الصندوق وقال: يا مولوي صاحب، لعل الطفل مات، ولكن لماذا أنت فزع إلى هذه الدرجة؟ كان أمانة من الله تعالى الذي أودعها إلينا، فلمَ الشكوى إن استعاد الله أمانته؟ ثم قال: لعلك تظن بأنني خدمته كثيرًا فلربما أُصابُ بصدمة كبيرة. كلا، كانت خدمته واجبي الذي أديته، وإذا توفي الآن فإننا راضون برضى الله بشكل كامل. فجلس على الفور وشرع في كتابة الرسائل إلى أصدقائه.

… لما خرج حضرته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام من البيت بعد وفاة مبارك أحمد حيث كان الناس يجتمعون، فما أن جلس حتى خطب فيهم قائلا: كان هذا ابتلاء من الله، وينبغي لجماعتنا أن لا تحزن على مثل هذه الابتلاءات. ثم قال: لقد أوحي إلي عن مبارك أحمد في وقت كذا وكذا أنه سيتوفى في صغر سنه، وعليه فإنه مدعاة للسرور أن آية الله قد تحققت.” (من خطبة الجمعة التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد خليفة المسيح الخامس أيَّدَهُ اللهُ بِنَصْرِهِ العَزِيز يوم 01/05/2015)

وكان حضرته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام يقصد ما كتبه في كتاب “ترياق القلوب” الذي ألَّفه حضرته قبل سنين عديدة من وفاة مبارك أحمد كما يلي:

كان الله تعالى أخبرني أنه سيرزقني ابنا آخر. وهو الابن الرابع الذي ولد الآن، وأسميناه “مبارك أحمد”. لقد أُنبئتُ بولادته أولاً قبل عامين تقريبا، ثم أُنبئتُ ثانية قبل ولادته بشهرين تقريبا، ثم لما حانت ولادته تلقيت الوحي التالي: “إني أسقُط من الله وأصيبه”. … وقد فسّرتُ ذلك باجتهادي أن هذا الولد سيكون صالحاً ومُنيباً إلى الله تعالى ومتقربا إليه، أو أنه سيموت سريعا. والله تعالى أعلم أي من هذه الأمور يتفق مع مشيئته ﷻ.” (ترياق القلوب، الخزائن الروحانية، مجلد 15، ص 213-214)

وبالفعل توفي الطفل مرزا مبارك أحمد في طفولته في 1907/9/16. أي أن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام تنبأ بوفاة الطفل قبل أن يتوفى الطفل بأكثر من 7 سنوات!

أليس هذا دليل صدقٍ صريحِ للمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام!

ولكن المعترض بسبب إلحاده وحقده الأعمى على المؤمنين الذين أنقذوه من براثن التكفير لم يعد يرى لأنه فَقَدَ البصر والبصيرة معا.

كلما أراد المعترض إهانة الحَكَم العَدْل حضرة المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام كلما أهان المعترضُ نفسه أكثر وازداد المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام ألقاً وبهاء.

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد