المعترض: المرزا غلام أحمد لم يستأصل الدين المسيحي من جذوره

يقول الميرزا:
الغاية المتوخّاة من بعثة المسيح الموعود في الأحاديث النبوية أنه سيقضي على دجل الأمة المسيحية ويمزق أفكارهم الصليبية، وقد حقق الله سبحانه هذه المهمة على يديَّ بحيث استأصلتُ الدين المسيحي من جذوره، فقد أثبتُّ بتلقي البصيرة الكاملة من الله أن الميتة اللعينة التي تُنسب إلى المسيح عليه السلام والعياذ بالله التي تتوقّف عليها النجاةُ الصليبية كلها لا يمكن أن تُنسب إلى عيسى عليه السلام في أي حال. وأن مفهوم اللعنة لا ينطبق على أي صالح، فجماعة القساوسة قد أُفحمت من هذا السؤال جديد الطراز الذي يمزِّق في الحقيقة دينهم إربًا لدرجة أن جميع مَن اطّلعوا على هذا البحث قد فهموا أن هذا التحقيق السامي قد كسر الدين الصليبي. ولقد عرفت من رسائل بعض القساوسة أنهم فزعوا جدًا من هذا البحث الحاسم، وأدركوا أن الدين الصليبي سينهدم به حتمًا على أصوله، وإن انهدامه سيكون مهولا جدًّا، فهم في الحقيقة يصدُق عليهم المثلُ القائل “يرجى بُرء من جرحَه السنانُ ولا يرجى برء من مزقه البرهان”. (كتاب البراءة)
فيما يلي أهمّ ما في هذه الفقرة من كذبات رهيبة:
1: أنه استأصل الدين المسيحي من جذوره.
2: أنه أثبتَ بتلقي البصيرة الكاملة من الله بطلان ميتة المسيح اللعينة.
وكأنه لم تنزل آية قرآنية تقول (وما صلبوه)، وكأنّ الميرزا لم يسرق كل حرف مما كتبه سيد أحمد خان حول عدم موت المسيح على الصليب.
واللافت أن هراء الميرزا هنا يتعلق بما قبل معرفته ببحث نوتوفيتش حول هجرة المسيح إلى كشمير.
3: أنّ جميع مَن اطّلعوا على بحث الميرزا قد فهموا أن هذا التحقيق السامي قد كسر الدين الصليبي. ولم يذكر لنا أسماء هؤلاء!!!
4: أنه عرف من رسائل بعض القساوسة أنهم فزعوا جدًا من هذا البحث الحاسم، وأدركوا أن الدين الصليبي سينهدم به حتمًا على أصوله، وإن انهدامه سيكون مهولا جدًّا.
وليت الميرزا ذكر لنا قسيسا ممن فزع هذا الفزع!!! ليته ذكر لنا عباراته، ليته نشر رسالة من رسائله!!
إنّ سطرا من هذه الفقرة يلوّث محيطات العالم بما فيه من كذب مستطير.

الرد:

يتّضح من دفاع المعترض عن النصرانية أن النسيان أو الجهل هما الطاغيان على الموقف، وذلك لأن كسر الصليب ليس فقط عندنا نحن المسلمين بل عند النصارى أنفسهم يعني كسر عقيدة الصليب أي عقيدة الفداء والكفارة بموت المسيح على الصليب وحياته في السماء، وهذا الذي لخّصه بولس مؤسس الديانة المسيحية حين قال:

وإن لم يكن المسيح قد قام ، فباطل كرازتنا ، وباطل أيضاً إيمانكم ” (كورنثوس ١ /١٤-١٥)

أي أن المسيح كما حدَّدَ بولس إن لم يكن حيّاً في السماء فعقيدة النصارى (الصليب) باطلة (كُسِر). فالصليب إذن هو صعود عيسى ابن مريم عَلَيهِ السَلام وحياته في السماء كما يعلن النصارى أنفسهم (المسيح يصعد للسماء). وهذا أيضا ما يقوله الأب القمص عبد المسيح بسيط في مقدمة كتابه “اضغط لتحميل الملف: موت المسيح وقيامته .. حقيقة أم خدعة أم أسطورة” كما يلي:

تمثل حقيقة صلب المسيح وموته وقيامته محور عقيدتنا وإيماننا المسيحي، بل ومحتوى كرازة الرسل بالإنجيل لكل المسكونة.” (موت-المسيح-حقيقة-أم-خدعة-أم-اسطورة)

وقد ذكر القمص عبد المسيح بسيط في نفس المقدمة حرصه على عقيدة المسلمين من هرطقة الأحمدية على حد وصفه بل نصّب نفسه شيخاً تكفيرياً ضد الجماعة الإسلامية الأحمدية مدافعاً عن عقيدة المسلمين في حياة المسيح في السماء مُخرجاً الجماعة الإسلامية الأحمدية من مسمّى الإسلام. وَيَا للعجب !

فما كان من المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام والحال هذه إلا أن يبرهن للنصارى أن عقيدة الصليب باطلة. فكسْر الصليب حسب المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام لا يتم إلا بإثبات موت عيسى عَلَيهِ السَلام فقط لا غير، وأن هذا هو السبيل الوحيد لكسر الصليب، وأن أي نقاش غير إثبات موت المسيح هو مجرد عبث. والملفت أن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام شدّد على أن هذه هي وصيته الأخيرة لكسر الصليب، حيث يقول:

يا أحبائي، اسمعوا وصيتي الأخيرة. أخبركم بسرٍّ ! تذكَّروه جيدا ! عليكم أن تغيِّروا اتجاه مناظراتكم مع المسيحيين، وأثبِتوا لهم أن المسيح ابن مريم قد مات للأبد. هذا هو المبحث الوحيد الذي بنجاحكم فيه ستطوون صفحة الديانة المسيحية من وجه المعمورة. فلا حاجة لكم أن تضيعوا أوقاتكم الثمينة خائضين في خصومات طويلة أخرى، ركِّزوا على موت المسيح ابن مريم فقط، وأفحموا المسيحيين وأسكِتوهم بأدلة دامغة. إذا أثبتُّم انضمام المسيح إلى صف الأموات، ورسَّختم هذه الفكرة في قلوب المسيحيين، فاعلموا أن الديانة المسيحية سوف تغيب من الدنيا في اليوم نفسه. واعلموا يقينا أيضا؛ أنه ما لم يمت إلههم، لن يموت دينهم، ولذلك فإن النقاشات الأخرى معهم عابثة.” (إزالة الأوهام، ص ٤٢٨-٤٢٩)

وهكذا بإثبات المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام موت المسيح عَلَيهِ السَلام بأدلَّة القرآن الكريم والسُنّة والأناجيل نفسها وأنَّ المسيح الموعود المقصود إنما هو المهدي من أمة سيدنا مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وغلامٌ من غلمانه فقد كَسَرَ بذلك الصليب -باعترافهم- إلى غير رجعة. إذن ليس المراد من كسر الصليب كسر صليب أو عدد من الصلبان المادّية، فلا قيمة لذلك مطلقاً، بل كسر العقيدة التي يقوم عليها الصليب بحجة القرآن العظيم، ولهذا قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن مهمة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام هي كسر الصليب، ولا يمكن كسر الصليب إلا بالقرأن المجيد، وهذه هي مهمة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام. وعلى الرغم من أن القرآن الكريم ينفي بوضوح موت عيسى على الصليب وحياته في السماء فلم يستطع أحد كسر هذه العقيدة إلا المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بسبب عدم فهم المسلمين للنصوص، ولا تثريب على من لم يفهم قبل نزول المسيح الموعود. أما المعترض فلعله إذا رفض هذا المفهوم لا يرى لكسر الصليب حاجة أو أن للصليب عنده معنى آخر وللكسر معنى مختلف، ولله في خلقه شؤون.

أما حكاية السرقة المزعومة من السير أحمد خان فقد رددنا عليها في منشور سابق: (من هنا: إمام الزمان وسيلة العلم – الرد على أن أحمد خان هو إمام الزمان)

ولو كان المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام سرق هذه النظرية كما يظن المعترض لما نسب إليه النصارى كسر الصليب بل لنسبوه بالبداهة إلى السير خان. فلنقرأ ما كتبه القمص عبد المسيح بسيط في كتابه “موت المسيح”، حيث يقول شارحاً نظرية الإغماء على الصليب:

يقول ج. ن. أندرسون معلقاً على هذه الافتراضات النظرية: “هذه النظرية ظهرت أولاً بمعرفة رجل اسمه فينتوريني منذ فترة طويلة جداً، وقد انتعشت هذه النظرية في أيامنا هذه إلى حد ما بأشكال مختلفة من قِبَل جماعة تنسب نفسها إلى الإسلام تسمى بالأحمدية، ومقرهم الأساسي مكان اسمه قاديان، ولهم مقر فرعي في لندن.” (موت-المسيح-حقيقة-أم-خدعة-أم-اسطورة)

إذن المهم هو كسر عقيدة الصليب، وهو الذي حدث على يد المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام. أما الذين اطّلعوا على بحوث ومناظرات المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام مع القسس المنصِّرين وشهدوا على هزيمتهم على يده فهُم كثير، نذكر منهم على سبيل المثال:

المولوي نور محمد النقشبندي الجشتي، صاحب مطبعة أصح المطابع بدهلي في الهند، حيث يقول:

“في تلك الأيام قدم إلى الهند القسيس ليفراي من إنجلترا، مصطحبًا مجموعة كبيرة من القساوسة، وحالفاً بتنصير الهند كلها في أيام قليلة. وبفضل أموال طائلة ووعود متكررة مؤكدة من الإنجليز بالمساعدة المالية أحدث زلزالا في كل أنحاء الهند. لقد وجد القسيس في عقيدة حياة المسيح عيسى عَلَيهِ السَلام في السماء بجسده المادي وفي كون غيره من الأنبياء الكرام أمواتاً مدفونين تحت الأرض سلاحًا ماضيًا على عامة الناس. فقام الشيخ غلام أحمد القادياني للتصدي لهذه الجماعة وقال: “إن عيسى الذي تتكلمون عنه قد مات ودُفن كغيره من البشر. أما عيسى الذي وُعد بمجيئه فهو أنا. فصدِّقوني إن كنتم من السعداء”. وبهذه الحيلة (هو يراها حيلة) ضيق الخناق على القسيس ليفراي وجماعته حتى صعب عليه التخلص من يده، وأنزل بهذه الحجة هزيمة نكراء بكل القساوسة من الهند إلى إنجليزا” (مقدمة الترجمة القرآنية للمولوي محمد أشرف التهانوي، مطبعة أصح المطابع، دلهي الهند ص ٣٠)

ومن علماء وشراح الحديث المشهورين في القارة الهندية الشيخ الميرزا حيرت الدهلوي (ت ١٩٢٨) -من كتبه “حل صحيح البخاري” و “البخاري تراجم وشروح” وهو صاحب جريدة “كرزن گزت” Curzon Press- يقول في حضرة مرزا غلام أحمد عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام:

إنَّ الخدمات الجليلة التي أداها المرحوم للإسلام في مواجهة الآريا والمسيحيين لجديرة بالتقدير الكبير في الحقيقة. إنه غيّر مجرى المناظرة تماما وأقام للكتب الدينية -في الهند- أُسساً جديدة. ليس لكوني مسلماً فحسب بل بصفتي باحثاً، أعترف بأنه لم يكن بوسع الآريا أو القساوسة -مهما كانوا كبارا- أن يتفوهوا بكلمة واحدة أمام المرحوم. الكتب الفريدة التي ألفها حضرته رداً على دين المسيحية والآريا والأجوبة المفحمة التي وجهها إلى معارضي الإسلام لم نر أحدا إلى حد الآن تمكن من الرد عَلَيْهِٰا بطريقة معقولة.” (جريدة “كرزن گزت” عدد ١/٦/١٩٠٨)

وهذا ما قاله الأديب والفيلسوف الروسي الشهير “ليو تولستوي” -الذي يعده أكثر النقاد أعظم روائي في القرن التاسع عشر- بعد قرائته لمقالات من كتاب “فلسفة تعاليم الاسلام” للمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام حين أرسله إليه حضرة مفتي محمد صادق مُضَمَّناً كمقالات في مجلة “مراجعة الأديان” التي تصدرها الجماعة الإسلامية الأحمدية:

إن مجرد النقاش لإثبات وفاة المسيح أو البحث عن قبره هو نقاش عقيم لأن الإنسان اللبيب لا يمكن أبداً أن يعتقد بحياة يسوع إلى الآن …. نحن بحاجة إلى تعاليم دينية معقولة، وما دام السيد “مرزا غلام أحمد” يقدّم فكراً جديداً يخاطب العقل فأنا على استعداد للاستفادة منه. لقد أثار إعجابي كثيراً مقالان في مجلتكم “مراجعة الأديان” أحدهما مقال حول التحرر من الذنوب والآخر حول حقيقة المعاد، وقد أعجبت بالثاني خاصة. إنه فكر عميق جداً وحقيقي جدا.” (تولستوي، ٥ يونيو ١٩٠٣، روسيا)

وكتب رئيس تحرير جريدة “صادق الأخبار” نعياً عند وفاة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام، تعريبه:

لأن حضرة الميرزا بخطبه القوية وكتبه الرائعة حطَّم الانتقادات البغيضة لمعارضي الإسلام وأسكتهم إلى الأبد، وأثبت أن الحق يعلو ولا يعلى عَلَيْهِ، ولأنه لم يدخر جهدا في خدمة الإسلام ونصرة قضيته إلى حد الكمال، فمن مقتضى العدل أن نعبّر عن مشاعر الأسى للوفاة المفاجئة والمبكرة لهذا المدافع العنيد عن الإسلام، الذي كان خير من أعان المسلمين، والذي يُعَد عالِمِاً جليلاً لن يجود الزمن بمثله“. (صادق الأخبار، مايو ١٩٠٨)

يقول الإمام عبد الحي اللكنوي وهو علامة الهند وإمام المحدثين والفقهاء عندهم (١٢٦٤ – ١٣٠٤ هـ) :

مرزا غلام أحمد القادياني: الرجل الشهير غلام أحمد بن غلام مرتضى بن عطاء محمد بن كل محمد برلاس القادياني المتمهدي ثم المتنبي المشهور في بلاد الهند، كان يظهر الزهد والتصوف والكرامات، ويباحث أحبار الآرية والنصارى ويفحمهم في مباحثاته، ويصرف آناء الليل والنهار في الذب عن الإسلام، ويبذل جهده كل الجهد، ويصنف الكتب في ذلك، حتى إنه ادعى أنه مهدي موعود، ثم ادعى أنه مسيح معهود، وسمى نفسه مثيل المسيح، ثم ادعى أنه بروز أحمد ثم قال إنه بروز كرشن عظيم الهنود، وكان يخبر الناس بما يكون، فافتتن به خلق كثير، واعتقدوا فيه الخير، وأنكره الآخرون.” ( نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر، عبد الحي بن فخر الدين الحسيني اللكنوي، حرف الغين، الصفحة ١٠٧٩)

وأخيراً لا يسعنا إلا أن نشكر الله تعالى الذي أرسل كما وعد مبعوث السماء المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام بحسب بشارة نبينا خاتم النبيين مُحَمَّد المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكسر الصليب وأقام التوحيد بحجة القرآن العظيم.

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد